أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تأييده التدقيق في حسابات مصرف لبنان من قِبَل خبراء بنك فرنسا من أجل دفع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
ولفت سلامة في مقابلة خاصة مع “عرب نيوز” – بالفرنسية، إلى أن “شركتين دوليّتين أجرتا تدقيقًا لحسابات مصرف لبنان منذ 1993، وتم إرسال التقارير الأخيرة لهذا التدقيق إلى صندوق النقد الدولي في بداية المفاوضات”، وتابع: لذلك من الضروري معرفة أن التدقيق الدولي موجود لتبديد أي شك حول الطريقة التي يُدار بها مصرف لبنان.
وبالنسبة إلى اقتراح أن يقوم بنك فرنسا بمراجعة حسابات مصرف لبنان، قال “نحن نرحّب به، فالقرار يعود إليه، لكننا على استعداد للترحيب بهؤلاء الخبراء عندما يرغبون في ذلك”.
وإذ شدد على “ضرورة التفاوض مع صندوق النقد الدولي”، أكد تأييده “تدخّل الصندوق في لبنان، حتى لو ادّعى البعض خلاف ذلك”. لكن خلال المفاوضات، اختلفت لجنة نيابية والحكومة حول تقديرات العجز العام، وتلك الخاصة بالمصرف المركزي والمصارف: من 60.000 إلى 241.000 مليار ليرة لبنانية (أي عشرات المليارات من الدولار الأميركي). ولاحقاً دعا صندوق النقد الدولي إلى إجراء تقييم واحد”.
وأوضح أن “النهج الذي اتبعناه يختلف عما هو في خطة الحكومة. والفارق أننا لم نعتبر من الضروري إجراء تخفيضات على مبالغ الديون التي هي بالليرة اللبنانية. كما أننا لم نأخذ في الاعتبار فروق أسعار الصرف. في الواقع، نصف الخسائر المنسوبة إلى البنك المركزي في خطة الحكومة تأتي من حقيقة أن مجلس الوزراء يغيّر سعر صرف الدولار من 1500 ليرة للدولار الواحد إلى 3500 ليرة، وهذه الخسارة هي التي لم نأخذها في الاعتبار. وبالتالي، فإن الاختلافات تعود إلى الافتراضات الأوّلية، ناهيك عن الفروقات المتعلقة بالديون المتعثّرة”.
وتابع: كان هدفنا تقليص الخسائر مع الحفاظ على الشفافية، ولكن قبل كل شيء كان تقليص القيود التي يتعيّن على اللبنانيين تحمّلها بسبب الإصلاحات التي استلزمتها الأزمة القائمة.
وعن سبب عدم قبول صندوق النقد الدولي بأرقام مصرف لبنان، قال سلامة: للصندوق مبادئه ومفاهيمه الخاصة. لكن على اللبنانيين أن يتفاوضوا الآن، لأن الهدف هو أن يكونوا قادرين على إيجاد مخرج للأزمة التي تتطلب دعماً دولياً للبنان. وذلك لن يتم بدون دعم صندوق النقد أو بدون اتفاق سياسي.
وفي المقلب الآخر، أكد سلامة رداً على سؤال، أن “البنك المركزي لم يأخذ أموالًا من المودِعين. بل قدّم مصرف لبنان قروضاً بالليرة اللبنانية وهي العملة التي يصدرها بنفسه”، وأوضح أن “جعل البنك المركزي مسؤولاً كقناة بين المودِعين والمصارف والدولة، ليس كلاماً واقعياً. نحن قادرون على طباعة الأوراق النقدية بالليرة اللبنانية، فلا داعي لاستخدام أموال المصارف”. وأضاف: للتذكير، فإن معظم الديون التي ندين بها للدولة هي بالليرة اللبنانية. قد تسألني أين ذهبت احتياطات البلاد من العملات الأجنبية على مدى السنوات الخمس الماضية، فقد أظهر الحساب الجاري عجزًا تراكميًا قدره 56 مليار دولار وكان عجز الميزانية 25 مليار دولار. هذا المبلغ الإجمالي البالغ 81 مليار دولار هو ثقب مالي في لبنان، لا يرتبط بالبنك المركزي إطلاقاً، لكنه يأتي من الواردات وأرقام العجز الحكومي.
