( 2 ) مَن يصدّ ق مَن ؟ سلعة فاسدة في تجارة رائجة

أنا لست ضد أن يتولى أحدُنا إدارة حساب أحدِنا. أنا لست ضد أن يعطي أحدُنا رأيا عبر توصية أو اقتراح عمل لأحدِنا، ولكن  …
أنا لست ضد أن بتوزع المسؤولية شخصان، مالك المعرفة ومالك القدرة … لعل في الامر هذا افادة وايجابية.. مالك المعرفة يحلل ويرشد، ومالك القدرة ينفذ ويتابع.. ولكن …
أنا احاول ألا أكون جارحا في انتقادي، وعدم الاستشاطة غضبا أمام تجاوزات تحدث في عمل قد يكون لبعض جنباته إفادة غير منكورة، ولكن الحقيقة يجب أن تقال : هناك من يعتاش على تقديم توصيات يوهم الناس انها ستحولهم بين يوم وآخر الى أثرياء كبار؛ وهناك من يدفع ثمنا باهظا من ماله نتيجة عجزه عن تنفيذ شيئا مفيدا.
أنا لست ضد مبدأ تقديم المساعدة لمبتدئ طري العود، وتوفير الدعم له ليقوى على تحقيق خطواته الاولى… أنا ضد أن نستغل ضعف هذا الوافد الجديد فنتحين فرصة جهله للاستفادة منه وسلب ما في حوزته من مال.
هذه الخواطر تفرض بعضا من التساؤلات:
اذا كان الفشل في السوق يعود بالدرجة الاولى الى الانفعالات النفسية التي تترجم خوفا او طمعا، وتسلب العامل القدرة على تحقيق الهدف ، فهل مقدم التوصيات – ان أحس بالمسؤولية – تنتفي عنه هذه المؤثرات ويتحرر من هذه الانفعالات؟
المعوق الأساسي أمام كل مبتدئ هو الطمع بتحقيق الربح، أما من مصلحة لمقدم التوصيات بتحقيق النقاط ؟ ألا يعيدنا هذا الى نقطة البداية ؟
هل تحرره من الانفعالات يعني قدرة وصلابة ؟ أم أيضا عدم احساس بجسامة المسؤولية ؟
ألا يشعر معطي التوصية في وقت حرج بكونه ليس هو من يخسر ؟ أليس هذا الأمر بداية الإعتراف بانعدام المسؤولية ؟
التحرر من عاملي الخوف والطمع ممكن فقط عند التحرر من عامل المسؤولية عن الخسارة. هنا يمكن الوقوع في مطبات المخاطرات غير المحسوبة، فيكون البيع والشراء مزاجيا، وأحيانا غير مبرر منطقيا . قد يحقق هذا العمل ربحا ولكنه ربح الصدفة طبعا..
هل من يعطي التوصيات لغيره يستطيع التأكيد بان كل حالة من حالات السوق كانت مدروسة بالشكل الذي كانت لتكون عليه فيما لو انه يعمل بها هو شخصيا ؟
هل كل مقدمي التوصيات يعملون بتوصياتهم بأمانة تامة كما يقدمونها ؟ وان كان جوابهم بنعم، فهل يمكنهم ذلك فعلا ؟
فلنتمهل هنا ولنكن قليلي الخبث، كثيري المصداقية .
نأتي الى جانب آخر من الموضوع : لماذا يصير الانسان بائع توصيات ؟
– قد يصيرأحدنا بائع توصيات لأنه يملك المعرفة ( المعلومات ) ولا يملك الوسيلة ( المال ). هذا أمر غير منكور ..
– قد يصيرالواحد بائع توصيات لأنه يملك المعرفة والوسيلة ولكنه لا يملك الجرأة على تعريض ماله للخطر.. هذا أمر عليه تحفظ كبير.. إن خاف واحدنا من تعريض ماله للخطرفي توصيات يثق بها، فلماذا لا يخاف من تعريض أموال غيره ؟ ببساطة لأن أموال غيره ليست له .
– قد يصيره لأنه لا يملك المعرفة ولا يملك الوسيلة . هو يريد ان يتمرن ويجرب ويتسلى ويتحلى . ويجد دوما على المنتديات من يصغي له..
أرى ان القبول بمبدأ إعطاء التوصيات يصير أكثر شفافية ان كانت مجانية. هنا ننعتق من الكثير من مخاطر المصلحة الشخصية ونتحرر من روابطها. يمكن القبول بمبدأ التوصيات ايضا بصورة اقتراحات عمل قابلة للدرس من ناحية المتلقي فيزنها ويسترشد بها، فيأخذ منها ما يتناسب مع مبادئه ويترك ما يناقضها . بهذه الحالة تكون عامل تشجيع وتحفيزعلى تنفيذ عملية وليس عامل استعماء.
أرى ايضا ان التوصيات تصير أكثر مصداقية وأقرب الى الواقعية في حال نفذ المقدم لها كل توصية على حسابه الخاص فلا تكون كلاما بكلام. هكذا نقترب أكثر من الواقع ونقلل المخاطر والمطبات.
نأتي الان الى متلقي التوصيات. هل هو الطرف المنزه عن اي انفعال، والقادر على تنفيذ كل ما يُقال له دون تغيير أو تعديل؟
أشك في ذلك شكا عميقا. الماضي أثبت أن هذا الأمر مستحيل، والمتلقي شريك كبير في إفشال عملية تقديم التوصيات وإنجاحها. إن نجح المقدم في التخلص من المؤثرات النفسية فلن ينجو منها المتلقي حتما.
حتى ولو تمّم المعطي كل الشروط  الوظيفية والمعرفية ووفى بكل الواجبات المعنوية والاخلاقية  فان المتلقي لن يستطيع التحرر من المؤثرات الخارجة عن إرادته لألف سبب وسبب.
وأكاد أسمع من يسألني : إن كان هذا ما تراه، فما الحل برأيك؟
للبحث صلة…