البورصة : للنخبة أم للجميع ؟ ( 2 ) ا

البورصة : للنخبة أم للجميع ؟ ( 2 ) –  – 16th  February 2006

 

البورصة اذا ليست لكل من دفعه التوق اليها ، هي تصد الكثيرين وتفتح لغيرهم ذراعيها .

فئة معينة هي التي تفلح في الوصول الى المُراد ، سمّها ما شئت . هي النخبة من بين المتقدمين ، هي صفوة الراغبين ، هي خلاصة التواقين .
المهم هو أن هذه الفئة تميزت عن غيرها بامتلاكها عنصرين اثنين ، يكوّنان شروط النجاح ، ويؤمّنان تحقيقه إن هما توفرا . عنيت بهما المعرفة والقدرة .
هناك بين الراغبين من يعرف كيف يحقق النجاح ، ولكنه للأسف لا يستطيع . يرى الربح على قاب قوسين منه ، ولا يبلغ منه شيئا .
هناك بينهم من يمتلك الإستطاعة بما توفر له من قدرات نفسية ضرورية ، ولكنه للأسف لا يعرف كيف يبلغ الربح .
هناك طبعا من الراغبين من لا يعرف كيف يبلغ الربح ولا يستطيع تحقيقه فيما لو قدر له أن يعرف .
فقط تحقق الربح فئة أكاد أن أجزمَ بأنها تقل عن نصف أعداد المتقدمين ، هي التي (تعرف كيف ) و ( تستطيع أن ) . هي النخبة التي لا بد من الانتساب اليها قبل اكتساب حق الدخول الى ناديها !
 
هل يمكن أن أصير من النخبة وكيف  ؟
بدون تردد ، وبثقة وصدق تامّين ، أؤمن بأن من أراد استطاع . وإن كان الدربُ مسلكه وعر ،  تسلق قممه شاق ، حجارته الصوّانية تدمي القدمين .  
المعرفة لا بد منها كخطوة اولى .
ثمة معارف ضرورية لا بد من توفيرها بالدرجة الأولى لكل من أراد أن يدخل الى رحاب هذا العالم : فهم المبادئ الاساسية للفوركس أو للبورصة بشكل عام ، التعرف الى آلية العمل ، طريقة البيع والشراء ، التعرف الى برنامج التعامل ، التدرب على استعماله ، إجراء الكثير من الصفقات الوهمية للتمرس على معايشة البرنامج وفهم كل أسرار عمله .
بعد التعرف على البرنامج يبرز سؤال مهم فارضا نفسه على كل راغب في هذا العمل : ألآن أنا أعرف آلية إجراء الصفقات ، لكن عقبة جديدة تقف في طريقي . متى عليّ أن أبيع أو أشتري ؟
إن عمليات البيع والشراء هي نتيجة لعملية تحليل للسوق ، يكون بدوره نتيجة للتعرف على فن التحليل التقني الذي يحتاج اتقانه للتعرف على مبادئ مرتكز اليها وهي كثيرة ، ثم بالتالي الى الكثير من الخبرة  من أجل إتقانه واكتساب القدرة على إصدار أحكام تغلب فيها النتيجة الصائبة على المخطئة . إن درس مبادئ التحليل التقني والتعرف الى كل فصوله وفنونه ليس بالامر المستسهل لكثرة تشعباته ووفرة المؤشرات المستعملة فيه ، لذلك نرى البعض يكتفي بدراسة بعض منها ويعمل على تطبيقها بحيث اننا نسمع من يقول : أنا اعمل فقط على هذا المؤشر ، أو على ذاك ، وأستخلص منه ما يفيدني في اتخاذ القرار .
إن درس مبادئ التحليل التقني هو أمر مهم  وضروري لكل من أراد الوصول الى مرحلة استصدار الأحكام والاستقلالية التامة في عمله ، ولكنه من الضروري الاشارة الى ان دراسة هذه المعطيات ليست الا خطوة أولية على درب طويل يجب سلوكه لبلوغ مرحلة اصدار الأحكام الصائبة . هذا الدرب اسمه الخبرة والممارسة .
درب طويل . وهل يعني ذلك أن كل متعامل مبتدئ يتوجب عليه أن ينتظر سنوات وسنوات ليتمكن من اكتساب هذه الخبرة  كوسيلة لتحقيق نجاح ؟
هنا لا بد من الإقرار بأن الاعتماد على التحاليل الصادرة عن خبراء موثوقين والإفادة منها كوسيلة داعمة للمعلومات ومثبتة للخبرة يمكن ان يكون الحل الأسلم في المرحلة الاولى   .
من جهة أخرى لا بد من الاشارة الى ان التحليل التقني والعمل عليه رغم اعتماده من قبل فئة لا يُستهان بها من المتعاملين دون غيره من السبل ، يحتمل أيضا بعض التشكك في مراحل معينة من مراحل العمل ، إذ غالبا ما نشهد كسرا لكل نتائجه المنطقية بنتائج بيانات اقتصادية ، أو بإعلان عن خبر مستجد على الساحة السياسية او غيرها ، فإذا الموازين تنقلب فتتعطل مفاعيل التحليل التقني ، لتحل مكانها مفاهيم أخرى خاضعة فقط للتأثيرات التي تركها هذا الخبر في نفوس جمهرة المتعاملين ، وإذا النتيجة تنعكس هلعا  وهروبا من السوق ، أو رغبة وإقبالا جنونيا عليه .
بناء على كل ما تقدم فإن القرار الأفضل والرأي الأرجح يكون باعتماد الوسيلتين مندمجتين متلازمتين . عنيت بكلامي : التحليل التقني ومتابعة الاخبار المستجدة بالسرعة والدقة الممكنة ، ومحاولة تحليلها واستصدار الحكم المناسب المتعلق بانعكاسها على السوق ، لبناء الخطة المناسبة انطلاقا من التحليلين بشكل متواز ( التحليل التقني + تأثير الأخبار والبيانات عليه ) . هاتين الوسيلتين الضروريتين لتسهيل النجاح – عنيت خلاصة التحاليل التقنية المتجددة والاخبار المؤثرة المستجدة –  هي ما نعمل على توفيرها مساعدة لكل من يرغب أن يخطو خطواته الاولى في هذا الدرب ، سعيا الى تحقيق نجاحات توصل فيما بعد الى الاستقلالية التامة في العمل .
 
