شهدت أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً تجاوز نسبة الـ 5% خلال تعاملات يوم الخميس 3 أكتوبر/ تشرين الأول؛ مدفوعة بتصاعد حدة التوترات في منطقة الشرق الأوسط وترقب رد فعل إسرائيل على الهجمات الإيرانية التي استهدفتها يوم الثلاثاء الماضي.
الرد المحتمل قد يشمل استهداف منشآت تصدير النفط الإيرانية، بحسب مسؤولين إسرائيليين، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام سيناريوهات مختلفة قد تؤدي إلى اضطرابات أوسع بسوق النفط العالمية وسط سيناريوهات مفتوحة على حسب طبيعة تصاعد المخاطر.
وفي ظل هذه التطورات، ترزح السوق تحت وطأة الترقب، حيث يحبس المستثمرون أنفاسهم مترقبين بقلق بالغ أي تطورات جديدة قد تؤثر على إمدادات النفط؛ خاصة في ظل أهمية المنشآت النفطية الإيرانية. فيما يُعول محللون على ظروف السوق الأوسع، وقدرات الطاقة الاحتياطية لأوبك+ لتعويض النقص، لكن هذا من شأنه أن يقلل من الطاقة الاحتياطية إلى 3-4 مليون برميل يومياً.
بحسب بيانات شركة Energy Aspects، فإن صادرات إيران تصل إلى نحو 1.6-1.8 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمكثفات (منها 1.5 مليون برميل يوميا تذهب إلى الصين)، وذلك فضلاً عن أكثر من 0.5 مليون برميل يومياً من المنتجات/ المشتقات النفطية.
ومع استمرار التوترات الجيوسياسية، تظل السوق عرضة لتقلبات حادة، حيث تتجه الأنظار نحو الشرق الأوسط لمعرفة مدى تصاعد الأوضاع، وما إذا كان هذا التوتر سيتحول إلى صراع إقليمي أوسع يؤثر بشكل مباشر على الإنتاج النفطي.
جزيرة خرج الإيرانية
في هذا السياق، يقول كبير محللي الأبحاث في شركة MST Financial، سول كافونيك، في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، إن جزيرة خرج الإيرانية، التي تمثل نحو 90% من صادرات النفط الإيرانية، هدف (للرد الإسرائيلي المحتمل حال قررت إسرائيل استهداف منشآت تصدير النفط الإيرانية).
ويوضح أن الأسواق كانت تتجاهل إلى حد كبير المخاطر الجيوسياسية بعد عدم حدوث أي انقطاعات في الإمدادات (للنفط) بسبب الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط على مدى العامين الماضيين، بينما قد يكون انقطاع الإمدادات المحتمل الآن أكثر إلحاحاً، مضيفاً: “لقد أيقظ الهجوم الصاروخي الإيراني السوق على المخاطر الجيوسياسية لإمدادات النفط مرة أخرى”.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، في تصريحات للصحافيين لدى مغادرته البيت الأبيض ذاهباً إلى فلوريدا، إنه يناقش ضربات إسرائيلية محتملة على منشآت نفط إيرانية.
فيما قال مسؤول أميركي، إن الولايات المتحدة لا تعتقد بأن إسرائيل قررت كيفية الرد على الهجوم الإيراني، “بما في ذلك ما إذا كانت ستضرب منشآتها النفطية”، مردفاً: “كما قال الرئيس جو بايدن، نواصل إجراء مناقشات مع الإسرائيليين حول ردهم على هجوم الثلاثاء، ونعلم أنهم ما زالوا يعملون على تحديد ما سيفعلونه بالضبط”، وذلك في تصريحات نقلتها رويترز.
البنتاغون من جانبه كشف عن أنه تحدث إلى إسرائيل عن ردها على هجوم إيران الصاروخي، لكنه رفض تقديم تفاصيل بشأن هذه المناقشات. فيما ذكر سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة: “لدينا خيارات كثيرة فيما يتعلق بإيران”.
