الذهب

أوروبا الشرقية تدخل نادي كبار مشتري الذهب حول العالم

في وقت سابق من هذا العام، توجه رئيس البنك المركزي التشيكي، أليس ميشيل، لزيارة لندن لتفقد كميات سبائك الذهب المخزنة في خزائن بنك إنجلترا المحمية بالخرسانة أسفل شارع ثريدنيدل.

كانت هذه الزيارة جزءاً من طموح محافظ البنك لمضاعفة احتياطيات البلاد من الذهب لتصل إلى 100 طن متري خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. وبالفعل، ارتفع مخزون الذهب خمسة أضعاف منذ تولي ميشيل منصبه في عام 2022، حيث يأمل في تنويع احتياطيات البنك.

أوروبا الشرقية تراهن على الذهب

صرح ميشيل، الذي أبدى حماسه عندما سُئل عن الأمر، لشبكة “بلومبرغ” في وقتٍ سابق من هذا الشهر: “نحتاج إلى الحد من التقلبات. ولتحقيق ذلك، نحتاج إلى أصل لا يتأثر بحركة الأسهم، وهذا الأصل هو الذهب”.

صانع السياسات التشيكي ليس وحده في هذه المساعي، فقد انضم العديد من نظرائه من وارسو إلى بلغراد إلى سباق شراء الذهب، متخذين المعدن النفيس كوسيلة لتنويع الاستثمارات، ومراهنين على زيادات الأسعار في المستقبل. وهذا يجعل أوروبا الشرقية واحدة من أكبر مشتري المعدن الثمين، بجانب أنه يسهم في دفع ارتفاع أسعار الذهب.

احتياطيات الذهب في البنوك المركزية

البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم تُخزن احتياطياتها من الذهب كوسيلة لتوفير حماية ضد الصدمات الخارجية مثل الحروب التجارية المحتملة التي قد تترتب على تولى دونالد ترمب فترة رئاسية ثانية، والتوترات الجيوسياسية في أوكرانيا والشرق الأوسط. لكن البنوك المركزية في أوروبا الشرقية بدت أكثر حماسة لتعزيز مخزوناتها من الذهب.

إلى جانب زيارة ميشيل إلى لندن، كتب نظيره في وارسو سيناريو فيلم حول تاريخ الذهب البولندي. كما أعادت السلطات الصربية احتياطي الذهب المخزن في الخارج إلى بلغراد، بهدف الحفاظ عليه بأمان وتقليص تكاليف تخزينه.

ويشكل السعي إلى ضمان الأمان المالي دافعاً قوياً في منطقة مزقتها الحروب الأوروبية في الماضي، وتجد نفسها الآن مجاورة لأخطر نزاع تشهده القارة منذ الحرب العالمية الثانية.

بولندا تتصدر مشتري الذهب

تصدرت بولندا، التي تشترك في الحدود مع أوكرانيا وتدعم بشكل قوي أهداف كييف في الحرب، قائمة أكبر مشتري الذهب على مستوى العالم في الربع الثاني من العام، وفقاً لأحدث بيانات مجلس الذهب العالمي.

وأكد محافظ البنك المركزي البولندي، آدم غلابنسكي، أن احتياطيات الذهب والعملات الأجنبية تُعد من الركائز الأساسية لحماية الاقتصاد من الأزمات الكبرى. وزادت بولندا من حيازاتها من الذهب لتصل إلى حوالي 420 طناً اعتباراً من سبتمبر، أي ما يعادل تقريباً نصف احتياطيات الهند أو اليابان.

نادي كبار مالكي الذهب

خلال مؤتمر صحفي عُقد الشهر الماضي، قال غلابنسكي: “نحن في طريقنا للانضمام إلى نادٍ حصري يضم أكبر مالكي الذهب في العالم”، مشيراً إلى هدفه في رفع حصة الذهب إلى 20% من إجمالي احتياطيات البلاد.

وأعرب رئيس البنك الوطني البولندي عن أسفه لعدم تمكنه من تخصيص الوقت الكافي للعمل على مسودة سيناريو كان يخطط لكتابته حول تاريخ الذهب في بولندا. وهناك مقطع فيديو نشره البنك المركزي على موقع “يوتيوب” في فبراير يُظهر غلابنسكي وهو يستعرض خزنة مليئة بصناديق مغلقة تحتوي على 6000 سبيكة ذهبية، بينما يردد أن هذا المخزون “ملك لجميع الشعب البولندي”.

