إسمع يا رفيق…
“رفيق بركة” ليس بصديق بعد.. معرفتي به حديثة العهد.. قد تتطور المعرفة وتصير صداقة.. سيكون هذا مبعث فرح لي. أحببت حضوره.. خفيف الظلّ.. مرِح المزاج. أمسيتُ ميالا الى رفقة المَرحين، قليلي التأفف، أصحاب البسمة. حتى الآن، رفيق هو مشروع صديق.
سارع رفيق الى الإتصال بي مسترشدا برأيي – أو لعلّه في قرارة نفسه كان يريد أن يسدي لي خدمة بتعريفي على نصرٍ حققه -. قرأ بالانكليزية على واحد من المنتديات الغربية خبرا مثيرا . تملّكته مشاعر الفرح. أخذته أحاسيس النصر. ظنّ لتوّه أن صناعة الملايين ستكون في منتهى السهولة. الرجل ممن يبحثون عن العمل السهل. يريد استراتيجية تقول له فيها الخطوط: إشترِ هنا. بعْ هنا. لا يريد أن يُتعبَ نفسه بالبحث والتدقيق والمقارنة والإستنتاج…
إنتصحْ يا رفيق ممن يبغي لك الخير. من الصعب جدا تحقيق الربح بالسبل السهلة والطرق المريحة هذه… ما من خطان يلتقيان، او يتعاكسان، فيكون التقاؤهما أو تعاكسهما سببا للدخول في السوق دونما تفكير أو بحث وتدقيق…
الخبر الذي حمله رفيق لي يتحدث عن استراتيجية عمل “مضمونة”. مُكتشفها يعمل عليها منذ ما يقارب العام – كما يدّعي -. لم تعطِهِ إلا ربحا. فقط خمسة أو ستة بالمئة من عملياته يتم إقفالها بخسارة محدودة.
مُدّعي النصر هذا صار له مريدين وتبّاعا على المنتدى. ألكلّ ينتظر إطلالته الميمونة، في جعبة الواحد أسئلة واستفسارات. في جعبة الآخر تعابير شكر وإطراء.
ألإستراتيجية هذه سهلة الفهم، بسيطة التركيب، جديدة، ذكية، منطقية، واقعية – كل هذا بحسب تعريفات مكتشفها – .
في مُختصَرٍ لها إنها تقوم على اختيار رسم بياني ( شارت ) لعملة من العملات. ثم البحث لها عن عملة أخرى يُصار إلى إنزال رسمها في نفس النافذة مع الرسم الأول للعملة الأولى ( في ما يُسمى overlay ) . الشرط الوحيد في العملية هذه يكمن في ألا يكون السعر الحالي للعملتين متطابقين متجاورين ( أي لا يكونان متواجدين على نفس المساحة . يجب ان يكونا بعيدين واحد الى الأعلى وواحد إلى الأسفل).
فلسفة الإستراتيجية بسيطة جدا : ليس عليك سوى أن تبيع العملة الموجود سعرها الآن في أعلى الشارت، وتشتري العملة الموجود سعرها في أسفل الشارت. ألرسمان لا بد لهما في وقت من الأوقات أن يلتقيا . إذا لم يرتفع السفلي فسينخفض حتما العلوي. النتيجة البديهية: لا تخسر في العملية الأولى وتربح بالثانية.
ألخسارة مستحيلة بحسب رأيه. ألربح مضمون. ألإكتشاف إستثنائي لعبقري لا يجود به الزمان في كل حين…
تفكّرت في الأمر برهة. بحثت لها عن حجة منطقية لتحقق ربحا. وجدتها.
الرجل مصيب في ما يدّعي – أو لنقلْ في جزء منه -.
إذا كان سعرا العملتين متباعدين لحظة الشراء ، فلا بدّ أن يأتي وقت – قريب أو بعيد – فيلتقيان. هذا صحيح.
إذا ارتفع سعر العملة السفلى وانخفض سعر العملة العليى فلا شك في كون كل واحدة منهما ستحقق ربحا وتكون العملية موفقة. هذا أيضا صحيح.
إذا تحركت واحدة من العملتين وثبتت الأخرى منتظرة إياها ليلتقيا في موضعها، فهنا أيضا يتحقق الربح. هذا أيضا صحيح.
إذا تحركت العملتان بنفس الإتجاه صعودا او نزولا فخسرت واحدة وربحت الأخرى – وبنسب مختلفة – فهنا قد يتحقق ربح ضئيل أو خسارة ضئيلة ( برأيه )، أو قد تتحقق خسارة كبيرة – كبيرة جدا – أيضا ( برأيي)، في حالات لم ينتبه لها صاحبنا فكلّفت كتاباته بعض تبّاعه الكثير من الخسارات التي كانوا يسألونه عن تفسير لها، وهو لا يستطيع لهم جوابا – أو لا يريد – .
إنهم ضحايا بعض المكّارين المخادعين ، أو هم ضحايا العابثين الباحثين عن باب تسلية فيجدونها في قوم يبحثون بصدق عن باب رزق حلال، أو ضحايا بعض الأغبياء الذين يقدّمون أنفسهم على أنهم رواداً وينتفخون من كثرة ما يتلقون من الشكر والحفاوة ممّن هم أكثر غباء أحيانا…
عدت إلى المنتديات العربية اتصفّحها. وجدتها عاجّة بالخطط والإستراتيجيات. أوصافها مشوّقة. لا أدري سرّ العبقرية التي تجعل هؤلاء الناس بارعين في توصيف مهاراتهم وتسويقها.
الكلام في هذه الخطط كلّها سهلٌ، لكونه يعتمد على النظري من الأمور. التطبيق مختلف. هنا تظهر نقاط الضعف، إذ يحتاج العامل على كل واحدة منها – ودوما – إلى غربال يناسبها. العثور على الغربال المناسب هو لبّ المشكلة وسرّ العثرة.
أسديت نصيحتي ل “رفيق بركة”. قلت: وفّر على نفسك مآزق لا يمكن تقدير مسالكها ولا مَبالغها. إعتمد هذه الخطة فقط إن أنت وجدت لها غِربالا يفصل فيها الحَبّ عن الزؤان. هي كغيرها من آلاف الخطط التي يستحيل إطلاق العنان لها بثقة مُطلَقة.
سامح إجابتي المختَصَرة يا رفيق. ليسامحني العزيز القارئ أيضا. موعدُنا مع تفاصيل موجبات رفض الخطة وشروحاتها لن يكون في موعد بعيد. إن شاء الله لنا ذلك.