أربعة سيناريوهات رئيسية
وبالعودة إلى تصريحات كافونيك، فإنه يرصد أربعة سيناريوهات رئيسية لارتفاع الأسعار بموجب التطورات وتصاعد المخاطر الجيوسياسية على النحو التالي:
◾ السيناريو الأول (ارتفاع متواضع بالأسعار): في هذا السيناريو يشير كافونيك علاوة مخاطرة مرتفعة بعدة دولارات. وقد بدأ هذا السيناريو بالفعل في الظهور (خلال اليومين الماضيين).
◾ السيناريو الثاني (ارتفاع متوسط بأسعار النفط): يفترض هذا السيناريو اقتراب أسعار النفط من 100 دولار للبرميل إذا تعطلت صادرات إيران التي تصل إلى 2-3 ملايين برميل يومياً (عبر هجوم على البنية التحتية الإيرانية مثل جزيرة خرج، أو فرض عقوبات أكثر صرامة).
ويمكن استبدال معظم هذه (الكميات) بسهولة بالطاقة الاحتياطية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ولكن حتى في هذه الحالة، ستنخفض القدرة الاحتياطية (..). لذا، حتى لو تمكنت أوبك من تغطية خسارة في الصادرات الإيرانية، فقد يتجه النفط نحو 100 دولار للبرميل على أي حال مع تقليص التكرار الكلي للنظام.
◾ السيناريو الثالث (ارتفاع قوي بالأسعار): بموجب هذا السيناريو، يتوقع كبير محللي الأبحاث في شركة MST Financial، في معرض حديثه مع CNBC عربية، أن تتجه أسعار النفط فوق الـ 100 دولار، حال ما إذا استهدفت إيران البنية التحتية النفطية في الدول العربية.
◾ السيناريو الرابع (ارتفاع حاد بالأسعار): يفترض ذلك السيناريو وصول النفط والغاز الطبيعي المسال إلى مستويات قياسية (150 دولارًا للبرميل فما فوق) إذا تصاعد الصراع بشكل أكبر ليؤثر على المرور بمضيق هرمز. وبالتالي فإن ما يصل إلى 20٪ من إمدادات النفط والغاز الطبيعي المسال العالمية معرضة للخطر إذا تأثر المرور في هذا المضيق.
وهذا من شأنه أن يمثل أكثر من ثلاثة أضعاف التأثير النسبي للسوق لصدمات أسعار النفط في السبعينيات، في أعقاب الثورة الإيرانية والحظر النفطي العربي، وفق كافونيك، الذي يعتقد بأنه يمكن أن يؤدي هذا السيناريو إلى دفع النفط والغاز الطبيعي المسال إلى مستويات قياسية تتجاوز أزمة الطاقة العالمية في العام 2022.
أسواق الطاقة تحت الضغط.. ما تأثير التصعيد في الشرق الأوسط؟
وارتفعت أسعار النفط الخام بأكثر من 5% خلال تعاملات يوم الخميس، لتواصل مكاسبها للجلسة الثالثة على التوالي مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، واستعداد السوق لرد إسرائيلي على إيران.
وقفزت العقود الآجلة لخام برنت 3.72 دولار أو 5.03% لتسجل عند التسوية 77.62 دولار للبرميل. كما ارتفعت العقود الآجلة للخام الأميركي بنحو 3.61 دولار، أي 5.15% إلى 73.71 دولار للبرميل عند التسوية.
تكهنات “صعبة”
من جانبه، فإن نائب الرئيس الأول ورئيس قسم حلول تداول النفط في شركة Rystad Energy، موكيش ساهديف، يقول في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، إن تصعيد الصراع حيث تهاجم إسرائيل أو إيران البنية التحتية للنفط في منطقة الخليج سيكون خطيرًا ليس فقط على أسواق النفط ولكن على استقرار المنطقة بأكملها.
ويضيف: من الصعب التكهن بالسيناريوهات.. من الواضح أن حوالي 2 مليون برميل يوميًا من صادرات إيران، و12-13 مليون برميل يوميًا من صادرات النفط الخام من ميناء هرمز سوف تتأثر. وبالمثل، سوف تتأثر تدفقات المنتجات المكررة أيضًا. وذلك بعد أن تسببت أزمة البحر الأحمر بالفعل في تحرك براميل النفط عبر طرق أطول عبر رأس الرجاء الصالح.
