توالت توقعات كبرى مؤسسات الطاقة العالمية خلال الأسبوع الماضي حول إمكانية استقرار أسواق النفط، بعد الانتكاسة في الصناعة إثر جائحة (كوفيد – 19) وقد استهل وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان هذه التوقعات، في كلمته للجنة المراقبة الوزارية المشتركة لمجموعة «أوبك بلس» في اجتماعها عبر «الفيديو كونفرنس» الأسبوع الماضي، بقوله إن «الأشهر الثلاثة الأخيرة الماضية شهدت تحسنا كبيرا في أساسيات أسواق النفط العالمية، مما يؤكد أننا على الطريق الصحيح». وتابع: «استنادا إلى توقعات المؤسسات المختلفة، بما في ذلك منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية، فإن التقديرات تشير إلى أن العالم سيصل إلى نحو 97 في المائة من الطلب على النفط من مستويات الطلب ما قبل انتشار الوباء خلال الربع الرابع من العام الحالي».
كما أشار الأمير عبد العزيز بن سلمان إلى علامات أخرى إيجابية، مثل استمرار هبوط معدلات التخزين ومستوى مخزون النفط الخام البري أو العائم في الناقلات، وصولا إلى التعافي السريع في الطلب على المنتجات البترولية مثل البنزين والديزل في عدد كبير من دول العالم.
من جانبها، عزت وكالة الطاقة الدولية احتمال توازن الأسواق إلى استقرار تسجيل حالات «كوفيد – 19» المؤكدة حول العالم بمعدل 280 ألف حالة يوميا. وتضيف الوكالة أنه رغم أن هذا المعدل العالي من الحالات المؤكدة يفوق ما تم تسجيله في بداية تفشي الوباء، فإن استقرار هذا المعدل قد شجع العودة في كثير من دول العالم إلى الحياة الاعتيادية والانخراط في الأعمال اليومية، مع اتخاذ التدابير الوقائية الاحتياطية بقدر الإمكان من استعمال كمامات الوجه والتباعد الاجتماعي والفحوص الطبية اللازمة. كما أشارت الوكالة إلى الانخفاض الحاصل في الإمدادات، حيث سجل الإنتاج الأميركي في شهر مايو (أيار) الماضي نحو 10 ملايين برميل يوميا، مما يدل على انخفاض بنحو 3 ملايين برميل يوميا عنه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
وأشارت إدارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأميركية في الأسبوع الماضي إلى أن المخزون النفطي التجاري الأميركي قد انخفض قبل أسبوعين حوالي 1.63 مليون برميل ليسجل 512.45 مليون برميل، ليصبح فائض المخزون الأميركي 15 بالمائة أكثر من معدله للسنوات الخمس الماضية. وأشارت المعلومات الصادرة عن الشركات النفطية اليابانية، إلى أن اليابان قد استعادت 71.8 في المائة من طلب البلاد على النفط في منتصف شهر أغسطس (آب)، وأن هذا هو أعلى معدل للطلب الياباني منذ 16 أسبوعا.
وتدل معلومات دائرة أبحاث بنك ستاندرد تشارترد على أن «سوق النفط العالمية قريبة جدا من توازن العرض والطلب»، وأن الطلب في شهر أغسطس، ولأول مرة منذ 11 شهرا، قد فاق العرض بنحو 355 ألف برميل يوميا.
من الواضح مع عودة الأسواق إلى توازنها في هذه الفترة المبكرة، حيث لا تزال جائحة «كورونا» متفشية، أن هذا التطور لم يحدث بالصدفة. فهناك عوامل ثلاثة لعبت دورا أساسيا في سرعة التوصل إلى استقرار الأسواق. أولا: اتفاق منظمة أوبك مع دول مصدرة أخرى لتأسيس مجموعة «أوبك بلس»، حيث توسعت رقعة الدول المخفضة للإنتاج إلى 24 دولة بدلا من أقطار أوبك فقط. ثانيا: الالتزام الواسع بتعهدات التخفيض من قبل هذه الدول. ومحادثات رئيس منظمة أوبك مع الدول التي أنتجت أكثر من حصتها في بادئ الأمر، العراق ونيجيريا، والتوصل إلى حلول وسطى بأن تخفض هاتين الدولتين إنتاجهما في أشهر لاحقة لتعويض زيادتهما للإنتاج. ومن اللافت للنظر أن وسائل الإعلام التي تراقب جهود الدول المصدرة حول محاولات تخفيض الإنتاج لم تشكك بالأرقام الصادرة عن مجموعة «أوبك بلس»، الأمر الذي وفر مصداقية غير مسبوقة لمنظمة أوبك وحلفائها في «أوبك بلس». أخيرا: شكل تعاون السعودية وروسيا الوثيق، في الوصول إلى اتفاق تخفيض إنتاج مجموعة «أوبك بلس»، الدعامة الأساسية لنجاح الدول المصدرة. ومن المعروف أن هاتين الدولتين هما في نادي كبار المنتجين، لذا فإن تأثيرهما على الأسواق الدولية وعلى بقية المصدرين كبير ومهم لنجاح الاتفاق.
ورغم جميع هذا النجاح الذي تحقق حتى الآن، تبقى هناك تحديات مهمة خلال الأشهر المقبلة. والتحدي الأول: ما مدى انتشار (كوفيد – 19) والحاجة للانكفاء المنزلي ثانية؟ وما هو تأثير العودة إلى المدارس والجامعات خلال الشهرين المقبلين؟ وما هي سرعة إعادة آبار النفط الصخري الأميركي للإنتاج ثانية؟ وهل ستعود إلى طاقتها القصوى في القريب العاجل؟ ستلعب الأجوبة عن هذه الأسئلة دورا مهما في التأثير على الأسوأ. كما يجب توقع تغييرات في معدلات الأسعار لأسباب أخرى، جيوسياسية أو اقتصادية – صناعية، مما قد يؤدي إلى تباطؤ ارتفاع الأسعار أو حتى تراجعها عن مستواها الحالي الذي يتراوح ما بين 40 إلى 45 دولارا لبرميل نفط برنت.
وليد خدوري