أن يرتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، أمرٌ متوقع ما أن يرفع المصرف المركزي الدعم عن المحروقات والقمح والأدوية، الّا انّ بَدء تحرّك الدولار منذ نحو أسبوعين في منحى تصاعدي يُنذر بالأسوأ، خصوصاً انّ الدعم لا يزال سارياً، فماذا تخبّئ لنا الاسابيع المقبلة مع رفع الدعم؟ وهل من سقوف لسعر الدولار؟
كشفت دراسة أعدّها المتخصّص في عمليات الصيرفة والاستثمار عمر تامو، بالاستناد الى الأرقام الصادرة عن مصرف لبنان، عن ضَخ المركزي منذ بداية العام حتى مطلع شهر تشرين الاول الحالي مبلغ 13 ألف و180 مليار و140 مليون ليرة، بما يشكّل زيادة لكتلة النقد بالليرة بنسبة 125 %. وبلغ حجم الاموال المتداولة خارج مصرف لبنان (أي التي طبعها المركزي) حتى مطلع شهر تشرين الاول 2020 نحو 23 ألفاً و700 مليار ليرة، في حين كانت الكتلة النقدية المتداولة بالليرة مطلع العام 2019 نحو 5860 مليار ليرة أي بزيادة نحو 300 %، وهذا ما يفسّر كيف انّ طباعة الليرة وضَخّها بالسوق يؤثران سلباً على سعر الصرف.
في السياق، شرح تامو لـ”الجمهورية” انّ المركزي يطبع الليرات ويضخّها في السوق، في حين انّ الكتلة النقدية بالدولار لا تزال هي نفسها ولم يقابلها دخول دولارات جديدة الى لبنان يُعادل الطلب المتزايد على هذه العملة الصعبة، وهذا ما يفسّر التدهور المستمر في سعر صرف الليرة اللبنانية. فالليرة التي يطبعها المركزي لا يوجد في مقابلها أي عملة اجنبية أو ذَهَب يحميها ويحافظ على قيمتها.
تابع: انّ ضَخ الليرة بهذه الكميات في بلد يعتمد بشكل اساسي على الاستيراد يؤثر سلباً على قيمتها، بحيث كلما زادت كميتها في السوق كلما قَلّت قيمتها. فالمشهد مُشابه لسلة مليئة بالليرات اللبنانية باتت تتوازن اليوم مع سلعة غذائية واحدة، في حين كانت تتوازن في الماضي مع سلة استهلاكية كاملة.
وأوضح تامو انّ هناك سببين رئيسيين وراء ازدياد الكتلة النقدية في السوق، هما:
– تحوّل اقتصادنا الى cash economy والحاجة الدائمة الى التعامل بالنقدي، عازياً ذلك الى عدة اسباب أبرزها: تراجع الثقة بالمصارف اللبنانية، والتي دفعت المودعين الى سحب أموالهم من المصارف نقداً خوفاً من فقدانها، بعض تعاميم مصرف لبنان منها الذي أجاز سحب الدولار على سعر 3900 ليرة، بما يعني انه بدل ان تساوي الـ100 دولار 150 ألفاً باتت تساوي 390,000 ألف ليرة، اي هناك حاجة لطباعة المزيد من الاوراق النقدية لتغطية هذا الفارق لتمويل السحوبات.
– إحتساب الدولار اثناء السحوبات النقدية بـ3900 ليرة، في حين يحتسب 1500 ليرة عند الدفع بالبطاقة الائتمانية ما يشكّل خسارة للمودِع. وبالتالي، حتى لو كان المودع يفضّل استعمال البطاقة، فإنه باتَ مُجبراً على استبدالها بالنقدي. كذلك، كان التجار يدفعون في السابق ثمن البضاعة بِغَرض الاستيراد بواسطة البطاقة المصرفية، امّا اليوم فهم مُجبرون على الحصول على الاموال نقداً من المصارف لأخذها الى الصراف وشراء الدولار.
إرتفاع الدولار قبل الدعم؟
وعن تفسيره لارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة في السوق الموازي في الفترة الاخيرة، من حوالى 7200 ليرة الى 8600 ليرة، في حين كان من المتوقع ان يبدأ الدولار مَنحاه التصاعدي بعد رفع المصرف المركزي الدعم؟ يقول تامو: انّ الثقة بالعملة تؤدي دورا اساسيا في سعر الصرف. فاللبنانيون عقدوا آمالاً على قُرب تشكيل الحكومة بدعم أجنبي ومساعدات خارجية بالعملة الاجنبية وتحسّن الوضع الاقتصادي، لكنّ تعثّر التشكيل رغم التدخلات الاجنبية كان له أثر سلبي على سِعر الصرف، يُضاف الى ذلك كل ما يتم تداوله عن توجّه المصرف المركزي الى رفع الدعم على السلع الاساسية، فتدهور سعر الصرف لن ينتظر الى اليوم الذي سيرفع فيه الدعم. وفي هذا الجو السلبي الكلّ بدأ يحتاط من الأسوأ، فالمواطنون لن ينتظروا رفع الدعم لشراء الدولار، وهذا حقّهم، فهم يرون الدولار ملاذاً او خلاصاً في المرحلة السيئة المقبلة، لا سيما انّ كل الاشارات مصرفياً ومالياً واقتصادياً وسياسياً سلبية، الى جانب استمرار ضَخ الليرة في السوق.
مساران: الانهيار أو التحسن
في التوقعات للمرحلة المقبلة هناك مساران: الاول سيئ يُسرّع الانهيار، والثاني ايجابي قد يجمّد الوضع قبل ان يحسّنه، فما العوامل التي قد تؤدي دوراً محرّكاً في أحد هذين الاتجاهين؟
يقول تامو: لا شك انّ رفع الدعم من دون اي خطة إنقاذية سيسرّع من الانهيار لأنه سيدفع بكل التجّار للتوجّه نحو السوق الموازي لشراء الدولار ما سيزيد الطلب عليه بشكل مخيف، وعندها سيزداد الضغط على قيمة العملة اللبنانية، حيث لا سقف لارتفاع الدولار.
في المقابل، إنّ تحسّن سعر الليرة مقابل الدولار يتطلب أوّلاً تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن يكون على رأس اولوياتها الاصلاح وتحريك العجلة الاقتصادية. هذه الخطوة تحسّن نفسية اللبناني وتجمّد ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة، وإذا استكمل هذا المنحى الايجابي بموافقة صندوق النقد الدولي على خطة إنقاذية يضخ على أثرها دولارات جديدة في السوق، الى جانب السير بإصلاحات سيدر التي من المتوقع ايضاً ان تضخّ عملات اجنبية في السوق واستثمارات مع ما ستوفّره من فرَص عمل… كل هذه العوامل الايجابية ستؤدي الى تحسن سعر الصرف. لكن الى اي حد يمكن ان يتحسن فيه سعر الصرف؟ يقول تامو: انّ خطة لازار حددت سعر الصرف بـ 3500 ليرة على ان يرتقع الى 4000 ليرة لاحقاً، لكن حتى الآن لا يمكن معرفة قيمة العملة لأننا لا نعلم بعد حجم الخسائر الاقتصادية ولا حجم خسائر مصرف لبنان والمصارف، مع التأكيد انّ هذه الخسائر زادت بعد انفجار مرفأ بيروت وبعد تداعيات جائحة كورونا، كما من غير المعلوم بعد أيّ نوع صرف سيعتمد، أي هل سيتم تثبيت العملة او تركها ضمن هامش متحرّك.
ايفا ابي حيدر.