عام على 17 تشرين: الفقر ينتشر والإقتصاد من الأزمة الى الفاجعة

مَرّ عام على انفجار الأزمة المالية والاقتصادية التي قلبت الوضع رأساً على عقب، وفاجأت حتى المعنيّين والمسؤولين المباشرين وغير المباشرين عنها. سقط النظام المصرفي القائم على التحويلات المالية من الخارج بسرعة أكبر من المتوقع، فاضطّر الى احتجاز دولارات مودِعيه بسبب فقدانه السيولة بالعملة الاجنبية، وتحوّل الاقتصاد اللبناني الى اقتصاد نقدي يعتمد فقط على السيولة النقدية لإتمام المعاملات التجارية. آخر الإبداعات: ليرة بنكية Bira على غرار الدولار البنكي Lollar.

منذ 17 تشرين الاول 2019 ولغاية اليوم، يشهد لبنان انهياراً اقتصادياً مُتسارعاً أدّى الى زيادة حدّة الانكماش الاقتصادي من 7 في المئة الى 30 في المئة، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي من 52 مليار دولار في العام 2019 إلى 31 مليار دولار في العام 2020، وارتفع معدل التضخّم في مؤشر أسعار المستهلك الى 91.3 في المئة مقارنة مع 2.9 في المئة في 2019.

وقد استُنِزف احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية بالكامل بسبب مواصلة سياسة دعم استيراد السلع الاساسية على سعر الصرف الرسمي، ما أدّى الى تراجع اصول البنك المركزي من العملات الاجنبية الى حدود الاحتياطي الالزامي للمصارف عن 17.5 مليار دولار مقارنة مع 30 مليار دولار في 2019. وارتفعت نسبة الدين العام من الناتج المحلي الاجمالي الى 181 في المئة في 2020 مقارنة مع 177 في المئة في 2019، وذلك ليس بسبب استدامة الدين العام بل نتيجة تخلّف لبنان عن سداد ديونه الخارجية في آذار 2020 وتوقفه عن دفع سندات اليوروبوندز.

الانهيار الأبرز والأهم الذي نتج عن انفجار الأزمة، كان تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار بنسبة فاقت الـ 70 في المئة، ليصل في بعض الفترات الى حدود الـ10 آلاف ليرة مقابل الدولار ويتراجع الى حوالى 8000 ليرة حالياً، في حين ارتفع معدل التضخم السنوي الى مستويات قياسية عند 450 في المئة، ووضع لبنان في المرتبة الثانية عالمياً بعد فنزويلا.

في النتيجة، انهارت القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، وتضاعفت نسبة الفقراء لتصل إلى 55 في المئة في العام 2020 مقارنة مع 28 في المئة العام 2019، وارتفعت نسبة الذين يعانون الفقر المدقِع ثلاثة أضعاف، من 8 إلى 23 في المئة.

وفي ظل الابقاء على سعر الصرف الرسمي عند 1507 ليرة مقابل الدولار في القطاع المصرفي، أدّى الوضع المالي والنقدي المُزري الى وجود أسعار صرف مختلفة في السوق بالاضافة الى السعر الرسمي، وهي: سعر المنصة التي يحدده مصرف لبنان عند 3900 ليرة، سعر السوق السوداء عند 8000 ليرة حالياً، سعر شراء شيكات الدولار عند 3000 ليرة. كما بات هناك قيد التداول في السوق 4 عملات، هي: الدولار الحقيقي النقدي fresh dollar، الدولار الوهمي المُحتجز في المصارف (lollar)، الليرة الحقيقية النقدية، والليرة المحتجزة في المصارف (Bira/bank lira) والمستحدثة مؤخراً بعد ان قيّد مصرف لبنان السحوبات النقدية بالليرة اللبنانية ووضع سقوفاً لسحوبات المصارف النقدية بالليرة من المصرف المركزي.

