بل بطلا أريد لك أن تكون (2)ا

بل بطلا أريد لك أن تكون  (2)

بل بطلا أريد لك أن تكون !

لم ترُق لي فلسفة صاحبي الجديدة ( أو ما ارتأى تسميته فلسفة )، وطال تفكّري  بالوسيلة التي يمكن ان تكون ناجعة لإقناعه بعدم صوابيتها، الى ان شاءت الصُدف أن أرقب على الشاشة مشهدا كان هو الملهم لجوابي، وكان منه الأمل بقوة الإقناع .
كان المشهد جزءا مقتطعا من قصة نضالٍ لبطل عربي مقدام ناضل ضد المستعمرين الايطاليين، وقاد مقاومة في وجههم أواسط القرن الماضي بهدف إجبارهم على الجلاء عن بلاده وتحقيق حلم تحريرها . كان اسم البطل عُمَر المختار، وكان اسم وطنه ليبيا.
كنت قد سمعت عن عمر المختار في ما مضى، ولكن معلوماتي بقيت في العموميات، إلى أن جاء اطلاعي على أيامه بتفاصيلها، وعلى نزالاته ببطولاتها، فعشت بالدقائق قوة ايمانه، وتابعت بالثواني شدة استبساله في سبيل قضيته التي قدمها وقدسها واستمر حاملا لواءها الى يوم الاستشهاد.
كان عمر المختار بطلا متميزا. تشبث بالخير. سعى من اجل الحق. قاوم الظلم. أحب العدل.. ولعل أبرز ما ميّزه إيمانه الراسخ بالنصر. ناضل من أجل بلوغه. تحدى الممتنع فحوله الى سهل. بلغ حدّ الإفلاس ( فقدان الرفاق ) أكثر من مرة. عاود الانتفاض والنهوض. أكمل الطريق في سبيل الهدف. بلغه، حتى ولو بعد تنفيذ الحكم فيه.
كان المختار شجاعا مقداما، وهذا أكثر ما يعنيني في سردي الآن، وهذا أكثر ما يمكن أن يفيدني في نقل الصورة التي أريدها. أستفيدُ منها وأفيد صاحبي وكل من تسوّل له نفسه الدخول الى ناد ينتسب اليه الكثيرون ولم يبقَ فيه سوى قلة !..
هم من يطيب لي تسميتهم الابطال.
آمن الرجل بقضية وحدد لنفسه هدفا . إختار درب البطولة لبلوغ الهدف وتحقيق المراد . حقّ اعتباره مثالا لكل ساعٍ الى نجاح . كل نصر يكون بالبطولة وبغيرها يستحيل أن يكون.
برع مخرج الفيلم في نقل الصورة الحقيقية للبطل الى الشاشة، وأكثر ما استوقفني من مشاهد البطولة تلك التي كانت تنقل المأزق الذي تعرض له البطل عندما وقع في كمين نصبه له المستعمرون الذين يطاردونه، فتخلص منه بتحركات تثير دهشة في النفس واعجابا في الوجدان.
بدا الرجل وكأن بينه وبين الرصاص وثيقة تفاهم، أو عقد اتفاق، بحيث ان اطلاق النار يصيب كل شيء حوله الا هو. كان يركض بطريقة مثيرة وكأنه ابتدعها، وطور وسائلها بشكل جعلها تلائم قامته العملاقة، ولا يمكن لسواه ان يقلده بها او يقتبسها منه. كان الرصاص ينطلق من بنادق كثيرة ومن نواحي عدة فيصيب الصخر وليس القامة، والشجر وليس الهامة، وكان للبطل أن يخرج من المأزق في هذه المرة ( كما في كل مرة ) بما لا يُذكر من الخسائر، وبما لا يُحصى من الأرباح .
حملني تفكري الى ساحة أخرى لا تقل دموية عن الساحات التي خاض فيها المختار معاركه. ساحات تجذبنا ، نحن معشر التجار، فإذا بنا نخوض فيها نزالات يومية ملأى بالتحديات، حُبلى بالصعوبات، في دروبها الكثير من المكائد، وفي دروسها ما لا يُحصى من الفوائد. منا من لا يخرج الا مثخنا بالجراح، ومنا من ينجو وفي جعبته كماً من الارباح المِلاح …
لَعمري، ما نجا من هذه المكائد إلا من استحق بجدارة ان يُسمى بطلا !..
سردت لصاحبي قصة المختار ، وجهدت – قدر المستطاع – في نقل مشهد الجنود المحتمين بالدروع والخوذ، مشهد العيون الكثيرة المتربصة برجل واحد، مشهد البنادق على الأكتاف جاهزة للإطباق على الضحية، ثم مشهد المختار يجري، متوكلا واثقا …..
سردت كل هذا لصاحبي ولم يفتني ان أذكّره بأمر طاب لنا التأكيد عليه في ما مضى. ذكّرته بالتقائنا على كون البطولة هي الشرط الاساسي الذي يجب ان يتوفر في كل من رغب العمل في هذا السوق، وعلى أن كل من آنس في نفسه بذرة منها فله ان ينميَها ويسهرَ على العناية بها، والا فمن الافضل له الا يتعب في البحث عما رُصد لغيره .
قلت لصاحبي: بطلا أريد لك أن تكون .. وبغير البطولة لن يكون انتصار في معركة ولا ربح في سوق ……. بطلا أريد لك أن تكون وإلا فان كمّاً يزيد على الف محلل تقني او اساسي، مضاف الى ألف ألف تحليل وتحليل ، لن يستطيعوا جميعا – ولو متحدين مع آلاف من الاخبار الحية، ومثلها من التوصيات المحبوكة بإحكام – أن ينتجوا لك شيئا.
إبحث عن فيلم عمر المختار. راقب شخصيته وحلّلها . قلّد كلّ تحركاته، او بتعبير أصحّ تقمّص أسلوبه في التفكير وطريقته في الحياة. قد يسعفك ذلك في تقليد الابطال، إن لم تلدك أمك لتكون بطلا.
أنت الذي بمقدورك أن تنتج .. أن تنجح .. أن تربح .. ولبلوغ كل هذا، لا مهرب من أن تكون بطلا – لا نشالا – .