حق لي أن أكون حزينا، لأن السوق الذي كان، ولا يزال، عالمي وكَوني ودُنياي هو أجمل من العاملين فيه. وددت يوما ان يكون العاملون أجمل من السوق، أو أن يحاكوا جماله، واشتهيت ذلك بعمق، وسعيت بكل إمكاناتي لأحقق – او أساهم بمقدار – في تحقيق ذلك، فلم أبلغ مرادي – وقد أكون حققت جزءا مما هدفت إليه – ، ولكن الحق يقال: لا يزال السوق أجملَ من العاملين فيه!
أخذت اليوم قلمي وعدت الى دفاتري، لا لأبديَ حزنا لا يهمّ أحدا، أو أوزعَ يأسا لا أشتهيه لأحد، ولكن لأدعوَ أبناء هذه المهنة إلى إن يتحسّسوا نبض العظمة.
أنا أدعوهم لإن يكونوا عظاما . . .
أخاف بين الحين والحين من صمت كذاب، فأعود الى الحقيقة وأنصّب نفسي خادما لها. خدمة الحقيقة واجب علينا جميعا، وبهذا فقط يمكن أن تستقيمَ الأمور التي فسدت وأفسدت. من ناحيتي أجد نفسي متعَبا من الكثيرين، ويجب علي أن أستمرّ بالكلام، حتى لا أموت.
السوق جميلٌ جدا، نجد في عمقه دوما ما يصحّ تشبيهه بالدرّ. هو يجب أن يبقى نظيفا. علينا، نحن رواده، أن نحافظ على نظافته ولو بصورة نسبية. إن فعلنا يبقى هو عالمنا الذي نستحق، وإن تجاهلنا يصير مَكَباً لقذارات ومَنبتاً لموبقات.
ألسوق أيها الأخوة هو أنتم .. هو نحن .. رجائي أن يصير أبهى مما هو عليه الآن .. حتى يصير كذلك، يجب أن نصير نحن أبهى مما نحن عليه الآن .. معظمنا يقيمون الآن في قباحات جارحة .. هم يعرفون بشاعاتِهم ويحاولون إخفاءَها .. هي جليّة وصارت تتآكلهم .. هم اعتادوا عليها .. ألِفوا نتانتها .. صارت هي هم .. وصاروا هم هي ..
ألكذبُ كثير… لا يعوز أحدا ذكاءٌ خارق أو تحليلٌ علمي ليلحظ أن الكذبَ كثير ….
ألسوق جميل فيجب أن نكون نحن – نحن جميعا – مقدّرين لجماله، عاملين على حراسته، وعلى حمايته، فيضاهي جمالنا جماله، ونبقى مستحقين له.
في السوق كذب كثير وكذابون كثر . أنا أعرف بعضا منهم، وأتحسس وجودهم جميعا.
ألكذب طمع ورغبة . نكذب في مجتمعاتنا المسكينة كثيرا لكي نؤمّن ربحا قليلا. نكذب ونعتبر أنفسنا أبطالا، لأننا اتقنا فنّ الكذب، ودرّ علينا مالا. نختلق أساليبَ وبدعا في الكذب فنغتبط بها ونهنئ أنفسنا عليها – وأحيانا لا نستحيي من تهنئة بعضنا أيضا – .
ألكذب طمع، فكيف إبعاد الطمع الرخيص عن النفس لتعود هي راسخة في الحق متلألئة عظيمة؟
ألكذب طمع، إبعاده عن النفس يُعيد الإنسان الى التشبث بقناعته إنه عظيم، بل إنه جبّار، كامل القوة. هنا تأتيه الشجاعة ليواجه الصعاب، فينجح.
ليس فقط لينجحَ، بل ليقتحمَ المستحيل، فتبدوَ أمامه المعجزات، وهي صنع يديه . هنا فقط يكفّ عن التقزم أمام العظماء، فيصدّق أن بمقدوره، هو أيضا، أن يكون عظيما. ويصير فعلا هو أيضا عظيما.
إقتحام المستحيل ! – أي تحقيق الربح – يا لعظمة هذا الموقف ! يا لسهولته ! فقط عندما تتطهر النفس وينقى الوجدان. هنا ترتسم خارطة الطريق من ذاتها، فيكون واقعا ملموسا ما كان منذ أيام ضربا من المستحيل.
يصير الواحد منا عظيما إن حقق رغبته التي دخل هذا السوق من أجل تحقيقها. رغبته هي رغبة المجموعة كلّها. رغبتهم جميعا تحقيق ربح.
في اللحظة التي يتحوّل فيها هدفٌ اسمُه تحقيق الربح، إلى هدفٍ اسمُه اقتناء المال، تتحول العظمة إلى قزمة.
ألحصول على المال بالسبل السهلة نادرا ما يكون في هذا السوق إلا بالنصب، والنصب كذب ..
ألحصول على المال بالسبل القاسية يكون دوما بتحقيق الربح، وهو لا يكون إلا بالعظمة، والعظمة بهاء ..
يكون الواحد تاجرا مبتدئا، يسعى إلى تحقيق الربح ويتعجل في ذلك .. يجهد إلى ذلك .. يتهيب الموقف .. تستهويه سبلٌ أخرى .. يتدرج فيصير سمسارا لشيء ما، أو بياعا لتوصيات ( يقول إنها مضمونة )، وقد تحمله سخرية القدر أحيانا لأن يتحول الى مدير لحسابات .. يتخلى عن هدفه الأول .. يستسهل سبلا مبتكرة لاقتناء المال .. يعيش على هامش الحق والشرف والصدق والشهامة ..
كان هدفه تحقيق الربح. تخلى عنه عند أول عثرة. صار همّه اقتناء المال .
هكذا بكل بساطة، وبسخرية فاقعة، وبكلمتين اثنتين: صار فلان مدير حسابات، وما أدراك ما مدير الحسابات !!
هذه أعلى درجة في سلم المسؤولية .. هنا أرقى درجات النظافة والبهاء .. لا تستخفوا بالأمور يا إخواني ..
أنا لست ضد أن يتولى أحدُنا إدارة حساب أحدِنا. أنا لست ضد أن يعطي أحدُنا رأيا عبر توصية أو اقتراح عمل لأحدِنا، ولكن ……………..
للبحث صلة…
للتواصل مع صاحب المقال : khibrat-omr@boursa.info