وعن سبب عدم تنبيهه الحكومة إلى خطورة العجز، فيما كان يطمئن اللبنانيين مرات عدة، إلى أن لا داعي للقلق، قال سلامة “كل شيء كان على ما يرام في البنك المركزي. أنا شخصياً لم أتوقف عن المطالبة بالإصلاحات وتقليص العجز مع كل تدخل من قِبَلي. قلت إننا كنا في وضع نتحكّم فيه بالوضع النقدي، لكنني لم أطمئن أبدًا في شأن حالة المالية العامة. لقد كرّرت وأصرّيت على ضرورة معالجة الإصلاحات للحفاظ على الاستقرار النقدي. في مؤتمرات باريس 1 و2 و3، وكذلك في مؤتمر “سيدر” طالبت بإجراء إصلاحات.
نوايا مبيّتة… وذكّر سلامة بأن البنك المركزي أقرض الدولة “بموجب التزام قانوني”. وشرح قائلاً: ليس الأمر كما لو كنا نبحث عن استثمارات مع الدولة اللبنانية. في الواقع، تلزم المادة 91 من قانون النقد والتسليف، البنك المركزي بتمويل الحكومة عندما تطلب ذلك. في الموازنات التي صوتت عليها البرلمانات في 2018 أيضًا ، طُلب منا إقراض 6 مليارات دولار بالليرة اللبنانية بفائدة أقل بنسبة 1٪ من معدلات الفائدة الحالية. في عام 2019 ، سُنّ قانون آخر يطالب مصرف لبنان بإقراض 3.5 مليار دولار بالليرة اللبنانية أيضًا وبنسبة فائدة 1٪. أما بالنسبة إلى ميزانية 2020 ، فقد طالبنا القانون بسداد الفوائد التي نجمعها على المحفظة التي لدينا مع الدولة، وكذلك سداد تريليون ليرة لبنانية، أي 3 مليارات دولار. ليس عدلاً القول إن البنك المركزي وحاكمه رسما حياة ورديّة للبنانيين. أتساءل عما إذا كانت هناك بعض النوايا السيّئة وراء هذه الصورة التي يحاولون التمسك بها …”.
وعما إذا كان يتّهم أصحاب السلطة بهذه النوايا السيئة تجاهه، فقال إن ذلك “قد يكون بسبب السياسة المحلية أو لأسباب إيديولوجية أو الانتهازية”، لكنه كشف عن “تشويه الحقائق خلال الأشهر القليلة الماضية”.. وقد “فاجأه” ذلك حقًا.
وأوضح سلامة رداً على أنه “عند النظر إلى المعاملات التي نفذت بين المصارف والبنك المركزي، والأرقام بين 2017 وحزيران 2020، نرى أن البنك المركزي أصدر سيولة بالعملة الأجنبية للسوق، وقام بتحصيل العملات من المصارف. ستندهش عندما تجد أننا ضخينا عملة أكثر بكثير مما أخرجنا: 11.5 مليار”.
أموال المودِعين موجودة .. وعن حقيقة نفاد أموال المصارف، قال: حدثت صدمات متتالية ضغطت على البنوك وأثارت الذعر بين المودِعين ، بما في ذلك إغلاق البنوك في تشرين الأول لمدة شهر أثناء بدء الثورة. فتحوّل الاقتصاد اللبناني إلى “اقتصاد نقدي”. فقد الناس الثقة بالنظام. ثم جاء إعلان الحكومة أن الدولة غير قادرة على سداد آجال استحقاق ديونها السيادية على سندات الـ”يوروبوندز”. كنت شخصياً ضدّها وعبّرت عن ذلك رسمياً.
وعن شكوى الناس من تطبيق الـ”هيركات” حيث لا يستطيع المودِعون بالدولار سوى سحب مبلغ محدود من أموالهم بالليرة اللبنانية، بمعدل 3800 ليرة للدولار فيما سعر السوق السوداء يقارب 8000 ليرة، قال سلامة: السوق الذي يقرّر ذلك، وكذلك العميل. لا يوجد قانون يأخذ المال من الناس، والفرق حاسم. اليوم، من المؤكد أن هناك أسعارًا مختلفة لسعر صرف الدولار، لكن السعر الرسمي وكذلك السعر المفروض على الواردات وسعر السوق السوداء يختلف لأننا أصبحنا اقتصادًا نقديًا. مع كل هذه الأحداث، هناك ضغط معيّن.
