أسعار النفط المتراجعة تمهد الطريق أمام الهبوط السلس للاقتصاد العالمي

رهانات على انخفاض سعر البرميل إلى 60 دولاراً بعد هبوطه لأدنى مستوى منذ 2021

يبزغ أمل جديد للاقتصادات المتقدمة حول العالم في نمو أكثر استقراراً خلال السنة المقبلة، حال تحققت بعض التوقعات الأشد تشاؤماً بالنسبة لأسعار الخام.

مع انخفاض مزيج برنت – المقياس العالمي – دون 70 دولاراً للبرميل لأول مرة منذ أواخر 2021 خلال هذا الأسبوع (قبل أن يرتفع أمس فوق هذا المستوى)، فإن عنصراً رئيسياً من عناصر أزمة الطاقة التي قادت إلى أسوأ أزمة تضخم على مدى جيل أصبح حالياً معتدلاً بما يسمح لصناع السياسة النقدية بتخفيض أسعار الفائدة.

تتزايد فرص تحمل الولايات المتحدة الأميركية ونظرائها تأثير ارتفاع تكاليف الاقتراض دون حدوث ركود ضار، مع احتمال هبوط الأسعار إلى 60 دولاراً للبرميل خلال 2025، وهو ما أشار إليه محللون من بنكي “سيتي غروب” و”جيه بي مورغان”، وكررته مطلع هذا الأسبوع إحدي أكبر شركات تجارة السلع الأساسية في العالم.

التيسير النقدي

قال تيم درايسون، رئيس قسم الاقتصاد في “ليغال آند جنرال إنفستمنت مانجمنت” (Legal & General Investment Management) في لندن والمسؤول السابق في وزارة الخزانة البريطانية: “سيزداد احتمال حدوث هبوط سلس للاقتصاد في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. بصفة عامة، سيكون ذلك إيجابياً تماماً للعالم من حيث عودة أسعار الفائدة إلى مستويات أقل، ومساعدة البنوك المركزية على العودة إلى حالة التوازن”.

بالنسبة للمؤسسات النقدية المستعدة لخفض أسعار الفائدة الشهر الحالي، فإن الانخفاض الأخير في أسعار النفط فتح الباب على مصراعيه أمام بدء التيسير النقدي. يرجح أن يعلن مسؤولو البنك المركزي الأوروبي عن خفض أسعار الفائدة للمرة الثانية اليوم الخميس، بينما من المنتظر على نطاق واسع أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي دورة تيسير نقدي خاصة به بعد أقل من أسبوع.

يمكن للتراجع المنشود في أسعار النفط لمستوى 60 دولاراً – على الأقل بالنسبة للمستثمرين وصناع السياسات النقدية الذين يؤمنون بإمكانية حدوث ذلك – أن يؤدي إلى تخفيض معدلات التضخم الرئيسية بطريقة أكبر، وتقديم دفعة إضافية للدخل القابل للتصرف للمستهلكين. يمثل هذا نقطة مضيئة نادرة وسط عالم حافل بالمخاطر بداية من احتمال نشوب حروب تجارية وصولاً إلى القلق بشأن تضرر الطلب العالمي من دوامة انكماشية في الصين.

هبوط الأسعار

قال كريستوف روهل، كبير محللين في مركز السياسة العالمية للطاقة التابع لجامعة كولومبيا: “سيكون انخفاض أسعار النفط أمراً مفيداً للغاية، لا سيما بالنسبة للبنوك المركزية، إذ يخفف الضغط على التضخم، وهو ما تحتاجه المؤسسات النقدية تحديداً حالياً”.

بعد تعديل أسعار النفط وفق معدلات التضخم، فإنها تعد متراجعة لمستويات شوهدت قبل عقدين، عندما كانت طفرة السلع الأساسية في بكين في بداياتها. يتوقع محللون في بنكي “جيه بي مورغان” و”سيتي غروب” أن تهبط الأسعار بشكل أكبر السنة المقبلة، إذ يتعرض نمو الطلب الضعيف للضغط جراء المعروض الجديد الهائل.

أشار بن لوكوك، رئيس وحدة النفط العالمي في “ترافيغورا”، في مؤتمر آسيا والمحيط الهادئ للنفط في سنغافورة الاثنين الماضي، إلى أن خام برنت “من المحتمل أن ينخفض لمستوى الـ60 دولاراً في وقت قريب نسبياً”. حذرت شركة كبرى أخرى وهي “غونفور غروب” من أن أسواق النفط يرجح أن “تزداد سوءاً”.

يعد ضعف الطلب جزءاً من المعادلة، خاصة مع فقدان الاقتصاد الأميركي الزخم، وظهور الظروف الانكماشية في الصين بصورة أوضح.

قالت أليسيا غارسيا هيررو، كبيرة خبراء الاقتصاد لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة “ناتيكس”( Natixis): “يشير ذلك إلى اتجاه أكبر اقتصادين حول العالم. يعاني الاقتصاد الصيني من تباطؤ متواصل يعود لعوامل هيكلية، وهو ما تعانيه الولايات المتحدة الأميركية، لكن لأسباب مرتبطة بدورات الاقتصاد وليس لعوامل هيكيلة”.

نمو العرض

في حين يكشف الاقتصاد الأميركي عن علامات تراجع، فإن قطاع النفط الأميركي لا يزال قوياً. من المتوقع أن يزداد إنتاج النفط العالمي بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً العامين الجاري والمقبل – بقيادة حقول النفط الصخري الأميركية – متجاوزاً نمو الطلب العالمي بحوالي 50%، وفق وكالة الطاقة الدولية في باريس. تعد هذه الزيادة في المعروض أحد الأسباب التي تجعل الأسعار تواصل الانخفاض رغم تخفيضات السعودية وحلفاؤها في تحالف “أوبك+” للإنتاج على مدى فترة طويلة.

يحظى النفط الخام بأهمية هائلة دائماً بالنسبة لأسعار المستهلكين العالمية، ما يجعل الانخفاض السريع إلى 60 دولاراً للبرميل – أي انخفاض بنحو 20 دولاراً منذ يوليو الماضي- يشكل فارقاً كبيراً.

 يشير نموذج ( SHOK ) الذي وضعته “بلومبرغ إيكونوميكس” إلى أن الانخفاض الفوري بهذا الحجم سيقلل من معدلات التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا 0.4 نقطة مئوية في أواخر 2024 وأوائل 2025. بالنسبة للصين، سيكون الهبوط بنحو نصف ذلك الرقم.