يمرّ مجتمعنا بمرحلة انتقالية من الاقتصاد الصناعي إلى الاقتصاد الذي تحدده مجموعة جديدة من التقنيات، أهمها التكنولوجيا الرقمية أو العملة المشفّرة التي تعمل ضمن تقنية الـ»بلوك تشين». ومن بين أحدث موجات الرقمنة تبرز هذه التقنية التي تُبنى عليها العملة الرقمية أو المشفّرة، والتي تتضمّن مخاطر عدة بحسب الرئيس الفخري لرابطة خريجي جامعة هارفرد في لبنان، المصرفي السابق في بنك JP Morgan د. حبيب زغبي.
ظهرت العملة الرقمية منذ حوالى 11 سنة، وأوضح زغبي أن ميزتها أنها تُعنى بالقطاع الخاص، حيث لا تدخُّل للمصارف فيها، ولا حتى للمصرف المركزي، أي أنها خارج الرقابة والضوابط. ما يشكّل عامل خوف لدى البلدان لأنه في هذه الحال سيصبح هناك سوق موازية، وبالتالي لا يعود في إمكانهم ضبط العملة النقدية التي تؤثّر في العملة بالتداول والتضخم في بلد ما. إذاً، البلدان قَلِقة من كثرة العملة الرقمية، وهذه العملة يمكن التداول بها في عدّة اسواق عبر التطبيقات، بحيث تتضمّن نوعاً من الرقابة الدقيقة جداً، التي لا تُمحى، فالـ»بلوك تشاين» هو الاختراع الذي لا يخطئ، والذي سيغيّر مسار العالم.
المخاطر
أما بالنسبة لمخاطرها، فاعتبر زغبي أنها تكمن في إمكانية عرض للعملة الرقمية أكثر بكثير ممّا يعرف عنه اليوم، فاليوم يُزعَم أنّ العرض مضبوط ولهذا السبب ارتفعت العملات الرقمية بنسبة 9000% منذ بدء صدورها والتعامل بها.
فالبلدان تحاول الهرب من هذه الظاهرة عبر التعامل بها في المصارف المركزية أو حتى المصارف بغية تسهيل التداول. والتداول بحدّ ذاته يمكن استعماله للمضاربة، وللاستثمار، أو كأصول للفرد خارج الأصول العقارية، ولكن بالطبع تشوبها مخاطرة كبيرة لأنها بعيدة كل البعد عن الرقابة والضوابط، لذلك يمكن ارتفاع سعرها أو انخفاضه في وقت قياسي.
الربح يمكن ان يكون عالياً جداً، وهذا ما حصل في آخر 10 سنوات، وكانت العملة المشفّرة أو العملة الرقمية الاستثمار الذي أعطى أكبر مردود في العالم، أي 9000% أرباح، ما شَكّل ظاهرة نادرة عبر االتاريخ.
ويعمل العالم اليوم على احتواء العملة المشفّرة وإدخالها في نظام المصارف المركزية والاستثمارية، وبالتالي تصبح ضمن المصرف المركزي. وبدلاً من أن تكون مراقَبة من القطاع الخاص، يصبح لدى لبنك المركزي الإمكانية في حفظ معلومات مُستثمريه وزبائن المصرف. وبالتالي، يصبح بإمكان المستثمر التداول بالعملة المشفّرة عبر المصرف المركزي.
لبنان… والعملة الرقمية
بالنسبة للبنان، منعَ المصرف المركزي المصارف الاستثمارية من استعمال العملة المشفرة في الوقت الحاضر. ولكن يبقى السؤال: هل المواطن اللبناني مُستعد للتعامل مع المصرف في حال تعامل المركزي بالعملة المشفّرة في ظل الهوّة التي يقع فيها؟ في الوقت الحاضر، شدّد زغبي على أن المستثمر اللبناني لن يثق بالتعامل بالعملة المشفّرة مع المصرف المركزي وبمدى جديّة تعامله معها.
