تستمر دراما الذهب بدون توقف بسبب تضارب التصريحات من قبل أعضاء الفدرالي الأميركي ومفاوضات سقف الدين.
فمن جانب، فقد فاجأ رئيس الفدرالي الأميركي جيروم باول الأسواق يوم الجمعة بأنه قد لا يكون الفدرالي الأميركي مضطراً إلى رفع الفائدة أكثر بسبب تشديد شروط الإئتمان المصرفي وأن البيانات الحالية تدعم وجهة النظر القائلة بأن خفض التضخم سيستغرق وقتاً، وأن الفدرالي الأميركي قطع الآن شوطاً طويلاً فيما يتعلق بعدم اليقين بشأن الآثار المتأخرة للسياسة النقدية. وبالتالي تم تسعير هذه التصريحات من قبل المستثمرين بأن الفدرالي الأميركي سيتجه لتثبيت الفائدة الاجتماع القادم، وبأنه سيقوم بخفض الفائدة بـ 25 نقطة أساس من بداية اجتماعات سبتمبر، وذلك بعكس الإشارات الواضحة السابقة من أعضاء الفدرالي الأميركي والذي كانت تصريحاتهم تميل الى استمرار تشديد السياسة النقدية لأن الهدف المستهدف للتضخم 2% من قبل الفدرالي الأميركي مازال بعيداً جداً ويستلزم المزيد من العمل.
هذا ما أكده جيمس بولارد، صانع السياسة، في الفدرالي الاميركي بولاية سانت لويس والذي صرح في مقابلته مع صحيفة فاينانشيال تايمز بأن على الفدرالي الاميركي زيادة اسعار الفائدة للتأمين ضد ارتفاع التضخم من جديد، كما أشار بصورة واضحة إلى أنه من المُرجح أن يرفع الفدرالي الأميركي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس مرة أخرى الشهر القادم.
هذا وأشار نيل كاشكاري، عضو الفدرالي الأميركي، إلى أن التضخم مازال مرتفعاً، وسوق العمل قوي، وبالتالي فإن السياسة النقدية التشديدية قد تكون ضرورية لفترة أطول.
وبالفعل، فإذا نظرنا للبيانات الاقتصادية الاميركية الأخيرة، فسنجد ان هناك ارتفاع في مؤشر أسعار المنتجين الأميركي على أساس شهري إلى 2% مقارنة بانكماش بـ 4% في الشهر السابق بالإضافة لارتفاع أسعار المنتجين الأساسي، وبالإضافة لقوة بيانات سوق العمل المتمثلة في تراجع طلبات إعانة البطالة إلى 242 ألف طلب، متراجعة من 264 ألف طلب، بالإضافة الى ارتفاع مبيعات التجزئة إلى 4% بعد ما سجلت انكماشاً بـ 7%.
بالتالي، فإن البيانات الاقتصادية القوية للاقتصاد الأميركي مع استمرار الضغوط التضخمية بالإضافة لتصريحات أعضاء الفدرالي التي تشير إلى استمرار تشديد السياسة النقدية، انعكست بمكاسب لمؤشر الدولار والذي استقر بتزايد الضغوط على الذهب هذا الأسبوع، فتراجع من مستويات 2024 إلى 1951 دولار للأونصة.
ولكن على الرغم من هذه البيانات الاقتصادية القوية وتصريحات أعضاء الفدرالي الأميركي، والتي تتناقض مع تصريح رئيس الفدرالي الأميركي، فقد سجل الذهب ارتفاعا يقدر بـ 1.1% في الإغلاق الأسبوعي وذلك لأول مرة منذ 4 جلسات، وهذا يعكس في رأيي أننا أمام منعطف هام في السياسة النقدية الأميركية، وأن هناك عدم توافق واضح بين أعضاء الفدرالي، وبالتالي هذا يعني زيادة ضبابية الموقف وزيادة مخاوف المستثمرين من الاتجاه للركود، خاصة مع تصريح جيروم بأول بأنه من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة مزيداً من التشديد الائتماني للقطاع المصرفي، وهذا يعني تراجع القروض، وبالتالي تراجع معدلات النمو للشركات.
فإذا استمرت هذه المخاوف وتحولت إلى حقائق، فسنرى مزيداً من ارتفاع الذهب الفترة القادمة والعكس صحيح في حالة تلاشي المخاوف.
على جانب آخر، فان دراما سقف الدين الأميركي تتواصل وتنعكس سلباً وإيجاباً على الذهب مع كل تصريح، فقد صرح الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الخميس الماضي، بأنه متفائل بشأن التوصل لحل وان واشنطن ستتجنب التخلف عن سداد ديونها، وبالتالي انعكست هذه التصريحات الواضحة على طمأنة الجميع بحل الأزمة، وبالتالي ارتفع مؤشر الدولار ليستقر فوق مستوى 103 نقطة، وتراجع الذهب من مستويات 1987 إلى 1951 دولار للأونصة، وذلك لوجود علاقة عكسية بين الدولار والذهب مع تراجع حدة مخاوف المستثمرين من دخول الولايات المتحدة في سيناريو تعثر للدين.
هذا وسنلاحظ استقرار مؤشر VIX الذي يطلق عليه مؤشر الخوف دون مستويات 30 نقطة، مما يعني أن مخاوف المستثمرين ضعيفة، وبالتالي تراجع الذهب الذي يرتفع في حالة تزايد مخاوف المستثمرين لانه الملاذ الآمن وقت الأزمات.
ولكن لم يستمر الوضع الهادئ كثيراً، ورجعت دراما سقف الدين تحتل المشهد العالمي فزادت المخاوف من جديد بعد تصريحات رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي بأن المفاوضات توقفت الآن، وأنه ولسوء الحظ تراجع البيت الأبيض للوراء، موضحًا أن الجمهوريين سيواصلون المفاوضات فقط عندما يعود الرئيس جو بايدن من قمة مجموعة السبع في اليابان.
وبالتالي، وبعد توقف المفاوضات من جديد، زادت المخاوف للمستثمرين، فاتجهوا للملاذ الآمن وقت الأزمات، وهو الذهب، فتغير من جديد مسار المعدن الأضفر صعوداً في جلسة نهاية الأسبوع بارتفاعات بحوالي 1.1%، وهو أول ارتفاع بعد 4 جلسات متتالية من الهبوط.
وبالتالي، وفي رأيي، إن المعدن الأصفر مازال أسير مفاوضات سقف الدين وتصريحات الفدرالي الأميركي فعلى المستثمرين توخي الحذر من شدة التقلبات لحين وضوح الرؤية في هذه الملفات.
أحمد معطي