كيف يكون اتخاذ القرار ؟ ( 3) – 19th September 2005
|
الحرامي بالمرصاد .
كنت قد تركت صديقي في الجلسة السابقة واقعا في فخ صفقات الحظ ، عارفا ان الربح الممكن منها نادر وقليل ، متوقعا تعليقا مني على ما سرد ، غير ظافر بما توقعه .
وعُدت فالتقيته في هذه الجلسة على ما تركته فيه من همّ ، وبما هو عليه من غمّ . ان شيئا لم يفلح بعد في جعله على الدرب السليم ، ولا هو نفع في حمله الى الهدف القويم .
أكمل محدثي سرده قال :
سمعت في الأسبوع الفائت خبرا ينبئ بان الدولار يتعرض لضغط هائل بفعل إعصار ” كاترينا ” الذي ضرب ولاية ” لويزيانا ” . أدركت انه من الصواب ان أكون في السوق بائعا للدولار . أسرعت الى حسابي . أمرت ببيع عشرة عقود دفعة واحدة . حددت 50 نقطة وقفا لها . مفضلا عدم المخاطرة بما قد يفاجئني من أمور .
شعرت بكوني قد أديت واجبي بكل أمانة . جلست هادئا ، منتظرا ما سيكون .
الدولار يرتفع ببطء . أقول : دقائق وتنقلب الصورة . لا بد من تحقق ما رسمت له .
الدولار يتابع الزحف ارتفاعا . أقول : أتركُ الجهاز لفترة ، رحمة باعصابي .
أحددُ هدفا لصفقتي . أغيب ساعة . أعود . أجد الدولار وقد انخفض أكثر مما رجوت له أن ينخفض .يأخذني الطمعُ . أندم لتحديد هدف لصفقتي . أقول : ليتني أبعدت الهدف أكثر مما فعلت .
أتلهف لرؤية ربحي المحقق . أبحث عنه في خانة الصفقات المقفولة . أتحضر للخبر السار . أصاب بصدمة .
يا لخيبتي ! لقد سرقها السوق مني قبل ان يتراجع . لقد سقط الستوب وضاع كل شيء .
أرمي محدثي بنظرة . اريدها مواساة ، ويظنها شماتة . يأخذه الغيظ . يثور ، يصيح .
أهدئ من روعه . أقول : كان تحصل معي في أول عهدي بالتجارة ، يوم كنت أحتمي وراء حليف خائن ، إسمه الستوب . كنت أثور وأشتم وأهدد وأسعى الى الثأر . ألمؤكد أني لم افلح مرة في الثأر من السوق . الغلبة دوما له . يعطيك راضيا . ولا يعطيك مطلقا مرغما .
النزول في المحطة الخطأ .
صمت محدثي مرة جديدة . بدت علائم القهر على محيّاه . رأيت ان استفزه ليكمل السرد . فعلت . اتهمته بالفشل . قلت : دع ما ليس لك ، أعط خبزك للخباز .
لعل محدثي أصيب في كبريائه . عاد فورا الى السرد . نجحت في ما رميت اليه . بلغت مقصدي . قال :
مضى علي وقت غير يسير مع السوق ، صرت أحسّ غالبا انه مني ، واني منه . بتت أشعر بقدرة على فك رموز كانت تعصي علي في ما مضى .
أنا اراقب تحركات بعينها . انتظرها . أشعر بنبض في السوق اعتدت عليه . أعرف أن هذا وقت شراء . أسمع هاتفا داخليا يهمس اليّ : الآن ، الآن ، علامَ تنتظر ؟
هو يدفعني ، يزرع الثقة في نفسي ، ينزع كلّ شكّ منها .
أراني مقداما . أعملُ ما يجب عمله . انتظرُ . لا يخيب ظني . تسير صفقتي في الربح المرتجى . أحقق نقاط عشرة ، ثم خمس عشرة نقطة . تزداد دقات قلبي . يملأني شعور بالخشية والرغبة . خشية من فقد ما تحقق ، والرغبة بالحفاظ على برهان نجاحي .
بلا شعور مني ، وبحركة تنطلق من لاوعيي ، وبقرار متسرع ارتجالي أكسر به كل ما أكون قد رسمت من خطط ، أعمد الى اقفال الصفقة ، مهللا للخمس عشرة نقطة المحققة ، مفضلا إياها على النقاط المئة التي أشعر انها آتية . أقول : عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة . أما كها علمونا في المدرسة الابتدائية ؟
ومن يحقق نقاط عشرة ، ألا يستحق كأسا من الشاي ؟
وما ان ارشف الرشفة الاولى حتى يبدأ السوق بالجري ، نقاطي العشرة كانت ستكون خمسين ، لو انني لا ازال صامدا ، وبعد لحظات ، كانت ستكون مئة ، ومئة وخمسين ، يا لحظي التعس .
أغضب وأثور . أقفل الجهاز . أخرج من البيت الى حيث لا سوق ولا تجار في سوق .
يتوقف محدثي عن الكلام . أتقصد ألا أؤذي مشاعره . أحاول أن أخفي عنه ابتسامة . أخشى أن يسيء فهمي . لا أستطيع !
أحول الابتسامة الى ضحكة مدوية . استدرك قائلا : وانا ايضا في اول عهدي كنت اعيش هذه اللحظات .
الصعود في القطار الخطأ .
وهذه غلطة الغلطات ، قد تكون مدمرة ، سردها لي محدثي ، وساسردها لمن يحب الاتعاظ في الحلقة التالية .
|