كيف يكون اتخاذ القرار ؟ ( 1) ا

كيف يكون اتخاذ القرار ؟  ( 1)   –  8th August  2005

 

 
” إجعل لحظة اتخاذ القرار نتيجة تحليل وتدقيق ، إجعلها خلاصة تشوّف وتكشف ، لا دُفعة شهوة جامحة لتحقيق ربح  ، أو شُحنة رغبة متمكنة لممارسة لعبة البوكر . “
 
حادثني أحد معارفي ، قال :
ما فتحت عملية بيع أو شراء إلا وتحكم بي فور فتحها شعورٌ غريبٌ ، يكون أحيانا دغدغة ناعمة واثقة مريحة واعدة ، فيدخل ُ الأمل ُ الى نفسي ، والراحة الى أعصابي ، وأجدُني مستلقيا أراقب السوق بكل هدوء ، وهو يجري كمياه سبيل صافٍ في الاتجاه المُراد . وإذا الربح يتحقق بسهولة ، ويزداد بمرونة . يا لها من لحظات !
ويكون هذا الشعورُ أحيانا في اللحظة التي أفتحُ فيها العملية شعورَ تشككٍ وترددٍ وتخوفٍ ، يكون شعورا تشوبُه الضبابيةُ ويغلفه التشويش ُ ، أسمع صوتا من أعمق اعماقي  يناديني : لا ! لا تفتح هذه العملية . هو صوت تشوّفي وتكشّفي . أعرفه جيدا . أكرهه ، لانه لا ينصاع لي . أمقته ، لانه يعاندني دوما ، ويقف حائلا دون تنفيذ ما أخطط له .  أسارعُ الى إسكاته . أقتله في أعماقي . أخنقه في مهده . أفتح العملية رغما عن أنفه . أزرع  في غرفتي خطوات تخايل وشغف .
وتمرّ لحظات .
وتدقّ لحظة الحقيقة . يتسرب الندم الى نفسي . أدرك أنني أخطأت . لقد فعلت ما لم يكن عليّ فعله . لقد فتحت الصفقة إشباعا لرغبة ، وإطفاء لنارطمع ، وإخمادا للهيب شهوة .هذه هي الحقيقة .
تدقّ لحظة الحقيقة بعد دقائق على فتحي العملية ، وأحيانا بعد ثوانٍ . ولكن بعد أن يكون الأوانُ قد فات .
 لقد فتحت العملية لأنني انتظرت طويلا . انتظرت منذ الصباح ، إنتظرت اللحظة التي يجب عليّ أن أنقضّ فيها على السوق ، اللحظة التي أعرفها جيدا ، اللحظة التي طالما حققت لي الارباح ، ألكثيرالكثير من الارباح .
ولكن انتظاري طال . اللحظة لم تأت . غلبني طمعي . نسيت كلّ ما كنت قد رسمت لنفسي من حدود . أهملت مبادئ تشوفي وتكشفي . دخلت المعركة دون سلاح . انا أعرف اني خاسر . وهكذا يكون . صفقتي خاسرة ، لا أملَ منها يُرتجى .
أنهى محدثي كلامه . صعّد نفسا كان قد احتبسه صدرُهُ .  طأطأ رأسا كان قد رفعه في سردِهِ . تحسّرعلى علّة لا يجد لها دواء .
رأيت من واجبي مواساة محدثي ، قلتُ :
وأنا أيضا ينتابني هذا الشعور ، وكلّ عامل في هذا السوق ينتابه هذا الشعور . أنا أيضا أعيش هذه اللحظات ، وكل عامل في هذا السوق يعيش هذه اللحظات . أنا ايضا أبلغ نفس المبلغ ، وكلّ عامل في هذا السوق يبلغ هذا المبلغ .
أنا ايضا أدخل السوق ، وسرعان ما أدرك بعد دخولي ، إن كان من الصفقة ربحٌ يُرتجى ، أم ان كان منها خسارة لا بدّ من تاديتها . أدرك ذلك غالبا لحظات بعد فتحي العملية .أدركُ ذلك في اللحظة التي يكون فيها الفكر قد تحرر كليا  من وسوسات شيطان الطمع ، وتفلّت نهائيا من هلوسات غليان الجشع .
قلت ذلك لمحدثي مواساة له ، وتخفيفا عنه ، ورفقا به .
ولو وُهِبَت لي الحِدّةُ الواجبة في الكلمة ِ ، ولو قدّرَت لي القسوة اللازمة في الموقفِ ،  ، ولو رُميتُ باللامبالاة تجاه مشاعر محدثي .
لو كان لي كلّ هذا ، لكنت صَدَقتُ محدثي القولَ ، ولكنت أضفتُ :
كان ذلك يحدثُ لي في أوّل عهدي بهذه التجارة ، أما اليومَ فهو نادرا ما يحدثُ لي .
ولو اني قلت هذا ، لكان عليّ أن أضيف غير ممالق :
وأنت أيضا بعد فترة من التمرّس والدُربَةِ والدراية ، ستكونُ متحررا من هذه الآفة ، بإذن الله وعونه .
 
وللجلسة مع محدثي تابع في الاسبوع المقبل .