حتى نعيدَ الزمنَ الأول …ا

لَمِن المُفرح حقا، وأنت تحلمُ بهدأة العمر. تتلذّذُ بطيف الليل وهو يتسلّل الى نفسك في زمن الغروب. تبدأ بتحسّس نعاس الطبيعة، فتشاطر الفراشات نشوةً كنت غافلا عنها في ربيعك الذي انقضى. لَمِن المُفرح وقتئذ، أن تلمس بعض التقدير لأثر نَفَس خرج من صدرك. كدت أنت أن تنساه، فإذا هو حيّ في وجدان بعض من عارفيك ومحبيك ( وكلهم أكارم أوفياء ). هُم لا زالوا قادرين على التقاط موجاته المتنقلة في الأثير. يحنّون الى الماضي. يحنّنونك اليه. يُطالبونك بإعادة الزمن الأول. بقول شيء ولو يسير عند نهاية كلّ أسبوع. بإحياء زاوية ” خبرة عمر ” . بإغنائها من جديد… لا أحبّ ان أعِدَ وأخلف… عسى أن يكون في قادم الأيام خيرُ ما مضى منها…
الزمنُ الأول كان مُشرقا عابقا بالآمال . طُموحُنا كان أن ننجحَ في زرع بذور فوز، تزهرُ آمالا، وتثمرُ نجاحات. نجحنا في مكان. فشلنا في مكان.
الفترة المضطربة التي عرفتها الأسواق في العامين الماضيين عليها بعض من مسؤولية. كل المسؤولية ليست عليها. بعضُها علينا نحن.
شلّة من المتهورين المغامرين أساؤوا لأنفسهم. خابوا، وكان قصاصهم أليما. هم آلمونا معهم. أدخلوا الى نفوسنا الشك بجدوى ما نسعى اليه.
بعض المحتالين الكذّابين الخبثاء استغلوا كل شيء. داسوا على كل مكرُمة. ما أقاموا قدسيّة لشيء. ما فاضت نفوسُهم إلا بما عبَقت. ما قدّموا إلا ما فُطروا عليه. هؤلاء أخذتهم نشوةُ الخداع فأساؤوا للجميع، والبعض منهم لا يزالون جوّالين دون رادع ولا قصاص. لهم من ربّهم في يوم ألفُ سؤال وسؤال…
السنتان الأخيرتان حدّتا من حماسي في تأدية واجب ودور. ما أسمع عنه كل يوم من ضلال وتعمية وانحراف ونقصان فهم وسوء أداء. ما أقرأ عنه في إعلانات، ملأت صفحات الجرائد، همّها الترويج لتجارة العملات والذهب ( الذهب بات موضة العصر وبريقه يسلب الألباب ) وجعلها هواية العامة من الناس. ما أسمع عنه، وأقرأ عنه،  يفرض على كل عارف ألا ينكفئ. نتعاونُ، فنحسّنَ ونصوّبَ قدر ما نستطيع!
نصيحتي الكبرى أوجهها لمتقبّلي النصح والتنوير: لا تنسى يوما أن التجارة بنظام الهامش تتضمّن مخاطر عُظمى. المبلغ الذي تودعه في حسابك لم يعد لك في اللحظة التي أودعته فيها ( بالمعنى المجازي للكلمة طبعا ). إن أودعت 100 ألف دولار مثلا، فهذا يخوّلك أن تحرك 10 مليون دولار بالحد الوسطي. رأس مالك صار 10 مليون دولار لك الحرية بالتصرف بها بيعا أو شراء. أنت تعرف حتما أن الربح الذي ينتج عن تجارة رأس مالها 10 مليون دولار يختلف كثيرا عن ربح ينتج عن تجارة تعتمد فقط على 100 ألف دولار. ولكن… هل تعرف أن الخسارة التي قد تنتج عن هذه التجارة تزيد كثيرا عن الخسارة التي قد تنتج عن تلك؟
هنا أدعوك قارئي العزيز لتتبع الفكرة بتؤدة وتبصّر. إن خصصت 10 مليون دولار للعمل في أية تجارة كانت ( وانا لا أقصد هنا سوق المال ) فمن الطبيعي أن تتعرض لمخاطر خسارة قد تبلغ 50 او حتى 100 الف دولار. كيف الحال اذا في سوق المال حيث ترتفع نسبة المخاطر قياسا على غيره من الأسواق؟
يجب أن يكون ذلك معلوما. إن أنت أودعت في حسابك 100 الف دولار، وأردت التداول بها في نظام الهامش ( المارجن ) عليك أن تباشر التفكير بطريقة معكوسة، فتقول: ما هو المبلغ الذي يمكنني تقبّل خسارته إن سارت الأمور بغير ما أرسم لها؟ هل يمكنني أن أتقبل خسارة 10 آلاف دولار؟ إذا أشتري عددا من العقود يسمح بتحديد الخسارة عند مستوى ال 10 آلاف دولار فقط، مع أخذ الإستراتيجية المعمول عليها بالإعتبار.
