بنك اليابان لا يعرف ما يريد. الين يدفع الثمن

يصر رئيس وزراء اليابان على أن ينأى بنفسه عن التدخل في شؤون أسعار الفائدة، بعد أن قدم لبنك اليابان بعض النصائح في هذا الشأن في وقت سابق. ويؤكد شيغيرو إيشيبا أن البنك المركزي بمقدوره أن يفعل ما يريد.

المعضلة في أن بنك اليابان لا يبدو أنه يعرف تحديداً ماذا يريد، والين هو الذي يدفع الثمن.

بعد ارتفاع قوي خلال الربع الثالث من العام، تتراجع قيمة العملة اليابانية مرة أخرى، فقد انخفضت بنحو 4% مقابل الدولار منذ بداية أكتوبر الجاري وتقترب من المستويات التي تدخلت الحكومة عندها في الأسواق في وقت سابق من هذا العام من أجل كبح تراجعها.

يتكهن المتداولون الآن بشأن موعد تدخل وزارة المالية بنشاط لشراء العملة مرة أخرى، وليس احتمال حدوث ذلك من عدمه. وكان من المفترض أن الين قد تجاوز أسوأ منعطفاته، كما كتبت في سبتمبر.

يجدر بنا أن ندرس العوامل التي أعطت الين هذه الدفعة القوية، بصرف النظر عن عمليات الشراء المتعددة التي قامت بها الحكومة في توقيت حددته بعناية، وما إذا كانت تلك العوامل لها نفس قوة التأثير اليوم.

عوامل قوة الين وتغير نبرة البنك

استند ارتفاع العملة في الفترة من يوليو إلى سبتمبر على عاملين: التشديد المفاجئ من السلطة النقدية المحلية وتحول الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة.

وفي حين يتوقع معظم الاقتصاديين أن يعزز بنك اليابان سحب حزم التحفيز، إلا أن محافظ البنك كازو أويدا وزملاءه من صانعي السياسة النقدية شددوا في الآونة الأخيرة على اتباع نهج بطيء في إنجاز هذه الخطوة. وقد تمثل هذه النبرة الجديدة تحولاً كبيراً عوضاً عن  خطأ آخر في التواصل من النوع الذي ابتلي به البنك في عهد أويدا.

بالنسبة لبنك اليابان، الأمر يتعلق أكثر بما لم يخرج إلى العلن. كانت الزيادة المفاجئة في 31 يوليو مصحوبة بخطة لخفض شراء السندات، بالإضافة إلى بعض التوقعات الاسترشادية القوية.

لم يكن الاقتصاد الياباني بحاجة إلى أن يتجاوز التوقعات لتبرير التشديد الإضافي للسياسة النقدية، بل كان ينبغي فقط أن يتماشى أداؤه مع توقعات المسؤولين. وفي ضوء الفجوة الكبيرة بين تكاليف الاقتراض بين اليابان وأي دولة أخرى تقريباً، خاصة الولايات المتحدة، كانت هذه وصفة لتعاظم قوة الين.

تطور خطاب أويدا

لذلك عندما أغفل أويدا التوقعات الاسترشادية السابقة في اجتماع السياسة النقدية التالي في سبتمبر، كان ذلك ملحوظاً. اقترح المحافظ آنذاك أن تشمل الاختبارات الحاسمة لأي زيادات إضافية مدى متانة الاقتصاد العالمي، وبشكل رئيسي الاقتصاد الأميركي. وعلى الرغم من أن ذلك الحديث كان منطقياً، بدا وكأن أويدا يفقد الثقة.

لو كان الأمر كذلك، فلماذا؟ هنا تظهر فائدة مراقبة الين، فقد أنهى شهرين حقق خلالهما أداءً جيداً، مقارنة بشهر يوليو، عندما لامس مستوى 160 يناً مقابل الدولار، وهو أضعف مستوى له خلال جيل.

هناك العديد من الحالات التي تغير فيها خطاب أويدا تزامناً مع مسار الين منذ أن أصبح محافظاً لبنك اليابان في أوائل عام 2023. وكانت إحدى هذه المناسبات في مايو الماضي، عندما غادر اجتماعاً مع رئيس الوزراء آنذاك فوميو كيشيدا متحدثاً بقوة عن تأثير سعر الصرف على التضخم.

نحن نعرف كيف أصبح تحديد أهداف معينة للتضخم، عادة قرب 2%، رائجاً في جميع أنحاء العالم منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي. ولكن ماذا عن استهداف العملة؟ إن ذلك أمر أكثر ندرة. وعلى الرغم من أن أويدا وشركاءه سيجفلون جراء هذه الإشارة، فإن أفعالهم تجعلهم عرضة للاتهام.

ارتفاع الدولار وتدخل الحكومة

قوة الدولار تلعب دوراً، وارتفعت العملة الخضراء أمام اليورو والجنيه الإسترليني والدولار الكندي مع تلاشي الرهانات على خفض كبير آخر في أسعار الفائدة في نوفمبر.

من الضروري أن نضع في الحسبان بعض هذه التطورات، مثل أن الاقتصاد الأميركي يبدو متيناً، لكن معدل التضخم ينخفض بسرعة، وأن تخفيضات إضافية ستطرأ على أسعار الفائدة، ولكنها على الأرجح بمقدار ربع نقطة مئوية، وهو القدر المعتاد لتغيير سعر الفائدة في غياب الأزمات، بدلاً من نصف نقطة مئوية مثل تلك التي حدثت في سبتمبر.

وماذا عن التدخل في سوق العملة؟ إن أجمل ما في شراء الحكومة اليابانية للين في أبريل ويوليو هو أن وزارة المالية اختارت أوقاتها بعناية. فلم تعلن الوزارة عن تحركاتها، وانتظرت أحياناً حتى تسير الأسواق في الاتجاه الصحيح قبل أن تنضم إلى المعركة لإعطاء الين دفعة إضافية. (بينما يحدد بنك اليابان أسعار الفائدة، فإن الوزارة هي التي تقرر سياسة العملة).

عاد التدخل في أسواق العملة كأداة شرعية، بعد أن كان مستهجناً في العقود القليلة الماضية. ومن غير الواقعي الظن بأن اليابان لن تتدخل في الأسواق مرة أخرى.

في النهاية، يعود النقاش حول الين إلى مسألة أسعار الفائدة. وعلى الرغم من أن الاحتياطي الفيدرالي هو من يتصدر البنوك المركزية الأخرى، وهو تاريخياً من يحدد وتيرة العوائد على مستوى العالم، فإن للآليات المحلية أيضاً أهميتها.

يستطيع أويدا أن يشير إلى واشنطن كما يشاء، لكن عجزه عن الاستقرار على رسالة متسقة هو جزء من أسباب معاناة عملة بلاده. ربما يريد بنك اليابان تشديد السياسة النقدية مرة أخرى، والوصول بسعر الفائدة الرئيسي قريباً من 1% عبر سلسلة من الإجراءات-ويبلغ سعر الفائدة حالياً 0.25% فقط. نتمنى أن يستطيع أويدا أن يقول ذلك بصوت عالٍ وألا يخاف إلى هذه الدرجة.