أرشيف التصنيف: أخبار النفط

الاحترار العالمي والنفط المجنى عليه

حتى قبل أن يبدأ، كان من الواضح أن مهرجان «كوب28» تحت شعار «إنقاذ كوكب الأرض» الذي نظمته الأمم المتحدة، لن يفي بالتوقعات العالية التي كان بعضها متناقضاً، لدى 198 دولة وعشرات المنظمات غير الحكومية التي حضرت المؤتمر بمختلف الأجندات، بما في ذلك بعض الأجندات الخفيّة.

وعليه، فليس من المستغرب أن يعلن بعض المشاركين «فشلاً كبيراً» للمؤتمر حتى قبل أن يدق رئيسه، الشيخ سلطان أحمد الجابر، بمطرقة النهاية.

وكان لافتاً إلقاء اللوم على «العرب» وعلى منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بأسرها. غير أن الحقيقة هي أن منظمة «أوبك» ككلٍّ تمثل ما يزيد قليلاً على ثلث الإنتاج العالمي من النفط. وأن من بين كبار منتجي النفط هناك دولتان عربيتان فقط هما السعودية والعراق، إذ تحتل الولايات المتحدة وروسيا وكندا المركز الأول والثالث والرابع على التوالي كأكبر منتجين للنفط. ومن بين أكبر 20 مستهلكاً للنفط الخام، هناك دولتان فقط عضوان في «أوبك» هما إندونيسيا وإيران.

إذا كان أخطبوط «النفط السيئ العظيم» موجوداً فإن مخالبه تمتد إلى ما هو أبعد من العرب و«أوبك»، من الصين والهند إلى الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك، والبرازيل.

لكن السؤال: لماذا نشأ «النفط السيئ العظيم» في المقام الأول؟

أصبح النفط عنصراً لا غنى عنه لبناء ما أصبح يُعرف باسم «العالم الحديث» الذي وعد بنمط حياة من الحركة والسرعة في خدمة التجارة العالمية الحرة استناداً إلى نظرية الميزة النسبية. فمنذ البداية، أي في وقتٍ ما من القرن التاسع عشر، سيطرت على تجارة النفط حفنة من الدول الغربية، وباستثناء الولايات المتحدة كانت جميعها تمتلك شركات نفط مملوكة للدولة وآلة عسكرية لحماية وتوسيع مصالحها النفطية. وكان «العالم الحديث» يعني التحضر السريع، والمسافات المتنامية بين أماكن العمل والسكن التي تتطلب النقل، بما في ذلك السيارات التي تعد أحدث رمز للحرية الفردية، جرى الترحيب بها. وكان نمط الحياة الجديد يعني أيضاً بناء مدن رأسية عملاقة مستهلكة للطاقة، ويُنظر إليها بوصفها الرموز الأكثر فاعلية للثروة والسلطة. حتى اليوم، يعد بناء ناطحات السحاب تذكرة الدخول إلى «العالم الحديث». كما ساعد النفط الرخيص على جعل انتقال العمالة والهجرة إلى مستويات غير مسبوقة أمراً ممكناً.

من عجيب المفارقات هنا، أن الكثير من أنصار البيئة الغربيين الذين يلومون «النفط السيئ العظيم» ينسون كل ذلك، وينسون بضع حقائق أخرى؛ أولاها أن الحكومات الغربية تكسب المزيد من المال من الضرائب على النفط ومشتقاته أكثر من الدول الأعضاء المتوسطة في منظمة «أوبك».

في الوقت نفسه، يأتي الجزء الأكبر من الاستثمار في استكشاف وإنتاج احتياطيات نفطية جديدة من الشركات «الغربية»، وإلى درجة أقل من الشركات الروسية والصينية. في حين يتحدث أنصار البيئة الغربيون عن الحاجة إلى إنهاء سطوة النفط، فإن عاماً واحداً لا يكاد يمر من دون أن تفتتح شركاتهم حقول النفط الجديدة في البحر الأبيض المتوسط، وخليج غينيا، والبحر الأسود، بل حتى الدائرة القطبية الشمالية والقارة القطبية الجنوبية.

إذا كان الاحترار العالمي يشكل تهديداً حقيقياً لكوكب الأرض، فلا ينبغي لنا التعامل معه بوصفه مشكلة فنية يتعين على التكنوقراط حلّها. بل إنها مشكلة حضارية لا يمكن التعامل معها إلا إذا كنا مستعدين للتفكير والبدء في العمل من أجل نمط حياة بديل أقل اعتماداً على السرعة والحركة والمدن الضخمة والنمو الاقتصادي الذي يقوده المستهلك. والبدائل المقدَّمة في هذا الشأن تفتقر إلى المصداقية إلى حد بعيد.