وفي تقدير ساهديف، فقد يتراوح التأثير من الإغلاق الجزئي لبضعة أيام إلى الانسداد الكامل لمدة أطول، مشدداً على أن هذه سيناريوهات بدون احتمال واضح، فلقد أثر هذا الغموض بالفعل على التدفقات وقرارات الشراء مما أدى إلى ملامسة عقود برنت الآجلة لمستوى أعلى بالقرب من 78 دولارًا للبرميل في وقت سابق. ومن الممكن أن ترتفع أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل.
ستؤثر الأزمة أيضًا على تدفقات الغاز الطبيعي المسال من قطر والإمارات العربية المتحدة بشكل كبير مع إمكانية وصول TTF إلى ما يقرب من 50 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
ويختتم رئيس قسم حلول تداول النفط في شركة Rystad Energy، تصريحاته قائلاً: لقد كان ضعف الطلب في الصين عاملاً في تصحيح الأسعار. ومن المؤكد أن الطاقة الاحتياطية لأوبك+ توفر حاجزًا لخسارة الإنتاج الإيراني فقط في حالة عدم قيام إيران بالرد بإغلاق خط أنابيب هرمز. وتوفر أنباء استئناف الإنتاج في ليبيا بعض الضوابط على ارتفاع الأسعار بسرعة كبيرة.
دور أوبك
على الجانب الآخر، يضع محللون آخرون ظروف السوق الأوسع نطاقاً نصب أعينهم لدى تقييم اتجاهات أسعار النفط، بما في ذلك الأثر الممتد لتقلص الطلب الصيني، علاوة على توافر أكثر من خمسة ملايين برميل يومياً من الطاقة الفائضة لدى أعضاء أوبك بلس، والتي يُمكن أن تكون داعماً لتعويض تأثر الإمدادات الإيرانية حال تعرضها للضرر.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب البريطاني المتخصص في شؤون الطاقة، باتريك هيرين، في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية: “في وضع سريع التغير كهذا، يعد التنبؤ بتفاعلات السوق أمراً خطيراً؛ فعادةً ما تتفاعل الأسواق مع العنف في الشرق الأوسط بزيادة الأسعار (..).. إذا هاجمت إسرائيل منشآت تصدير النفط الإيرانية، فإن ذلك سيؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع كبير في الأسعار.. وبالمثل، إذا هاجمت إيران ناقلات النفط الداخلة والخارجة من دول الخليج كجزء من سياسة التصعيد الخاصة بها”.
ويردف قائلاً: “أعتقد أن هذا السيناريو – هجوم إيران على صادرات المنتجين الآخرين- هو التطور الأكثر خطورةً المحتمل، ولكنني ما زلت أعتقد بأنه غير مرجح”، مشدداً على أن “الأمر الذي يجب أن نتذكره هو أن سوق النفط، مثل معظم أسعار السلع، تعاني أساساً من فائض في العرض، وهو السبب وراء وجود أوبك؛ لتنظيم الأسعار من خلال التحكم في إنتاج النفط للدول الأعضاء”.
وتمتلك أوبك+ كمية كبيرة من الخام الفائض الذي قد يسد الثغرات في حال حدوث الرد وتأثيره على إنتاج النفط، وفقاً لكبير الاقتصاديين في Rystad Energy، كلاوديو غاليمبرتي، الذي قال في مذكرة للعملاء يوم الخميس: “إن هذه القدرة الفائضة تمنع الآن الأسعار الجامحة وسط واحدة من أعمق الأزمات وأكثرها انتشاراً في الشرق الأوسط في العقود الأربعة الماضية”.
