شهدت الصين قفزة حادة في تداولات الذهب الأسبوع الماضي مع تسجيل المعدن مستويات قياسية متتالية وتصاعد التوترات التجارية الصينية الأميركية.
سجّلت بورصة شنغهاي للعقود الآجلة أعلى حجم تداول للمعدن النفيس في عام الأسبوع الماضي وسط زيادة نشاط التحوّط من قِبل المستثمرين والمنخرطين في الصناعة – مثل المصافي والمتداولين وتجار تجزئة – في ظل التذبذب الحاد في الأسواق العالمية بفعل تغيّرات السياسات التجارية في الصين والولايات المتحدة.
تحوط بالذهب من الحرب التجارية المتصاعدة
يتزايد الإقبال على الذهب مع لجوء المستثمرين إلى الملاذات الآمنة وسط تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. يتوقع “غولدمان ساكس” أن يصل سعر المعدن النفيس إلى 4,000 دولار للأونصة العام المقبل، أي بزيادة تقارب 25% عن مستوياته الحالية، مدفوعاً بموجة شراء من البنوك المركزية ومخاوف الركود الاقتصادي.
أدت نوبة الشراء في الصين إلى تداول الذهب محلياً بعلاوة تقارب 20 دولاراً للأونصة فوق الأسعار العالمية، في تحول عن تداوله بخصم معظم العام الماضي حين كان الطلب المحلي ضعيف، وفق حسابات “بلومبرغ”.
اشترى البنك المركزي الصيني نحو 2.8 طن من الذهب في مارس، في خامس زيادة شهرية على التوالي، وقد تدفعه التوترات العالمية المتصاعدة إلى رفع مشترياته من المعدن.
في عام 2019، أضاف بنك الشعب الصيني أكثر من 100 طن على احتياطاته من الذهب بعد تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترمب.
إقبال على المنتجات المدعومة بالذهب
تحوّلت الصناديق المتداولة في البورصة المدعومة بالذهب إلى خيار استثماري شائع في سوق تميل تقليدياً إلى اقتناء المعدن الفعلي، وسجّلت التدفقات إلى الصناديق المتداولة المحلية، بقيادة المستثمرين الأفراد، أرقاماً قياسية أسبوعاً تلو الآخر، إذ تجاوزت تدفقات الأسبوع الماضي 12.4 مليار يوان (1.7 مليار دولار)، أي ضعف ذروة الأسبوع السابق تقريباً.
قال آرون تشان، استراتيجي الذهب في “ستيت ستريت غلوبال أدفايزرز” إن قاعدة الطلب متعددة الطبقات، تساعد في دعم استقرار أسعار الذهب حتى في ظل التقلبات الخارجية.
وأضاف: “هذا الطلب يتسم بمضاربات أقل كما أنه استراتيجي ومتجذر ثقافياً، ما يعني أنه أكثر استمرارية ومرونة”.
قال زيجيه وو، المحلل في شركة “جينروي فيوتشرز” (Jinrui Futures Co) في شينزين إن جزءاً كبيراً من ارتفاع السعر محلياً يأتي من الطلب على سبائك الاستثمار، والتدفقات إلى الصناديق المتداولة، وخطط جمع الذهب التي توفرها البنوك وهي منتجات استثمارية تسمح للمستثمرين الأفراد بمراكمة الذهب بشكل منتظم.
أضاف وو: “يستمر المستثمرون في تفضيل الذهب كأصل آمن ومتنوع لمحافظهم طويلة الأجل، في ظل تعرض السندات والأسهم المحلية لضغوط”.
طلب قوي مستمر على الذهب
ويتوقع أن يظل الطلب سواء للاستثمار أو التحوط قوياً في الصين إذ تخلق التقلبات السياسية في الولايات المتحدة حالة عدم يقين أكبر.
يأتي الإقبال على الذهب في وقت تتراجع فيه الثقة في سندات الخزانة الأميركية التي تُعتبر عادة ملاذاً آمناً أيضاً. باع المستثمرون هذه السندات الأسبوع الماضي وسط تآكل واسع في الثقة بالأصول المقومة بالدولار الأميركي.
قال فاسو مينون، المدير العام لاستراتيجية الاستثمار في “أوفرسي-تشاينيز بانكينغ كورب” (Oversea-Chinese Banking (Corp: “قد تتشجع الصين على المضي قدماً بشكل أسرع لتنويع احتياطياتها بعيداً عن الدولار والسندات الحكومية الأميركية، بالنظر إلى أنها تقع في قلب الحرب التجارية”.
وأضاف مينون: “الرغبة في تقليل التعرض للولايات المتحدة قد تدفع الصين إلى شراء مزيد من الذهب لتعزيز احتياطياتها”.
ارتفع الذهب بأكثر من 20% حتى الآن العام الجاري، ويُتوقع أن يستمر في الصعود وسط استمرار حالة عدم اليقين، وتوقع “غولدمان ساكس” أن يرتفع الذهب إلى 3,700 دولار للأونصة بنهاية العام الجاري، مع احتمال بلوغه 4,000 دولار للأونصة بحلول منتصف عام 2026.