إن الحفاظ على نمط الحياة الحالي الذي يتمدد على نحو عرضي إلى الصين والهند والكثير من «الدول الناشئة» بينما يحاول استبدال بدائل تشتمل على عدد من المجهولات بالنفط، ناهيكم بالمجهولات المجهولة. وقد تبدو الطاقة النووية ذات جاذبية، لكن الحقيقة هي أننا ما زلنا لا نعرف إلا القليل عن تأثيرها على المدى الطويل، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالتخلص من النفايات الناجمة عنها.

إن إعادة فتح مناجم الفحم المهجورة منذ فترة طويلة في أستراليا، والولايات المتحدة، وبولندا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، من بين بلدان أخرى، ترقى إلى محاولة استخدام شر أكبر للتعامل مع شر أقل خطورة. ولا تزال الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وطاقة الهيدروجين، وغيرها من العناصر في مهدها المبكر، وإذا ما استمرت مستويات الاستثمار والتقدم التكنولوجي الراهنة، ربما يستغرق الأمر عقوداً من الزمان حتى يتسنى لها دعم «العالم الحديث» كما نعرفه. ومن غير المرجح أن تنجح أفكار متطرفة مثل «نهاية الهوس بالنمو الاقتصادي» وثقافة جديدة لإعادة التدوير الجديدة، في تأمين الدعم الشعبي المطلوب للانتقال الجاد من أسلوب حياة إلى آخر.

على أي حال، يُظهر التاريخ أن الحضارات القائمة على إعادة التدوير وعدم النمو تنتهي إلى الزوال، وأبرز مثال على ذلك كان الحضارة السومرية القديمة.

إن إلقاء اللوم على «النفط السيئ العظيم» قد يوفر عذراً جاهزاً لفشل الزعامات السياسية، خصوصاً في البلدان الأكثر قوة، في تقديم المشكلة بوصفها مشكلة تتعلق ببناء نمط حياة عالمي مختلف وأكثر استدامة، وليس مجموعة من المسائل المنفصلة مثل غمر جزر المحيط، وانتشار تلوث الهواء إلى ما وراء المدن الضخمة التي تسمم سكانها بالفعل.

وبما أن النموذج الشائع حالياً استغرق تشكيله قرنين تقريباً، فمن السذاجة أن نتوقع ظهور بديل مع عدد قليل من تجمعات مؤتمر «كوب28» والحلول الزائفة، مثل بيع بعض الدول آثار الكربون لدول أخرى.

فمنذ مؤتمر باريس عام 2015، اختار أولئك الذين يقودون حملة «إنقاذ الكوكب» اتباع نهج تدريجي في التعامل مع مشكلة، إذا كانت قائمة لا يمكن حلها من خلال الحيل الدبلوماسية، وتحديد أهداف قطاعية مثل زيادة الحد الأقصى للانحباس الحراري العالمي بمقدار درجتين مئويتين بحلول تاريخ اعتباطي، ثم لعبة تمرير المسؤولية الحتمية.

على الطرف الآخر من الطيف، يندهش أنصار البيئة أيضاً من الآلام قصيرة الأمد حين يتظاهرون بأن إلقاء الطلاء على لوحة فان غوخ في المعرض الوطني أو منع الوصول إلى المترو في باريس من بين أفضل السبل لدعوة الناس إلى التفكير في التحول الذي ربما أصبح أمراً لا مفرَّ منه.

خمِّن أيَّ دولة صناعية قد حققت نجاحاً أكبر في الحد من بصمتها الكربونية أساساً عن طريق استبدال سيارات كهربائية بالسيارات الكلاسيكية. الجواب هي النرويج. ولكنها أيضاً خامس أكبر مُصدر للنفط في العالم وثالث أكبر مُصدر للغاز!

وما الدولة التي لديها أكبر إنتاج للطاقة الشمسية؟ الجواب هي الصين التي تعد أيضاً المستورد الأول للنفط في العالم.

إن قياس تأثير «النفط السيئ العظيم» ليس بهذه السهولة أبداً.

أمير طاهري

ملايين البراميل الطوعية

لم تفهم السوق نتيجة اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها، ولهذا انخفضت أسعار النفط بعد انتهاء الاجتماع يوم الخميس 30 نوفمبر (تشرين الثاني).

