بعد الضربات الأميركية على إيران.. هل يواصل الدولار رحلة الصعود؟

سجّل الدولار الأميركي ارتفاعاً ملحوظاً في تعاملات اليوم الاثنين، مستفيداً من مكانته كملاذ آمن تقليدي بعد الضربات العسكرية التي شنّتها الولايات المتحدة على منشآت إيرانية، غير أن محللين حذّروا من أن هذه المكاسب قد تكون مؤقتة.

وارتفع مؤشر الدولار بنسبة 0.4% خلال التداول مقابل سلة من عملات رئيسية مثل الين الياباني، واليورو، والجنيه الإسترليني، إضافة إلى الدولار الكندي والأسترالي والنيوزيلندي.

قالت كيرستين كوندبي نيلسن، الباحثة في قسم الدخل الثابت والعملات لدى «دانسكي بنك» لـ CNBC، إن تصاعد الأزمة في الشرق الأوسط بعد الضربات الأميركية على إيران خلال عطلة نهاية الأسبوع أدى إلى «بعض الآثار التقليدية في الأسواق مثل ارتفاع أسعار النفط، تراجع أسعار الأسهم، وصعود الدولار الأميركي».

لكن رغم موجة الارتفاع الأولية، يشير إجماع متزايد بين بنوك الاستثمار الكبرى إلى أن مكاسب الدولار قد لا تستمر طويلاً، مع تحوّل تركيز الأسواق مجدداً نحو مشكلات أعمق تتعلق بالسياسات المالية الأميركية، والحروب التجارية، وتراجع الطلب الدولي على الأصول الأميركية.

ووفقاً لتحليلات السوق، فإن مؤشر الدولار انخفض بأكثر من 8% منذ بداية العام، ما يعكس المخاوف المستمرة بشأن التوجهات الاقتصادية للولايات المتحدة على المدى البعيد.

 

صعود الدولار

 

ويرتبط صعود الدولار في الوقت الراهن بشكل مباشر بالمخاوف من رد فعل إيراني محتمل، وعلى رأسها تهديد طهران بإغلاق مضيق هرمز، الممر المائي الحيوي لمرور إمدادات النفط.

لكن محللين في «آر بي سي كابيتال ماركتس» حذروا من تبسيط المشهد، مشيرين إلى أن إيران قد تلجأ إلى استخدام قدراتها غير المتماثلة في ضرب ناقلات فردية أو موانئ رئيسية.

وقالت حليمة كروفت، المحللة السابقة في وكالة الاستخبارات المركزية والمديرة في RBC، في مذكرة للعملاء: «لا نعتقد أن المسألة تتعلق بإغلاق شامل أو لا شيء، بل إن إيران قد توظف أدواتها غير التقليدية لرفع الكلفة الاقتصادية للعمليات الأميركية-الإسرائيلية المشتركة».

 

وكان البنتاغون قد نشر، يوم السبت، جدولاً زمنياً للعملية العسكرية التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية، خلال مؤتمر صحفي عقده رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين ووزير الدفاع بيت هيجسيث في مقر وزارة الدفاع الأميركية بولاية فرجينيا.

 

إغلاق مضيق هرمز

 

أبدى جوردان روتشستر، رئيس استراتيجية أدوات الدخل الثابت والعملات في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى بنك «ميزوهو»، قدراً من التفاؤل حيال احتمالات إغلاق مضيق هرمز، رغم تصاعد التوترات في المنطقة.

وقال روتشستر في مذكرة صباح اليوم الاثنين: «ربما يبدو الأمر توقعاً جريئاً، لكنني أشك في أن يتم فعلاً إغلاق مضيق هرمز، ونتجنب بذلك مستويات 100 إلى 130 دولاراً للبرميل التي يروّج لها بعض المحللين في السوق»، مضيفاً أن «حلفاء إيران مثل الصين على الأرجح يمارسون ضغوطاً لضمان استمرار تدفقات النفط، كما أن الولايات المتحدة من المرجّح أن تعتبر البنية التحتية للطاقة خطاً أحمر في إطار دعمها لإسرائيل».

سندات الخزانة الأميركية

 

لكن في الوقت الذي تتفاعل فيه أسواق العملات والنفط مع التصعيد، تشير سوق سندات الخزانة الأميركية —المؤشر الكلاسيكي للطلب على الملاذات الآمنة— إلى قراءة مختلفة، إذ جاءت استجابتها «باهتة على نحو غير معتاد»، بحسب مراقبين.

وفي هذا السياق، قالت كيرستين كوندبي نيلسن من «دانسكي بنك» إن التأثير على سوق السندات الأميركية يبدو أكثر غموضاً، نظراً لـ«عجز الميزان التجاري، والرسوم الجمركية، واحتمال ارتفاع المعروض من السندات بسبب السياسات المالية التوسعية» الحالية في واشنطن.

فاقمت التوترات التجارية العالمية المخاوف المالية في الأسواق، مع اقتراب مهلة التاسع من يوليو تموز، حيث من المقرر أن تنتهي فترة الإعفاء من الرسوم الجمركية، بينما تهدد الولايات المتحدة بفرض تعريفات تصل إلى 50% على معظم الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي.

وفي مذكرة بتاريخ 20 يونيو حزيران، أي قبل الضربات الأميركية على إيران، قال كلٌّ من تييري ويزمان وغاريث بيري، استراتيجيي العملات والفائدة لدى «ماكواري»، إن «الدولار الأميركي كان سيشهد على الأرجح مزيداً من التراجع لولا الحرب، إذ إن الأنباء المتعلقة بالرسوم الجمركية على الواردات ليست إيجابية، كما أن البيانات الاقتصادية من خارج الولايات المتحدة، رغم ضعفها، لا تشير إلى تدهور أكبر مقارنة بالوضع الأميركي».

من جانبهم، أشار محللو العملات لدى «بنك أوف أميركا» إلى أن المستثمرين يراهنون بكثافة على تراجع الدولار الأميركي، ما يضيف زخماً لأي حركة هبوطية مستقبلية للعملة.

أظهر مسح «بنك أوف أميركا» لمديري الصناديق العالمية، الصادر في 16 يونيو حزيران، أن مراكز البيع على الدولار الأميركي تُعد ثالث أكثر الصفقات ازدحاماً في الأسواق حالياً، بحسب آراء المشاركين.