أضاف: دمّر انفجار 4 آب العديد من المنازل وأصبح الناس بحاجة إلى السيولة، خصوصاً وأن التجار يقبلون بالدفع نقداً فقط. من هنا، لا يوجد قانون يقول ذلك، فما يقرّره السوق يختلف عما يفعله المشرّع.
وتابع: يفكّر مجلس الوزراء اليوم في إنشاء صندوق لجَمع عقارات الدولة (لتخفيف ديون الدولة) وإعطاء شهادات إيداع للبنك المركزي من هذا الصندوق، والذي سيكون قادرًا على تقليل الخسائر من دون زيادة الديون، وقد تخلق التناسق المطلوب لتنفيذ الخطة. الفكرة لا تزال حديثة، طرحها وزير المال للتَو.
اقتراب نهاية الدعم.. وكان مصدر مسؤول في مصرف لبنان كشف قبل أيام لـ”رويترز” أن مصرف لبنان “لا يمكنه الاستمرار في تقديم دعم للوقود والأدوية والقمح إلا لمدة ثلاثة أشهر”، وهنا قال سلامة: يبذل مصرف لبنان قصارى جهده في هذا الموضوع، لكنه لا يستطيع استخدام متطلبات احتياطي المصارف لتمويل التجارة. بمجرد وصولنا إلى عتبة هذه الاحتياطات، نضطر إلى وقف الدعم. لكننا في صدد إنشاء وسائل تمويل أخرى، سواء من خلال البنوك أو من خلال صندوق أنشأناه في الخارج، يسمّى Oxygen .
وأضاف: مصرف لبنان ليس هو الدولة التي يجب أن تتصرّف في هذه الحالة. لا يمكن إلقاء اللوم على البنك المركزي في كل شيء، وعلى ما يفعله بعد الواقعة. لقد حدّدنا ماهية الوضع في وقت مبكر كي يتخذ المسؤولون الإجراءات اللازمة.
ورداً على سؤال حول المبالغ الهائلة التي أخرجها المصرفيون والسياسيون من لبنان قبل 17 تشرين الأول، وعن احتمال استرجاعها، قال سلامة: سنصدر تعميماً في وقت قريب، لتمكين هؤلاء المودِعين وتشجيعهم على إعادة السيولة الكبيرة إلى البلاد من دون مصادرة أموالهم. اليوم هو سؤال أخلاقي وليس قانونياً لأنه نظام أفاد الجميع. في ظل الوضع المحزن الذي نجد أنفسنا فيه، يتعيّن على مصرف لبنان تمكين هؤلاء المودِعين الذين عن طريق إعادة تمويل الدولة من خلال الودائع الخارجية، يستطيعون خلق السيولة في القطاع المصرفي.
“دعوى ضدّ مَن يشوّه سمعتي”.. وأخيرًا، علّق سلامة على اتهامه من قِبَل البعض بالاستفادة من النظام لإثرائه الشخصي، فقال إنه كان يعيش في حالة جيدة قبل أن يصبح حاكماً لمصرف لبنان، إذ كان يتقاضى راتباً قدره 165 ألف دولار شهريًا في خلال عمله في بنك “ميريل لينش”. وأضاف: لقد عرضت كل الوثائق على شاشات التلفزة. وصلت إلى مصرف لبنان بثروة 23 مليون دولار، استثمرتها وحققت النتائج… وبما أنني أستطيع إثبات مصدر ثروتي، فهذا يكفي لإثبات أنني لا أسيء استغلال منصبي. في الواقع، لقد رفعت دعوى ضد مَن يشوّه سمعتي.
هل نهاية الأزمة قريبة؟ فاختصر سلامة الجواب بأنها “سياسية في الدرجة الأولى، فالتوترات الإقليمية هي التي تُحكم قبضتها على لبنان، وهناك حاجة إلى دعم دولي لخلق السيولة في البلاد. ليس لديّ أدنى شك في أن اللبنانيين سيتمكّنون من تدبير الأمور بعد ذلك”.