وماذا الآن في رمضان ؟

وماذا الآن في رمضان ؟  – 22th October 2004

 
وهل رمضان أهل البورصة هو غير رمضان سواهم من الصائمين ؟
قد لا يكون كذلك ، ولكنه كذلك يجب أن يكون .
نحن قومٌ مميزون ، وشهرنا لا بد أن يكون على ما نحن عليه من تميز .
نعم ، واستنادا الى كلّ ما املك من مصادر ثقة ، وارتكازا على كلّ ما ادرك من منابع معرفة ، وعونا بكل ما يتوفر من وسائل تأكيد وبرهان وجزم ، أراني أقول : نحن قومٌ مميزون .
من المتميز إن لم يكن ذلك الذي امتلك حفنة صغيرة من المال ، فآثر أن يقتحم عالم المال الواسع بها ، على ان يزحف أمام ابواب متنفذين مستجديا وظيفة تمنّ بها عليه مصالحهم الذاتية ؟
من المتميز إن لم يكن الخائض في مخاطر سوق ، راكبا تقلبات لججه المخيفة ، مرتعشا لا خاشيا ، محجما لا مترددا ، مقدما لا متهورا ، آملا لا طامعا ، رابحا لا غانما ، خاسرا لا منهزما ، طالبا لا مستجديا ؟
من المتميز إن لم يكن ذلك الذي تزلّ قدمه مرّة فيكبو ، ثمّ ، لا تراه وإلا ، قد انتفض من جديد ، ومن جديد انتصب ، كمارد ، كعملاق ، وعاد يبني ما رسم .
اجل ، المتميزون هم نحن ، لا غيرنا ، فكيف تراه يكون شهرنا الفضيل ؟
دعوتي الاخوية المتميزة للاخوة المتميزين ، ألا يكون شهرنا فقط دعوات لله عزّ وجلّ بزيادة ربحنا ، ومباركة ملكنا ، وتعزيز سلطاننا .
دعوتي الاخوية المتميزة ألا يكون شهرنا – أو لا يكون فقط – مائدة وصحنا وشوكة وسكينا .
لذتي في ان يكون شهري تعبدا ، والتعبد صيام ، والصيام يتلوه قوت لا طعام ، وأستشعر فرقا هائلا بينهما …
هلمّوا إخواني نتقوت في رمضان فيتبارك بنا ولنا وعلينا .
هلمّوا نتقوت فيكون صيامنا بذلك اكثر تأهلا ، وصلاتنا اكثر اتصالا …
نتقوّت ؟
نعم .
وفي رمضان ؟
نعم ، وألف الف نعم .
تعالوا نتقوّت في رمضان . تعالوا نفكك حروف هذه الكلمة ، ونستشعر ، سوية ، أصداء متميزة منبثقة من واوها المشدّدة . اصداء مميزة لا يحسها الا من عرف نعمة مداواة جوع الصيام بجوع التقوت في الافطار !!
جوع الإفطار ؟
وهل يعقل أن يكون الإفطار جوعا ؟
نعم ، وإن لفي ذلك لذة لو احسها ملوك الارض لحسدوا عارفيها عليها .
وإن حصل هذا ، فماذا بعده ؟
إذ ذاك ، وإذ ذاك فقط يمكننا ان نحسها ، الحقيقة المثلى ، وأن نقولها :
أي فرح في الشهر المبارك ، إن لم يكن إدخال فرحة إلى قلب يتيم حزين ؟
أي فرح في الشهر المبارك ، إن لم يكن إدخال لقمة الى فم جائع مسكين ؟
أي فرح في الشهر المبارك ، إن لم يكن إدخال نعمة الى نفس واحد من اليائسين التائهين ؟
أي فرح في الشهر المبارك ، إن لم يكن تسامحا بين الطوائف ، ولقاء بين الفرق ، وسلاما بين المختلفين ، وتقاربا بين المتباعدين ؟
أي فرح في الشهر المبارك ، ان لم يكن إعلان بداية معركة الجهاد الاكبر ، الجهاد اليومي الملازم لنا ، طيلة فترة إقامتنا على وجه البسيطة .
والجهاد الأكبر ، أي معنى له ؟ أي معنى له إن لم يكن معركة قمع  واغتيال وتفجير وتفخيخ يومي ، يمارسها كل واحد منا ، ضدّ أناه اللعينة ، أناه الحاملة لكل بذور الذات ، الذات الملتصقة بالتراب ، التراب المُضِع للشهوات ، الشهوات المؤتَمرَة للرغبات ، الرغبات المستحيلة شرورا وشذوذا . 
وما شأن البورصيّ في كل هذا ؟
شأنه كثير كثير !
البورصيّ الرابح شأنه ان يفكر الآن بالعطاء ، بالعطاء غير المشروط ، ولا ينغمس بالدعوات لمزيد من الربح .
شأنه ان يكون عطاؤه متجردا ، لا منّة فيه ولا طلب .
البورصيّ الرابح شأنه الآن ان يعطي مما أخذ !
شأنه ان يعطي ، لا ان يزرع انتظارا لمكافأة مقابلة لعطائه .
شأن البورصيّ الرابح ان يعطي ، ولا يهب .
دعوتي لكم إخواني الرابحين .
أعطوا كما تعطي الياسمينة شذاها ، هكذا دونما حساب ، دونما منة أو طمعا بتعويض العطاء .
أعطوا كما البلبل يعطي  شدوه ، كما الريحانة تنشر شذاها ، كما الساقية تنشد حداها ، في وادٍ من اأدية لبنان الجريح !
أعطوا ولا تنسَوا الى جانب فلسطين ، وطنَ النجوم ! دعواتُكم له بالخلاص !
والبورصيّ الذي عثر حظه ، وزلت قدمه ، فهو إن احتاج في الشهر الفضيل، فالى تأمل وتفكر ، إلى راحة وقتية ينصرف فيها الى ترتيب ما تعطل ، وتقويم ما تعثر ، انتظارا لمرحلة قادمة قد يكون له فيها ما لم يكن في ما سبقها …
كلّ واحد منا مرّ بخسارة او خسارات . كلّ واحد منا عرف خيبة أو خيبات . كلّ واحد منا واجه امتحانا أو امتحانات .
المهم ، ألا يسمح لقلبه بالانكسار ، ولعزمه بالانحسار .
المهم المهم ، ألا يخرج عن نطاق التحليل المنطقي الدقيق لواقع حاله ، مستسلما لهواجس وظنون وتقديرات ، لا جدوى منها ولا نفع .
المهم المهم ، ان يحلل وضعه ، ويتبصر في ما اودى به الى ما هو فيه ، وما منع الربح عنه او ما منعه عن الربح ، وان تكون له الجرأة في اتخاذ القرار .
قرار تغيير لطريقة عمل ونهج تصرف ومنهج اداء كان قد اتبعها . قرار مداوة عادة تحكمت بنفسه وفرضت عليها ما ليس محمودا  . قرار تطوير لما وضح الان انه لم يكن بكاف لتحقيق ربح مرغوب ، ونجاح محبوب .
وإن تعذر كلّ هذا !
إن تعذر كل هذا ، فدعوتي لكل من ثبت له إن هذا العمل بات عصيا عليه ، أن يتحلى بالشجاعة الكافية ، للانصراف عنه ، الى لا عودة ، أو لفترة ، قد يفتح الله له فيها بابا، كان في ما مضى موصدا .