أرشيف التصنيف: خبرة عمر

( 1 ) ! مَن يصدّ ق مَن ؟ في الفوارق بين تحقيق الربح واقتناء المال

حق لي أن أكون حزينا، لأن السوق الذي كان، ولا يزال، عالمي وكَوني ودُنياي هو أجمل من العاملين فيه. وددت يوما ان يكون العاملون أجمل من السوق، أو أن يحاكوا جماله، واشتهيت ذلك بعمق، وسعيت بكل إمكاناتي لأحقق – او أساهم بمقدار – في تحقيق ذلك، فلم أبلغ مرادي – وقد أكون حققت جزءا مما هدفت إليه – ، ولكن الحق يقال: لا يزال السوق أجملَ من العاملين فيه!
أخذت اليوم قلمي وعدت الى دفاتري، لا لأبديَ حزنا لا يهمّ أحدا، أو أوزعَ يأسا لا أشتهيه لأحد، ولكن لأدعوَ أبناء هذه المهنة إلى إن يتحسّسوا نبض العظمة.
أنا أدعوهم لإن يكونوا عظاما . . .
أخاف بين الحين والحين من صمت كذاب، فأعود الى الحقيقة وأنصّب نفسي خادما لها. خدمة الحقيقة واجب علينا جميعا، وبهذا فقط يمكن أن تستقيمَ الأمور التي فسدت وأفسدت. من ناحيتي أجد نفسي متعَبا من الكثيرين، ويجب علي أن أستمرّ بالكلام، حتى لا أموت.
السوق جميلٌ جدا، نجد في عمقه دوما ما يصحّ تشبيهه بالدرّ. هو يجب أن يبقى نظيفا. علينا، نحن رواده، أن نحافظ على نظافته ولو بصورة نسبية. إن فعلنا يبقى هو عالمنا الذي نستحق، وإن تجاهلنا يصير مَكَباً لقذارات ومَنبتاً لموبقات.
ألسوق أيها الأخوة هو أنتم .. هو نحن .. رجائي أن يصير أبهى مما هو عليه الآن .. حتى يصير كذلك، يجب أن نصير نحن أبهى مما نحن عليه الآن .. معظمنا يقيمون الآن في قباحات جارحة .. هم يعرفون بشاعاتِهم ويحاولون إخفاءَها .. هي جليّة وصارت تتآكلهم .. هم اعتادوا عليها .. ألِفوا نتانتها .. صارت هي هم .. وصاروا هم هي ..
ألكذبُ كثير… لا يعوز أحدا ذكاءٌ خارق أو تحليلٌ علمي ليلحظ أن الكذبَ كثير ….
ألسوق جميل فيجب أن نكون نحن – نحن جميعا – مقدّرين لجماله، عاملين على حراسته، وعلى حمايته، فيضاهي جمالنا جماله، ونبقى مستحقين له.
في السوق كذب كثير وكذابون كثر . أنا أعرف بعضا منهم، وأتحسس وجودهم جميعا.
ألكذب طمع ورغبة . نكذب في مجتمعاتنا المسكينة كثيرا لكي نؤمّن ربحا قليلا. نكذب ونعتبر أنفسنا أبطالا، لأننا اتقنا فنّ الكذب، ودرّ علينا مالا. نختلق أساليبَ وبدعا في الكذب فنغتبط بها ونهنئ أنفسنا عليها – وأحيانا لا نستحيي من تهنئة بعضنا أيضا – .
ألكذب طمع، فكيف إبعاد الطمع الرخيص عن النفس لتعود هي راسخة في الحق متلألئة عظيمة؟
ألكذب طمع، إبعاده عن النفس يُعيد الإنسان الى التشبث بقناعته إنه عظيم، بل إنه جبّار، كامل القوة. هنا تأتيه الشجاعة ليواجه الصعاب، فينجح.
ليس فقط لينجحَ، بل ليقتحمَ المستحيل، فتبدوَ أمامه المعجزات، وهي صنع يديه . هنا فقط يكفّ عن التقزم أمام العظماء، فيصدّق أن بمقدوره، هو أيضا، أن يكون عظيما. ويصير فعلا هو أيضا عظيما.
إقتحام المستحيل ! – أي تحقيق الربح –  يا لعظمة هذا الموقف ! يا لسهولته ! فقط عندما تتطهر النفس وينقى الوجدان. هنا ترتسم خارطة الطريق من ذاتها، فيكون واقعا ملموسا ما كان منذ أيام ضربا من المستحيل.
يصير الواحد منا عظيما إن حقق رغبته التي دخل هذا السوق من أجل تحقيقها. رغبته هي رغبة المجموعة كلّها. رغبتهم جميعا تحقيق ربح.
في اللحظة التي يتحوّل فيها هدفٌ اسمُه تحقيق الربح، إلى هدفٍ اسمُه اقتناء المال، تتحول العظمة إلى قزمة.
ألحصول على المال بالسبل السهلة نادرا ما يكون في هذا السوق إلا بالنصب، والنصب كذب ..
ألحصول على المال بالسبل القاسية يكون دوما بتحقيق الربح، وهو لا يكون إلا بالعظمة، والعظمة بهاء ..
يكون الواحد تاجرا مبتدئا، يسعى إلى تحقيق الربح ويتعجل في ذلك .. يجهد إلى ذلك .. يتهيب الموقف .. تستهويه سبلٌ أخرى ..  يتدرج فيصير سمسارا لشيء ما، أو بياعا لتوصيات ( يقول إنها مضمونة )، وقد تحمله سخرية القدر أحيانا لأن يتحول الى مدير لحسابات .. يتخلى عن هدفه الأول .. يستسهل سبلا مبتكرة لاقتناء المال .. يعيش على هامش الحق والشرف والصدق والشهامة ..
كان هدفه تحقيق الربح. تخلى عنه عند أول عثرة. صار همّه اقتناء المال .
هكذا بكل بساطة، وبسخرية فاقعة، وبكلمتين اثنتين: صار فلان مدير حسابات، وما أدراك ما مدير الحسابات !!
هذه أعلى درجة في سلم المسؤولية .. هنا أرقى درجات النظافة والبهاء .. لا تستخفوا بالأمور يا إخواني ..
أنا لست ضد أن يتولى أحدُنا إدارة حساب أحدِنا. أنا لست ضد أن يعطي أحدُنا رأيا عبر توصية أو اقتراح عمل لأحدِنا، ولكن  ……………..
للبحث صلة…
للتواصل مع صاحب المقال :  khibrat-omr@boursa.info

يا أصحاب التوصيات . . تمهلوا

**** هذه الاسطر تشكل صرخة من القلب وردتنا من شخص يعترض على واقع مرير لا يراه مجديا. ننشر هذه الكلمة كما وردتنا راجين تعميم الافادة من تجربة لم ترَ في بيع التوصيات الا تجارة قد تفيد ممتهنها مرحليا ولكنها لا تحقق نتيجة تذكر بالنسبة لمن يبحث عن الربح.

———————————

يا أصحاب التوصيات . . تمهلوا . .

أصحاب التوصيات كثرٌ … بل قد يكونون أكثر مما تتصور . . إنهم موجودون في كل مكان  . . في كل موقع ومنتدى ومحفل يجمع المبتدئ كما الخبير . . مدججين بالأكاذيب والأقاويل التي تدغدغ مشاعر الضعفاء والمبتدئين . .

” لقد اكتشفت المفتاح السحري” .. “لقد اكتشفت ترياق الخسائر وإكسير الأرباح الأبدية” . .” لقد اكتشفت طريقة لن أفصح لكم بها ! لكن سوف أفصح عن توصياتها ونتائجها العمياء لتتبوعها” . .

هكذا يستمرون بتغذية مشاعر الضعف والجهل لدى متبعيها حتى يتسنى لهم توجيههم كما يشاؤون و يريدون. أن يكتسبوا الشهرة والثقة ليستغلوا الضعفاء نحو نتائج لا تحمد عقباها . .

لكن مهلاً . . تمهلوا يا أصحاب التوصيات !!! هل اكتشفت أكسير الحياة ومفتاح النجاح الأبدي ؟؟؟ إذن لماذا لا تحتفظ به لنفسك وتجني الملايين ؟ لا بل المليارات من وراءها ؟؟ ما دام أنك اكتشفت طريقة الربح الدائم ؟ فلماذا لا تحتفظ بها لنفسك؟ وتصنع بها ثروة طائلة ؟ أم أنك تريد أن تخدع بها ثلة من المبتدئين الضعفاء ذوي العهد الحديث بهذا السوق ؟ أم أنك تريد الشهرة والصيت وما هو أبعد من ذلك ؟ هل تريد أن تثبت أنك ناجح بعد أن كسرتك ضربات الفشل ودمرت نفسيتك المتعبة لتحاول أن تثبت بأنك ناجح ومتمكن من خلال التوصيات ؟؟

وأنت يا متبع التوصية العمياء : لماذا لا تتعلم بنفسك وتتعلم أن تجني رزقك بعرق جبينك فيطيب لك حصاده وقطفه . . لا أن تجني جهد الآخرين وتآكل من عرقهم . . لماذا لا تتعلم بنفسك .. فتكبر بنظر نفسك كما بنظر الآخرون . . لماذا لا تكدح وتقرأ وتتعلم وتستكشف وتحاول … وبعدها تكلم بما يطيب لك به … لا أن تعمل متكلاً وخانعاً لغيرك . .

متى أخرج ؟ متى أدخل الصفقة ؟ ماذا أفعل الآن ؟ هل أشتري ؟ هل أبيع ؟ هل أنتظر أم أكتفي بالربح الحالي ؟؟ هل أكتفي بخسارة معينة أم أصبر ؟؟؟

لا يا أخي تمهل قليلاً ! بل توقف نهائياً للحظة . . هو ليس صحيحاً ولا قويماً أصلاً. بل هو ليس مقبولاً !!  تعلم يا أخي .. أقرأ .. أجتهد . . أسأل . . وسوف تنجح . . بما أنك متبع لهذه التوصيات المعلبة والمجردة . . فأنت مما لا شك فيه بأنك تسير بقدميك  إلى تصفير حسابك . . انت في عملك . . في دراستك . . في أي مجال تبذل مجهوداً فيه … هل تحبذ أن يعمل شخص آخر عنك وأنت تجني جهده وعرقه . . لا أظن بأنك مقتنع بهذا المبدأ … لذا فهذا المضمار هو نفسه هنا . . لم يختلف عنه بشيء . . إن تسعى . . تنجح . . وإن تجتهد تتقدم . . وإن تقرأ وتتميز وتتمحص تتميز . . بالنهاية لا بد من أن تضع هذا المثل نصب عينيك حتى لا تتوه عن طريق الصواب . . ” لا تحسب المجد تمراً أنت آكله … لن تحصد المجد حتى تلعق الصبرا “.

هل قرأت جيداً . . المجد . . إذن هو المجد. ولن تحصله إلا بتعبك وجهدك وهو كما شبهه الشاعر بـ ” الصبر “

نعم  . . هي نتيجة منطقية . . من جد وجد ومن سار على الدرب وصل . .