وإن خسرت ال 10 آلاف دولار فاعلم إنك خسرتها من تجارة كان رأس مالك فيها مليون او خمسة ملايين او عشرة ملايين دولار، ( بحسب عدد العقود التي قررت شراءها ) ولم يكن فقط 100 الف دولار، وهو المبلغ الذي أودعته في حسابك. إن أنت علمت ذلك فسيَسْهُل عليك تقبّل الخسارة، على أنها أمر طبيعي يحدث لكل تاجر في أي مكان ويوم…
نصيحتي التالية أوجهها لمتقبلي النُصح والتنوير: إن دخلت الى هذا السوق، وأنت جاهل لخفاياه، فكنْ متواضعا في طموحاتك. ليكن هدفُك الأول، ولفترة من الزمن، عدمَ تكبّد الخسارة والحفاظ على حسابك متوازنا. إن نجحتَ في ذلك فهي الخطوة الأولى الى النجاح، وستليها خطوات…
لا تقلْ في المرحلة الأولى أنا لها.. بل قلْ أتدربُ فأصيرَ لها..
وإن صرتَ لها يوما، فاعلمْ يقيناً أن المخاطر موجودة دوماً.. الهمّ الأول والهدف الأسمى يجب أن يبقى الحفاظ على رأس المال. الطريق الى ذلك هو في اعتماد الواقعية سبيلا لبلوغ الهدف المطلوب والربح المرغوب.
كن واقعيا في كل خطوة تقرّرها. لا تحتسب أرباحك على المستوى اليومي أو حتى الأسبوعي. إحتساب الأرباح السنوية فيه اطمئنانٌ للنفس وراحةٌ للأعصاب. ألأرباح السنوية لا تكن خياليا في تحديد نسبتها المطلوبة. إنّ أولئك المُدّعين بتحقيق أرباح خيالية تصل الى حد ال500 بالمئة او أكثر لَهُم مُراؤون مُخادعون. لعلّهم ينجحون في ذلك، وفي مضاربات خطرة جدا، لفترة من الفترات، يماشي فيها السوق تخيّلاتهم وأوهامهم، ولكنّهم سيعاودون حتما خسارة ما حققوا، عندما يناقض السوق ما نسجوا من أحلام.
إن شئتَ المضاربة والمخاطرة مرة، فوُفقت في ما سعيت إليه، فاعلم أن للحظ في ما وُفقتَ اليه دورٌ كبير. إغتنم الفرصة التي أتيحت اليك. أشكر اللهَ على ما خصّك به. تحوّل فورا من المضاربة الى الإستثمار. كفّ عن المخاطرات واكتفِ بقدر معتدل من الأرباح السنوية. تحوّل فورا من مُضارب الى تاجر. تُرضي ربّك بحفاظك على رزقٍ وهبه لك.
من حقّ كلّ من أصيبَ بصدمة أن ينكفئَ ويقتنعَ بأن هذا العمل لا يناسب طباعَه أو لا يتماشى مع قدراته. من حقّه أن يكفّ عن ترداد أخطاء درجَ عليها. من واجبه أن يتفكّرَ جيدا بما حدث له ، فلا يرمي المسؤولية على سواه. من واجبه أن يحاولَ ترميمَ ذاته وإقناعَ نفسه بأن الله أودع له قسطا من نعمته في مجالِ عمل آخر، إن هو حجبها عنه في مجال العمل هذا. المهم أن يبحثَ عنها فيلقاها.
أن يعاودَ الكرّة. ينازل من جديد. سلاحُهُ اختباراتُه. جُرحُه أمثولةٌ له. هذا متروكٌ لقراره هو. شرطَ أن يكون بصيرا  بما حدث، عليما بما سيحدث.
أعرفُ كثرة ممّن فشلوا في التعامل مع السوق. أخطأوا وكانت لهم في أخطائهم أمثولات. عاودوا الدخولَ الى السوق. حققوا ما طمحوا اليه.
أعرف الكثيرين ممّن أخطأوا مرة، ثم قال الواحد منهم: أجرّب مرّة. جرّب مرّات. لم يحقّق سوى الخيبات.
في قولهم سرّّ فشلهم. ليست المسألة مسألة تجربة. من يريد التجربة فقد فشل، حتى قبل أن يبدأ.
ليكن معلوما ! يبدو لي العمل في هذه المهنة أحيانا اقسى مما هو على حَلَبَة المُلاكمة. وهل يظنّ أحدُنا أن مُلاكما ينازل خصمَه على خلفيّة التجربة، ويكون له بصيصُ أمل بالنجاح؟
تجرّبُ في لعبة من الألعاب؟ تجرّب في رهان من الرهانات؟ هذا مفهوم طبعا. إنه شأن شخصي ولكل القرار فيه… لكنْ أن تجرّب في سوق المال، ففي هذا منتهى السذاجة والتخلف الفكري…
هنا في هذا العمل لا مكان للتجربة. التجربة باب الفشل. إعمل في هذا السوق ان كنت متيقّنا من قدرتك على تحقيق النجاح، وإلا فدع البطولات لأصحابها…