ازمة لبنان المالية: لماذا اقتراحات معالجة المشكلة المالية والمصرفية بدائية؟

لقد تكاثرت التوصيات بالحلول للمشكلة الاقتصادية والمالية التي تعصف بلبنان واعصاب المودعين ومصالحهم سواء كانت تجارية، ثقافية، صحية أو سياحية.

هنالك مواقف ومشاريع وضعها فريق شمل عدداً من الاقتصاديين المعروفين، وطرح بعدها مشروع لمجموعة من الاقتصاديين ورجال الاعمال اجتمعوا في مكاتب مؤسسة عصام فارس، واصدروا توصيات عدة ليس بينها اقتراح واحد جديد سوى توصيتهم باقتطاع جزء من اموال المودعين وكأنهم مسؤولون عما حققه عدد كبير من اللبنانيين مدى سنوات.

على رغم المذكرة الطويلة التي صدرت عمّن اجتمعوا في مؤسسة عصام فارس، الذين تجمعني بالعديد منهم علاقات صداقة واحترام، بينهم فيليب جبر رائد تأسيس شركة استثمارية في لندن ومن ثم جنيف، ومهى يحيى، وكمال حمدان، وناصر السعيدي، آسف للقول إني بحثت عن اقتراح جديد لم نتفحص مدى تطبيقه في دول أخرى – مثل برنامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنوك المؤسسة للانماء في منطقتنا – فلم Hجد ما ينير المستقبل والجهود المطلوبة في ما تعدد المذكرة الطويلة المنشورة في “النهار” (الثلثاء 14/ 1/2020).

جميع المعلقين المشار اليهم وغيرهم كثر اغفلوا الخصائص الخاصة بلبنان وأهله ومن المناسب عرض بعض هذه الخصائص وتأثيراتها سابقًا، وربما تاثيرها مستقبلاً.

أولى الخصائص ان لبنان هو الدولة الوحيدة في العالم التي تنشط نسبة 30 في المئة من شبابها وشيوخها في سن العمل خارج لبنان ويكتسبون معاشات وأرباحاً تفوق ما يمكن الحصول عليه في لبنان وهم كانوا يحوّلون الى لبنان ما يزيد على 9 مليارات دولار سنويًا تناقصت مع انخفاض العائدات البترولية الى 7.8 مليارات دولار عام 2018.

أهمية هذه التحويلات لا تقاس فقط بمليارات الدولارات بل أيضًا بكون الاعمال المشار اليها سواء في دول الخليج أو إفريقيا تفسح في مجال العمل والاكتساب لـ300 ألف لبناني على الاقل، أي ما يوازي نسبة 25 في المئة من عدد الايدي العاملة نظريًا المتوافرة في لبنان.

ثانية الخصائص والتي كنا نعرفها ولا نقر بها أن الدخل القومي تجاوز بالفعل الـ70 مليار دولار. وخبراء البنك الدولي يرون ان حجم الاقتصاد الاسود في لبنان يفوق نسبة 30 في المئة من الدخل القومي، وهذا الواقع كان فيه افادة للبنان. ولا شك في ان هذه الافادة الى تقلص لتراجع القدرة على تشغيل العمالة الوافدة وتأمين فرص عمل لنسبة كبيرة منها.

ثالثة الخصائص تضخيم دور المصارف اللبنانية واعتماد ارقام عن زيادة الودائع خلال السنوات منذ 2015 لا تعكس الحقيقة. فأرقام الـ2 والـ3 في المئة للزيادة لم تكن حقيقية لانها ارقام ميزانيات المصارف في تاريخ 31/12/2015- 31/12/2018 والزيادة الملحوظة كانت دون معدلات الفوائد العائدة إلى المودعين في التواريخ المشار اليها، كما ان غالبية الزيادة كانت تعود الى زيادة أرقام المصارف اللبنانية العاملة في الخارج، وهذه باتت تحتوي قبل السحوبات الاخيرة 45 في المئة من مجموع الودائع.

الخاصية الرابعة تمثلت ولا تزال في اعتبار احتياط مصرف لبنان من العملات الاجنبية موازياً لمجمل ودائع المصارف (الاجبارية منها أي 15 في المئة من الودائع) والودائع العادية مقابل فوائد مرتفعة وهذه ارتبطت لفترات طويلة لا تتناسب مع أوقات التعاقد على الايداع مع المصارف، وتالياً فإنّ بعض العجز يعود الى ان سحب غالبية الودائع لا ينتقص فقط من الاحتياط الالزامي بل أيضًا من ودائع المصارف بحد ذاتها لدى مصرف لبنان.

ونأتي هنا الى استسهال التفكير بالزام المصارف دفع نسبة أعلى من الضرائب على ارباحها، هذا مع العلم ان تحميل ارباح المصارف عبء الضرائب مرتين أدى الى معدل تحصيل للضرائب على ارباح المصارف وازى عام 2018 نحو 44 في المئة. وهذا الرقم بالغ الارتفاع، والتفكير بتحميل المصارف اعباء اضافية غير واقعي ومضر بمصلحة لبنان، فالايداع في لبنان سواء من اللبنانيين العاملين في الخارج أو من مؤسسات مالية غير لبنانية كان يتم نتيجة الثقة وكفاءة القطاع وسهولة تأمين الاموال.