متهمون بالتحايل، دافعوا عن أنفسكم…ا

متهمون بالتحايل، دافعوا عن أنفسكم…
عندما يتعلق الأمر بالحقيقة، فأنا أحب أن أعريَها. عِري الحقيقة شرف، بخلاف كلّ عري آخر قد يكون مَجلبا للعار.
ترامى إلى مِسمعي منذ فترة نبأ عروض تطرح في السوق إغراء للوافدين الجدد الى الفوركس وجذبا لهم. العروض تهدف الى إقناع الراغبين بالعمل في السوق بفتح حساب بأية وسيلة – حتى على حساب شرف المهنة الذي من المفترض أن يبقى مصانا – .
العرض يقول: إفتح حسابا ب100 دولار وستجد فيه مئتين من الدولارات الخضراء …
ماذا يعني هذا الأمر؟
من أين ستأتي المئة دولار الأخرى؟ ومن ذا الذي يهبها للعميل المفخخة دربُه؟ لماذا هذا الإغراء المشبوه، وهل إن طريقة التسويق لأية سلعة عادية تنطبق على البورصة أيضا؟
كثُرت الأسئلة والجواب واحدٌ.
هذه العملية مبعثٌ لرائحة تزكم الأنوف. إنها نتنة نتنة، بل تكاد أن تحتكر نتانة لا مثيل لها…
سألني أحد الأخوة عن رأيي في هذا الأمر مرة. إعتذرت عن الرد الصريح، لان ردي لن يكون الا تشهيرا مؤذيا، وموقفي لن يكون إلا رفضا قاطعا لمثل هذه التصرفات.
هنا تعود بي الذكرى الى ما يزيد عن السنتين أو يقلّ عنهما بقليل. حينها كتبت  مقالة عنونتها ” حصبة الفوركس ” وأبديت فيها خشيتي من أن تصل الأمور بمسوقي الفوركس الى حد بيعه على طبق، وبواسطة بائعين جوّالين يدورون في الأزقة منادين على بضاعة كسدت عندهم، أو هي كادت…
اليوم أراني وقد بلغنا هذا الدرك المنحدر الذي خشيته ونبّهت منه، أراني مضطرا للتفكر والتحليل والتنبيه والشرح والتعرية من جديد. إنه لمن الصعب الإقناع بأن الهدف شريف ومصلحة العميل مصانة، مهما تمّ توسيع الرداء الذي يغطون به الواقع ويموهونه…
أخي القارئ.
يجب عليك أن تعرف حقيقة أساسية لا يتقدمها شيْ بالأهمية. الحقيقة هي أن العمل بالفوركس ممكن وتحقيق الربح ميسور، لكن بعد جهد يكون للتمرن، وبعد سعي يكون للتدرب، وبعد صبر يكون للتعلم. إن تحقيق الربح يكون ميسورا بعد فترة الدربة وهو صعب – بل صعب جدا – في مرحلة التدرب والتعلم.
أخي القارئ.
الحقيقة هذه توضح السر الذي يسمح لكل شركة تعرض عليك العمل معها بالفوركس أن تقول لك افتح حسابا بمئة أو مئتين أو خمس مئة دولار وستجد في حسابك مبلغا مضاعفا عن المبلغ الذي أودعته. الحقيقة هذه توضح كل شيء، فلعلك – أخي القارئ – أدركت مرمى الحديث وأبعاد اللعبة المشبوهة!
أخي القارئ.
أنا أذهب الى أبعد مما ذهب اليه البعض. لو ارتضيت لنفسي أن أكون مسوقا للفوركس ( وما أشد رفضي لهذا السلوك)، لو كنت كذلك لقلت لك : إفتح حسابا إسميا معي،  وستجد فيه خمسمئة عند فتحه، أو حتى الفا من الدولارات. أي انني أودع لك في حسابك من جيبي ألمبلغ كله وستكون حلالا زلالا لك.
هل تكون فعلا حلالا زلالا لك؟
بالطبع لا فاللعبة مكشوفة والهدف مشبوه والوسيلة مُتسخة.
أخي القارئ.
إن الذي يقول لك إفتح حسابا بمئتي دولار وستجد فيه مئة إضافية إنما هو يجذبك جذبا ويشدك شدا إلى عمل لم تبلغ حدّ النضج فيه بعد ليكون عملك. هو يجذبك الى هذا العمل عارفا وواثقا بانه سيسترد المئة دولار التي منحك إياها، وسيسلبك أيضا المئتي دولار التي دفعتها انت.
أخي القارئ.
دأبنا في بورصة إنفو منذ أول عهدنا بالسوق على التنوير والتوضيح ، ولا زال هذا في المرتبة الأولى بين سلسلة أهدافنا.
إن المبلغ الاول الذي تودعه في حساب للعمل في الفوركس سيكون ثمنا للتدرب والتعلم كخميرة صغيرة تثمر وتنبت لك أرباحا كثيرة.
الأرباح ستكون في أول عهدك دربة وتعلما، إلى ان يشتد مراسك ويصلب عودك فتستطيعَ حينها المقارعة وتحقيق الربح.
قد تحتاج الى إيداع مئتي دولار بعد مئتين وبعد مئتين ( وقد تكون بعد ألفين وبعد ألفين )  حتى تتمكن من تثبيت قدميك وبلوغ مرحلة الإنتاج…
إن من يعطيك مئة أو مئتي دولار زيادة على المئتين التي دفعتها إنت إنما يمارس عليك لعبة مكشوفة . هو يعطيك بيده اليسرى  ليسترد بيده اليمنى ما إعطاك  وما أودعت، خلال يومين أو ثلاثة .
أخي القارئ.
إذا كنت واعيا لهذه الحقيقة، وشئت الدخول في تجربة بحثا عن متعة بيع وشراء بعض العمليات فهذا شأنك ولن أسعى الى إدانتك. أما إن كنت داخلا ومصدقا بأن المئة دولار الموهوبة – إو حتى الالف أو الألفي دولار الموهوبة – هي فعلا لك، فأنا أدعوك للتفكر والتبصر وإعادة الحسابات.
كنت لأقبل بهذه الوسيلة من التسويق المشبوه لو أن صاحبها كلّف نفسه مشقة التنوير والتوضيح، فزاد عبارة صغيرة على عرضه المُفخخ . كنت لأقبل بها لو أن الإعلان جاء على النحو التالي : أودع معنا مئتي دولار وسنهبك نحن مئة إضافية، ولكن إنتبه فإن الخطر بخسارة المئات الثلاث كبير جدا جدا في بداية عهدك بالفوركس.
أما وقد تعمّد أصحاب الإعلان الجذب والإغراء والتعتيم، فلا أملك سوى أن أقول:
**  لا أرمي لتكوين جبهة اعتراض واسعة. أبغي استدراج الجميع الى ساحة الشرف الفسيحة. هي شديدة الإتساع ومن المفترض أن تكون قادرة على استيعاب الجميع.
**  مُطالبون بحسن قراءة الرسالة التي توجهها كل يوم دموع وجراح العديد من الوافدين على السوق ممن تنقصهم التجربة اللازمة.
**  مُتهمون بالتحايل – حتى لا يكون سهمي أكثر إيلاما فأقول الإحتيال – ، دافعوا عن أنفسكم !
لو استطعتم الى ذلك سبيلا!
للتواصل مع كاتب المقال:

برابرة يعبرون السوق، أبطالٌ نستوطن فيه (4)ا

برابرة يعبرون السوق، أبطالٌ نستوطن فيه (4)

أخنق البربريّ الذي يتغذى من دمك، ترقَ درجة في سلّم البطولة!

