أشارت الأخبار، الأسبوع الماضي، إلى صفقة مالية ضخمة، إن دلت على شيء فهي الثقة المستمرة بالصناعة النفطية العالمية؛ فقد اشترت شركة «كونوكو فيليبس» شركة «ماراثون أويل» العملاقة بقيمة 22.50 مليار دولار، الأمر الذي سيوسع عمليات «كونوكو فيليبس» في قطاع النفط الصخري الأميركي، وفي الاكتشافات البحرية الضخمة الحديثة في غينيا الاستوائية.
ويبلغ معدل إنتاج الولايات المتحدة في المرحلة الراهنة نحو 13 مليون برميل يومياً من النفط الخام؛ ما يضعها في قمة الدول المنتجة عالمياً. والأغلبية الساحقة من الإنتاج الأميركي مصدره النفط الصخري. ورغم أن سياسة الإنتاج النفطية الأميركية العالية هذه تتناقض مع سياسة الرئيس جو بايدن لتحسين البيئة، وتغير المناخ، فإنها تتوافق في الوقت نفسه مع سياسته لاستقلالية الطاقة، والحد من التضخم من خلال تخفيض معدلات أسعار المنتجات النفطية الأميركية، وتحديداً البنزين.
وفي هذا الوقت، أعلن «صندوق الطاقة المركزي» في جنوب أفريقيا، عشية الانتخابات العامة للبلاد، موافقته على شراء مصفاة «سابرف» في دربن. تبلغ طاقة المصفاة 180 ألف برميل يومياً، وهي مملوكة من قبل شركتي «بي بي» و«شل» لكنها مغلقة منذ عام 2022، وتحتاج إلى صيانة واسعة.
يعود سبب شراء المصفاة، وفق «الصندوق» المسؤول عن الاستثمارات النفطية الحكومية في جنوب أفريقيا، إلى «تأمين أمن الطاقة» في البلاد بوصف جزءاً من سياسة «الصندوق» للاستثمار في «استراتيجية للنمو وسلسلة إمدادات الطاقة». كما أبدى «الصندوق» قلقه لانخفاض الطاقة التكريرية في البلاد، و«تصدير وظائف محلية محتملة إلى الخارج، في ظل بطالة عمالية عالية تبلغ نحو 33 في المائة من الأيدي العاملة في البلاد، بالإضافة إلى زيادة ملحوظة في استيراد المنتجات النفطية».
ونظراً إلى الاختصاصات والتجارب الواسعة التي اكتسبتها شركات النفط العالمية طوال فترة تزيد على قرن من الزمن، سواء أكان ذلك من خبرة المهندسين أم الإداريين النفطيين، وفرت هذه الخبرة ميزة واسعة لدى شركات النفط على غيرها من الشركات العالمية، وهي الولوج في صناعات الطاقات المستدامة. ولربما المهم أيضاً، الاستفادة من منشآت صناعات النفط والغاز لتحويل ما يمكن منها «الأنابيب والخزانات» للاستعمال في صناعات الطاقات المستدامة، أو الاستفادة من خبرة النفطيين، أكثر من غيرهم، في تطوير الطاقات المستدامة، الأمر الذي يوفر فرصاً جديدة للشركات النفطية في استدامة عمرها، وزيادة مسؤولياتها وأرباحها، ومن ثم استثماراتها الضخمة في قطاعات الطاقات المستدامة، إلى جانب استمرارها في نشاطها النفطي.
وقَّعت شركة «توتال إنرجيز» النفطية الفرنسية، الشهر الماضي، مذكرة تفاهم مع شركة الكهرباء النمساوية «فيربند» وتونس لتشييد مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس بعنوان «إتش 2 نوتوس» للتصدير عبر خطوط أنابيب إلى أقطار أوروبا الوسطى (إيطاليا والنمسا وألمانيا) بحلول عام 2030. ويهدف المشروع إلى إنتاج 200 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً بتغذية من الطاقات المستدامة (الشمسية والرياح)، وباستعمال مياه البحر المعالجة التي استمدت وقودها أيضاً من الطاقات المستدامة (الطاقة الشمسية).
من نافل القول، أن التجارب أعلاه، هي أمثلة، ليس على سبيل الحصر، للتطورات الموازية لبعضها في مجال الطاقة في كل من الصناعة الهيدروكربونية والطاقات المستدامة.
والعامل المشترك في هذه اللحظة التاريخية لتحول الطاقة، هو الآتي: هناك عشرات القرارات التي تبنتها الحكومات لتصفير الانبعاثات بحلول عام 2050 من جهة، وفي الوقت نفسه الازدياد السنوي المستمر في الطلب العالمي على النفط.
في هذا الصدد، تشير معلومات منظمة «أوبك»، إلى أنه من المتوقع في ظل النمو الاقتصادي العالمي أن يزداد الطلب على النفط في عام 2024 لنحو 2.2 مليون برميل يومياً، كما يُتوقع استمرار ارتفاع الطلب خلال عام 2025 لنحو 1.8 مليون برميل يومياً، مقارنة بالعام الماضي، ليسجل معدل الاستهلاك النفطي العالمي في عام 2025 نحو 106.3 مليون برميل يومياً. وبالمناسبة، هذا أعلى معدل استهلاك نفطي سنوي عالمي إلى الآن، وهو ما يفسر، أكثر من أي سبب آخر، الاهتمام الذي تبديه صناعة الطاقة بالصناعة الهيدروكربونية.