حسنا ، لتكن مشيئتك سيد جرينسبن

 

حسنا ، لتكن مشيئة السيد جرينسبن  1st  August 2004

 

الكلّ بانتظار البطل ، دقت ساعته ، وصل الى القاعة ، صعد الى المسرح ، أدلى بما في دلوه ، عزف سمفونية التفاؤل ، المشاهدون بطبعهم يفضلون الكوميديا على التراجيديا ، يحبون الضحك ، يميلون الى التصفيق ، صعوبات الحياة تكفيهم ، لماذا التشاؤم اذن ، ان كان لا بدّ من مسرحية فلتكن كوميدية . البطل عرف ما يسر الناس ، إنتزع منهم البهجة انتزاعا ، صفق له الحضور ، فرح من فرح ، أسدلت الستارة ، ولكن ، الآن أو بعد آن ، ستاتي ساعة الحقيقة ، لا بد لذلك أن يكون . 

كثرة كثيرة من العاملين على الذهب يعتمدون في تقدير وجهة المعدن الاخضر على شارتين . اولهما شارت الذهب وهذا امر طبيعي ، وثانيهما شارت الدولار وهذا أمر قد يثير استغراب البعض من الوافدين على هذه المهنة .
نعم هم أحيانا على حق في ما يعملون ، فلكي تعرف ما سيكون عليه الامر في كابول أو في بغداد أو في غيرها وغيرها من العواصم ، فلا بد لك ان تعرف ما هو عليه الامر اليوم في واشنطن . ويخطئ من يظن ان فصل الامرين هو من السهولة بمكان .
انه من دواعي المنطق ان يرتبط سعر الذهب بسعر الدولار الى حد معين ، فيرتفع الاول ، او يميل الى الارتفاع ، ان انخفض الثاني . وينخفض الاول ، او يميل الى الانخفاض ، ان ارتفع الثاني . هذه حقيقة عايشناها في فترات كثيرة يكون السوق فيها فريسة للمضاربات ، ولتنقل الرساميل من مكان الى مكان ، تبعا لقوة تصريح سياسي أو اقتصادي ، أو تبعا لتطرف في نتائج بيان يقيس قوة الاقتصاد ، فيستقرأ منه وجهة قرار قادم سيتخذه الفدرالي الاميركي رفعا للفائدة او خفضا لها .
وفي أيامنا هذه نحن نعيش هذه الحالة . فمنذ مارس الفائت والى اليوم ، والذهب يتفاعل ايجابيا او سلبيا بشكل دقيق مع الهبات الساخنة او الباردة الصادرة عن كلام السيد جرينسبن او عن البيانات التي تستبق وجهة كلامه . والفترة التي سبقت مارس الماضي بماذا تميزت ؟
أمر سهل للغاية . لقد عرفت تراجعا دراماتيكيا للدولار وصل الى حد التطرف بحيث ان قلة من المحللين كانوا قد توقعوا حصوله . الذهب عرف في هذه الحقبة عهده الذهبي اللامع . هذا امر يسير مع منطق الامور . نسبة الى اليورو تراجع الدولار الى حدود ال 1.3000 . الذهب دقّ ابواب ال 430.00 دولار اللاونصة الواحدة . معادلة مقبولة .
لماذا كان الدولار يتراجع ؟ ببساطة السبب الظاهري والمباشر هو : لان الفائدة عليه كانت تنخفض . وهذا من مسلمات الامور ، أن تراجع الفائدة على عملة ما تنفر الرساميل منها ، فتشير بوجهها عنها ، وتنصرف باحثة لنفسها عن مردود أكثر انتاجا .
لماذا كان الذهب يرتفع ؟ ببساطة السبب الواقعي هو : لأن بعضا من هذه الرساميل التي سئمت رائحة عفنة تنبثق من الورقة الخضراء الذابلة ، يممت نحو المعدن الاصفر مشغوفة بلمعانه ، ولو لوقت .
والآن لماذا يتراجع الذهب ؟ ببساطة لان السيد جرينسبن بشر بعصر ذهبي قادم على الاقتصاد الاميركي ، وبالتالي على انتعاش لا بد ان يصيب الدولار بعضا منه ، فيعود الى ورقته شيء من اخضرارها .
ولكن هل سيبقى الامر على هذا النحو ؟
هل يُعقل ان يستمرّ الحال على هذا النحو ؟
هل يمكن ان تستمرّ الورقة الخضراء متحكمة بوجهة المعدن الاصفر الذي طالما رفع راسه مختالا متكابرا ؟
توقعاتنا بأن الذهب سيدكّ اسوار ال 500.00 دولار ومن بعدها سيهدد ال 800.00 بالسقوط ، أتراها مجرد أوهام وبقية من احلام ؟
لا لا لا !
هي توقع لا بدّ ان يصير واقعا .
ولكن متى ؟
مهلا ، مهلا ، مهلا .
سيحصل هذا ، نعم سيحصل  .
ولكن متى ؟  قلها بربك ! 
عندما ،  تبدأ الفائدة على الدولار بالارتفاع ، وستزداد ارتفاعا ، وسترتفع ايضا وايضا ، والدولار ، الدولار لن يبالي بذلك ، بل ، سيتابع  التراجع  !
هل يمكن ان يحصل هذا ؟
نعم يمكن ان يحصل .
عندها سيضرب السيد جرينسبن اخماسا باسداس ، وسيعرف انه راهن على ما هو صعب المنال .
عندها سيكتشف السيد العجوز إنه خلط بين الممكن والتمني ، وآثر الثاني على الاول ، فقط لكونه يابى مغادرة الفدرالي إلا وقد أعاد الى الاقتصاد الاميركي بعضا من عنفوانه ، ولكن السفن لم تستطع يوما التحكم بوجهة الريح ، وللتاريخ حتمية لا بد من الاعتراف بها والتنبه لها . 
وإني والله ، لقارئ هذه الكلمات منذ اليوم في عينيه ، ولسامعها في نبرات صوته !
غلطة الجاهل بغلطة ، وغلطة الشاطر بالف غلطة .