تصورات إنقاذ لبنان من ازمته المالية والاقتصادية تكاثرت، وعدد من المسؤولين السابقين بينهم وزراء تقدموا باقتراحات يعتبرونها مجدية، وسنعرض اقتراحين انطفأ اولهما والثاني لا يحتاج الى تعليق.
الاقتراح الاول كان من زياد الحايك الخبير الذي اختير للإشراف على الخصخصة في لبنان منذ اوائل القرن الحادي والعشرين، وبعد 16 سنة اكتفى بإصدار كتيب عن اصول عمليات التخصيص، وعرض مع خبير فرنسي اللجوء الى اقناع المودعين بتحويل جزء من مدخراتهم للاستثمار في صندوق وطني تُحوّل الحكومة عليه معظم الموجودات بيد الدولة غير المستثمرة او المستثمرة في شكل خاطئ، وسقطت الفكرة استنادًا الى عدم ثقة اللبنانيين باي ادارة تنشأ من السياسيين.
الاقتراح الثاني أعلنه الوزير السابق ناصر السعيدي وخبير سويسري، وعنوانه “الثروة الذهبية غير المكتشفة في لبنان”، وهما اعتمدا منهجاً مماثلاً لاقتراحات الحايك والامر العجيب انهما لا يدركان صعوبة شمل موجودات الدولة غير المستغلة او غير المستثمرة بنجاح في هيئة واحدة يشرف على اختيار اعضاء مجلس ادارتها اسوأ عهد اصابت اضراره غالبية اللبنانيين. بالتأكيد ثمة اقتراحات افضل منهما، الامر الذي نعرضه في هذا المقال.
اصبح الوضع الاقتصادي والمالي مخيفا، والمطلوب من نحو 300 الف متضرر تأمين امكانات السكن لمنازلهم ومكاتبهم وتأمين رواتب موظفيهم.
السلطة المتحكمة بمصير اللبنانيين ترفض الاعتراف بان عجز الكهرباء مدى عشر سنين توالى فيها رؤساء واعضاء من “التيار الوطني الحر” على وزارة الطاقة، تآكل 40 مليار دولار، ومع فوائدها على مستوى 6 في المئة يبلغ حجم تآكل الاحتياط 65 مليار دولار برعاية الحكم واصراره على قبول مشاريع للكهرباء لم تنتج طاقة اضافية على الاطلاق، في حين ان طاقة المولدات الخاصة التي تستهلك اكثر من محطات توليد الكهرباء من المازوت ارتفعت الى 1600 ميغاواط مقابل 1200 ميغاواط متوافرة لمصلحة كهرباء لبنان مع تشغيل الباخرتين.
يضاف الى ذلك هدر كبير وخسارة فاقعة لم يتم الانتباه اليها. فالمصرف المركزي يعزز كتب اعتماد استيراد مشتقات النفط، ومن ثم تخزن المستوردات في منشآت النفط الخاضعة لوزارة الطاقة والتي تعيد توزيع المشتقات.
الامر المخيف ان خبراء المصرف المركزي لا يطّلعون على تسليمات المشتقات، وبحسب تقديرنا فان مليوني طن من المازوت على الاقل تسرّبا او هُرّبا الى سوريا من دون ان يحصل مصرف لبنان على اية مداخيل. وبحسب تقديرنا ايضا على اساس تكاليف الاستيراد، نخسر ملياري دولار من هذا التصدير غير الشرعي. وبالتالي اذا اعتبرنا ان هذه الممارسة جارية منذ عام 2011 وتأسيس شركة نفط من قبل ابن خال الرئيس السوري في لبنان، علينا اضافة الى الـ65 مليار دولار، ان نزيد فاتورة التهريب الجاري منذ 8 سنوات ما يعادل 6.4 مليارات دولار، فتكون خسارة لبنان من احتياطه مساوية لـ71 مليار دولار كانت تكفي لتجهيز عشرات الآلاف من ميغاواط الانتاج.
السلطة المتحكمة بالشأن اللبناني لا تعترف بهذه المسؤولية وتريد الاستمرار في السلطة. والاكيد ان الاستمرار في السلطة او إطالة ممارسة الوزارة المستقيلة مهماتها البسيطة، امر يؤكد افلاس لبنان، وهذه السلطة ستوجه الاتهام الى الحاكم رياض سلامة بالذات.