لعلّ هذه الوسيلة هي الأجدى والأرقى. البطولة تبدأ في النقطة التي تنتهي عندها البربرية. أخنق ذلك المخلوقَ الكريهَ الذي ينمو فيك، أقتله دونما رحمةٍ أو شفقة. إن القتل على بشاعته يبقى أملَُك الأوحد بالارتقاء في بدايات سلّم البطولة الذي يودي بك في النهاية الى تحقيق الربح والفوز بالنجاح.
أعرف الكثير من المتحمسين – ومن مختلف الاعمار والأجناس – الذين دخلوا معنا في تجارة مشمرين عن سواعدهم، مستعدين لقهر الصعاب وتحقيق المعجزات. خاضوا المعاركَ على طريقة “جنكيز خان”، ناضلوا واستبسلوا، تحملوا ألم الجراح وما اشتكوا في أول عهدهم. ناؤوا تحت أحمالِهم في أواخر عهدِهم، ذابت حساباتهم وذابوا معها. دخلوا الى السوق برابرة، وخرجوا منه كما دخلوا. نُصحوا فما انتصحوا، ولو فعلوا لكان أمرهم على غير مما هو عليه.
أعرف الكثيرين من هؤلاء، وأرثي لما آلت اليه حالهُم. ودِدت لو أن بعضَهم – من الذين ربطتني بهم مشاعرُ الودّ فانقطعوا، عن ندمِ أو عن خجلِ مما اقترفت أيديهم – ، يُعيدون ربط َما انقطع فنواسي ونطمئنّ.
هؤلاء كلّهم رفضوا إلا أن يكونوا برابرة في تعاملهم مع السوق، همجا في ممارسة عملٍ يستوجبُ رقّة ورهافة. هؤلاء كلّهم استسهلوا درب البطولة، فخرجوا من الحلبة مخذولين، ومن المجمع مطرودين.
أقتل البربريّ الذي يعيش في ذاتك قتلا، أخنقه خنقا، إطعنه طعنا، أبقر بطنه وتلذذ بالتشنيع به. إيّاك أن تكون معه رحوما. ثقْ إنه سيبادر الى فعل كلّ ذلك بك، إن لم تكن سباقا.
أقتله ولا تظنّنّ أنه ميت إذا استموت. أقتله كلّ يومٍ ، في كلّ صباحٍٍ وكلّ ظهرٍ وكلّ عصرٍ، وعند كلّ مساء.
أقتله وهاك الوسيلة والأداة!
أقتل الإستكبار فيك وامنعه من بلوغ حد التكذيب على النفس، والإبتزاز الصّفق للذات. هذا يلجأ اليه الفاشلُ في كل مرة يحقق خسارة، تسلية لأنانيته وتبريرا لحماقات بربريّه الذي يتعايش معه ويربيه بين ضلوعه. إنه يفعل ذلك دغدغة لغرورِه واقناعا لمحيطِه بأنه بطلُ الابطال و ( ملك الملوك ) و (إمام الأئمة )، وما فشلُه هذه المرة (كما في المرات السابقة ) إلا صدفة مباغِتة وحظا عثيرا. أقتل الإستكبارَ تدنُ من البطولة.
لا تنزع الى الأحلام فهي من عالم الخيال، ولا مكان للخيال في عملنا هذا . أقتلْ الإغراق في الأحلام والإكثار منها تدنُ خطوة أخرى من عالم الأبطال وتقلّص نفوذ بربريّك فيك وتسلطه عليك. لا تكثرْ من الأحلام وإلا ستستيقظ قابضاً على الريح، فتنتقلَ من اللاشيء الى اللاشيء، وتبقى في الفراغ، ويبقى الربحُ والنجاحُ أمامك على الشاشة، في الرسم البيانيّ، دون أن يتحول الى حقيقة رقمية ملموسة في حسابك. كلّ هذا لكونك ائتمرت لبربريّك اللعين، وانطلقت من الحلم، وابتعدت عن الواقع. إنطلقت في عملك من رغبة في امتلاك أفخم القصور وأحدث السيارات. إنطلقت من كون الخمسة آلاف دولار ستكون في الشهر القادم عشرين ألفا وفي الشهر الذي يليه مئة الف  و و و …
كلّ الفاشلين الذين أصغوا الى بربريتهم ولم يتحرروا منها سلكوا هذا الدرب الخياليّ الجامح. كلّهم خُيّل إليهم في فترةٍ أنهم امتلكوا الثروات بومضة بصر. كلّهم تكشفت لهم الحقائق، فإذا هي أحلام بإحلام . كلّهم شكّوا بالوجود ورأوه عدما وعاشوا الصدمة. كلّهم عَبَروا من الفشل الأول الى الفشل الثاني، وصار الفشلُ عالمَهم المتكامل . كلّهم انجرّوا الى الخيبة انجرارا، واجترّوا المرارة اجترارا. ألخيبة ليس لها كيان، هي العدم، هي النهاية.
أقتل البربريّ في ذاتك توفرْ على نفسك التجارب الصعبة. أقتله يتعززْ أملُ فوزِك بالبطولة.
ألبربريّ الذي في داخلِك لا يمنعك من معرفة الطريق، ورسم الخطة التي تؤدي الى الربح. هو يمنعك من تنفيذ الخطة التي رسمت، وتحقيق النتيجة التي تمنيت. المشكلة أكبرُ بكثير من أن نعرفَ الطريق أو لا نعرف. المشكلة في القدرة على سلوك الطريق أو في عدم القدرة. ألبربريّ الذي في داخلك يجعلك تفتح العمليات حيث كان يجب أن تقفلها، ويجعلك تقفلها حيث كان يجب أن تفتحها.
هو يوسوس في أذنيك ليلا، ويوسوس في أذنيك نهارا أن أنت بطلُ الأبطال وملكُ الملوك، أقدِم وبإقدامك النجاح. هو لا يقول لك أبدا اعتدلْ، أو تعقلْ، أو تروّ، أو إقنعْ، أو تفكّرْ.
ألبطولة تكون بالإدراك أن هناك من قد يقهرُك في كل لحظة مهما بلغت من القوة والقدرة. مهما ترسّخت في الخبرة والعلم تكون بطلا إن تذكرت دوما أنك طفلٌ فيه. تذكّر دوما أن الملايين مرّوا على هذا الدرب. كلّهم اكتشفوا أسرارا ظنوها حكرا عليهم. معظمهم تحدثوا عن قبضهم على لغز ألغاز البورصة فما قبضوا إلا على الريح. بعضُهم – وبعضُهم فقط – عملوا على خلق البطل في نفوسهم، وخنق البربريّ في ذواتهم، فكان لهم ما رسموا، وهنيئا لهم بما كان.
ألبطولة ليست بتحقيق النصر ولا شيء غير النصر، وتحقيق الربح ولا شيء غير الربح. الخسارة جزء من العمل. ألبطولة ليست عدم الهزيمة بالمطلق ولكنها تحويل الهزيمة إلى أمثولة . ألهزيمة تحييك وتجعلك تولد من جديد. تكون بطلا ان تجدّدت بعد كلّ هزيمة.
ألبربريّ السّاكن في ذاتك يحول دونك ودون البطولة، هويقتل كلّ وعيِ فيك. أقتله تبدأ بسلوك الخط الصواب والمسلك السليم.
بربريّ أنت إن بحثت في السوق عن الإثارة. هل تريدُ إثارة؟ الكازينو أمامك. أسلك طريقه وتمتع إن شئت بأوحاله.
ألإثارة جَلدٌ للنفس . السوق لا يكون أبدا مُضجرا، هو يكون هادئا، وهنا فرصٌ هائلة ومريحة.. إن أحسست بالضجر فأنت تعِب مرهَق. لا تجلِد ذاتك، فجَلدُ الذات من أخصّ صفات البرابرة.
برابرة أم أبطال؟
هل البطولة أن تكون روبرت موغابي مثلا؟ أو جورج بوش السيء الذكر هو الآخر ؟ ( حتى نبقى على الحياد فلا نسيء لأحد من برابرة أمتنا الميامين، وما أكثرهم ).
ألاول لا يخشى شيئا، ولا يخشى أحدا. كلّهم رؤساء ولكن جبناء. هو وحده بطل ( هكذا يقول )، بلادُه لم تنجبْه! هو أنجبها! سيدافع عنها على طريقته، ولو هلك الجميع، ولو فرّ الجميع.
بطلٌ أم بربريٌ؟
ألثاني فشل وفشل وفشل… فشل واستمرّ بالفشل …فشل وادعى النجاح، الى حدّ صدق هو نفسه ما ادعاه…
بطلٌ أم بربريٌ؟
عمر المختار ( رجل ليبيا الكبير)  يعود الآن الى ذاكرتي ولا أعرف السبب. قد تكون المقارنة الفاقعة بين شهامته ونذالة بعض الممثلين الفاشلين على مسرح أمتنا. أو قد يكون الفارق الكبير بين تمدنه وبطولته من جهة وبربرية وبشاعة غيره ممن نعاصر.
برابرةٌ لا أمل بهم. لا تكنْ واحدا بينهم.
أبطالٌ كلّ الأملِ فيهم. كنْ واحدا منهم.
وأخيرا، في الأساس !

أنت هو المحور. تقرأ، تسأل، تسمع، كل هذا من القشور!
أنت هو المحور. لا تستجدي!
كل شيء يجب أن ينبعَ من داخلك، فتستوطنَ السوق ولا تمرّ فيه!

كل شيء يجب ان ينبعَ من داخلك، فتكونَ بطلا أو لا تكون!

شهداء السوق كُثر، أبطاله أيضا (3)ا

شهداء السوق كُثر، أبطاله أيضا (3)
ألبطولة أريدها لنفسي، ولكن ما السبيل؟
في تقديم لما أبغي إيراده من خواطرلا بدّ لي من الإعتراف أن اهتماماتي أقلّ بكثير من ان أعطي درسا في البطولة وقواعدها، وطموحاتي أضيق من أن أظهرَ نفسي واحدا من روادِها الكبار، وانشغالاتي أصغر من تقديم صورة المُنتدَب لمهمة إنقاذ مستعجلة . إنّ كلّ ما أبغيه من ملحوظاتي هو التنبيه الى أن السوق يحتاج دوما الى الدم ويبحث دوما عن الضحايا – هو لا يمانع في تسميتهم شهداء – . هو يحتاج اليهم حاجة السمك الى الماء ، لا يقوى ابدا على الاستمرار إن هم تمنعوا عنه.
هدفي أن أحذر وأنبه، ومن كان له في التنبيه درسٌ وفي التحذير موعظةٌ، فهنيئا له بما وجد.
شهداءُ السوق يسقطون كل يوم ، نصف البطولة ألا تكونَ واحدا منهم فتنجوَ، نصفها الآخر أن تتمّم بطولتك فتغنمَ .
ملاحظاتي التي أوردها كانت وليدة تأملات تحليلية غاص البحث فيها الى طبقات نواتية من التفكّر الواقعي تتبعا لعلاقة جوهرية بين البطولة والعمل الذي نحن بصدده، فإذا النتيجة واحدة في كل غوصة، ثابتة في كل جولة : تكون نصف بطلٍ إن أنت نجوتَ، وتكون بطلاً إن انت حققت ربحا.
إنه سوقٌ لذيذٌ، لكنه أكولٌ شرِه .
حذارِ من الغرور وادعاء الذكاء المفرط. هذا يوازي التهوّر –  بمفهومي لسير الأمور –  في أقاليم لغاباتها مجاهل لا يمكن لأحد استكشاف كلّ أسرارها، ولا يمكن لأحد تحاشي مخاطر كلّ ذئابها. ألإعتدال سيّد الأحكام والتواضع في الحكم على الذات ضرورة ماسة.
في حكمي على ما جرى في بلاد القوقاز، منذ فترة غير بعيدة، أرى أن روسيا كانت شرهة جدا، وجورجيا متهورة جدا. شراهة روسيا عادت عليها بلذة نصر ساحق، ولكنها أفقدتها استقرارا للروبل دام سنوات، فكان بدء انهيار، استتبعه انهيار حاد آخر في البورصة، جراء انسحاب رؤوس الامول الغربية – بحركة مبرمجة ومخططة أو غير مبرمجة وغير مخططة – . جورجيا كانت متهورة جدا، وكلنا يعرف ما تكبدته ثمنا لاختيارها منصة الشهادة شرفا تريد عدم تفويته على حاضرها قصد تكليل تاريخها به. في حكمي الشخصي على ما جرى أرى أن صفة البطولة لا تنطبق على احد من الطرفين، وهي لا تنطبق على كل من يتبع مثالهما إن كان مضاربا أو متاجرا أو مستثمرا في أسواق المال العالمية.
هو سوق لذيذ، لكنه شره . شراهته تنحسر وعدائيته تضمُر إن انت أحسنت التعايش معه – على الطريقة اللبنانية في التعايش مثلا – . تتحداه، تنعته بأقسى النعوت، تكون جاهزا للهروب، تهرب منه، يلحق بك، ترتد نحوه، تجد نفسك في حضرته، تلجأ اليه، تظن أنه بريء ساذج، يتكشّف لك لؤمه، تراوغ معه، تستسلم اليه، تحاول المهادنة وتبدأ نسج حميميّة لذيذة معه.
ألم أقل إنه سوق لذيذ ؟ الحميميّة معه أبهى مظاهر البطولة التي يمكن لإنسان أن يتحلى بها ويتباهى بامتلاكها . إنها حميمية لذيذة مع سوق لذيذ. هنيئا لمن نجحوا في نسج روابطها وتلذذوا بنِعَمِها. إنهم أبطالٌ حقيقيون.
إنه سوق لذيذ ولا أملَ لك معه طالما إن العداوة رابطك الوحيد به .
الحميميّة! الحميميّة! الحميميّة!
سرّ أسرار ! نور أنوار !
إنجحْ في نسج حميميّة بينك وبينه تبلغْ، تستشعرْ انه يناغشك، لا يؤذيك. يصفعُك أحيانا، ينبّهك الى حدودك، لا يؤلمك. الحميميّة التي نسجتها هي وراء هذا التحول السرّي وعلّة وجوده.
الحميميّة هذه تمتلك سحرا غير موصوف. تجعلك ذا ارادة واثقة. تجعل السوق لك مِطواعا.
الحميميّة هذه لو استطعت توطيد أواصرها معه (هو ذلك الجبّار العنيد)، فأنت قد حققت بطولة ما بعدها بطولة. وأنت قد بلغت طابق السهل الممتنع، حاوي زبدة الزبَد.
الحميميّة هذه إن نجحت في نسجها مع ذلك الجبار العنيد تؤمّن لنفسك السهولة في التعاطي. تحوّل السوق الى صفحة مقروءة بالغة الشفافية. تحوّل الخصم الى متعاون في حيلته مزاح وفي حليته وفاء.
أنا لا أنظّر في الماورائيات، ولا أنسج خيالا أو أحلاما بكلمات رنّانة مخادعة. ما أرمي اليه قد لا يبلغُ مداركَ أكثريةٍ من المطلعين عليه، ولكن الأقلية هي دوما النخبة، وهي منجم الأبطال. إليكم أتوجه، وأنتم من يعنيني نجاحهم في تحويل النظرية الى تطبيق ناجح.
انا لا أبالغ البتة إن قلت : لا يغيبنّ عن فكرك أبدا انه سوق لذيذ. أنسج معه حميميّة شفافة صادقة، تنجح في جعله مُهرَك الحنون.
أنت في قمة البطولة إن نجحت في جعل السوق مُهرك الحنون .
السوق في قمة النشوة إن نجح في جعلك فارسَه الحنون.
حقا انه يبحث دوما عن الشهداء ولا يعيش الا بدمائهم، ولكنه أيضا يبحث عن الأبطال، عن الفرسان، ولا يعيش إلا بعزائمهم.
السوق لذيذ، لذيذ، لذيذ. هو يطرب، ينتشي، كلما اكتشف فارسا بطلا، فتراه يحتفل به ويقدّمه.
مهمة على شيء من الصعوبة، لكنها ليست مستحيلة.
الفرسان الأبطال موجودون في السوق، هو لا يعيش بدونهم.
كن واحدا منهم.
يتبع.

