علاوة مخاطر الحرب على أسعار النفط تتبدد بعد هجوم إسرائيل على إيران

عندما يتعلق الأمر بالنفط والحروب في الشرق الأوسط، فإن اللحظة المناسبة للبيع لطالما كانت عند اندلاع الهجمات. والمقولة الشهيرة “اشترِ عند انتشار الشائعات، وبِع عند وقوع الحدث” أثبتت صحتها، حيث أدرك السوق أن السيناريوهات الأسوأ سيتم تجنبها. في يناير 1991، انخفضت أسعار النفط بشكل حاد عندما قامت الطائرات الحربية الأميركية بقصف المواقع العراقية في الكويت المحتلة.كما تراجعت الأسعار في مارس 2003 بعد أن أصابت الصواريخ الأميركية بغداد عند بداية حرب العراق.

الآن، في أعقاب الضربات الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية، أعتقد أن السوق سيتبع نمطاً مشابهاً كما حدث في السابق. رغم أنه من الخطأ تجاهل الهجوم الإسرائيلي، الذي يُعتبر أكبر قصف جوي تتعرض له الجمهورية الإسلامية منذ 40 عاماً، إلا أن السيناريو الأسوأ لم يتحقق بعد. الوضع يتغير باستمرار، والكثير يعتمد على كيفية رد طهران. ومع ذلك، يمكننا استخلاص بعض النتائج الأولية التي تشير على الأغلب إلى توجه السوق نحو الهبوط.

التطورات الجيوسياسية

1) ركزت إسرائيل على استهداف المواقع العسكرية فقط في هجماتها الانتقامية، ولم تستهدف المواقع النووية أو حقول النفط. بهذا الإجراء، اتبع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نصيحة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي قال في الرابع من أكتوبر: “لو كنت مكانهم، لفكرت في بدائل أخرى غير استهداف حقول النفط”. سارعت وسائل الإعلام الإيرانية الحكومية إلى التأكيد يوم السبت أن قطاع النفط ينتج ويصدر الخام كالمعتاد.

2) إلى الآن، تحاول إيران التقليل من أهمية القصف الإسرائيلي. وصفت وسائل الإعلام الحكومية الضربات بأنها”ضعيفة”، وزعمت “بشكل غير صحيح” أن طهران اعترضت بنجاح الهجوم. يأتي هذا التعليق في سياق محاولة السلطات إدارة الرواية بحيث لا تستدعي الهجوم رداً. كما شاركت عُمان، التي تعمل عادة كوسيط بين طهران وواشنطن، في تعزيز هذه الرواية. وأشار وزير الخارجية العماني إلى أن “الأضرار تبدو محدودة”، وهو تعبير دبلوماسي يعني “لندع الأمور تسير بشكل طبيعي ونعود إلى ما كان الوضع عليه قبل بضعة أسابيع”. هناك العديد من الأسباب التي تدفع للاعتقاد بأن طهران ستقبل في نهاية المطاف بهذا التوجه.

3) كان السياق المرجح لارتفاع أسعار النفط مبني على عنصرين: الأول، أن إسرائيل ستهاجم المنشآت النفطية في إيران؛ والثاني، أن إيران قد ترد باستهداف حقول نفط في الخليج العربي بما في ذلك السعودية ودول أخرى من أعضاء “أوبك+”. إلا أن العنصر الأول لم يحدث، والثاني يبدو اليوم أقل احتمالاً بكثير مما كان عليه في السابق. وكما كتبت، لم يُقَدِّر سوق النفط بشكل كامل التغير في نمط العلاقات السعودية-الإيرانية، وكيف أن هذا التحول قلل من احتمال الضربات الإيرانية ضد جارتها. يوم السبت، اتخذت الرياض خطوة مهمة، إذ أدانت علناً ما وصفته باستهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانية عسكرياً. وأنا أرى في ذلك أن السعودية تبذل قصارى جهدها لتنأى بنفسها عن الأزمة.

العرض والطلب

4) مع ذلك، فإن احتمال حدوث تداعيات غير مقصودة لا يزال كبيراً، ومن غير المنطقي افتراض أن التوترات بين إسرائيل وإيران ستظل تحت السيطرة إلى الأبد. بينما تستمر تجارة النفط وسط هذه الأزمة الجيوسياسية، ينبغي أن نتذكر تحذير رئيس الوزراء البريطاني السابق هارولد ماكميلان من الأحداث التي قد تفاجئ الجميع. فكلما طال أمد الأزمة، زاد خطر فرض الولايات المتحدة عقوبات نفطية على إيران، ما قد يقلل من مستوى العرض. يصبح هذا أكثر احتمالاً إذا فاز دونالد ترمب في الانتخابات. هذا هو الخيار الوحيد المتبقي للمتفائلين، لأن إنتاج إيران النفطي قد ارتفع إلى أعلى مستوى له منذ 6 سنوات في ظل تجاهل البيت الأبيض للعقوبات حتى الآن.

5) رغم أن إسرائيل قالت إن جميع الأهداف كانت “عسكرية”، إلا أن رسالتها إلى إيران تحمل تداعيات مهمة على سوق النفط. استهدفت إسرائيل على الأقل هدفاً واحداً في محافظة خوزستان، وهي مركز صناعة النفط الإيرانية. وذكرت طهران أن جنديين كانا يخدمان في منشأة دفاع جوي في الأهواز، عاصمة المحافظة، قد قتلا. تجدر الإشارة إلى أن الأهواز فيها أيضاً أكبر حقل نفط في إيران. أنا لا أؤمن بالصدف؛ بالنسبة لي الرسالة واضحة: إسرائيل تحاول إبلاغ إيران أنها قادرةٌ على استهداف شريانها الاقتصادي.

6) تم شن الهجوم بعد إغلاق سوق النفط لعطلة نهاية الأسبوع، ما يتيح للمتداولين متسعاً من الوقت لاستيعاب الأخبار. إذا لم تُظهر إيران نية في الرد، وهو احتمال كبير، فإن معظم المستثمرين سيلجؤون لبيع ما بحوزتهم من الأصول عند إعادة فتح السوق ليلة الأحد. بحلول صباح الاثنين، سيحاول المستثمرون المتفائلون الاستفادة ممّا تبقى من الوقت. عقد خيارات برنت لشهر ديسمبر، الذي يراهن الكثيرون على وصوله إلى أكثر من 100 دولار، سينتهي مع إغلاق السوق في لندن يوم 28 أكتوبر. إذا لم يكن هناك سبب قوي لارتفاع الأسعار، فإن هذه المراهنات المتفائلة لن تحقق أرباحاً، ما قد يؤدي إلى زيادة عمليات البيع.

7) يتوقع أن يتراجع تأثير المخاطر الجيوسياسية عند إعادة فتح السوق، وعندها سيعيد المتداولون تركيزهم على توقعات انخفاض العرض والطلب لعام 2025. الرأي السائد الآن يقول إن العرض سيتجاوز الطلب في بداية العام المقبل، ويتعلق النقاش فقط بحجم هذا الفائض. وفي هذا السياق، يتوقع أن يبدأ تحالف “أوبك+” بضخ المزيد من النفط بدءاً من ديسمبر، ما يعني أن ارتفاع عرض النفط سيؤدي بشكل عام إلى انخفاض الأسعار. وسيكون هذا التأثير أكثر وضوحاً إذا زالت المخاوف المرتبطة بالحرب بين إسرائيل وإيران.