في نهاية عام 2005 وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان الوضع الاقتصادي مقبولا. وعام 2006 وعلى رغم خسائر لبنان المادية والبشرية، ساهمت بلدان الخليج في دعم الاحتياط لدى مصرف لبنان واعادة إعمار قرى بكاملها ومشاريع تضررت مثل تدمير 12 مبنى في الضاحية الجنوبية، وعام 2008 حينما برزت الازمة المالية العالمية، حوّل المغتربون اللبنانيون 24 مليار دولار من حساباتهم في الخارج فارتفعت الودائع المصرفية بنسبة 25 في المئة وحقق لبنان نمواً عام 2009 (لان التحويلات تحققت اواخر عام 2008) بلغت نسبته للمرة الاولى منذ عشرين سنة 9 في المئة. كل ذلك لان الثقة بالحكم كانت مستمرة.
اليوم قدرات المصارف على تأمين اموال المودعين شبه معدومة، وبرامج التنقيط المتبعة وان كانت مقررة من مصرف لبنان للحفاظ على ما تبقى من قطاع المصارف، تؤدي الى تضييق الدورة الاقتصادية من جهة والى ارتفاع معدلات الاسعار، وهنالك حاجة ملحة لتجاوز هذه الوضعية، والمؤسسة الوحيدة القادرة على ذلك هي المصرف المركزي.
الخطة المطلوبة
ان اسس هذه الخطة وضعها المصرفي المميز مكرم زكور ورئيس الاقتصاديين لدى بنك بيبلوس نسيب غبريل الذي هو اقتصادي جيد.
تفترض الخطة اقتراض لبنان بما يساوي قيمة نصف احتياطه الذهبي لمدة سنتين بفائدة لا تتجاوز 1.5 في المئة سنويًا.
يتوافر من هذه المنهجية نحو 10 مليارات دولار، واذا كان الحكم يتقبل اصلاح وزارة الطاقة في شكل جذري، يصبح بالامكان اقتراض 10 مليارات من صندوق النقد الدولي، فتتوافر قدرات مالية تسمح بالتحرك المفيد الذي يؤدي الى نمو على مستوى 5 في المئة سنويًا.
واذا لم نحصل على قرض من صندوق النقد الدولي نستطيع تخصيص خدمات الهاتف الخليوي بشروط تؤمن ملياري دولار، وقد انجز نائب رئيس الوزراء سابقًا دراسة عن هذا الموضوع آمل تلخيصها في وقت قريب.
كذلك يمكن تخصيص 40 في المئة من مصلحة التبغ والتنباك، والتي قد تؤدي الى توافر مليار دولار بعد السماح بزراعة الحشيشة وتصنيعها وهذا ما حدث في كندا.
اخيرًا، أنجز فريق شبابي دراسة حول الحاجة لانتاج الكهرباء من حقول الالواح الزجاجية، ووجدوا ان من الممكن توليد 400 ميغاواط من حقل في البقاع يقع في املاك المصرف المركزي.
اضافة الى الخطوات المذكورة، يمكن تحفيز البنك الصيني التابع للدولة والبنك الاكبر دوليًا، على افتتاح فرع اساسي له في لبنان، خصوصا ان تجارتنا مع الصين تفوق أي تجارة اخرى مع بلد آخر وتبلغ 1.5-1.6 مليار دولار سنويًا، وبالإمكان تشجيع البنك الصيني عبر مباحثتهم في تملّك بعض البنوك ذات الاوضاع المقبولة، وتوفير سيولة ترسملية توازي 3-4 مليارات دولار. هذا الاقتراح تقدمتُ به شخصيا.
هذا هو البرنامج الذي اقترحه واتمنى السير به من قِبل مصرف لبنان اوعبر تعاونه مع هيئات دولية خاصة منها السوق الاوروبية حيث التعامل مع الصين مقبول من دون اعتراض.
ان من يمسك بطرف الحلول الثلاثة هو حاكم مصرف لبنان شرط ان يقر الحكم بان الهدر في وزارة الطاقة سيتوقف وان اصلاح قطاع الكهرباء سيصبح من مسؤولية إما شركة “سيمنز” الالمانية وإما شركة كهرباء فرنسا، شرط ان تكون الادارة في ايدي الشركتين او اكثر لان وضع وزارة الطاقة ومكاتب كهرباء لبنان اصبح مزريا، وحينئذٍ يمكن اضافة 10 مليارات دولارات من صندوق النقد الدولي الى حصيلة المبادرات الثلاث، فلا يعود هنالك خوف من العجز عن ايفاء القرض المضمون بقسم من احتياط الذهب.
د. مروان اسكندر