بل بطلا أريد لك أن تكون (2)ا

بل بطلا أريد لك أن تكون  (2)

بل بطلا أريد لك أن تكون !

لم ترُق لي فلسفة صاحبي الجديدة ( أو ما ارتأى تسميته فلسفة )، وطال تفكّري  بالوسيلة التي يمكن ان تكون ناجعة لإقناعه بعدم صوابيتها، الى ان شاءت الصُدف أن أرقب على الشاشة مشهدا كان هو الملهم لجوابي، وكان منه الأمل بقوة الإقناع .
كان المشهد جزءا مقتطعا من قصة نضالٍ لبطل عربي مقدام ناضل ضد المستعمرين الايطاليين، وقاد مقاومة في وجههم أواسط القرن الماضي بهدف إجبارهم على الجلاء عن بلاده وتحقيق حلم تحريرها . كان اسم البطل عُمَر المختار، وكان اسم وطنه ليبيا.
كنت قد سمعت عن عمر المختار في ما مضى، ولكن معلوماتي بقيت في العموميات، إلى أن جاء اطلاعي على أيامه بتفاصيلها، وعلى نزالاته ببطولاتها، فعشت بالدقائق قوة ايمانه، وتابعت بالثواني شدة استبساله في سبيل قضيته التي قدمها وقدسها واستمر حاملا لواءها الى يوم الاستشهاد.
كان عمر المختار بطلا متميزا. تشبث بالخير. سعى من اجل الحق. قاوم الظلم. أحب العدل.. ولعل أبرز ما ميّزه إيمانه الراسخ بالنصر. ناضل من أجل بلوغه. تحدى الممتنع فحوله الى سهل. بلغ حدّ الإفلاس ( فقدان الرفاق ) أكثر من مرة. عاود الانتفاض والنهوض. أكمل الطريق في سبيل الهدف. بلغه، حتى ولو بعد تنفيذ الحكم فيه.
كان المختار شجاعا مقداما، وهذا أكثر ما يعنيني في سردي الآن، وهذا أكثر ما يمكن أن يفيدني في نقل الصورة التي أريدها. أستفيدُ منها وأفيد صاحبي وكل من تسوّل له نفسه الدخول الى ناد ينتسب اليه الكثيرون ولم يبقَ فيه سوى قلة !..
هم من يطيب لي تسميتهم الابطال.
آمن الرجل بقضية وحدد لنفسه هدفا . إختار درب البطولة لبلوغ الهدف وتحقيق المراد . حقّ اعتباره مثالا لكل ساعٍ الى نجاح . كل نصر يكون بالبطولة وبغيرها يستحيل أن يكون.
برع مخرج الفيلم في نقل الصورة الحقيقية للبطل الى الشاشة، وأكثر ما استوقفني من مشاهد البطولة تلك التي كانت تنقل المأزق الذي تعرض له البطل عندما وقع في كمين نصبه له المستعمرون الذين يطاردونه، فتخلص منه بتحركات تثير دهشة في النفس واعجابا في الوجدان.
بدا الرجل وكأن بينه وبين الرصاص وثيقة تفاهم، أو عقد اتفاق، بحيث ان اطلاق النار يصيب كل شيء حوله الا هو. كان يركض بطريقة مثيرة وكأنه ابتدعها، وطور وسائلها بشكل جعلها تلائم قامته العملاقة، ولا يمكن لسواه ان يقلده بها او يقتبسها منه. كان الرصاص ينطلق من بنادق كثيرة ومن نواحي عدة فيصيب الصخر وليس القامة، والشجر وليس الهامة، وكان للبطل أن يخرج من المأزق في هذه المرة ( كما في كل مرة ) بما لا يُذكر من الخسائر، وبما لا يُحصى من الأرباح .
حملني تفكري الى ساحة أخرى لا تقل دموية عن الساحات التي خاض فيها المختار معاركه. ساحات تجذبنا ، نحن معشر التجار، فإذا بنا نخوض فيها نزالات يومية ملأى بالتحديات، حُبلى بالصعوبات، في دروبها الكثير من المكائد، وفي دروسها ما لا يُحصى من الفوائد. منا من لا يخرج الا مثخنا بالجراح، ومنا من ينجو وفي جعبته كماً من الارباح المِلاح …
لَعمري، ما نجا من هذه المكائد إلا من استحق بجدارة ان يُسمى بطلا !..
سردت لصاحبي قصة المختار ، وجهدت – قدر المستطاع – في نقل مشهد الجنود المحتمين بالدروع والخوذ، مشهد العيون الكثيرة المتربصة برجل واحد، مشهد البنادق على الأكتاف جاهزة للإطباق على الضحية، ثم مشهد المختار يجري، متوكلا واثقا …..
سردت كل هذا لصاحبي ولم يفتني ان أذكّره بأمر طاب لنا التأكيد عليه في ما مضى. ذكّرته بالتقائنا على كون البطولة هي الشرط الاساسي الذي يجب ان يتوفر في كل من رغب العمل في هذا السوق، وعلى أن كل من آنس في نفسه بذرة منها فله ان ينميَها ويسهرَ على العناية بها، والا فمن الافضل له الا يتعب في البحث عما رُصد لغيره .
قلت لصاحبي: بطلا أريد لك أن تكون .. وبغير البطولة لن يكون انتصار في معركة ولا ربح في سوق ……. بطلا أريد لك أن تكون وإلا فان كمّاً يزيد على الف محلل تقني او اساسي، مضاف الى ألف ألف تحليل وتحليل ، لن يستطيعوا جميعا – ولو متحدين مع آلاف من الاخبار الحية، ومثلها من التوصيات المحبوكة بإحكام – أن ينتجوا لك شيئا.
إبحث عن فيلم عمر المختار. راقب شخصيته وحلّلها . قلّد كلّ تحركاته، او بتعبير أصحّ تقمّص أسلوبه في التفكير وطريقته في الحياة. قد يسعفك ذلك في تقليد الابطال، إن لم تلدك أمك لتكون بطلا.
أنت الذي بمقدورك أن تنتج .. أن تنجح .. أن تربح .. ولبلوغ كل هذا، لا مهرب من أن تكون بطلا – لا نشالا – .

 

نشالاً أريدُ أن أكونَ (1)ا

نشالاً أريدُ أن أكونَ  (1)
جمعتني به الصّدف، وكان قد باعد بيننا القدر. هو عندي في منزلة تعلو على الصحبة، ويطيب له أن يناديني بكلمة المانية تعني بالعربية صاحبي. جاريته بذلك وناديته بما يحب أن يناديني.
كنا في ما مضى قد تشاركنا في التجارة، فتساعدنا على المتاعب وتشاورنا في المصاعب. واجهنا المشاكل وفرحنا بالحلول. تحملنا مرارة الخسارة ونعمنا بحلاوة الربح، بعد أن توزعناه. بالتساوي.
باعدت الأيام بيني وبين السيد ” كلاوس ” ، فاستمر الواحد حافظا طيب الذكرى ومعللا النفس بلقاء جديد، في حين استمر الآخر حافظا طيب الذكرى ومؤملا النفس بشراكة جديدة. كانت الصّدف، وكان اللقاء، فإذا صاحبي متعبا، وكان في ملامحه حزنٌ جعلني أقدّر أن شؤون العمل على غير ما يسرّ النفس ويفرح الفؤاد. خشيت أن تكون تقلبات السوق الجنونية في الأشهر المنصرمة قد أصابت من صاحبي مقتلا، فسألت عن الأحوال. ما كان ” كلاوس ” بحاجة لأكثر من سؤال ليبوح بمكنون نفسه، فيزيح عنها ضيقا كان عليها ثقيلا. قال ما معناه : يا صاحبي طالت الأزمة وبلغت عمقا لم أخله لها. هي مرحلة صعبة تعدى السوق بتطيره وتقلبه كلّ حدود، الى أن صحّ وصفه بالجنون. حتى العملات التي كانت تتميز بالهدوء في حركتها والاعتدال في تطيرها بات العمل عليها متعِبا وباتت دروبها مزروعة بالألغام وأدراجها مليئة بالأفخاخ؛ تدخل اليها باغيا صيدا فلا تخرج إلا وقد أصابتك السهام وأثخنت نفسك الجراح.
قلت: ألهذا الحدّ متعبٌ أنت يا صاحبي؟
تابع ما مفاده: استراتيجية عملي التي اعتمدتها لسنوات عديدة وفرت لي نتائج جيدة، ولكني تأخرت في اكتشاف انها لم تعد صالحة في ظروف السوق المستجدة، فكانت النتيجة مؤلمة.
لم أعلّق. خشيت من كلمة أنطق بها، يكون وقعها صعبا ومفعولها زيادة في الإيلام.
تابع: ثقتي راسخة الآن ومعرفتي أكيدة بأن اسلوبا جديدا في العمل يجب ابتداعه، وفلسفة مختلفة في الأداء يجب ابتكارها. لقد قطعت شوطا بعيدا في هذا الإتجاه، ولم تبقَ لي سوى خطوات معدودات…
قلت: وهل تضنّ على صاحبك بعنوان فلسفتك الجديدة؟
قال: هي عبارة واحدة توجز كلّ ما تحتاج الى معرفته”. حتى تحقق ربحا في مرحلة صعبة وسوق غدّارٍ ، يجب أن تكون نشالاً “.
عهدت صاحبي رجل فكر ومبدأ. عرفته ذهنا صافيا مخططا مبرمجا ومؤمنا بقدرة العقل، مقدما اياه على كل ما سواه. استغربت اسلوبه الجديد في التفكير. قلت : نشالا ؟ أنت ؟
قال: أنا.. نعم.. نشالا.. وإلا فالخسارة مصيري ثانية، والافلاس قدري أخيرا. لقد دربت يُمناي على حركة استعرت سرعتها من البرق، بحيث انها لا تكاد تبلغ جيب غريمي ( السوق ) حتى تخرج منه ممسكة بغنيمة، أية غنيمة. لا يهمني ما يعلق بين أصابعي من قطع نقد صغيرة أو كبيرة، كلّ ما يهمّني أن يعلق بينها شيئ فلا تقع على جيب فارغ. ثم إني دربت ساقاي على الجري أولا، فالركض السريع ثانيا. الهربُ شرط أساسي من شروط فلسفتي، ولا بدّ من إتقانه لإنجاح عملية النشل. ثق يا صاحبي ان تحقيقي الربح وتعويضي الخسارة رهن بنجاحي في أن أكون نشالا. سامح تحولي هذا. لا بد لي من أن أكون نشالا… سأنجح في مهنتي.. سأنجح..
رأى الرجل قطبة بين حاجبي( لطالما تمنى ان يكون لذوي الشعر الاشقر والعيون الزرق مثلها)، فأدرك عدم رضاي عما يقول، ولحظ لا موافقتي على شذوذ يحاول اضفاء صفة الفلسفة عليه.
قال ما معناه: ألا تعلق بشيء يا “أيمن” ؟ ( وهو يلفظ الاسم بلهجة طريفة)
قلت: بل سأفعل. أرى غير ما ترى. لن أرتضي لصاحبي أن يكون نشالا.. شاء الله أن يجمعنا بعد فراق. دعنا الآن نتذوق لذة اللقاء. سأفصّل لك خواطري في لقائنا التالي وهو بإذن الله لن يكون بعيدا.

