صديقي وديع مراد..ا

أطال الله عمرَه.. وعمرَك.. 
لي فيه صديقان.. في واحد.. صديق في الحياة، وصديق في التجارة…
ليته صديقك أيضا…
 
صداقتنا تعود إلى عشر سنواتٍ ونيّف…
وَدِدت لو إني عرفتُه في عمر اللعب.. يوم كانت دُنيانا شجرا وزهرا وطيرا.. وبينها فراشة.. نلاحقُها، ولا نلحقُها.. تشغلنا عنها نحلة ترقصُ على فم من ياسمين…
 
هو يزعم إنه تعلّم مني بعضاً من شؤون السوق. يغبط نفسه على ما تعلّم..
أنا أؤكّد إني تعلّمت من وديع بعضاً من شؤون الحياة. أغبط نفسي على ما تعلّمت..
تآلفنا، أنا وهو، فجعلنا من التواصل بيننا عادة..
 
قلت له يوم لقيانا: ألا تتعب من عِشْرة الكتب يا رَجل؟ عليك بأمور الدنيا فهي كثيرة، وعدّدتها له. وكان يضحكُ عند تعدادي لكلّ ملذّة من ملذّات الفانية. يضحكُ ويضحك. أهِمّ لاستكمال تعدادي، ويسبقني بالضّحك، ولا يكفّ إلا وقد شبع منه.. خِلتُه في ذلك اليوم مشتاقا للضّحك، أو هو لم يضحك منذ ومنذ ومنذ…
أو هو يومٌ من أيامه الرابحة في السوق.. يفرح الواحدُ منّا بربح صَبا إليه، ووُفّق به، فكان ثمناً لجهدٍ لا يعرف مقدارَه إلا مَن جرّبه..
 
هو، ما عاد يحبّ الحديث في السياسة.. سئمها لشدّة ما فيها من رياء.. أو لأنه تحدّث فيها كثيرا. دون جدوى.. أو لأنه ذاق المرّ بسببها في لبنان.. أو لأنه ترك لبنان بسببها.. أو لأنه بات يتقزّز من بعض الملاعين من السياسيّين .. أو لكلّ هذه الأسباب مجتمعة..
 
نادرا ما التقيتُ وديعاً  إلا وقد حضّر لي كتابا. إن لم يكن إهداءً، فإعارةً.. الحقّ أقوله إني، ما قرأت أفيَد أو أمتع من الكتب التي انتقاها لي..
 
أبناؤه الثلاثة أُحِبّهم كما هو…كلّ واحد منهم أحبّ عليّ من الآخر.. أحبّهم لمحبتهم والدَهم، ولبرّهِم به. لتقليدِهم له في علمه وثقافته. لقبولِهم آراءَه في الحياة، واحترامِهم لها.. كبيرُهم، طلب العلم، فحصل على ما طلب. هو طبيب جرّاح. يجرحُ، فقط ليداوي.  أخواه، هامَ قلباهما بمهنتنا، فكانت لهما مهنة. يمارسانها، وبشرف.
 أقدّر ما قاله لي أصغرُهما. قال: أحبّ تأنيث السوق ( هذه السوق ). أعترض على تذكير البعض لها. ما هي سوى غانية عذراء. لا قدرةَ لفحول الكون على سلبها عذريّتها. يا لتعاسة من يُحاول. أشعر أن علينا احترامَها، وإلا استثرناها وأغضبناها ( يقصد السوق ). والويلُ ثم الويلُ لمن يُغضبُ السوق ويستثيرها… قلت له إني أشتمّ كلامَ وديع في ما تقول.. ما هذه الصوَرُ إلا من ذلك الخَيَال.. ردّ بضحكة كبيرة، أضحَكَت أباه وأضحكتني..
أنا أوافقه على ذلك. مَرَدّ نجاحِه المتدرّج إلى فهمه هذا السرّ..
عذريّة السوق مقدّسة.. إيّاك صديقي القارئ، ثم إيّاك.. لا تحاول معها ما ليس من حقك به..
 
لوديع مذهبٌ وطريقةٌ في التعامل مع السوق. أعجبتني. إقتبستُها عنه.. هو يسألُني أحيانا عن رأيي في عمليّة بيع أو شراء. أوافقه على أنها مستحِقّة للتنفيذ، بسعر محدّد، على نقطة معيّنة. ثم تبلغ  السوق ( أراني أؤنثها ايضا ) هذه النقطة. أراه لا ينفّذها. هو ينتظر.. أستحثّه. لا يُبالي. ثم تعطيه السوق سعرا أفضل. وهو ينتظر.. وسعرا أفضل جديد. وهو ينتظر.. يغيظني.. ثم ينتظر قليلا بعد ذلك كلّه. ثم ينفّذ العمليّة..
 
بعد تنفيذ العمليّة، يدافع وديع عن موقفِه، ويحاول تبريرَ ما فعل. يقول: ربحي هو ثمرة هذا الإنتظار الإضافيّ. لو نفّذت كلّ عمليّة عند موضع التحليل لما دخلت مرتاحا الى السوق. هذا يسهّل لي الصبر وانتظار تحقّق الرّبح.
 
أنا اُكبرُ فيه علمَه، وحسنَ نقله المبادئ النظريّة إلى التطبيق. هو مُحِقّ في ما يقول. الحَقّ يُقال. لقد أقتنعتُ بنظريته هذه. صِرت من مُقلّديه.
 
أنت أيضا صديقي القارئ. عندما تقرّر. إنتظر بلوغ السوق موضع القرار. ثم انتظر قليلا أيضا. فقليلا ثانيا. وقليلا إضافيا.. ثم ادخل السوق. هذا لن تندمَ عليه أبدا…
 
العزيز قارئي.. تمنيت صديقي لك صديقا…