تلتقي العديد من الأسباب الدافعة للبنوك المركزية والمستثمرين وحتى الافراد إلى شراء الذهب. تلك الأسباب الرافعة للطلب على الذهب تنوّعت بين الدولية والإقليمية والمحلية، ولا تقتصر على سياسة رفع الفائدة الأميركية أو خفضها، إنما على الظروف الجيوسياسية في العالم والصراعات الإقليمية، وأيضاً المخاوف المتلازمة مع مستقبل الاقتصاد العالمي وغيرها من العوامل.
ومهما تنوّعت أسباب الطلب على الذهب، فالنتيجة واحدة “ارتفاع سعر الذهب واستمرار توجّهه صعوداً”، في حال استمرار الظروف العالمية الحالية. من هنا، يردد الكثيرون السؤال عينه “هل فات أوان شراء الذهب وهل لا يزال مفيداً الشراء بأسعار مرتفعة؟ وتتركز التساؤلات لدى اللبنانيين الباحثين عن وجهات للاستثمار والإدخار، في ظل غياب الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني والجمود الحاصل في قطاع العقارات.
أسباب ارتفاع أسعار الذهب
قد تختلف توقعات المصارف والمؤسسات الدولية حيال السعر المتوقع للذهب خلال العام الحالي، غير أن الجميع يتفق على أن سعر أونصة الذهب يتجه إلى الارتفاع، بالاستناد إلى عوامل كثيرة تبدأ من ضعف الدولار الأميركي وخفض أسعار الفائدة، مروراً بالصراعات العسكرية في أكثر من منطقة بالعالم، ووصولاً إلى تهافت البنوك المركزية على الاستحواذ على الذهب وتخزينه، وسط تزايد القلق من تزعزع الاقتصاد العالمي في السنوات القليلة المقبلة.
ارتفعت أسعار المعدن الأصفر خلال الشهر الجاري إلى مستوى غير مسبوق، بلغ 2431.29 دولاراً، قبل ان يعود إلى محيط 2337 دولاراً للأونصة. وهو مستوى مرتفع جداً بالمقارنة مع ما كان عليه سعر الأونصة مطلع العام الحالي.
ويرجّح خبراء دوليون تحقيق أسعار الذهب مزيد من الارتفاع بالنظر إلى استمرار الطلب من قبل البنوك المركزية على الأصول التي تعتبر ملاذات آمنة كالذهب، وسط تزايد القلق بشأن تصاعد الصراعات الجيوسياسية.
ولا تنفصل الحرب الواقعة بين روسيا وأوكرانيا منذ سنوات، عن تلك الواقعة منذ أشهر في فلسطين ولبنان مع إسرائيل، والتي تنعكس على دول المنطقة ومنها إيران واليمن، فالحروب غير منظورة الأفق تعزز من لجوء البنوك المركزية إلى الملاذات الآمنة، وعلى رأسها المعدن الأصفر. من هنا شهدت دول العالم شراء عشرات الأطنان من الذهب خلال الأشهر الأخيرة من قبل عدد من البنوك المركزية. ويبدو أن هذه الظاهرة لن تنتهي في وقت قريب.
ولا يمكن تجاهل تأثير السياسة النقدية الأميركية على سوق الذهب. ففي ظل التوقعات العالمية بمزيد من خفض أسعار الفائدة الأميركية العام الحالي، ووسط توقعات بضعف الدولار امام العملات، يتجه المستثمرون إلى تأمين فرص بديلة كالاستثمار بالذهب، على الرغم من أنه لا يحقق عائدات فورية.
أهمية شراء الذهب
يلتقي العديد من خبراء الاقتصاد على أن لا وقت غير مناسب لشراء الذهب، ما يعني أن شراء الذهب مناسب في كافة الظروف والأوقات، شرط أن يستهدف الشاري الإدخار وليس الاستثمار. فالأمرين مختلفان لجهة الهدف من شراء الذهب.
وإن كان سعر اونصة الذهب قد حقق المزيد من الارتفاعات خلال العام الجاري بفعل العوامل الدولية، غير أنه قد يدخل مرحلة تصحيحية، كما جرت العادة على مدار السنوات الماضية، فينخفض بشكل ملحوظ قبل أن يعاود الارتفاع بحسب التوقعات العالمية. ولكن ذلك لا يعني ان عملية شراء الذهب باتت من دون جدوى اليوم. فعملية الشراء بهدف الإدخار تؤمن الأمان على المدى البعيد، في ظل المخاطر العالية التي تتلازم مع المصارف وترافق الاستثمار بالأسهم والعملات. ولا ننسى أن عملية تصحيح الأسعار فيما لو حدثت بالمرحلة المقبلة في سوق الذهب، لا تلغي المسار الصعودي العام للذهب في ظل تزايد المخاطر الأمنية والاقتصادية في العالم.
باختصار، ترتفع أهمية شراء الذهب باعتباره أكثر الملاذات اماناً خلال فترات الاضطراب الاقتصادي والسياسي. فالذهب الخالص وليس المُصاغ يحافظ على قيمة الأموال ويحميها من التضخم، لاسيما في حال عدم اليقين عالمياً وانعدام الثقة محليا بالمصارف اللبنانية والعملة المحلية.
عزة حسن.