 

 

حول عمليات ما يسمى بال ” كاري ترايد ” وتأثيراتها

حول عمليات ما يسمى بال ” كاري ترايد ” وتأثيراتها

لم يعد خفيا ان من الأسباب المؤثرة في تراجع اسواق الاسهم العالمية هي عمليات التنازل عن عقود القروض المستدانة بالعملات المنخفضة الفائدة – كالين الياباني – والمعروفة بال كاري ترايد.

بموجب قواعد ال ” كاري ترايد ” فقد أقدم كبار المضاربين على الاستدانة بعملة تتدنى فائدتها الى ما دون ال 1% ليشتروا بهذه المبالغ أسهما وسندات حيثما وجدوا حظا متوفرا على مستوى السوق العالمي.
هذا الامر يجلب فقط ربحا طالما ان :
– الاصول المشتراة تستمر بالارتفاع أو
– ان الين لا ترتفع قيمته تجاه بقية العملات .
في الظروف الراهنة العاملان هذان يتغيران ، ولهذا تتم اعادة المبالغ المستدانة بعد بيع ما كان قد تم شراؤه بها.
ولأعطاء المزيد من الايضاحات ثمة ارقام تتكلم :
الاستثمارات ( من منظور ياباني ) المودعة بعملات اجنبية اعتمادا على قروض بالين الياباني تراجعت من 38 مليار  في اوكتوبر 2007 الى 30 مليارا في اوكتوبر 2008.
المنظمة الاميركية الحكومية CFTC أعلنت مؤخرا انه لم تعد هناك اية عقود ” شورت ”  فعلية على ال ” ين فيوتشر” تعود الى المضاربين الكبار ( ما قد يعني ان هؤلاء يبيعون الين ويوظفون ما يبيعونه في عملات أخرى ) – ولكن الظاهرة تعني في الحقيقة تمركز في الين الياباني ( اي ان هؤلاء يشترون الين ولكي يشتروه تراهم يبيعون العملات الاخرى ) .
ان هذه الارقام والمعطيات تبرهن على ان ظاهرة إعادة ال قروض بالين الى مصدرها ( ال كاري ترايد ) لم تبلغ خاتمتها بعد . هذا يعني ايضا انه من هذه الزاوية لم تصدر بعد صفارة الأمان بالنسبة للبورصات العالمية .

 

هذا الضجيج حول مواضع العرض والطلب في السوق

هذا الضجيج حول مواضع العرض والطلب في السوق

 

هل من معنى لكل هذا الصخب حول مواضع العرض والطلب في السوق ؟ وهل من افادة ترجى في حال الاعتماد عليها للبيع او الشراء مع سائر البائعين او الشارين؟
كلمة حق تقال : المخاطر التي تهدد الاعتماد كليا على مثل هذه البلاغات كثيرة ، والاستسلام لها بصورة عمياء من اجل اتخاذ قرار  بفتح الصفقات دونه مزالق قد لا تحمد عقباها .
ان اسئلة مشروعة اكتفي بطرحها تاركا للقارئ استخلاص العبر منها:
هل يمكن الوثوق بغلبة أوامر معينة في سوق هائل كمثل هذا الذي نحن فيه؟ وان صير الى الوثوق بغلبتها، فهل يُعقل الوثوق بجديتها؟
من يستطيع توفير الضمانة على كون هذه الاوامر مستمرة بالمواجهة في حال دنت ساعة المواجهة وبات تنفيذها أمرا محتوما؟
ألن تحذف من دفتر الاوامر بحركة سريعة بارقة، يُتركُ بعدها مَن وثق بدعمها او مقاومتها ليواجه مصيره منفردا؟
من يستطيع البرهان على أن جزءا ( واحيانا كبيرا ) من هذه الاوامر لم يُصَر الى استعماله عن قصد، خديعة من أجل بلوغ هدف آخر كامن في نفس من خطط له؟
من يستطيع البرهان على كون المبلّغ – أيا كان –  عن وجود أوامر باحجام مختلفة، هنا او هناك، على هذه العملة أو على تلك، صادق في ما يبلّغ وهادف فعلا الى إفادة من يتوجه اليه ببلاغه؟
هذه أسئلة مشروعة لا بد من التوقف عندها بجدية، وقد يمتلك البعض أجوبة عليها، او على بعضها، تهدف الى الدفاع عن مثل هذه التبليغات، ولكن ذلك لن يجعلني اتردد في التحذير من الاستسلام لكلام من هذا النوع دونما درس او تحليل.
كما انه ليس كلّ موضع يسمى مقاومة او دفاعا صالح لاعتماده كمحطة لعملية ناجحة، كذلك فليس كل موضع يتواجد عليه طلب أو يتواجد عليه عرض يعتبر صالحا لاجراء عملية شراء او بيع مضمونة.
الحذر واجب والانتقاء ضروري جدا .
لعله من الصواب الاهتمام بعروض تكون متواجدة على مقاومة ذات قيمة تقنية عالية، تعاونت مجموعة من المعطيات لجعلها كذلك، ولإعطائها صفة الصلابة الممتنعة.
لعله من الصواب الاهتمام بعروض من هذا القبيل والاعتماد على حجمها، ولكن من قال ان صلابة اية مقاومة مميزة تتأتى من غير العروض المتواجدة عليها؟
مقاومة صلبة أو دفاع صلب من حيث الحكم التقني يعنيان: العروض والطلبات عليهما هي – أو يجب ان تكون –  من القوة بحيث يصعب – او يستحيل – اختراقها.
ان استطعنا الحكم على مقاومة ما بالصلابة، فمن المسلمات ان تكون العروض عليها عالية الحجم، عصية نسبيا على الامتصاص؛ دونما حاجة الى بلاغ من هنا او كلام من هناك بان هذا الموضع يتميز بضخامة عروض أو طلبات.
من الأفضل ان يصار الى الحكم على صلابة موضع ما على الرسم البياني من خلال استخلاص العبرة من التقنيات الموحية بالثقة من جهة، مقرونة بدراسة الاساسيات التي تدعم هذا التوجه في إصدار الحكم، فتجعله أكثر موثوقية، أو تصرف الانظار عنه وتضعف من قيمته الى حد الإنكار.
إستسهال القرار بالبيع حيث عروض عالية الحجم ، او الشراء حيث طلبات  مشابهة ، قد يصيب حينا ولكنه سيخيب حتما حينا آخر . ألإستعانة بهذه المعلومات من الافضل ان تبقى في دائرة العموميات، اما الرئيسيات فالبحث عنها في مكان آخر!

 

موجبات تغيير أسعار الفائدة

موجبات تغيير أسعار الفائدة

 

عندما تقوم المصارف المركزية بخفض أسعار الفائدة

interest rate،

فإن المراد من هذه السياسة النقدية

monetary policy

هو تحفيز الاقتراض بشكليه المعروفين. فالنوع الاول هو الاقتراض لأغراض الاستهلاك الخاص

personal consumption،

وذلك للإنفاق الفردي أو الاسري او الاثنين معا. أما النوع الثاني من الاقتراض، فهو الذي يستخدم لأغراض استثمار الاعمال

business demand

كي يتسنى للشركات او المستثمرين الانفاق على المشاريع التوسعية او الاستثمارية

business investments or expansion projects

. فاذا ما تم الاقتراض بالقدر اللازم وتوافرت السيولة المالية المطلوبة لتحريك عجلة الاقتصاد بفعل الطلب على السلع والخدمات وتفعيل البرامج الاستثمارية، فلا شك في أن ذلك سيؤدي بالنتيجة الى حزمة من الايجابيات الاقتصادية كزيادة نسبة النمو الاقتصادي

economic growth

ورفع معدل الناتج المحلي الاجمالي

GDP

وتوفير فرص عمل جديدة للمواطنين، وبالتالي تحسين مستوى معيشتهم والتخفيف من حدة معدلات البطالة والفقر unemployment and poverty.