ورغم تأكيد البنك المركزي على أنّ هذا النوع من التدابير هو بطبيعته إجراء موقّت تفرضه أوضاع استثنائية، وتلجأ اليه المصارف المركزية في العالم لمكافحة التضخّم والارتفاع المفرط في أسعار السلع والخدمات، من دون التقصير في تلبية مجمل حاجات السوق المحلي الى السيولة، إلّا انّ شح السيولة بالليرة في السوق في ظلّ شح السيولة بالدولار أيضاً وارتفاع الطلب عليه سيؤدي الى مزيد من الانكماش الاقتصادي لأنه سيعطّل الدورة الاقتصادية ويقلّص الاستيراد بنسبة اكبر من التي بلغها عند 50 في المئة مقارنة بالعام الماضي، وفي النتيجة سيخفّض من حجم الاستهلاك.

في هذا الاطار، وصف وزير الاقتصاد السابق سامي حداد الاجراء الذي اتخذه مصرف لبنان، عبر تقييد السحوبات النقدية، بـ«التعيس جدّاً والقصير الاجل»، لافتاً الى انّ الهدف منه هو الحفاظ على سعر صرف الليرة مقابل الدولار بصورة اصطناعية. وأوضح لـ«الجمهورية» انه سينتج عن هذا الاجراء مزيد من التدهور في النشاط الاقتصادي، «وبدلاً من تحفيز الاقتصاد وتنشيطه، فإنّ تقييد السحوبات بالليرة سيؤدّي الى مزيد من الانكماش»، معتبراً انّ هذه الاجراءات بعيدة جداً من أفق الحلّ المتمثّل بتَدفّق مليارات الدولارت الى لبنان وذلك من خلال التوصّل الى اتفاق على برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي.

من جهته، أكد الخبير المالي وليد أبو سليمان لـ«الجمهورية» انّ الهدف من تقييد السحوبات النقدية بالليرة هو لجم الاستهلاك المحلي، وتقليص حجم الاستيراد، ومنع خروج المزيد من الدولارات الى الخارج، والحفاظ على ما تبقى من احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية لفترة اكبر، موضحاً انّ تقييد السحوبات بالليرة جاء بالتوازي مع طلب مصرف لبنان من مستوردي السلع المدعومة تسديد قيمة فواتير الاستيراد بالليرة نقداً، ما سيؤدي بطبيعة الحال الى شح ٍفي المواد الاستهلاكية وفقدان السلع من السوق بشكل اكبر من الحاصل اليوم، والى مزيد من الانكماش الاقتصادي.

وأشار ابو سليمان الى انه نتيجة ذلك، سيصبح هناك ليرات مكّدسة في المصارف وfresh ليرة، «وقد بدأ بيع وشراء الشيكات المصرفية بالليرة مقابل ليرة نقدية بسعر يتراوح بين 10 الى 15 في المئة من قيمتها الفعلية». وأكد انّ دولارات المنازل ستبقى مخزّنة ولن يتم استخدامها، بغضّ النظر عن أي سقوف يتمّ تحديدها للسحوبات النقدية بالليرة.

رنى سعرتي.

