على الرغم من خطة التعافي السريع التي بدأت في مايو (أيار) الماضي، لا يزال اقتصاد الولايات المتحدة في حالة مزرية. ويقدر خبراء الاقتصاد لدى مؤسسة «غولدمان ساكس» انخفاض الإنفاق الاستهلاكي الأميركي بواقع 4.3 نقطة مئوية عند المقارنة بمستويات ما قبل انتشار الفيروس. وبلغ تعداد العاطلين عن العمل أكثر من 13.5 مليون مواطن، مع معدل البطالة المستقر عند مستوى 8.4 نقطة مئوية، وهو أكثر من ضعف المعدل المسجل في فبراير (شباط) من العام الجاري.
كان الانتعاش الاقتصادي أكثر قوة وثباتاً مما توقعه العديد من خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال. غير أن انقضاء أحكام قانون الإغاثة الاقتصادية بمبلغ 1.8 تريليون دولار الذي جرى تمريره في مارس (آذار) من العام الجاري – بما في ذلك خطة إعانات البطالة الموسعة، والمدفوعات المباشرة للأسر المتضررة، والإعانات المالية المقدمة إلى الشركات من أجل استبقاء العمالة قيد جداول الرواتب – أدى كل ذلك إلى تباطؤ شديد في الانتعاش الاقتصادي. وبرغم ذلك، أضاف الاقتصاد الأميركي 1.4 مليون وظيفة جديدة على نحو مثير للذهول في أغسطس (آب) الماضي. لكنه قد أضاف ضعف عدد الوظائف المسجلة في مايو (أيار)، ونحو 3.5 ضعف الوظائف في يونيو (حزيران) خلال المرحلة الأولى من خطة الانتعاش الاقتصادي بعد الانهيار الثقيل في مارس وأبريل الماضيين. ولقد حقق الإنفاق الاستهلاكي نمواً بواقع 1.6 نقطة مئوية في يوليو (تموز) الماضي، مقارنة بما هو مسجل في يونيو (حزيران) الماضي. بيد أن المكاسب الشهرية في يونيو كانت بنسبة 5.7 نقطة مئوية، وسجلت المكاسب في مايو نسبة 8.4 نقطة مئوية.
ومن شأن التوسع أن يستمر من دون الحاجة إلى مزيد من إنفاق الإغاثة الفيدرالية، لكن من المتوقع أن يواجه الاقتصاد الأميركي رياحاً معاكسة شديدة في فصل الخريف المقبل.
ومن شأن موسم نزلات البرد والإنفلونزا أن يقلل من فورة النشاط الاقتصادي من خلال لزوم المواطنين منازلهم ممن يشعرون بالمرض، لا سيما إن كانوا غير متأكدين إن كانوا قد أصيبوا بعدوى فيروس كورونا المستجد من عدمه. ويمكن لطقس الشتاء البارد أن يؤدي إلى إعادة افتتاح المدارس، ما قد يسفر عن سرعة انتشار الفيروس والإقلال من النشاط الاقتصادي تبعاً لذلك. يقدر خبراء الاقتصاد في مؤسسة غولدمان ساكس أن تكون الصادرات الأميركية أقل بنسبة 7 في المائة عن مستواها المسجل قبل انتشار الوباء. ومن شأن عودة ظهور الفيروس في الخارج، تماماً كما بدا بالفعل في أوروبا، أن يقلل من حجم الصادرات عما هي عليه الآن.
بيد أن السياسات الحزبية المتعارضة مع الممانعة الانعكاسية ضد الإنفاق التحفيزي من أجل إنعاش الاقتصاد الأميركي، من شأنها إطالة فترة الانكماش الاقتصادي في البلاد وإلحاق مزيد من الأضرار بالعمال، والعائلات، والشركات الصغيرة.
فلدى كونغرس الولايات المتحدة جدول أعمال منشغل للغاية على أقل وصف ممكن. لقد أتى فيروس كورونا المستجد على أرواح 200 ألف مواطن حتى الآن، ومن المتوقع أن يواصل الفيروس انتشاره المخيف خلال فصلي الخريف والشتاء المقبلين. ويتأهب أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب لخوض انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الجاري. ومن المحتمل أن يُطلب من مجلس الشيوخ الموافقة على المرشح التالي للمحكمة العليا من قبل الرئيس دونالد ترمب. فضلاً عن اقتراب انتهاء التمويل الفيدرالي اللازم لمواصلة الحكومة الفيدرالية عملها في وقت لاحق من الشهر الجاري. ناهيكم عن العمال، والعائلات، والشركات، والأعمال المتعثرة التي هي في حاجة إلى الكونغرس من أجل تمرير حزمة جديدة من تشريعات التعافي الاقتصادي ذات الأهمية.
يتفهم بعض من أعضاء الكونغرس تلك الحاجات الملحة ويحاولون كسر حالة التنافر السياسي الراهنة. وأصدرت مجموعة تضم 25 عضواً ديمقراطياً و25 عضواً جمهورياً من أعضاء مجلس النواب إطاراً مشتركاً للجولة الرابعة من تدابير الإغاثة التي تستند إلى الجولات الثلاث الأولى، والتي جرى تفعيلها خلال فصل الربيع الماضي. ويعد هؤلاء الأعضاء جزءاً من مجموعة حل المشكلات، في حين تبلغ القيمة الإجمالية لخطتهم المشتركة 1.5 تريليون دولار، وهو رقم لا بد أن يحوز على القبول السياسي لدى كلا الحزبين الكبيرين ولدى البيت الأبيض كذلك.
لا يزال الاقتصاد الأميركي في هوة عميقة، وعودة الاقتصاد الأميركي إلى الأوضاع الأولى المسجلة في الربع الفصلي الأخير من عام 2019 سوف يستلزم نمواً قوياً في الربع الفصلي الحالي بواقع 54 في المائة. وتتراوح أكثر التوقعات تفاؤلاً بأن يبلغ النمو الاقتصادي للربع الفصلي الحالي ما بين 30 إلى 35 نقطة مئوية على أساس سنوي.
مايكل سترين.