ولكن اذا ما أخذنا في الاعتبار ان خفض هامش الفائدة سيساهم كثيرا في تغذية التضخم

Inflation

، وبالتالي رفع المستوى العام للاسعار

general level of prices

، كأسعارالمواد والسلع الاولية (كالارز والذرة والفحم والاسمنت والبوتاس والبترول والزيوت والذهب والحديد والنحاس والفضة… الخ) والسلع الغذائية والاستهلاكية والدواء والخدمات بكل اشكالها، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل خفض اسعار الفائدة يؤدي بالضرورة الى تحفيز استثمار الاعمال على النحو الكافي الذي يضمن تشغيل العمالة بالكامل، اي الوصول بحال تشغيل الطاقة الى أقصى حد

full capacity or full employment؟
بحسب مبادئ العالم الاقتصادي المعروف جون مينارد كينز

John Maynard Keynes

، فإن الجواب طبعا لا، اذ لا توجد علاقة عكسية ايجابية مباشرة ووشيكة بين خفض معدلات الفائدة وبين زيادة نسبة استثمارات الاعمال، وخصوصا في الحالات التي يعاني فيها الاقتصاد تباطؤا في النمو أو ركودا أو كساد

ا economic recession/depression/slack

فواقع الامر، انه في مثل هذه الحالات الاقتصادية الرديئة، فان كينز يعتقد أن الخطط الاستثمارية للشركات عادة ما تتأثر بالتوقعات المستقبلية لمجمل النشاط الاقتصادي العام، وان معظم قياديّي عالم الاعمال

business leaders

يميلون الى التعامل مع أي وضع اقتصادي سيئ بنظرة متشائمة، الى الحد الذي يجعلهم لا يقدمون على الاقتراض من المصارف او الاقدام على اي مغامرة في حقل الاعمال

business venture

حتى وان كانت اسعار الفائدة في ادنى مستوياتها.
اما اذا كان الاقتصاد في حال جيدة بحيث لا يمكن القول أنه يعاني ركودا او كسادا او تباطؤا او انكماشا، فإن السياسة النقدية المتمثلة في عدم خفض اسعار الفائدة هي سياسة سليمة بكل المقاييس والمعايير، اذ تعمل على ابقاء العملة المحلية قوية، وبالتالي الحفاظ على الاستقرار النقدي للدولة، وتوفير حالة من التوازن في سعر صرف العملة الوطنية في مقابل العملات الرئيسة الاخرى، وتعمل ايضا على توفير السيولة المالية على نحو اكثر توازنا من شأنه ان يكبح عجلة الاقتصاد من الانزلاق في منعطفات نقدية/ مالية خطرة، كإضعاف العملة المحلية او انهيار في وضع السيولة المالية. كذلك، تعمل على الحد من تفاقم الضغوط التضخمية التي قد تنتج من سهولة الاقتراض والتوسع في الانفاق الاستهلاكي او الاستثماري او كليهما معا.
اما اذا كان لا بد من خفض اسعار الفائدة، فإنه يمكن المصارف المركزية ان تتخذ حزمة من الاجراءات الوقائية المضادة counter preventive measures

، وذلك لتشديد القيود المفروضة على الإقراض المصرفي او على حجم السيولة المالية المتاحة، كأن تقوم مثلا بزيادة معدلات الاحتياطات الإلزامية للمصارف التجارية

reserve requirements

، او اصدار سندات او اذونات خزينة

treasury bonds or notes

لهذه المصارف، اما لارغامها على ابقاء قدر اكبر من اموالها في خزائنها او لتقليص كمية هذه الاموال، وذلك بغية التقليل من حجم السيولة المالية الممكن تدفقها الى الاسواق عبر منح قروض او اي تسهيلات مصرفية اخرى للمستهلكين او الشركات. ويمكن المصارف المركزية ايضا ان تقوم بشراء كميات معينة من العملات الصعبة التي ترتبط بها عملاتها المحلية وذلك بغية الحفاظ على قيمها من الانخفاض او الانهيار، الامر الذي من شأنه ان يؤدي الى منع المزيد من التراكمات التضخمية او تصاعدات اكبر في المؤشرات الاقتصادية المهمة والحساسة كمؤشر اسعار المستهلكين

consumer price index

ومؤشر اسعار الصناعيين

producer price index.

 

اسمع ما أقول، إفعل ما تريد.

إسمع ما أقول، إفعل ما تريد.

إسمع ما أقول، إفعل ما تريد.

حادثتني نفسي فحادثتها. قالت فأصغيت. قلت فأنصتت …!
– أنا أملكُ ذهبا، سأشتري المزيدَ من الذهب… كم أملك ذهبا؟ كم سأشتري ذهبا؟ لا تسأليني عن سرّي . لن أبوحَ به. هو بكل الأحوال لن يفيدَكِ بشيء… سأشتري المزيدَ من الذهب إن هَوَت أسعارُه. سأشتري أيضا وأيضا ان ارتفعت أسعارُه… أسعارُ الذهب سترتفعُ ( يوما ) ( برأيي)  فتبلغَ ال 2000$ للأونصة الواحدة.
– متى سنشتري الذهبَ ؟ بالأسعار الحالية ؟ 750$ للأونصة؟ أم ننتظرُأسعارا على حدود ال 500$ ؟
– نشتري؟ ننتظر؟ أحمقاءُ لهذه الدرجة؟ أنا سأشتري. سأشتري لي. لي وحدي.
– وهل انخفاضُه الى 500$ ممكن؟ مرجح؟
– هو ممكن، ولن أقول مرجح. أودّ تحاشي لعناتِ من قد يفوتهم القطار… طالما اني سأحتفظ بالذهب لكونه ( في يوم ما ) سيعانق ال 2000$، فالفارق زهيد بين سعرَي ال 750 و 500 $ للأونصة . ( برأيي طبعا ) … أرجو أن أكونَ من الذكاءِ، ومن الشجاعةِ، ومن القدرةِ، ومن اليقظةِ بحيثُ أقوى على شراءِ ما يرضي جشعي، إن رأيتُ ال 500$ سعرا للأونصة .
– وإلا ؟
– وإلا، سأجدُ نفسي مضطرا، ولو حزينا، لشرائه لاحقا بأسعار تفوق ال 1000 دولار.
– وهل ستشتري بكل أموالي ذهبا؟
– أموالكِ؟ بل هي أموالي أنا… سيكون ضربا من الجنون لو فعلت. أنصح نفسي بشراء ما لا يزيد عن 10 او 15 % ، من أموالي أنا. أنا.
– تنصحُ نفسَكَ؟ يعني انت تنصحُني أنا . أنا نفسُكَ.

– أنت ِ نفسي دوما … إلا إن تعلّق الأمر بالذهب… حينها أصيرُ أنا نفسي. أو تصيرُ نفسي أناي…

– أو لم تقل يوما إن الذهبَ هو الملجأ الآمن هروبا من التضخم وليس من الإنكماش؟ أليست عساكرُ التضخم حاليا الى تراجع، وجحافلُ الإنكماش الى تقدم؟
– قلتها. ولا زلت أعتقدُها . ولكن، هَبِ أني على حق. من قال إن التضخمَ سيتأخرُ كثيرا في عودته؟
وحارت نفسي من ألغاز نفسي. أو هي تعبت من أنانيتي… فكفّت عن السؤال، ولم يعُدْ من شيء يستوجبُ الجواب.
أما أنا، فرجوتُ أن تدفعَ الظروفُ المعدنَ الاصفر اللماعَ الى أعتابِ ال 500$ . وعندها، أجمّعَ كلّ ما أمكنني من شجاعةٍ، وإقدامٍ، وتصميمٍ، ( وكل ما قدّرني الله من رأسمال ) فأشتريَ منهُ ما شاء الله لي أن أشتري.
أحبّ أن أحادثَ نفسي.
هي أفضلُ مَن يؤنسُني في وحشتي.
هي دوما تسكتُ في نهاية المطاف، فأكونُ أنا على حق. هذا يُرضي أنايَ ، يريحُني.
أنا أحادث نفسي. أنتَ غيرُ معني بالحديث… إلا إذا شئت.
إقرأ ما أراه، إفعل ما تراه.

 

دولار ضعيف ؟ دولار قوي ؟

دولار ضعيف ؟ دولار قوي ؟  – 17th May 2006

 

دولار ضعيف ؟ دولار قوي ؟

ماذا تريد الادارة الاميركية ؟ وباي اتجاه تصب سياستها النقدية ؟ باتجاه دولار ضعيف فعلا ؟ وان كان هذا صحيحا ، فهل هو قرار صائب ؟

لا شك في ان دولارا ضعيفا سيكون قادرا على التخفيف من وطأة انعدام التوازن  الاقتصادي على الصعيد العالمي ، ولكنه أمر لا يمكن ان يمر دون مخاطر ايضا على الاقتصاد الاميركي كما على اقتصاديات بقية الدول الصناعية .من جهة لا شك في ان دولارا ضعيفا سيكون من شانه ان يرفع اسعار السلع المستوردة

الى الولايات المتحدة ، ولاسيما من الصين ، وسيدفع المستهلك الاميركي للاتجاه مجددا الى البضائع المصنوعة محليا . الأمر يعتبر نقطة ايجابية وخطوة جيدة في

الطريق باتجاه تخفيف العجز التجاري .

ولكن لنتوقف لحظة . هل يصح اعتبار هذه الخطوة معتمدة ومرحب بها من قبل السلطات النقدية الاميركية ؟

لا يجب التسرع في إعطاء الجواب . ان تخفيض قيمة الدولار تحمل ايضا في طياتها مخاطر لا يستهان بها . من هنا فانه من الخطأ التسرع في القول ان اميركا تريد دولارا ضعيفا وتعمل لهذا الهدف . المفضل ان نعترف بانه ليس من السهل معرفة ما يريده الاميركيون ، وقد يكونون هم ايضا في حيرة من امرهم حيال هذا الموضوع ، خوفا من السيف المسنون على حديه  الذي يمثله ضعف الدولار .ان الخطر الاعظم يتمثل في  تعاظم المخاطر التضخمية في ظل دولار ضعيف . تعاظم التضخم سيدفع الفدرالي وبدون اي شك للاندفاع هجوميا باتجاه رفع الفائدة . ماذا يمكن ان يحصل بهذه الحالة ؟

فائدة مرتفعة لا بد ان تنعكس سلبا على  الاستهلاك ، كما على الاستثمار في المشاريع المنتجة ، تأثرا بارتفاع قيمة القروض .

النتيجة ؟

ركود اقتصادي خطير جدا . وان هو بدأ لن يكون من السهل الخروج منه . ( حالة اليابان منذ بداية التسعينات   ) .

دولار ضعيف سيكون من شأنه ان يجعل المستثمرين الاجانب يبحثون عن مصادر اكثر امانا لاموالهم . النتيجة : تراجع الاسهم الاميركية ، كارثة للمستهلك الاميركي الذي يستدين عادة من اجل التوظيف ( او لنقل اللعب ) في الاسهم .

هل يحتاج الامر لشرح وتبسيط إضافي ؟

لا شك في كون هذه الفكرة هي عاطلة جدا . لا يجب ان يتبناها المسؤول المالي الاميركي . ان تبناها لن يكون على حق !وشركاء اميركا التجاريون ، ماذا سيحل بهم ؟لا شك في انهم سيتاثرون . الصادرات عندهم ستنخفض . عدوى النمو المتباطئ ستنتقل اليهم .وفي هذه الحالة سيختلف الوضع في اليابان وفي اوروبا . ففي الوقت الذي نراهم الان يفخرون بانهم يلعبون دور المحرك للاقتصاد العالمي ، فان تطورات من مثل التي سبق شرحها ستجعلهم يطأطئون الرأس هم ايضا ويبحثون عن حلول سريعة لتراجع الصادرات التي يعولون عليها الان .من هنا تخوف اليابان من تراجع الدولار وارتفاع الين وتهديدها الكلامي بين الحين والاخر باضطرارها للتدخل .