ولكن وضع المصرف المركزي الحجر الأساس للبدء بالتعامل بالعملة المشفرة عبر السماح لبعض الشركات بخَلق محفظة يمكن للمستثمر البيع والشراء من خلالها، وأصبحت هذه المنصّة تضمَ حوالى 5000 مستثمر. وتتم دراسة إمكانية عمل هذه المنصّة عبر «ليبان بوست»، وبالتالي تكون أولى خطوات بدء اعتماد العملة المشفّرة في لبنان.
ويؤكد زغبي أن الاستثمار بالعملة المشفرة آمِن في حال العمل بها عبر الاسواق والشركات الكبرى المنتشرة في الخارج، وفي حال تقديم ضمانات تضمن عدم تعرّضه للسرقة وعدم تبخّر أمواله في هذه الشركات أو عبر الوسطاء. ولكن الخسارة المحتملة ممكن ان تكون كبيرة، وهي باختصار وسيلة استثمار ووسيلة ليحمي نفسه من التضخم العالمي. أضاف: «إن تكنولوجيا العملة المشفّرة والـ»بلوك تشاين» يجب ان تستعمل ولكن بطريقة محدودة، من دون أخذ الكثير من المخاطر كونها شبيهة بألعاب الميسر».
بين الذهب والعملة الرقمية
برأي زغبي، هناك فرق شاسع بين الاستثمار في الذهب والعملة الرقمية، فالذهب سلعة أما العملة الرقمية فهي تسجيل آمِن. إن الذهب أكثر أماناً من العملة الرقمية لأنه مضبوط وموجود بوفرة في العالم أجمع، كما أن المصارف المركزية تتعامل به. بينما العملة المشفّرة أكثر مخاطرة ومضاربة من الذهب رغم أنها اليوم هي «الموضة الرائجة»، وهناك أمل كبير بأن ترتفع أكثر. إذاً، الإحتمال بارتفاع سعر العملة المشفّرة أكثر من احتمال هبوطها.
كيفية حفظ العملة الرقمية
لا يمكن فصل الرواج المستجد للطلب على العملات الرقمية عن العقلية اللبنانية التي تغلّب عليها نظرية الربح السهل على الاستثمار في الاقتصاد المنتج. وأشار خبير التحول الرقمي والأستاذ الجامعي بول سمعان إلى أنّ هناك عددا كبيرا من الاشخاص الذين يستثمرون بالعملة المشفّرة في لبنان خارج النظام المصرفي، وحذّر من دخول عالم العملة المشفّرة بهدف التجارة والمضاربة والربح السريع، فكما يرتفع سعرها بسرعة هائلة يعود لينخفض بشكل مفاجئ وفقاً لعوامل قد تطرأ فجأةً.
– تبادل العملات الرقمية عبر الإنترنت من خلال المحفظة الالكترونية، أو التطبيقات أو الـsoftware.
– محفظة الـhardware التي يمكن إيصالها بالحاسوب وتبادل العملات الرقمية، والتي تعتبر أكثر الطرق أماناً.
كما أشار إلى أنّ كل مُتداول هو مسؤول عن العمليات الرقمية التي يقوم بها وما من مرجعيّة أخرى له، لذلك من المهمّ جداً معرفة حفظ العملة الرقمية واللجوء الى الطريقة الأكثر أماناً في التعامل بالعملة الرقمية.
أما عن إيجابياتها، فأوضح سمعان أنه يمكن إرسال أي مبلغ عبر العملة الرقمية لتتمّ عملية التبادل ببضع دقائق، كما أنه من الممكن أن يكون الطرفان مجهولا الهوية. هذا فضلاً عن كون عمليات الدفع الدولية باستخدام البتكوين أسرع وأرخص من عمليات الدفع البنكية التقليدية، كما أنه يمكن إنفاق البتكوين بنفس الوسائل التي تنفق بها الأموال الرقمية التقليدية – من شراء جهاز حاسوب، جهاز هاتف، أو بطاقة ائتمان.
يعمل العالم اليوم على احتواء العملة المشفّرة وإدخالِها في نظام المصارف المركزية والاستثمارية، وبالتالي تصبح العملة المشفّرة ضمن المصرف المركزي بدلاً من أن تكون تحت مجهر القطاع الخاص فقط. فهل يصبح اقتصاد العالم قريباً بلا نقود ورقية؟.
شانتال عاصي