وأول درس يجب ان يدركه أصحاب الآراء بالتثقيل على عائدات المصارف، هو ان المصارف ستعاني خسائر عام 2019، وخسائرها ستتوسع في 2020 لان الودائع ستكون على مستوى أقل بكثير، ليس فقط نتيجة تحويلات قد جرت، بل أيضًا لأن مصارف كبيرة تسعى لتأمين السيولة الى بيع مؤسساتها في الخارج ومنها ما هو ممكن تسويقه ومنها ما ليس تسويقه في فترة قصيرة ممكناً، وتالياً فإن أزمة السيولة ستبقى الى وقت ليس بقصير.

الخاصية الخامسة تتبدى من اصرار التوصيات والمذكرات والافكار الخاصة بالانقاذ على انجاز جردة بكامل موجودات الحكومة من أجل قياس مقدار التأمين الذي يمكن الاستفادة من الاقراض الدولي، واصحاب هذه الافكار لا يقدرون الوقت المطلوب لانجاز عملية كهذه ولا يدركون مدى انخفاض قيم الممتلكات المتوافرة للدولة، ومدى امكان التخلي عن الاملاك العامة ولدى الدولة جيش كبير من الموظفين غالبيته ممكن الاستغناء عنها إلّا عديد الجيش الذي هو العنصر الوحيد الذي لا يزال يحافظ على ذكريات الوطن وذخيرته المنسية.

الخاصية السادسة أنه عام 2009، عقب تفجر الازمة المالية العالمية خريف عام 2008، حوّل اللبنانيون من أصحاب الودائع الملحوظة في الخارج 24 مليار دولار الى لبنان أدت الى زيادة الودائع بنسبة 25 في المئة في المصارف وتوسع الاقراض بنسبة 12 في المئة وتحقيق معدل نمو بنسبة 9 في المئة وقد اسهمت تلك التحويلات والتي انجزت نتيجة الخوف من وقع الازمة المالية في انكلترا وسويسرا وفرنسا وايطاليا والولايات المتحدة على مدخرات اللبنانيين الى تعاظم الثقة في المستقبل والمصارف اللبنانية وقياداتها.

اللبنانيون المقيمون في الخارج بعد عناء العمل خارج لبنان ايام الحرب في لبنان 1975- 1990 كانوا يتوقون إلى الرجوع الى البلد ونقل أموالهم إليه وكانت آمالهم في المستقبل كبيرة وكانت لديهم ثقة بالحكم والحكام.

اليوم لا ثقة بالمصارف والى حد أكبر لا ثقة بالحكام ولا يجوز التعامل مع مدخرات اللبنانيين وكأنها ملك الحكام، وهؤلاء ستظهر ملكياتهم قريبًا، ونأمل قبل اقتطاع أي نسبة من الودائع.

الخاصية السابعة تتمثل في ان صعوبة توافر الدولار تعود الى التحويلات التي توافرت لقطاع الكهرباء والتي بلغت مع فوائدها على عشر سنين (من 2010 إلى2019) 52 في المئة من مجمل الدين العام والمسؤولية عن ذلك تعود الى وزراء الطاقة ما بين 2010 و2020.

الحل الناجع والناجح للازمة اللبنانية يستوجب تدفق استثمارت ملحوظة، لا الاعتماد على اقتراض تبدو فرص تحقيقه شبه معدومة، والاستثمار المهم لن يتأتى إلّا من هيئات تقنية حكومية أثبتت جديتها ونجاحها في البلدان المتطورة والبلدان المتوثبة مثل الصين في المقام الاول وكوريا الجنوبية. ولا يمكن التعويل على تدفقات من اللبنانيين أو الشركات التجارية الكبرى لان الثقة بالحكم والحكام وبمستقبل لبنان شبه معلقة إلى حين اكتشاف الغاز بعد سبع سنوات أي في 2027.

الصين تحوز احتياطاً نقدياً يفوق الـ1600 مليار دولار، والصين رصدت ما بين 160 و200 مليار دولار لتحقيق ما يسمى طريق الحرير، أي ربط دول الشرق الأقصى بدول الشرق الاوسط بالمصالح التي تتعلق بالنقل (سواء عبر المرافىء البحرية أو المطارات) أو حتى الدول المتقاربة جغرافيًا بواسطة الشبكات الكهربائية وقد اصبحت الصين منتجة للكهرباء اكثر بكثير من الولايات المتحدة.

خلاصنا يكون بمقاربة شركة “سيمنز” أو “هيونداي” لانجاز توسيع وتطوير شبكة الكهرباء لتساوي 3500 ميغاوات قبل انتهاء سنة 2020، واتفاق كهذا يزيد التجهيز البنيوي الذي نسعى إلى اقتراض مبالغ لتحقيقه بما يساوي 3-4 مليارات دولار لن تستحق قبل 20 سنة – أي بعد توقع تحقيق انتاج الغاز من مياهنا الاقليمية – والصينيون قادرون على تطوير مرفأ طرابلس، ومطار الرئيس رينيه معوض في القليعات، وانشاء جامعة متخصصة بعلوم الذكاء الاصطناعي وهم متقدمون في هذا الاختصاص- وتحقيق اتفاق مع مصرف لبنان على انجاز محطة انتاج كهربائية بواسطة الالواح الشمسية في أراضي المصرف في البقاع، وحينئذٍ ولأن الصين هي كبرى الدول المصدرة إلى لبنان، ولان لديها المصرف الأكبر عالميًا، يمكن تشجيعها على انشاء مصرف برأس مال مقداره مليارا دولار وحينئذٍ نكون قد توجهنا نحو الخلاص.

مروان اسكندر