ونحن بماذا يعنينا الامر ؟

لا يجب ان نعتبر ان سياسة دولار ضعيف هي فقط شأن اميركي . الدول الصناعية كلها معنية بالامر وبنسب مختلفة . وهي كلها قادرة على عرقلة مخطط اميركي من هذا النوع ( ان وجد ) ، ولا يجب ان نخاله موجودا .اذا هذه الفرضية لا يجب ان تكون دافعا لبيع الدولار . ثمة عوامل اخرى يجب ان

ينظر اليها ايضا .

 

 

 

 

 

لا تكونوا سذجا ، فتصدقوا المخادعين

لا تكونوا سذجا ، فتصدقوا المخادعين
لا تكونوا سذجا، فتصدقوا الكذابين.
 
قد يكون هؤلاء المخادعون منخدعين هم ايضا في ما يعتقدون – على شكي في ذلك -، فلا اريد ان اقسو عليهم الى حد الاتهام والحكم المبرم.
وصلتني رسالة على بريدي الالكتروني يدعوني كاتبها – وهو على ما اعتقد مروج للتعامل في تجارة الفوركس – الى الاسراع في استئجار برنامج الكتروني ابتدعه، فاوفر على نفسي الجهد والسهر، واحقق في الشهر ربحا خياليا قد لا استطيع تحقيقه أحيانا ، ولا يستطيع الكثيرون حتما تحقيقه إطلاقا.
الرسالة تقول انك تستطيع استئجار هذا البرنامج لقاء بدل شهري متواضع فتحقق ربحا مضمونا لا يقل عن ال 10% من رأسمالك.
غضبت لهذه الوقاحة في بادئ الامر، ثم ارتد غضبي الى شفقة على من يتوسل هذه الطريقة لجني المال، فيوقع بالبسطاء قليلي التجربة موهما اياهم بما لا يمكن لعقل ان يسلّم بصوابيته.
ان كلّ برنامج اوتوماتيكي يمكنه ان يحقق الربح في فترة من الفترات تناسبت طريقة برمجته مع حركة معينة للسوق في فترة محددة .
حذار من خداع المضلِلين او من انخداع المضلَلين . ان السوق لا يمكن ان يستمر على وتيرة واحدة او نبض واحد لفترة غير محددة . ان كل زوج من ازواج العملات يتميز بتحركات ذات وتيرة معينة  قد تقصر او تطول ، ولكنها ليست ابدية غير متحولة على الاطلاق. إن كل زوج من ازواج العملات معرض لان تختلف حركته في فترة زمنية معينة، فتصير مشابهة لحركة زوج آخر كان على نقيض معه في شهر او شهور مضت.
اين هو البرنامج الاوتوماتيكي الذي يصح التعامل فيه على جميع الازواج دون تفرقة او تمييز ؟
 اين هو هذا البرنامج الذي يحقق نسبة الربح على كل الازواج وبصورة ثابتة شهرية وعلى مدى لا يقل عن سنتين مثلا ؟
 من يستطيع ان يضمن لي ان حركة زوج من العملات حقق ربحا لاشهر، لن تتغير في الاشهر التالية فتصير مشابهة لحركة زوج آخر لم يحقق الا خسارة في الاشهر الاولى ؟
من يستطيع ان يجيبني بصورة مقنعة عن السبب الذي يدعو اصحاب البرامج الاوتوماتيكية الى تأجيرها ببدل شهري اذا كانت تحقق الربح وتقدمه لصاحب المال كما يدّعون؟
ألا يتفق معي الجميع في ما أراه بكون مكتشف برنامج (مضمون) بهذه الجدية لا يحتاج اطلاقا الى تأجيره بمبلغ زهيد لكي يصير ثريا؟
وحتى اقتنع بان برنامجا ما يستحق الاهتمام أريد برهانا على انه:
حقق ربحا على كل أزواج العملات التي يتم التعامل بها.
حقق هذا الربح على فترة لا تقل عن ثلاث سنوات متتالية.
كانت نسبة العمليات الرابحة لا تقل عن 60 الى 65% من العمليات المجراة.
حقق ربحا في عدد من أشهر السنة لا يقل عن الثمانية، وخسارة في اشهر لا تزيد عن الاربعة.
ومن يقول: هذا برنامج يصلح للتعامل على اليورو دولار، وذاك برنامج يصلح للتعامل على الدولار الاسترالي مقابل الدولار الكندي مثلا؛ فهو كمن يقول : هذا برنامج يصلح للتعامل اوتوماتيكيا على سهم شركة ميكروسوفت دون غيرها، وذاك برنامج يصلح للتعامل على اسهم شركة ياهو ولا يصلح لغيرها؛ او كمن يقول : هذه سيارة تصلح للسير على الطرقات المسطحة ولا تصلح للسير على الطرقات المنحدرة. إنه هراء ما بعده هراء، وحرام على كل عارف تضليل من يجهل.
هو رأيي، وقد يستحق النظر والتفكر!
 

آخر تحديث ( 20/05/2008 )

 

ألني ثقتك , أصنعْ منك صيّاد صفقات ! (3) ا

ألني ثقتك , أصنعْ منك صيّاد صفقات !  (3) –

 

أعرف اني أطلت الغياب وكان علي ألا أطيل . من الأخوة المهتمين في متابعة ما يُكتب في هذه الزاوية السماح ، للعمر حق ، للظروف الصحية أحيانا حق . حتى الفَرَس المؤصلة لها حرنات . الكلمة أيضا قد تحرَن حينا ، فتحجم عن تلبية ما للفكرة من رغبات  ، ولا يكون بدّ من هجرٍ بين العاشقين ، إلى أن يعود الحنين ، فيسيل الحبر على الورق من جديد تجارب تليها امثولات وعبَر .
في وقت الانقطاع هذا سمعت عتابا : كل ما سبق كان تقديما ، هات الخطة نحن ننتظر الختام .
وسمعت : ما همّنا من كل ما سبق . لا غرام لنا في الطيور ولا شأن لنا في صيدها .
وسمعت : كفتني كلمة من كل ما كتبت ( صياد صفقات ) . هذه الكلمة جعلتني أغير خطة عملي كلها . بدأت من جديد . أعتقد أن النجاح سيكون قدرا لي هذه المرة .
وقرأت : لن أكون بحاجة لانتظار ما ستزيد من شرح وتفصيل ، أنا قرأت بين سطورك وفهمت ما ترمي اليه . أشعر بأني على وشك أن أكون صيادا ( في غابة يسمونها سوقا ) .
وقرأت : ما شأني في كل ما تكتب ؟ أنت تتوسل الإنشاء ، والزخرفة اللفظية وأنا عن كل ما تقول في غنى . أريد تحقيق الربح في عملي ، ولا أهدف لشيء آخر .
وسمعت : قرأت ما كتبت بشغف . قرأته مرات ومرات . وفي كل مرة وجدت الجديد . وفي كل مرة أفدت مما ظننته تفصيلا في ما سبق . أحسني الآن صيادا محترفا ، أعرف مواضع الكرّ ، ومواقيت الفرّ .
سمعت الكثير الكثير ، طربت حينا لما سمعت ، حزنت حينا لما سمعت . ولكن الحق أقوله لكل من يبحث عن اتعاظ ، واقوله بكل ما للصدق عندي من مكانة وإجلال وتهيّب .
أقول إنني أنا نفسي – أنا نفسي  كاتب تفاصيل هذه التجربة الحياتية الدقيقة – أعود من وقت لآخر الى ما خطت يداي ، فأفيد منه في ما أفعل كل يوم . أنا نفسي أجد في  الكلمة التي نقلت فكرة من أفكاري – اذا ما عدت اليها – صورة متطورة جديدة ، لم أتنبه لها في حالة وعيي السابقة .
لم أتنبه لها في حالة وعيي السابقة ، إذ تكون قد تسللت من مفكرتي تسللا ، وتقمصت جسد كلمة من كلماتي تقمصا ، وتحولت الى قول من أقوالي  تحولا ، واستهدفت عقلا من عقول قرائي استهدافا ، وثبتت في وعي بعضهم جنينا ينمو ليصير منهجا . كل ذلك في لا وعيي الكامل لما يصير حقيقة تامة ؛ ولا أعي تلك الحقيقة إلا إن عدت الى ما كتبت من جديد ، فأزداد تعلما من نفسي بترجمة تجربتي تطويرا مستمرا لمنهجي الذي لا يعرف الركود الآسن ، ويبحث دوما عن ضجيج ، عن ضجيج مبتهج خلاق .
أنا نفسي ، أفيد كل يوم من استذكار تجربة أكون قد عشتها مرة وهجرت ذاكرتي لفترة ، ثم إن عدت الى أوراقي أراها قد انطلقت من جديد ، فإذا هي شعاعي المحيي وجناحي المنبعث . أنا نفسي أعيش هذه اللحظات فلا يخجلنّ أحد مما يستحق الفخروالاعتزاز .
 
الانتقال من التخطيط الى التطبيق .
 
 
يومي الأخير كان يوم القطاف ، قطاف ثمار جهد طال زمنه ،  تحليلا  لمعطيات ، وتدقيقا في ظاهرات  ، وبحثا عن ثوابت ، ورسما لتوجهات  . قطفت الثمار وحفظت الدرس الذي تحول بالنسبة لي الى منهجٍ حياتي يقوم على عدم أخذ الأموربظواهرها السهلة رؤيتها ، بل البحث دوما عن بواطن غالبا ما تكون الدرر في ألبابها .
في يومي هذا كنت شخصا آخر ، كنت شخصا مصمما على الربح لا باحثا عنه . كنت شخصا واثقا من الربح لا متوسلا له . كل الشكوك التي رافقتني في أيامي السابقة غادرتني اليوم وبت والثقة صنوان . في أيامي السابقة كنت أنتظر صيدا لأفرح ، أليوم أنا في حالة من الفرح المستمر ، أنا واثق من النصر المؤكد . أنا قوي اليوم  في نفسي ، النصر لي . كنت في ما سبق أبحث عن نصر ليس فيّ . الصيد ( الربح ) ، النصر  يستحيل أن يتحقق إلا إذا صار حالة فرح وجداني ملازم للنفس غير منفصل عنها .
في هذا اليوم لم يعد يهمني ان حققت صيدا وفيرا او متواضعا . لقد تأكد لي النصر وتحقق الربح بمجرد بلوغي الهدف . الهدف هو الصوابية في التفكير ، المنهجية في التخطيط ، الدقة في التطبيق . كل ما تبقى من نتائج تكون تفاصيل غير ذات أهمية .
الحق الكامل اقوله لكم : كان فيّ اليوم انسانا جديدا ما عرفته من قبل . بت لا أكترث لعدد الطيور التي سأصطادها . كان يهمني ، وكنت واثقا ، وكنت فرحا ، فقط لأنني اعرف أن خطتي ستسمح لي بصيد ( ربح ) كل الطيور التي ستقع على شجرتي ، سيّان عندي  أكان صيدي ( ربحي ) هو لطيرين او لعشرين او لمئة طير . يجب أن ( أربحها ) أظفر بها كلها ، او بالغالبية الساحقة منها ، هذا هو مقياس نجاحي ، هذا هو مبعث فرحي . 
كنت فرحا لأنني بت أملك شجرة في غابة ، هي شجرتي أنا . بت املك استراتيجية صيد ( عمل ) ، إستراتيجية أوجدتها عبقريتي وهي كشجرتي ، لي ، لي أنا ، لي أنا وحدي . كنت فرحا ، وكان فرحي عظيما . أنا محظوظ جدا . أنا أملك شجرة وخطة .  
 