عن خرافة السفينة الواحدة

شاع في بدايات أزمة «كورونا» أن الجائحة قد ساوت بين الناس في تعرّضهم لمخاطرها، وأن موبقاتها التي اجتاحت العالم لم تفرّق بين أغنى الدول وأفقرها، فعطلت الحياة في أكثر المدن ثراءً وأشد القرى فقراً. وانتشرت مقولة بأن الإعصار قد طال ركاب سفينة العالم من دون تمييز، وعلى الرغم مما في هذه المقولة من تهافت لتجاهلها حقائق التفاوت بين الناس من حيث الدخول والثروات والفرص والإمكانيات، فإنها انتشرت انتشار الوباء نفسه.
وتكمن خطورة مثل هذه المقولات المرسلة، متباينة البواعث والأغراض والنيات، في أن يتلقفها البعض فيوجّهون بها سياسات وموارد في غير وجهتها الواجبة، كما حدث من قبل في أزمات سابقة تسللت، في ظل الارتباك والصدمة، بمقولات مماثلة بعواقب وخيمة الآثار. وليست الأزمة المالية العالمية عنا ببعيد، حيث استفاد من حزم الإنقاذ الممولة من دافعي الضرائب أو بديون تحملها عموم الناس، مؤسساتٌ مالية وشركات كان بعضها شريكاً في صنع الأزمة بين جشع وتلاعب، فاختصمت من موازنات الدول مخصصات كان الأولى بها أن توجَّه إلى التعليم والرعاية الصحية ونظم الضمان الاجتماعي ومشروعات البنية الأساسية.
وللتذكرة، فإن أزمة الجائحة قد جاءت على عالم يعاني من هشاشة في اقتصاده، وأزمة ثقة سياسية بين أطرافه، وتوتر جيوسياسي وصراعات وحروب شهدها بعض أقاليمه من خلال حروب الوكالة وبتأجيج الفتن العنصرية والطائفية. كما تجاهل بعض قادة هذا العالم الأخطار المهددة لبقائه بتدهور مقومات المناخ والبيئة، غاضّين الطرف عن شواهد وأدلة علمية عن أثر هذا كله على الحياة بشح المياه ونقصان الغذاء، ومدى صمود المدن الساحلية خصوصاً في الدول النامية بارتفاع مستويات البحار والمحيطات، ناهيك باندثار جزر بأكملها.
ويبدو أن مروّجي مقولة السفينة الواحدة تناسوا أن 26 شخصاً فقط يستحوذون على نصف ثروات سكان العالم، وأن أكثر من ثلثي سكان العالم يعيشون في اقتصادات تزايدت فيها مؤشرات عدم العدالة في توزيع الدخل، وأن المؤشرات متعددة الأبعاد للفقر وفرص التنمية ازدادت سوءاً عند الأخذ في الاعتبار عناصر الجنس واللون والنوع الاجتماعي والأصول الاجتماعية والانتماء العرقي. وفي حين يجدر النظر إيجابياً إلى ما يمكن أن تُحدثه تكنولوجيا المعلومات من وثبات نوعية في حياة البشر من حيث التعلم واكتساب المهارات والمنافسة في الأسواق، فإن غياب خدمات الإنترنت عن 40% من البشر، والافتقار إلى النوعية فائقة السرعة عن نسبة أكبر، ينذر بتكريس وجه جديد من عدم العدالة بالحرمان من اكتساب المعارف وخدمات الشمول المالي والتجارة الإلكترونية والعمل.
وقد غاب عن أنصار مقولة السفينة الواحدة أنه من الإرشادات الصحية المتفق عليها للوقاية من الوباء هي غسل الأيدي والتباعد الاجتماعي، ولكن أنَّى للمحرومين من المياه النقية البالغ عددهم 2.2 مليار إنسان الالتزام بهذه التوصية، وضِعف عددهم محروم من خدمات المرافق الصحية ودورات المياه، وهم إنْ مرضوا سيواجَهون بحقيقة أن 25% من مراكز الرعاية الصحية المكدسة المخصصة لهم تفتقر إلى خدمات المياه الأساسية، وتلكم الأرقام مذكورة بتقارير صادرة قبيل الأزمة عن الأمم المتحدة و«يونيسيف» ومنظمة الصحة العالمية؟
ولا أحسب أصحاب مقولة السفينة الواحدة على دراية بأن أرقام من يعانون الفقر المدقع قد زادت لأول مرة منذ عام 1998 بمائة مليون إنسان دفعة واحدة، وفقاً لتقرير صادر عن البنك الدولي. ولعلهم لم يطّلعوا على التقارير المتوالية الصادرة عن منظمة العمل الدولية التي حددت خسارة سوق العمل ما يقترب من 500 مليون عامل فقدوا وظائفهم في القطاعات الرسمية المسجلة وأضعاف هذا الرقم في القطاع غير الرسمي.
