عن قرار الفدرالي الاميركي وتأثيره على الاسواق في المرحلة القادمة.

ما فاجأ الاسواق في يوم الفائدة الاميركية أمران: أولا مطالبة عضو في الفدرالي بتخفيض الفائدة بنسبة 50 نقطة مءوية وليس فقط 35 نقطة. وثانيا تحذير رئيس الفدرالي نفسه المستثمرين من خطورة الانجراف وراء الرهانات بخفض اضافي للفائدة هذا العام،تاركًا الاحتمالات مفتوحة بخصوص هذا القرار بعد شهر.
كان أمام الاحتياطي الفيدرالي، يوم أمس، مشهد معقّد. فمن ناحية، كان معدّل التضخّم، وفق ما أظهره مؤشّر أسعار المستهلكين، لا يزال مرتفعًا عند حدود تلامس الـ 3%، وهو ما يتجاوز بنحو 1.5 أضعاف النسبة التي يستهدفها الاحتياطي الفيدرالي، والمحدّدة عند مستوى 2%. ولا يوجد ما يؤشّر إلى أنّ هذه النسبة كانت في طريقها للانخفاض.
التقارير الماليّة كانت تتوقّع أن تستمر الشركات الأميركيّة بتحميل المستهلكين كلفة الرسوم الجمركيّة الجديدة بشكلٍ متدرّج، عبر زيادة الأسعار. رئيس الفدرالي نفسه توقع انه  كان يمكن أن تتدنّى نسبة التضخّم إلى نطاق 2.3% أو 2.4% من دون هذه الرسوم.
ما سبق يعني ان الإفراط في خفض معدلات الفائدة، سيعني المزيد من الضغوط التضخمية على المدى المتوسّط، وهو ما تخشاه الأسواق أصلًا. 

من جهة اخرى لا بد من التنبه الى امر آخر بالغ الاهمية ألا وهو متعلق بمعدلات  البطالة. كما تُظهر البيانات، ارتفعت إلى مستوى 4.3%، ما يشكّل أعلى نسبة لها منذ العام 2023. أمّا وتيرة التوظيف، فانخفضت بأكثر من 100 ألف وظيفة منذ الربيع الماضي، ما يدل على حجم الضغوط التي تعاني منها البلاد على المستوى الاقتصادي.
ان مواجهة التضخّم ومخاطر الركود في وقت واحد هي حالة نادرة، لكنّها تهدّد بحصول سيناريو خطير: الركود التضخّمي، الذي يصعب مواجهته بسياسات التيسير النقدي التقليديّة، أي عبر خفض الفوائد.
الاحتياطي الفيدرالي لم يذهب بعيداً في الانصياع لضغط ترامب، ولم يقرّ تخفيضًا كبيرًا في نسبة الفائدة، كما لم يؤكّد على الاتجاه لتخفيض الفوائد مرّة جديدة خلال الشهر المقبل. بل وعلى العكس تمامًا، ربط باول أي قرار مستقبلي بحالة الإقفال الحكومي، وتوفّر البيانات التي يمكن الاستناد إليها، ما ترك المسألة معلّقة بانتظار اتضاح المشهد الاقتصادي.
في الخلاصة لا بد من الاعتراف بان الفدرالي سيبقى سائرا على ارض رخوة وخطرة. فدونالد ترمب بالمرصاد والبيانات الحكومية متوقفة بسبب الاغلاق الحكومي ما حرم الفدرالي من رؤية واضحة هو بامس الحاجة اليها. و الإدارة الأميركيّة لا تقيم الكثير من الوزن لاعتبارات الاحتياطي الفيدرالي ولا لأولويّاته، بل تريد تسييره بحسابات سياسيّة شديدة التقلّب، بما يبتعد عن الرصانة المطلوبة للتعامل مع الموقف.
هذا سيعني ان التداول في الاسواق في المرحلة القادمة سيكون بحاجة الى الكثير من الحذر نتيجة البلبلة القائمة، بخاصة بالنسبة الى الرهانات على المزيد من ارتفاعات اسواق الاسهم. فترة الترقب والمراوحة في السوق من المرجح جدا ان تطغى غلى ما سواها.