ما عملته في اليوم الأخير كان  لمسات أخيرة على مخطط  رسمت له ما وجب أن أرسم  ، وعملت فيه ما يجب أن أعمل ، فإذا هو ضالتي التي وجدت وفخري الذي استحقيت . جلست في مخبأي ولم أقف . جلست على حجر مسطح خفيض ، بشكل يسمح لركبتي ان تكونا سندا ليديّ اللتين تحملان البندقية ، دون أن أضطر للإنحناء إلى الأمام إلا قليلا ، وبشكل يسمح لعينيّ التحديق في الشجرة كما في الفراغ المحيط بها ، رصدا لكل حركة يمكن ان تستجد عبر جناح مقبل من بعيد .

جلست في مخبأي . كفّاي ممسكان بالبندقية . أصبع اليد اليمنى على الزناد في تأهب مستمر ، ويقظة فائقة ، وجهوزية كاملة . أنا أعرف عمّا أبحث ، أعرف ما انتظر ، أعرف الوقت الذي يحين فيه التدخل ، أعرف اللحظة التي يجب فيها أن أتصرف ، أعرف ان عدم التصرف أو التردد ثانية واحدة قد يضيّع الفرصة ، لذلك تراني لا أتردد . ( ضياع الفرصة لا يعني ضياع العمر ، ثمة فرص أخرى لا بدّ آتية )
أنا اليوم أعرف كلّ تفصيل مما سيحصل معي ، أرى كل شيء آت كما لو إنه من الماضي . أنا أعرف . كل شيء فيّ يعرف ، يداي تعرفان ما عليهما ، عيناي لا تجهلان ما لهما ، أكاد أقول إن كلّ خلية فيّ أخذت على عاتقها شيئا ما  .
 معرفة نتيجة الفعل  يقوم على الثقة بالفعل ، وأنا كنت واثقا في ما انا فيه وإليه .
 في هذا الوقت ما عاد يعنيني ما يفعله صاحبي وكيف يحقق نتائجه . انا لي طريقي ، لي خطتي ، علي السعي لتطويرها  وتهذيبها وتحسينها سعيا لما هو افضل .
 
من صيد الطيور ، الى صيد الصفقات ..
 

في السنة التالية لموسم الصيد كان صاحبي قد غاب عنا . لبى نداء ربه مع الذين لبّوه ضحايا  حرب ظالمة . هجرت الصيد والوطن بعد ذلك بقليل . جاءت المرحلة التي شاء الله لي فيها أن أتعرف على غابة أخرى – البورصة – أكثر وعورة وأعقد الغازا من غابتي الأولى ، وشاء لي أن افيد من خبرة اكتسبتها في الصيد مراقبة وتحليلا وتخطيطا  وتنفيذا ، وشاء لي أن أدمي يديّ وقدميّ في مسيرتي الثانية هذه ، وشاء لي أن أفرح بهذه الجروح التي تتكرر دوما دون أن أبالي بأوجاعها ، وشاء لي أن اعثر لاعود فأنتصب من جديد ، وشاء لي أن أعرف أخيرا كل قرنة في هذه الغابة العالية مخاطرها ، وأحفظ كل درب من دروبها ، وأتعرف على كل شجرة من شجراتها ، وشاء لي أن أتعلم في كل يوم فيها درسا جديدا على امتداد سنوات طوال . وشاء لي أن أحفظ الدروس جيدا ، الى ان بلغت ما بلغت من معرفة حمتني من تجارب كثيرة ، ووقتني شر عثرات لا تحصى ، ووفرت علي مغامرات وفيرة خاضها غيري وكنت في مأمن الا من قلّة محصورة مخاطرها  .

 
حاولت في اول عهدي بالبورصة ان استورد لنفسي خططا ، واستجدي استراتيجيات جهد غير في وضعها . حاولت الحصول عليها تارة بالحيلة والتجسس، وطورا بالتفاوض . كنت أحصل عليها حينا بهذه ، وحينا بذاك . لكنني والحق يقال ، كنت أشعر بعدم الرضا تجاهها ، كنت كمن يلبس ثوبا فُصّل لغيره ، ولا نفع له منه .
عمدت الى شراء اشارات توصيني ببيع وشراء على نقاط محددة . قلت : أوفر على نفسي جهدا ، أن كنت قادرا على شراء رغيف طازج فلِمَ الزرع والحصاد ، ثم الطحن والعجن والرق والخَبز ؟
جربت هذا فما نفعني بشيء . في حين كان خبّاز التوصيات هذه يهنأ برغيفه ، كنت أجد فيه أحيانا طعما عفنا يُكرهني الطعام ويجبرني على الابتعاد عنه . كان مثلي مع هذه الحالة مثل من جهل الصيد وفنونه فكان يعود كل يوم الى بيته مفتخرا . البندقية في يمناه وجملة من الطيور في يسراه . طيور اشتراها من السوق ، فقط ليوهم زوجته بقدراته المزيفة .
حاولت كل شيء قبل ان أهتدي الى الحقيقة التي لا حقيقة سواها : أنا هنا في غابة لن ينفعني فيها سوى جهدي وعقلي وإرادتي وقوتي . عادت الى ذاكرتي أيامُ الصيد ، فاستقيت من تجربتي الاولى كل تفصيل وأفدت من كل عبرة فيها .
اقتنعت انه لا جدوى لي من صيد الصفقات طائرة ، وانه لا بد لي من انتظار وقوعها على مدرج  لأظفر بها . إقتنعت وثبت لي بالنتائج المقنعة أن علي التربص بالسوق كما يفعل النمر حيال فريسة قبل أن ينقض عليها ، وكما كنت أعمل يوم غرامي بصيد الطيور . كما اقتنعت أن السوق يكون حينا طائرا صغيرا او متوسط الحجم يسهل صيده كما يكون أحيانا وحشا كاسرا يجب الاحتراس منه ، فإن آلمته ولم أصب منه مقتلا ارتد علي بكل ما فيه من قسوة ورغبة بالانتقام . ولكم نجح في الحاق الهزيمة بي إذ أكون قد أطلقت عليه في غير الموضع أو الوقت المناسب .
أصبت جراحا كثيرة من وحوش السوق أولا ومن كواسره تاليا ، الى ان تكونت عندي القناعة البليغة أخيرا . علي أن اكتفي في بداية عهدي بالطيور الصغيرة ، صيدا أجمّعه فوق صيد ، وربحا أجمّعه فوق ربح ، حتى اذا بتّ قديرا وبات  هو وفيرا ، إغتنيت عن جوع وعلا شأني وصرت مقتدرا في تطوير مخططاتي وتجذيرها  .
طبقت اذا في أول عهدي بالسوق  نفس استراتيجيتي في  الصيد فنجحت . كانت أوقات العربدة في السوق لا تجذبني الى العمل ، دون أن تربكني أو تخيفني . كنت أدرك أن للهيجان هذا نهاية محتومة ، فأشحذ خنجري ، والقم بندقيتي ، وأتخذ وضعية التأهب الواجبة ، وأنتظر . كان يطول بي الإنتظار حينا ويقصر احيانا ، ولكن الظفر كان دوما من نصيبي ، وما اذكر أني خرجت من المعركة بجراح إلا في ما قلّ وندر ، وإن حصل فغالبا ما يكون نتيجة خطأ ارتكبته ، خطأ حتمته ضغوط نفسية او جسدية طارئة .
نعم أيها الاكارم ، ولّت الفترة التي تحكمت بي فيها التوترات النفسية ، والأزمات الوجدانية . صرت صيادا بارعا في غابة تنجو القلة من مزالقها . سرّ براعتي هو نجاحي في تحديد  هدفي ، وتوازن هذا الهدف مع قدرتي في كل مرحلة من مراحل عملي التي كنت أطورها بشكل متوازن معها . وكانت لي مرحلة صيد جديد مستقاة مبادئه من الفترة الاولى ومطورة بحسب قواعدها .
نُصحي لكل صيّاد يبغي في هذه الغابة صيدا أن يعي الخطر بنفس النسبة التي يطمع فيها بالربح .
نُصحي له أن يُحدد موضع الصيد والتوقيت المناسب له ، ثم أن يكمن بانتظار صفقة بعينها في لحظة بعينها يعرفها ، فلا يرضى عنها بديلا .
نُصحي له أن يكتفي في المرحلة الأولى لعمله بأرباح قليلة تقوي من عزيمته وثقته إن هي تتابعت ، وتصلّب من عزمه وتصميمه إن هي تجمعّت وتراكمت لتوفر ثروة صغيرة تكون منطلقا لتطوير الاستراتيجية وتحسبنها .
أقول لكل من أحسن تنظيم خطته واختيار شجرته وبناء مخبئه إن طيرا يقع على غصن عال للشجرة يسهل صيده وتُضمن إصابته ، وإن طيرا يغلّ بين الغصون قد يكون في مأمن إذ انه يكون محميا بالغصون . أقول : أطلق على كل طير مضمون بنسبة عالية واصرف النظر عما سواه .
أوصي كل من ورث مالا كثيرا وشاء أن يتاجر معنا أن يحرص على ماله الموروث باتباع نفس الخطوات في المراحل الأولى ، فيكتفي بالصغير من الطير ( القليل من الربح ) يصيده في أوقات هادئة محددة ايضا ، وأن لا ينسى أبدا أن وحوش هذه الغابة في جوع مستديم ، لا تشبع أبدا ، وهي قادرة على ابتلاع كل شيء ، والإجهاز على كل ثروة مهما عظُمت . الحلّ الوحيد برأيي لكل متعامل ( أو لكل مبتدئ على الأقل ) أن لا يعرّ ض نفسه بصدر مكشوف لأنياب الوحوش هذه وبراثنها.
 
هذه وصيتي ، حصاد زرعي  ، نتيجة  تجاربي ، جنى جهدي . 
هذه وصيتي ، حصيلة حرصي الدفين على أن  يفيد مَن أولاني الثقة من تجاربَ كانت لي دروسا لا أنسى منها كبيرا ولا أنسى صغيرا .
نصيحتي أخي : خذ بوصيتي ، تقِ نفسك شرّ العثرات .