يقلل المتعاملون في الصين استخدام الدولار، في خطوة ساعدت على تخفيف نقص العملة الخضراء الذي هز النظام المصرفي، ومهدت الطريق أمام اليوان لتحقيق مزيد من المكاسب. تقلص الفارق في السعر المستقبلي بين الدولار واليوان، كما تعكسه عقود مبادلات العملات لأجل 12 شهراً، بنسبة 25% منذ نهاية ديسمبر.
البنوك الصينية المملوكة للدولة انتقلت تدريجياً من طلب الدولار، إلى تقليص اعتمادها عليه، وصولاً إلى عرضه في السوق، حسبما قال متعاملون طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأنهم غير مخولين بالحديث لوسائل الإعلام.
تراجع الدولار بنسبة 10.7% خلال النصف الأول من العام بفعل سياسات الرسوم الجمركية والمالية التي انتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مما أثار حالة من عدم اليقين، وخفف الضغوط عن اليوان الصيني. وهذا الوضع يمنح بكين هامشاً لتقليص تدخلها في دعم العملة.
تفاؤل تجاه صعود اليوان
قال هاو جو، كبير الاقتصاديين في شركة “غوتاي جونان هونغ كونغ” (Guotai Junan Hong Kong): “تعكس عقود مبادلات العملات تراجع الطلب على الدولار، إلى جانب التفاؤل بشأن إمكانية تعزيز قوة اليوان”.
أضاف جو أن تراجع التوقعات بخفض أسعار الفائدة في الصين، في ظل البيانات الاقتصادية الإيجابية، قد يدعم أيضاً سوق المبادلات.
وازدادت شعبية المبادلات بالعملات الأجنبية في ظل النظام المالي الصيني الخاضع لرقابة صارمة. وبات عدد متزايد من الشركات والبنوك يستخدمها للتحوّط من المخاطر وإدارة احتياطيات الدولار المخصصة للتشغيل أو الاستثمار.
كما أصبحت البنوك الحكومية من اللاعبين الرئيسيين، إذ استخدمت مبادلات العملات للدفاع عن اليوان، من خلال اقتراض الدولار وبيعه عند تاريخ الاستحقاق.
وبلغت مراكز المبادلات ذروتها عند أكثر من 100 مليار دولار، ما جذب صناديق التحوط الأجنبية إلى صفقات مربحة مرتبطة بالديون الصينية قصيرة الأجل.
من خلال اقتراض الدولار لشراء اليوان عبر صفقات المبادلة، دعمت البنوك الصينية سعر صرف اليوان، بينما زوّد المستثمرون الأجانب البنوك بالدولار وتلقّوا المعادل باليوان للاستثمار في سوق السندات المحلية.
ضعف شهية المستثمرين
وفقاً لمتعاملين، بدأت البنوك الحكومية الصينية منذ الربع الثاني في خفض اقتراضها بالدولار من خلال مبادلات لأجل عام. وهي تعرض حالياً الدولار في صفقات قصيرة الأجل عبر تلك المبادلات، ما قد يُضعف أيضاً إقبال المستثمرين الأجانب على شهادات الإيداع الدولارية القابلة للتداول التي تصدرها البنوك.
ومن منظور تسعير السوق، تميل نقاط المبادلة (الفرق بين السعر الفوري والسعر الآجل للعملة) إلى التراجع عندما تبدأ التوقعات تتقارب بشأن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والصين. تزايد هذا الاحتمال مع ترقّب الأسواق لخفض محتمل في أسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر، إلى جانب تفوّق البيانات الاقتصادية الأخيرة في الصين على التوقعات، مما عزز التوقعات بأن بنك الشعب الصيني يمكنه تأجيل المزيد من إجراءات التيسير.
اليوان عند أقوى مستوى منذ نوفمبر
حدد بنك الشعب الصيني سعر اليوان المرجعي عند 7.1475 مقابل الدولار يوم الجمعة، وهو أقوى مستوى منذ نوفمبر، رغم ارتفاع الدولار.
توقعت بنوك عالمية، من بينها “غولدمان ساكس” و”مورغان ستانلي”، تحقيق اليوان مكاسب محدودة نحو نطاق بين 6.9 و7.1 مقابل الدولار خلال الأشهر الـ12 شهراً المقبلة.
أشار محللون لدى “سيتي غروب” إلى أن ودائع العملات الأجنبية في الصين بلغت حالياً أعلى مستوياتها في نحو ثلاث سنوات، ما يُشير إلى وفرة في احتياطيات الدولار. وكتب الاستراتيجيان روهيت غارغ وفيليب يين في مذكرة بحثية حديثة أن بعض الشركات ربما سددت قروضها بالعملات الأجنبية، مما أتاح للبنوك فرصة لتجميع المزيد من الدولارات.
وغالباً ما تتزامن هذه الزيادة في الودائع مع ارتفاع نقاط المبادلة بين الدولار واليوان. وتوقع المحللون ارتفاع مبادلات الدولار مقابل اليوان أكثر في المستقبل.
يتوقع “سيتي غروب” أن ترتفع نقاط المبادلة لأجل 12 شهراً من المستوى الحالي البالغ -1866 نقطة إلى نحو -1500 نقطة خلال الأشهر المقبلة، وهو مستوى لم يُسجّل منذ أوائل عام 2023. وأكد جو من “غوتاي جونان” هذا التوقع، معتبراً أنه مشروط ببدء الفيدرالي في تخفيض الفائدة.