علم التطبيق الناتج عن مرحلة اكتساب المعرفة .
والآن ؟
امتلكت المعرفة ، أو تلقيتها من صاحب خبرة . هل تحققت الشروط اللازمة لتحقيق النجاح ؟ هل يتم تصنيفي من اهل النخبة ؟
قطعا لا .
لا بد من التنبه الى المعادلة التي تبنى عليها التجارة في البورصة : هي علم التطبيق الناتج والتابع لمرحلة اكتساب المعرفة .
أنتسبُ الى النخبة إن انا نجحت في تحويل المعرفة الى ربح . لكي يتيسر لي ذلك  يجب علي أن ألتفت الى الناحية النفسية المعنوية المكونة لشخصيتي فأسهرً على بنائها لترتفعً وأرتفع معها الى ما فوق التصرف الغريزي المدمر .
 
ا –  لا يحق لي أن ألجأ للرد على الإساءة بالثأر . وإن كنت من الفئة التي تستسلم فورا في حياتها الخاصة وعلاقاتها الاجتماعية الى مشاعر الانتقام تنفيسا لكل غضب وإخمادا لكل ثورة متأتية من ضرر لحق بها من خصم أو عدو ، فعلي أن أسعى وبكل جهد لتهذيب هذه الطباع وتخريجها من دائرة الانغلاق المدمر في عتمة هذه المشاعر الغرائزية المعتمة .
أنا لا أقول ما أقول رغبة في التحول الى جو الإصلاح الإجتماعي الرحب –  على كِبَر وعِظم  هذه المهمة – بل لما تحتويه هذه الملاحظة من أهمية في حياة التاجر في أسواق المال . لطالما سمعت استغاثة من ملدوغ في السوق يصرخ الي بانفعال  عميق وحرقة مؤثرة : أشر عليّ بشيء ، لقد ظلمني السوق وأبغي الثأر منه .
وها أنذا أقولها بكل وضوح وشفافية . ما ازعجني كلام سمعته من متعامل بمقدار ما أزعجني هذا الكلام . وما أشفقت يوما على محدث من محدثيّ بمقدار شفقتي على ناطق بهذا الكلام . أشفقت عليه لعلمي المسبق بانه خاسر في ثأره وانتقامه ، كما كان خاسرا في منازلته الاولى .
فليعلم كل مناضل في هذا السوق ان النضال فيه سياسي فقط ، وفقط سياسي . كل الاسلحة الدبلوماسية مباحة ، لكن مجرد التفكير بالحرب تعني الخسارة . السوق دوما على حق . الغلبة له دوما بمجرد التفكير بمخاصمته .
عرفت الكثيرين من الذين خسروا أرصدتهم العالية في يوم واحد . البدايةكانت بصفقة خاسرة . التالية كانت انتقاما للأولى . الثالثة كانت ثأرا للثانية وبعقود أكثر ليغسل الثأر بعضا من دماء الصفقة الأولى . أما الرابعة فكانت صفقة الاستسلام النهائي المخزي . عرفت الكثيرين من هؤلاء ، أسديت النصح لكل من عرفتهم ، سمع البعض ونجا ، إستسلم البعض لغريزة الثأر والانتقام ممن جعلوا منه خصما لئيما غدارا قهارا لا يسهل سحقه ، والنتيجة كانت محتومة لجميعهم .
أسفي عليهم جميعا ، أسفي ومرارتي على من أحببت منهم .
هنا لا أنصاف حلول ، إما أن أكون نخبويا ، أو لا أكون !
هكذا نبهت الكثرة ، وهكذا أنبهكم !
 
