حظ المبتدئ

حديث الاسبوع –   حظ المبتدئ –  18.1.2004

وما أدراك ما حظ المبتدئ !
 
ومضة في لحظة !
شمعة لكن الى نهاية !
أمل لا يعيش الا لقليل !
حظ المبتدئ بارقة تنجلي لتزول ! 
حظ المبتدئ ليس القاعدة بل الشواذ عليها .!
فلا تركننّ اليه .
 
يعقد الواحد منا العزم على ممارسة تجارة طالما حلم بتعلم أسرارها والتعرف على خفاياها ، يسارع اليها كما الحبيب الملهوف الى محبوبه ، يثق بالمستقبل الواعد المشرق المنير .
يفتح حسابا ، يودع فيه مبلغا من المال ، يتاجر ، يبيع ويشتري ، يربح في صفقته الاولى ، تزداد ثقته بنفسه ، يربح في صفقاته الاولى ، يصير الظنّ عنده يقينا .
يقول : ها أنذا قد وصلت . الحمد لله على ما أنا فيه . لقد فتحت لي أبواب الثروة . وبعدها الشهرة . لن تطول بي المدة لأحصى بين الموثرين الاغنياء . وأعدّ بين المستهابين الأقوياء .
ويمضي في الطريق . ويرى أنّ ما أصاب من نجاح في صفقاته الاولى ، كان وليد حظ بسم له يوما ليعود فيعبس في يوم آخر .
ويمضي ضاربا في سراديب الدجى ، ضائعا بين ما يقول هذا ويقول ذاك ،حائرا بين ما يتوقع هذا ويتوقع ذاك ، هائما في عالم لا يبسم فيه الحظ إلا لمن عرف ما يريد ، وخطط لتحقيق مبتغاه .
 
نعم صديقي القارئ .أنّ الأمر لهو كذلك . واليك مزيدا من التوضيح .
 
لنفرض أنّ أربعين شخصا دخلوا عالم التجارة في البورصة سوية في يوم واحد . ولنسلّم جدلا أنّ هؤلاء الأشخاص الاربعين اجتمعوا على كونهم جددا على هذا العالم . أحبوه ، إفتتنوا به ، رغبوا ولوج بابه . أبصروا بابين ، واحدهما عريض له أبّهة وجلال ، الآخر ضيق فيه ملامح البرودة والتعب . ولجوا الباب الواسع . تعجّلوا في المسير . باشروا عقد الصفقات . ماذا حلصل معهم ؟ 
لنفرض صديقي القارئ ان هؤلاء الاربعين عقدوا صفقتهم الاولى افتتانا بالعمل وتعجلا بالمباشرة به ، فمن البديهي أن يقرّر عشرون منهم شراء اليورو ، وأن يفضّل العشرون الآخرون بيعه . هذا ما يفرضه قانون النسبية على الاقل .
اليورو لا يمكن أن يبقى على حاله ، لا بدّ له من حركة ما ، تحمله الى أعلى أو الى أسفل . إذن لا بدّ لعشرين من هؤلاء الاربعين أن يربحوا ، ولا بدّ للعشرين الآخرين أن يصنفوا في عداد الخاسرين .
ان ما يهمنا اليوم في بحثنا هو تتبع خطوات العشرين الأولين ، وتحليل ما سيكون عليه امرهم .
كان الحظّ حليف هؤلاء العشرين اذا في صفقاتهم الأولى ، فظنّ الواحد منهم كما ظنّ الآخر أنه عبقري لا يحاكيه مخلوق في قدراته الخارقة ، وأن البورصة هي طريق ذات اتجاه واحد لا يمكن أن يصيب فيها المرء الا نجاحا تلو نجاح وربحا تلو ربح .
من الطبيعيّ ان تكون تصرفات هؤلاء العشرين التالية متشابهة ، نظرا لكونهم يعيشون ظروفا متشابهة ويحسّون أحاسيس متشابهة . وكانت صفقاتهم التالية .
وتكرّر معهم ما حصل في الجولة الاولى . اشترى عشرة منهم اليورو بثقة تامة أن الربح آت لا محال ، فيما باع العشرة الآخرون اليورو بثقة تامة أن الربح آت لا محال . ولكن اليورو لا يمكن ان يصعد وينزل في آن ليكون الربح من نصيب الفريقين . لا بدّ ان يربح عشرة منهم ويخسر عشرة تمشيا مع قانون النسبية ايضا .
الخاسرون أدركوا الآن ان حساباتهم القديمة لم تكن دقيقة . بدأ الشك يتسرب الى نفوسهم . بقوة تتناسب مع عدد العقود التي أجروا صفقاتهم بها .
الرابحون منهم لم يتلقنوا الدرس بعد . لكن الدرس آت لا محال . أكملوا . وتتابعت نفس الأحداث . وتكررت نفس النتائج .
ولكن الدرس الذي تعلمه هؤلاء المبتدؤون كان واحدا ، وكان ثمنه غاليا على البعض منهم . فما تراه يكون ؟
هو يختصر بقليل من الكلام ، ويفصل بكثير من الصفحات . سأوجزه اليوم ، على أن أعود اليه لاحقا فأفصل ما لا بدّ للتفصيل فيه .
إن كلّ ربح يحقق في تجارة البورصة ، لا بدّ أن يكون مرتكزا على استراتيجية علمية ، موضوعية ، يقبل بها المنطق ، ويقرّها العقل السليم . وإن هو كان على غير ذلك ، فلن يكون إلا ربحا سريعا قائما على الصدفة والحظّ ، وعلى الصدفة والحظّ فقط ، إذ سرعان ما يسترجع السوق غدا ما يكون الحظ قد حققه اليوم .
وما تراها تكون هذه الاستراتيجية السليمة ؟ وما تراها تكون ركائزها المتينة المحققة لربح مستمر ومتنام ؟ وكيف السبيل لبلوغ أسرارها ؟
هذا ما سنخوض فيه في الجزء التالي من هذا البحث . ونأمل ان يكون ذلك في يوم قريب إن أذن الله وشاء .