ربما ضلّ أصحاب شعار السفينة الواحدة وهم يرون الناس في أمواج هائجة لعاصفة الجائحة فحسبوا أنْ لا فرق هناك بين ركاب سفن متينة الأركان، وأصحاب يخوت فاخرة سريعة المراوغة، وجموع من عموم الناس تتكدس في مراكب تميد بهم، وآخرين يتعلقون بحطام خشية الغرق.
حذّر من هذا الالتباس وتداعياته الأمينُ العام للأمم المتحدة في كلمته بمناسبة ذكرى الزعيم الأفريقي مانديلا في شهر يوليو (تموز) الماضي، داعياً إلى التعاون من أجل تخفيف وطأة آثار الجائحة على الأكثر تضرراً. هؤلاء الذين ستستمر معاناتهم من أزمة «كورونا» اقتصادياً حتى بعد احتوائها المنشود صحياً بافتراض توفير لقاح ناجع تصنيعاً وتوزيعاً، بعد اعتماده رسمياً، بما يحتاج إليه ذلك من تجسير فجوة تمويل تبلغ 34 مليار دولار لآلية تديرها منظمة الصحة العالمية التي تتابع تطوير 9 أنواع من اللقاحات الواعدة.
لا ينبغي أن تضل بنا خرافات السفينة الواحدة عما يعانيه عموم الناس من تهديد لحياتهم ولأسباب معيشتهم، خصوصاً مع استمرار لركود اقتصادي مصاحَب بتزايد احتمالات أزمة مالية، لن تمنعها مسكنات تسويف إرجاء أقساط الديون، رغم أهميتها في الأجَل القصير الذي لا يحتمل مزيداً من الآلام بتوجيه الموارد المحدودة للدول لسداد أقساط دائنين يتحملون الانتظار إلى حين. ولكن المسيرة المطلوبة لسداد الديون يعوقها تراجع النمو وزيادة البطالة واستمرار عدادات احتساب الفوائد المتراكمة على المتعثرين في ظل تجاوز المديونية العالمية رقم 300 تريليون لهذا العام، ارتفاعاً من 285 تريليون في ربعه الأول مع انكماش في الاقتصاد الدولي بمقدار 5%، بما يجعل التخلف عن سداد الديون أكثر احتمالاً لدول عالية المديونية، وشركات متعثرة، فضلاً عن الأفراد من القطاع العائلي الذي توسع في اقتراضه أيضاً.
في هذه الأثناء، ستتراجع المساعدات الإنمائية الدولية. فحتى إذا افترضنا أن الدول المانحة للمساعدات ستحافظ على نسبة المساعدات المقدمة لدخولها كما كانت في العام الماضي، فانخفاض دخولها بسبب الجائحة سيترتب عليه تخفيض هذه المساعدات بنحو 8% عن العام الماضي بما يقترب من 14 مليار دولار.
وفي الوقت الذي تنخفض فيه الاستثمارات الأجنبية بمقدار 40% وتحويلات العاملين بالخارج بنحو 20% عن العام الماضي، تستمر مهزلة تدفق الأموال غير المشروعة من الدول النامية بلا أي اعتبار لقانون محلي أو دولي، أو مواثيق مانعة لتهريب الأموال وغسلها أو اكتراث بأسس أخلاقية باستمرار فاحش في نهب الأموال باستخدام ألاعيب محاسبية في التهرب الضريبي والجمركي بما قدّرته منظمة «الأنكتاد»، في تقريرها الصادر الأسبوع الماضي، بنحو 90 مليار دولار سنوياً في حالة أفريقيا وحدها تكفي لتغطية نصف احتياجات القارة لتمويل أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك احتياجات التعليم والصحة والبنية الأساسية، من مواردها الأصيلة.
إن دعاوى أصحاب مقولة السفينة الواحدة، وزعمهم عما سبّبه الوباء من ديمقراطية في انتشار المرض ومساواة في مواجهة مخاطره، لا تباريها في ترويج الخرافات إلا الادعاءات بالاتفاق العام على حتمية العمل على العودة إلى أوضاع اقتصادية واجتماعية، كشف الوباء عن مدى تعاستها، لما كانت عليه.
د. محمود محي الدين.

