على ماذا تعتمد في قرارك لفتح الصفقات ؟ – 20th September 2004
|
شديد الاهمية سؤالك هذا . فائق الحساسية هو . يوحي برغبة تجسسية هائلة . أقرأ في كلماته غزوة عربية لا رحمة فيها . أخشى الاتهامات بالتكتم على ما قد يكون فضحه مفيدا . اشعرتني بمسؤولية ضخمة .
أبغيت مني جوابا مختصرا ، صادقا ، قلّ كلامه ودلّ معناه ؟
أقول : اعتمدت في قراري لفتح صفقاتي على نفسي ، وعلى نفسي دون سواها .
أمزاح أم هروب الى الوراء؟
لا بل إيجاز ووصول الى الهدف من أقرب الطرقات وأسهل السبل .
أعتمد على نفسي . ونفسي هذه من تراها تكون ؟
إحص ِ لياليَ لا تحصى ، لياليَ امضيتها في فك رموز شموع ترتسم امامي على ما يسمونه رسما بيانيا . أضف اليها اياما كثيرة عرفتها مقارنا لحالات ألمح في وجوهها شبها ، محاولا إيجاد وجوه خلافها . زد على هذا لحظات شك وخوف وتردد ، لا يمكن لامرئ ان يشعر بأمرّ منها . إجمع الثلاثة إلى حالات خسارة ، تحني ظهرا ولا أصلب . أضف كل ذلك الى عزم ٍ شديد ٍ عنيد ٍ رشيدْ .
إفعلْ كلّ ذلك ، تقعْ على نفسي .
ما من أحدٍ ولا من شيءٍ , ما من كتابٍ ولا من برنامج ٍ , ما من مدربٍ ولا من دورةٍ ، يستطيع أن ينفعني ، أو تستطيع أن تنفعك ، في اتخاذي لقراري ، او في اتخاذك لقرارك ، كما تستطيعه نفسي ، وكما يجب أن تستطيعه نفسك .
ونفسي هذه من تراها تكون ؟
نفسي هذه ليست المؤلفات التي عملت على ارتشاف محتوياتها ، وليست المقالات التي انصرفت الى التدقيق بتفاصيلها ، وليست النظريات التي انكببت على تحليلها ، وليست التحاليل التي بدأت باختبارها .
نفسي هذه ليست الشموع اليابانية ، ولا خطوط الدعم والمقاومة ، ولا خطوط الترند المتصاعد والمتراجع ، ولا القناة المنحصر السوق بين خطيها ، ولا تقسيمات الفيبوناكسي ، ولا موجات اليوت .
نفسي هذه ليست الخطوط المتوسطة الانسيابية ، وهي ليست مؤشرات ال RSI أو ال MACD ولا ال STOCHASTIC ولا غيرها الكثير الكثير من امثالها .
نفسي هذه ليست البيانات الاقتصادية الصادرة عن مؤسسات الاحصاء ، او عن وزارات التجارة والمالية العالمية ، أو عن البنوك المركزية المختلفة .
نفسي هذه ليست مستوى التضخم ، ولا مستوى ثقة أو ائتمان أو سعر المستهلك ، ولا هي الناتج المحلي الاجمالي ، ولا مبيعات التجزئة ، أو السلع المعمرة .
نفسي هذه ليست قرارات رفع الفائدة او تخفيضها ، هي ليست تصريحات السيد جرينسبن ، ولا بيانات السيد تريشه ، او مناورات غيره من رؤساء البنوك الممتلكة لقدرة التاثير في تحريك السوق صعودا او نزولا .
نفسي ليست واحدا من كلّ ما تقدم ، فهل تكون نفسي كلّ ما تقدم ؟
نعم قد تكون ، أو قل إنها لكذلك .
إنّ ثمة شيء أعرفه وأؤكده وأتذكره وأحبه وابوح به ولا أخفي سرّه :
نفسي هي عصارة ذلك الكمّ الهائل ، وخميرذلك المزيج الدسم ، من التعلّم ، ومن التعليم ، ومن التجارب ، ومن الدروس ، ومن الاخطاء ، ومن العبر ، ومن الخوف ، ومن الوهم ، ومن الطمع ، ومن القناعة ، ومن الخيبات ، ومن النجاحات ، ومن الرعشات ، ومن البسمات .
نفسي هي انتفاضة الرماد بعد انكسارة الافلاس ، ومن لم يعرف الافلاس مرة لا يمكن ان يعرف للربح قيمة . نفسي هي انبعاث المارد من قمقم الصياد ، وقرار المنكسر بتحصيل الانتصار .
نفسي هي تلك اللا الصارخة من اعماق اعماقي : هذه صفقة يوسوس لك بها شيطان الطمع فلا تعمل بمشيئة شيطان الطمع . وتنصاع يدي لإيحاءات نفسي .