ب – لا يحق لي أن أكون غضوبا . وإن كنت  في حياتي الخاصة سريع الغضب ، فوّار الدماء ، فعلي أن أسعى بكل جهدي ، وأعمل بكل قوتي ، إلى تليين طباعي وتهدئة اندفاع إنفعالاتي ، قبل أن أباشر عملا مع شريك – السوق شريكي – لا يمكن أن يتعايش مع غضوب ثائر قهار .
 الغضب لا ينتج عنه إلا قرارا خاطئا ، هذا في حياتنا الخاصة . كيف اذا في سوق المال الذي يتطلب الكثير الكثير من الاناة والتؤدة والتروي ؟
 في هذا المكان الغضب حق حصري  للسوق فقط .
الثورة شيمة مرصودة للسوق فقط .
القهر خلق معقود للسوق فقط .
حذار من التعدي على ما يعرف السوق انه له ! وإن غضب السوق أو ثار ، حذار من التصدي له، إلزم الحذر والصمت والمراقبة ، إلى أن تنجلي العاصفة .
هكذا تفعل النخبة !
بهذا أشرت على الكثيرين ، وبهذا أشير عليكم !
 
ج –  لا يحق لي أن أكون طامعا ، يجب أن أكون طامحا . والفارق كبير بين الحالتين .
ما عرفت طامعا بالربح وقد ربح . مصير صفقاته الخسارة ، لا للعنة حلّت عليه أو عليها ، بل لخطأ في المنطلق وعلّة في التخطيط . الطماع رجل يسعى الى ما ليس له ، والسوق لا يعطيك إلا ما هو لك . الكلام ليس مبهما اخي الراغب ، هو واضح كلّ الوضوح . تبصّر به معي وستنجلي لك الحقيقة بشموسها .
الطمع شعور شيطاني وفعل جهنمي مدمر للتفكر وللتبصر وللتروي . هو لا يؤدي إلا الى طغيان الانفعالات ، ولا يثمر الا تسرعا مدمرا . الطموح فعل مبارك تنمو به القدرات الفكرية فتزهر وتثمر صوابا وصحة أحكام .
الطمّاع في الحياة ينظر بعين الحاسد الفارغة ، فيقع حيث لا يدري . الطمّاع في السوق يربح  ويريد أكثر ، فإذا هو يضيّع ما كان ربحا . الطمّاع في السوق مهووس بتحقيق الربح غير ساع اليه ، مهووس به ولا يبلغ المهووس مراده إلا في ما ندر . الطمّاع متسرع في كل شيء ، في تخطيطه للقرار تراه متسرعا  ، في اتخاذه للقرار تلقاه مغمضا ، في تعديله للقرار خشية ، في تراجعه عن القرار  ندما .
وهل يصدق مخلوق عاقل أن متسرعا  مغفلا نادما خاش قد أصاب يوما نجاحا . أصدقكم القول : أنا ما عرفت .
الطامح راض بقسمة الله له . الطامح لا يقول إلا هذا نصيبي ، آكل من خير ربي وأدع لغيري ما يصيبه أيضا . الطامح لا يفتح صفقته لانه يريد ، أو لأنه يجب ، أو لأنه لا بد ، أو لانه يصمم على   تحقيق الربح . هو يفتح صفقته داعيا ربّه أن يخصه بقسط من الربح ، ويرضى بما يحققه منه ، حتى ولو حققت الصفقة التي كان يحملها  مئات النقاط بعد أن يكون قد جنى  حصته منها . ما سمعته الا قائلا : لغيري أيضا الحق بان يصيب مقدارا . الطامح غالبا ما يربح شيئا  .
 أنا اعرف ذلك ، وأنا أصدقكم القول : النخبوي طامح  وما من نخبة تقرّ بالطمع منهجا لسلوكها .
بهذه الحقيقة واجهت الكثيرين ، وبها أواجهكم !
 