الطاقة الاحتياطية لـ “أوبك +”
وإلى ذلك، يلفت كبير محللي السلع في مجموعة SEB البنكية السويدية، بيارني شيلدروب، في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، إلى أن الطاقة الاحتياطية لأوبك+ والتي تبلغ 5-6 مليون برميل يومياً يمكن أن تغطي بسهولة الخسارة المحتملة لنحو 2 مليون برميل يومياً من صادرات النفط الخام والمكثفات الإيرانية، إذا تضررت وخرجت عن نطاق الاستخدام.
ولكن “هذا من شأنه أن يقلل من الطاقة الاحتياطية إلى 3-4 مليون برميل يومياً مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل طبيعي”، وفق شيلدروب، الذي يشدد على أن تضرر البنية التحتية للنفط في الشرق الأوسط من شأنه أن يضيف علاوة مخاطرة كبيرة إلى سعر النفط خوفاً من فقدان المزيد من الإمدادات.
إن أكبر المخاوف -في تقدير كبير محللي السلع في SEB- هو إغلاق مضيق هرمز الذي يحمل 20٪ من الإمدادات العالمية إلى السوق، في هذه الحالة “سوف يرتفع سعر النفط إلى عنان السماء”.
ويشير إلى أن الاضطرابات الشديدة في إمدادات السلع الأساسية (في حالات مثل إغلاق مضيق هرمز) عادة ما تدفع سعر السلع الأساسية إلى مستوى يتراوح بين 5 و10 أضعاف مستواه الطبيعي، في إشارة إلى أن ذلك قد ينطبق أيضاً على أسعار النفط التي تدور حالياً عند مستويات 70 دولاراً أميركيا للبرميل، وقد تصل طبقاً لهذا السيناريو إلى 350 دولاراً، مستشهداً في هذا السياق بمثال حي، مرتبط بارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في سوق الغاز الطبيعي المسال العالمية إلى 385 دولاراً أميركيا (لكل ألف متر مكعب) بعد هجوم روسيا على أوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر فبراير/ شباط من العام 2022.
ويختتم حديثه بقوله: سوف ترد إسرائيل على إيران.. بينما لا نعلم أين سيتوقف الأمر؟ وهل ما إذا سيكون ثمة تصعيد انتقامي على غرار ما حدث في السابق؟
وإيران عضو في منظمة أوبك، وقد أنتج البلد الذي يعمل في ظل العقوبات الأميركية، نحو 4 ملايين برميل يوميا من الوقود في العام 2023.
هل تهدأ مخاوف السوق؟
المحلل في شركة وساطة النفط PVM، جون إيفانز، يقول في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، إنه “إذا توقفت قدرة إيران النفطية بالكامل، فسوف يتوقف ما بين 1.5 و2 مليون برميل يوميا من الصادرات.. وفي الأمد القريب، سيؤدي هذا إلى ارتفاع في الأسعار، ولكن السوق لديها القدرة الحالية على التكيف واستبدالها في نهاية المطاف”.
كما أن “تعطيل حركة المرور عبر مضيق هرمز من شأنه أن يحجب 20 مليون برميل من المواد النفطية المجمعة، وسوف يترتب على ذلك نقص ملموس في النفط”، وفق إيفانز، الذي يضيف: “صحيح أن 5 ملايين برميل يوميا من الطاقة الاحتياطية لمنظمة أوبك تشكل دعماً، ولكن إذا انتشر الحريق، فهل يمكن لأي شخص أن يتأكد من أن إمكانات الإنتاج الإضافية لن تتضرر أيضا؟”.
ومع ذلك، في تقدير المحلل في شركة وساطة النفط PVM، فإن هذه المخاوف سوف تخف إلى حد كبير في الأيام المقبلة ما لم يتأثر العرض النفطي من المنطقة أو حركة المرور عبر مضيق هرمز بشكل ملموس. وفي ظل هذا السيناريو، سوف تصبح الأساسيات الأساسية القوة الدافعة مرة أخرى وهذه الأساسيات ليست مشجعة على الإطلاق.
ويختتم حديثه قائلاً: “لا نعتقد في الوقت الحاضر بأن الصراع الحالي سوف يكون له أي تأثير على الأسعار مثل الذي شهدته الحرب في أوكرانيا”.
محمد خالد