في الوقت نفسه، تُعد التشيك أيضاً مرشحة للانضمام إلى هذا النادي، حيث يفخر البنك المركزي في براغ باحتياطيات أجنبية تبلغ نحو 150 مليار دولار، ما يعادل تقريباً نصف الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعله من أكبر الاحتياطيات في العالم من حيث النسبة.

الذهب.. ملاذ آمن وسط الاضطرابات

واجه ميشيل بعض الانتقادات بسبب شراء الذهب عندما بلغت أسعاره مستويات قياسية هذا العام، خصوصاً في إطار حملته لتنويع استثماراته التي شملت أيضاً شراء الأسهم الأميركية. ومع ذلك، دافع المسؤولون النقديون عن هذه المشتريات، مؤكدين أنها تتم بشكل تدريجي وطويل الأجل، مما يساهم في تقليل تأثير تقلبات السوق.

ومع استمرار الأوضاع الجيوسياسية المضطربة، تبين أن شراء الذهب كان خياراً حكيماً لصناع السياسات النقدية، حيث أدرج بنك “غولدمان ساكس” المعدن النفيس كأحد أفضل الصفقات في سوق السلع الأساسية لعام 2025، متوقعاً أن تواصل الأسعار ارتفاعها خلال فترة رئاسة ترمب الثانية، لتصل إلى 3000 دولار للأونصة بحلول ديسمبر من العام المقبل.

كما أشار بنك “جيه سافرا ساراسين”، في تقريره الصادر في 10 نوفمبر، إلى أن “التفكك الجيوسياسي يصب في مصلحة الذهب، بينما يُتوقع أن يكون التراجع التدريجي للدولار عاملاً إضافياً يدعم هذا الاتجاه”.

المعدن النفيس جزء من الهوية

بالنسبة لقادة أوروبا الشرقية لا يُعد الذهب ملاذاً آمناً فقط، وإنما أداة سياسية مهمة أيضاً، حيث يساعدهم في الحفاظ على توازنات معقدة بين الغرب وروسيا والصين. في هذا السياق، عزز البنك المركزي المجري احتياطياته من الذهب بأكثر عن 10% ليصل إلى 110 أطنان هذا العام.

ويُعتبر رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، من أبرز المعارضين للاتحاد الأوروبي بفضل علاقاته مع الكرملين وترمب. كما أشاد البنك المركزي في بودابست بالمعدن باعتباره ملاذاً آمناً، وكونه جزءاً من الهوية التاريخية للبلاد.

وفي “متحف المال”، الواقع في أحد القصور التابعة للبنك الوطني المجري، توجد قطعة فنية على شكل قاطرة بخارية مصنوعة من سبائك ذهبية. هذه القطعة، التي تحمل اسم “القعقعة”، تمثل موظفي البنك المركزي الذين فروا من الجيش السوفييتي في نهاية الحرب العالمية الثانية على متن قطار محمل باحتياطيات الذهب لمنعها من الوقوع في أيدٍ أجنبية.

صربيا تعيد بناء مخزونات الذهب

أما في صربيا، التي يقودها  الرئيس ألكسندر فوسيتش ويتمتع بنفوذ قوي مشابه لنظيره أوربان في المجر، فأعادت السلطات مخزون الذهب المحتفظ به في الخارج إلى بلغراد في سنة 2021. وخلال العام الجاري، تعهد فوسيتش بشراء مزيد من السبائك باستخدام “كل فائض الأموال” المتبقية في خزائن الدولة “لضمان الأمن والاستقرار في الأوقات الصعبة”.

وأشرفت جورغوفانكا تاباكوفيتش، محافظة البنك المركزي الصربي، على زيادة احتياطيات الذهب ثلاث مرات منذ توليها منصبها في عام 2012، ليصل إجمالي المخزون إلى 48 طناً. وأوضحت أن تراكم الذهب في الاحتياطيات تم بالتنسيق مع فوسيتش، الذي قدم “شكلاً من أشكال التفكير الاستراتيجي والمعرفة بالعلاقات الجيوسياسية العالمية والمعلومات” لدعم عمليات شراء الذهب.

وفي رد عبر البريد الإلكتروني، أكدت تاباكوفيتش أن “الذهب يكتسب قيمة وأهمية خاصة في أوقات الاضطرابات العالمية، لا سيما في النزاعات الجيوسياسية وفترات التضخم المرتفع. وللأسف، شهدنا في الأعوام الأخيرة تزايد هذه العوامل”.