د – لا يحق لي بأن ارى العنزة وقد طارت ، وأستمر بالإصرار على كونها عنزة . علي بالإعتراف انها طائر . ألإعتراف أسلم وأرقى وأسهل من الإثبات أو الإقناع  بأن هناك من بين الماعز ما يطير . هذا قانون مهم في نادي النخبويين .
ألإعتراف بالخطأ مدرج للعودة عنه وتجنب المزيد من الخسائر . ألإعتراف بالخطأ هو الشرط الأساسي لعدم الوقوع به مرة جديدة .
إقفال صفقة مفتوحة بعد تكشف الخطأ في فتحها ، هو تنفيذ لقرار شجاع عاقل موضوعي وعقلاني . تعليق إقفال صفقة  عنادا وتشبثا يتضمن الخطر الذي يمكن ان يكون هائلا ومدمرا .
ما كها تكون النخبة .
 
 
 
ه – الموضوعية ، الروح العلمية ، البحث عن الطريق الصواب ، التحليل والمقارنة ،  صفات نخبوية لا يصح التقليل من أهميتها .
 تعنيني قضايا سياسية معاصرة كثيرة ، هي مطروحة حاليا كما كانت غيرها مطروحة سابقا في وقت ما . قد أؤيد رأيا يتبناه حزب أو زعيم أو فريق . أؤيد رأي الزعيم أو الرئيس ، ولا أؤيد الزعيم أو الرئيس . إن انزلقت الى الخلط بين الاثنين فقد شذذت عن طريق النخبة وعلي أن أصحح المسير .
 خلطي بين الحالتين يعني خروجي عن شرط الموضوعية ، والروح العلمية ، والتحليل العقلي المجرد .
لا يحق لي أن اعاند . السوق لا يُعاند . ليكن شريكي ولو لدودا .
الخروج عن هذه الشروط تعني  الخروج من ناد اسمه : نادي النخبة .
هذا هو الدرب الذي سلكت ، وعليه ادلكم !
 
 
و – الانتماء للنخبة يعني : لا للانتماء الى  فريق القطعان الهالعة والراغبة .
القطعان !
هم لا يركضون الا سوية ، لا يعرفون الى أين ، ويجهلون السبب . تكفي إثارة إشاعة ما ، سلبية أو إيجابية ، لينطلق القطيع .
ألقطيع ليس النخبة . يأتي الشيء ولا يعرف سبب إتيانه له . أما لاحظت مرة اندفاع السوق بشكل جنوني صعودا ولو نزولا ؟ أما سبق لك وتساءلت عن السبب ؟ أما تحسرت على عدم مشاركتك في الجري الحاصل ؟ أما قفزت مرة الى القطار المسرع فحققت ربحا كبيرا ؟ أما جربت مرة ثانية ووقعت من القطار مهشما ؟
أخي المتعامل لا تندم ، ولا تتحسر على عدم وجودك في سوق يجري بجنون . لا تندم على ذلك ولا تجرب البتة القفز الى قطار مسرع . سلامتك هي المطلوبة . إن ربحا يتحقق في مثل هذه الصفقات وتحت هذه الظروف ليس ربح الشاطر ولا ربح الشجاع ، إن هو إلا ربح الظروف التي آتت ، والظروف لا تؤاتي في مرة لتعود فتعاكس في أخرى .  
ربح النخبة لا يكون بهذه الطريقة .
هكذا علمت من احببت ، وهكذا اعلمكم !
 
أخي القارئ : ثق بما أسره لك !
النجاح في عالم المال هذا هو لنخبة منتقاة .
لا تجزع . بمقدورك أن تدخل هذا النادي .
نصيحتي لك : حتى لا يرفض طلبك بالانتساب اليه ، فتصب بالصدمة المدمرة ، جهّز نفسك ، تأبط قوس المعرفة مرفقا ببعض السّهام . وهذا ليس إلا خطوة أولى .
إلتفت إلى طباعك ، هذبها ، شذب ما بَطل فيها ، إبنٍ شخصية التاجر الأديب .
ثم بعزم الشجعان لا تطرق الباب . أدخل ، ونحن بك مرحبين !