نفسي هي ذلك الشعور الناعم الهادئ المدغدغ لرغبة الربح التي لا بد أن يكون قد عرفها وقد احسّها كلّ من يقرأ هذه السطور . هي تلك الوشوشات الصامتة الخفية : الآن ، الآن ، هذه واحدة من الصفقات التي ما ولدت يوما غيرَ ذكر ، وستلداليوم ، توأما من الذكور ( ونحن أقوام لا نزال تفضل ، وللاسف ، وعن غيرحق ، مولودا ذكرا ) وتنصاع يدي الى وشوشات نفسي .
س : هل تقصد أن امتلاك أسرار التحليل التقني غير كاف للنجاح في تحقيق الربح ؟
ج : امتلاك اسرار التحليل التقني هو درجة من درجات المعرفة التي لا تحصى . هي مادة من مواد التعلَم والتخصّص ، يتلقاها طالب الطبّ في سنة من سنوات تحصيله العلميّ . هي مادّة يدرسها وتفيده في كل يوم أثناء ممارسته لعمله بنسبة معينة ودون أن يحسّ بذلك . ولكن في مرحلة من مراحل ممارسته الناجحة ، أراه يصبح ويمسي على قواعد اخرى ، وأسرار اخرى ، هي قواعده هو ، وأسراره هو ، بينما لا تبدو تلك التي درسها في شبابه بجانبها سوى حروف جامدة يابسة ، لا جدوى منها ولا حاجة لها .
تخيّل طبيبا جرّاحا يعمد الى مراجعة درس سبق وان تعلمه قبل سنوات ، ثم يعود لتطبيق الدرس في عمليته الجراحية .
تخيّل لاعب كرة وقف على ارض الملعب وراح يرسم خطة الهجوم على ورقة يحتفظ بها في جيبه قبل ان ينفذها على الارض .
تخيّل سائق سيارة يفتح الكتاب الذي تعلّم به قيادة سيّارته على المقعد المحاذي لمقعد القيادة ويعود اليه في كل عقبة تلاقيه في سيره .
التحليل التقني هو الكتاب الذي عرّف السائق المبادئ الاولية للقيادة ، وأطلعه على قوانين السير ، وأرشده الى المرغوب فعله ، ولكن قيادة السيارة لا يمكن ان يتم تعلّمه بكتاب .
تخيّل سائق السيارة الذي ما فعل امام الخطر الداهم سوى الضغط بقدمه وبكل ما اوتي من قوة على مكبح السيارة . تخيّله وقارنه بسائق آخر زاد على خفة الضغط على المكبح خفة ذهنية اخرى جعلته وبسرعة البرق ينعطف بسيارته يمينا او يسارا لتفادي المصيبة القادمة . أليس حظ الثاني بالنجاة يضاعف حظ الاول .
امتلاك أسرار التحليل التقني ، هو امتلاك أسرار قيادة الدراجة الهوائية عن طريق كتيب صغير يمكن لكلٍ ان يحصل عليه ، هو امتلاك اسرار قيادة الجماهير في كتيب صغير يمكن لكلٍ ان يشتريه . نقل هذه الاسرار الى حيز التطبيق الفعلي هو سرّ كلّ الاسرار ، هوخلاصة كلّ الافكار .
ادرس التحليل التقني بكل تفاصيله ، إحفظ عن ظاهر قلب كلّ حرف من حروفه ، ثمّ ، إن دقّت الساعة – ساعة إقفال صفقة مشؤومة اخطات في فتحها – تاخر لحظة واحدة عن اتخاذ القرار وتنفيذه ، وها انت من الخاسرين .
اعتمد على ما عرفته من قواعد التحليل التقني كلّها ، ما وضع منها حديثا ، وما عرف من قرون ، ثمّ ، لا تتحرر من تلك البلادة القاتلة التي ما لازمت فكرا الا وعطّلته ، ولا رافقت يدا إلا وأغلّتها ، إفعل ذلك وما انت إلا من الفاشلين .
امتلاك اسرار التحليل التقني هو امتلاك قواعد الصرف والنحو لاية لغة من اللغات الحيّة ، فهل امتلاك قواعد اللغة يجعل من الممتلك اديبا أو كاتبا أو شاعرا ؟
امتلاك أسرار التحليل التقني هو امتلاك سر استخراج مئات من الالوان من ألوان ثلاثة فقط . فهل كان مازج الالوان يوما رساما فنانا خلاقا مبدعا ؟
إمتلك أسرار التحليل التقني . أدرسها وتدرب على تطبيقها . لكن ، إيّاك أن تقف عند هذا الحد ، فهو معرفة القليل وعليك بمعرفة الكثير .
|