أنا ربحت، ألحظ خسّرني

حديث الاسبوع 

18.10.03

عادة سيئة تتحكم بالعاملين في البورصة ، ولاسيما الجدد منهم . عادة تنمّ عن غرور واعتداد مفرط بالنفس ، كما تفضح منهجية فوضوية في العمل قد لا تؤتي من الثمر الا شوكا .
يبدأ الواحد عمله في تجارة العملات بحماس يصعب وصفه ، واندفاع يستحيل تخيله. ان هو ربح قال : اليوم ربحت ثلاثة آلاف من الدولارات . انا ولدت لهذا النوع من الاعمال . ثم يأتيه يوم يعثر فيه فان أتى مساؤه قال : كان حظي اليوم بائسا تعيسا . ويتوقف عن الكلام . لا يزيد شيئا .
انتبه عزيزي القارئ . ان ربح ، تراه يعمد الى استعمال كلمة أنا . انا ربحت . انا اتممت الصفقة . انا قررت ان اقفلها . انا فعلت كل هذه الاشياء .

وان خسر ، قال : حظي كان عسرا . ولم يزد شيئا . هنا تغيب كلمة انا . ليس هو الذي خسر . حظه هو الذي خسّره . يا لحماقتك يا ابن الانسان .
ذكرني هذا الامر بنادرة قصها علي أحد معارفي وكان يمارس التعليم . قال :
تأتي الامهات الى المدرسة للسؤال عن أولادهنّ ، والاطلاع على سير الدروس معهم . فإن سمعت الواحدة منهن ما يسر الخاطر ، تراها وقد برقت عيناها ، وأشرق وجهها ، لا تتردد أبدا في امتداح وليدها ، وفي تعداد مزاياه . فهو أهم من جابر بن حيّان ان حادثته في علم الجبر ، واين منه ابن سينا إن جئت الى علوم البيولوجيا ، وهو لو سمعه سيبويه يتحدث في قواعد اللغة لخجل من نفسه وأدرك قيمته . وهي لا تنسى بتعداد مزايا ابي الولد الذي أورثه الذكاء والفطنة . فكيف لا يكون ابنها على هذا الحال ؟

وان هي سمعت أخبارا لا ترفع لها رأسا ، ولا تسر خاطرا ، تراها وقد لجات الى أمضى سلاح عندها – لسانها – فالولد هذا لا يقل ذكاء عن الولد ذاك . هو ايضا يصرع جابر بن حيان لو قدّر له ان يصارعه في علم الجبر . وهو ايضا يبز سيبويه وابن سينا والفارابي وابن خلدون وغيرهم الكثيرين . ولكن العلة في المعلم . المعلم لا يحسن التعليم . المعلم ليس جديرا بهذه المهنة . المعلم سبب غباء ابنها وطيشه .

ما أشد الشبه بين هذه ترمي اللوم على المعلم لتستر بلاهة ابنها ، وذاك يمسح كل غباء بالحظ ويجد فيه تبريرا لكل نواقصه .
افتح عيوننا يا الله على نواقص أنفسنا واعطنا الجرأة للبوح بالحقيقة التي غالبا ما نعرفها ونادرا ما نصرح بها .