يسجل اليورو أسرع انتعاش خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، إذ يراهن المتداولون على وصوله إلى 1.2 دولار أميركي، ويسعى الخبراء لتحديث توقعاتهم بشأن أدائه في المستقبل.
بلغت العملة الأوروبية الموحدة أعلى مستوى لها في ثلاث سنوات بنهاية الأسبوع الماضي، حيث أثار عدم اليقين الاقتصادي الناجم عن سياسة التعريفات الجمركية الأميركية تساؤلات حول دور الدولار التقليدي كملاذ آمن.
ثلاثة أرباع عقود الخيارات التي تم شراؤها يوم الجمعة كانت تهدف إلى استفادة المستثمرين من زيادة قيمة اليورو، حسب بيانات شركة الإيداع والمقاصة التي تقدم خدمات تسجيل وتسوية العقود المالية.
اليورو.. توقعات صعودية
يقول المتداولون إن صناديق التحوط تستهدف تحرك اليورو نحو 1.20 دولار. ويرى الاستراتيجيون في شركة “ميزوهو إنترناشيونال” (Mizuho International) أن هناك احتمالات متزايدة لوصول العملة الموحدة إلى هذا المستوى- وهو الأعلى منذ منتصف 2021 في الأشهر المقبلة.
قال جوردان روتشستر، رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في “ميزوهو إنترناشيونال”:” سوق العملات الأجنبية تشهد اقبالاً على شراء اليورو، لكن تدفقات التنوع الهيكلي -التي تهدف إلى توزيع المخاطر عبر أسواق أو أصول متعددة- جعلت اليورو خياراً مفضلاً للكثيرين. ورغم أن توقعات ارتفاع سعر صرف اليورو إلى ما بين 1.15 و1.20 دولار هذا العام كانت في البداية مجرد احتمال، إلا أنها أصبحت الآن السيناريو الأساسي”.
ارتفاع اليورو وانخفاض الدولار
يستفيد اليورو من تراجع قيمة الدولار في الأسواق المالية العالمية، مع إعادة تقييم المستثمرين لدور العملة الخضراء في النظام المالي العالمي بعد أن أحدث الرئيس دونالد ترمب تقلبات حادة في الأسواق من خلال تطبيق التعريفات الجمركية وتصعيد الحرب التجارية مع الصين إلى مستوى جديد.
قال وزير المالية الألماني، يوم الجمعة، إن الحكومات يجب أن تغتنم الفرصة لتعزيز دور اليورو في التجارة العالمية. ويُقيّم المحللون الاستراتيجيون الآن الاتجاه الذي ستسلكه العملة الموحدة بعد ارتفاعها على مدى يومين بنسبة تقارب 4%، من 1.10 دولار إلى ما يقرب من 1.15 دولار. وكان اليورو يُتداول بارتفاع بنسبة 0.5% عند 1.1413 دولار عند الساعة 7:45 صباحاً بتوقيت لندن.
مسار اليورو في 2025
حتى الآن، لا يتوقع المشاركون في استطلاع “بلومبرغ” حول العملات الأجنبية، وعددهم 51 محللاً، أن يرتفع اليورو فوق 1.15 دولار هذا العام. ومع ذلك، أشار اثنان من المتداولين المقيمين في أوروبا إلى أن هناك حجماً كبيراً من الصفقات تمت يوم الجمعة، بهدف الاستفادة من المزيد من مكاسب اليورو.
وقالا إن صناديق التحوط تستهدف تحرك اليورو نحو 1.20 دولار في الأشهر الثلاثة إلى الستة القادمة. وشهد يوم الجمعة ثاني أكبر حجم تداول على الإطلاق لخيارات اليورو، حسب بيانات مركز الإيداع والمقاصة (DTCC).
تسارعت المراهنات على ارتفاع اليورو بشكل حاد في سوق الخيارات خلال الفترة الأخيرة. كما صعد ما يُعرف باسم “تحولات المخاطر” بشكل حاد الأسبوع الماضي، وهي أداة تعكس اتجاهات السوق من خلال قياس الطلب على عقود شراء أو بيع العملة، حيث أظهرت عقود الأسبوع الواحد أعلى ميل نحو صعود اليورو منذ خمس سنوات. كما قفزت معدلات التقلب، لتغلق عند ثالث أعلى مستوى منذ عام 2010.
راهن المتداولون الذين يستخدمون الرافعة المالية والمؤسسات الاستثمارية على صعود اليورو بأكبر وتيرة منذ ستة أشهر، وفق بيانات مراكز التداول الصادرة عن لجنة تداول السلع الآجلة الأميركية، والمعايرة في يوم 8 أبريل.
عوامل هيكلية تدعم اليورو
توجد عوامل أساسية وعميقة تدفع اليورو للارتفاع، وليس مجرد تقلبات قصيرة المدى. فالإنفاق الإضافي المتوقع من جانب ألمانيا بعد قرارها التاريخي بتخفيف قواعدها المالية من العوامل الداعمة لمنطقة اليورو في حال حدوث تباطؤ اقتصادي عالمي.
في الوقت نفسه، فإن الرسوم الجمركية -بغض النظر عن مستواها النهائي- ستؤدي إلى تقليص الفائض التجاري لأوروبا مع الولايات المتحدة مما يعني إعادة استثمار عائدات أقل في الأصول المقومة بالدولار.
رأي خبراء ” بلومبرغ”
يقول فين رام، المحلل المتخصص في الاستراتيجيات الاقتصادية الشاملة، والذي يعمل في دبي: “يبدو أن اليورو في طريقه لاختراق مستويات لم يكن يتوقعها كثيرون في بداية العام. لكن السؤال الكبير بالنسبة للمتداولين الأوروبيين هو: إلى أي مدى تُرحب البنوك المركزية في المنطقة بقوة العملة، في حين أنها لا ترغب بتشديد الأوضاع الاقتصادية، خاصةً وأنها قلقة بالفعل بشأن آفاق النمو الاقتصادي”.
ومن غير الواضح ما إذا كانت العملة قادرة على الحفاظ على وتيرة النمو المرتفعة التي شهدتها الأيام الأخيرة.
كما وصف فالنتين مارينوف من بنك “كريدي أجريكول” زوج اليورو-دولار بأنه “يتعرض لمبالغات في الشراء”، ويعدل البنك تموضعه في العملة الآن إلى اتجاه بيعي.
تحديات مستقبلية أمام اليورو
حذر إيريك نيلسون، محلل الاقتصاد الكلي في “ويلز فارجو”، من أن أي ارتفاع إضافي في اليورو لن يكون دون تحديات. وقال: “أي تحول في العملات الاحتياطية يحدث غالباً على مدار أشهر وفصول، وليس في غضون أيام”.
لكن مما لا شك فيه أن اليورو قد ورث بعضاً من الدور التقليدي للدولار كملاذ آمن، مع تزايد الشكوك حول الاقتصاد الأميركي، وبالتالي حول العملة الخضراء.
قال فان لوو، رئيس قسم العملات العالمية في شركة “راسل إنفستمنتس” (Russell Investments)، إن اليورو كان يُعتبر في السابق عملة محفوفة بالمخاطر، لكنه شهد ارتفاعاً في قيمته مؤخراً بغض النظر عما إذا كانت الأخبار إيجابية أو سلبية.
واختتم: “ألاحظ تحولاً هيكلياً في السوق يدعم اليورو على المدى المتوسط، خاصة فيما يتعلق بتصنيفه كملاذ آمن مقارنةً بغيره من الأصول”.