كانت أسعار النفط بدأت في التفاعل مع تسريبات وكالات الأنباء قبل وخلال الاجتماع، حيث ذكرت كثير من الوكالات أن التحالف بقيادة السعودية وروسيا سيخفض مليون برميل يومياً كخفض جديد.

لكن بمجرد صدور بيان الاجتماع السادس والثلاثين في تاريخ المنظمة، انخفضت أسعار النفط. لماذا؟

سوق النفط والمضاربون لا يفهمون البروتوكولات الإعلامية للمنظمة. ولا يفهمون أن الدول كانت تتناقش حول تخفيضات طوعية وليست إلزامية، ولهذا لا يمكن وضعها ضمن بيان المنظمة الذي خرج هزيلاً وضعيفاً في نظر السوق.

البيان لم يأت بجديد سوى أن التحالف اتفق مع الدول الأفريقية الثلاث (أنغولا والكونغو ونيجيريا) حول حصتها الإنتاجية في اتفاق خفض الإنتاج الذي سيدخل حيز التنفيذ بدءاً من الأول من يناير (كانون الثاني).

وحتى هذه الجزئية لا تهم السوق كثيراً، لأن هذه الدول لا تستطيع الإنتاج بما يكفي، وماذا يعني أن حصة أنغولا ستصبح 1.1 مليون برميل يومياً بدلاً من 1.28 مليون برميل قبل انتهاء «رايستاد إنرجي» و«وود ماكينزي» و«آي إتش إس» من تقييم قدرتها؟

الأمر نفسه ينطبق على نيجيريا التي ستحصل على عكس أنغولا على زيادة قدرها 122 ألف برميل يوميا إلى 1.5 مليون.

بالطبع أنغولا رمت بالبيان الصحافي عرض الحائط، وقال محافظها في «أوبك» بعد الاجتماع إن بلاده لن تلتزم بهذا الرقم وستنتج 1.8 مليون برميل يومياً، في مشهد كلاسيكي لما يجري في «أوبك». وأنا هنا أشيد بموقفها، حيث لم تعلن خروجها من المنظمة والتحالف مثلما تفعل دول مثل الإكوادور في كل مرة لا تعجبها الحصة.

عموماً السوق كانت تبحث عن التخفيضات في البيان، ولكن بما أنها طوعية فهي لم تجدها، وكان على السوق الانتظار لحين تعلن الدول واحدة تلو الأخرى عن تخفيضاتها.

البداية كانت مع كازاخستان التي كانت أول دولة أعلنت عن كمية الخفض الطوعي، تلتها السعودية، ومن بعد ذلك الكويت وروسيا والإمارات وعمان والعراق والجزائر.

عموماً وصل حجم التخفيضات الطوعية إجمالا -والمعلنة كل على حدة- إلى 2.2 مليون برميل يومياً تستمر خلال ثلاثة أشهر من بداية يناير إلى نهاية مارس (آذار) من العام المقبل. هذه خطوة احترازية من التحالف للتحوط ضد هبوط الطلب في الربع الأول في نظري، ولكن محللين مثل مايكل روثمان رئيس شركة «كورنر ستون»، يرى أنها خطوة لمنع المخزونات من البناء خلال الفترة التي يضعف فيها الطلب.

السوق تجاهلت أن هناك اتفاقاً سيسري في أول يناير سيخرج نحو 3.6 مليون برميل يومياً من براميل تحالف «أوبك بلس» من السوق، وركز على بيان لم يرو غليل المضاربين.

هل نجحت «أوبك بلس» في اتفاق ملايين البراميل الطوعية؟ سنرى عما قريب. حيث ستحتاج السوق إلى دليل على أن البراميل الطوعية حقيقية وليست أرقاما للاستهلاك الإعلامي.

بالحديث عن الإعلام، كان من الأفضل تسريب اتفاق البراميل الطوعية للسوق عبر الإعلام وجعله حقيقة، ثم الخروج ببيان «أوبك» غير الواضح للسوق، وربما عقد مؤتمر صحافي لتوضيح الأمور للسوق بشكل أفضل. أعلم أن «أوبك» تشن حملة ضد التسريبات، وتحاول التحكم في كل ما يتناول في الإعلام، ولكن مرات يكون للتسريبات قيمة خاصة عندما تحافظ على دخل الدول ولا تجعل أسعار النفط تهبط.

 

وائل مهدي