أزمة لبنان المالية – شرطان لصندوق النقد: الدعم وسعر الصرف

إعتبر كبير الاقتصاديين في «معهد التمويل الدولي» غربيس ايراديان، انّ لبنان سيتوصل الى اتفاق حول برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي عاجلاً أم آجلاً، لانّه الخلاص الوحيد لأي حكومة جديدة، مهما كان شكلها أو لونها. موضحاً انّ صندوق النقد الدولي سيشترط رفع الدعم عن المحروقات، وتوحيد سعر صرف العملة المحلية، الذي رجّح ان يبلغ أقلّ من 6000 ليرة مقابل الدولار، في حال تمّ تنفيذ الاصلاحات المطلوبة، وحصل لبنان على الدعم المالي من المجتمع الدولي.

أكّد «معهد التمويل الدولي» في أحدث تقرير له، امكانية ان يصنّف لبنان كدولة فاشلة، في ظلّ غياب الإصلاحات السياسية والاقتصادية، لافتاً الى انّ الانفجار الهائل الذي حصل في مرفأ بيروت، بالاضافة الى الشلل السياسي أدّيا الى تعميق نسبة الانكماش في الاقتصاد إلى 26.6 في المئة لهذا العام، مقارنة مع 6.8 في المئة في 2019 و 1.9 في المئة في 2018.

واوضح انّ الانكماش الكبير في الإنتاج والانخفاض الهائل في سعر صرف العملة المحلية في السوق السوداء، سيؤديان الى تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 52 مليار دولار في العام 2019 إلى 31 مليار دولار في العام 2020. مشيراً الى انّ معدل التضخم في مؤشر أسعار المستهلك بلغت 91.3 في المئة في 2020 مقارنة مع 2.9 في المئة في 2019.

وذكر «رنى سعرتيمعهد التمويل الدولي»، انّ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من المانحين الرسميين، يحجمون عن تقديم الدعم المالي الى لبنان، بسبب الفشل المتكرر للطبقة السياسية في تنفيذ السلة المطلوبة من الإصلاحات، معتبراً انّه يمكن استئناف المفاوضات بين السلطات اللبنانية وصندوق النقد الدولي وتخطّي كافة الاشكاليات السابقة ونقاط الخلاف، في حال تمّ تشكيل حكومة جديدة متخصصة ومستقلة في الأسابيع القليلة المقبلة، والتي يجب ان تبدأ فوراً في تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية، بما في ذلك إصلاح النظام المالي وإصلاح الكهرباء، بالاضافة الى اقرار مجلس النواب قانون يضمن استقلالية الهيئة القضائية، وقانون المشتريات العامة الجديد، والانتهاء من التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان الجارية حالياً.

وفيما توقع معهد التمويل الدولي تراجع العجز في الحساب الجاري، في ظلّ انهيار الطلب المحلي من 11.5 مليار دولار الى -3.1 مليارات دولار، اي بنسبة 22.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، إلى 10.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، اكّد انّ تراجع صافي تدفقات رأس المال سيعوّض الانخفاض الحاصل في عجز الحساب الجاري. وفي النتيجة، رجّح ان تنخفض الاحتياطات الرسمية للبنك المركزي بنحو 12 مليار دولار إلى 19.6 مليار دولار في نهاية العام 2020، مقدّراً أنّ ما لا يقلّ عن 18 مليار دولار من الأصول المتبقية لمصرف لبنان بالعملات الأجنبية، هي احتياطي إلزامي للمصارف، والتي لا يمكن للبنك المركزي استخدامها.

واكّد التقرير انّ العجز المالي سيبقى كبيراً بسبب انهيار إيرادات الدولة، وذلك بنسبة 10.3 في المئة من الناتج المحلي في 2020 مقارنة مع 11.9 في المئة في 2019. كما قدّر ان تبلغ نسبة الدين العام من الناتج المحلي الاجمالي 94.1 في المئة في 2020 مقارنة مع 175 في المئة في 2019.

واعتبر التقرير، انّ الإصلاح الاقتصادي والحدّ من حصول المزيد من التدهور سيتطلبان معالجة الفساد المستشري في لبنان بشكل جذري، وذلك عبر وجود إرادة سياسية قوية لإنشاء مؤسسات فعّالة تعزّز النزاهة والمساءلة في كافة مؤسسات القطاع العام، مشيراً الى انّ استقلالية النظام القضائي غالبًا ما تتعرّض للتحدّي من خلال التدخّل السياسي.

صندوق النقد يوقف الدعم

في هذا الاطار، اوضح كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي غربيس ايراديان، انّ الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد بلغ القعر، ولم يعد أمام لبنان سوى فرصة التوصل الى برنامج انقاذ مع صندوق النقد الدولي وتشكيل حكومة متخصصة، لتطبيق الاصلاحات المطلوبة، بغض النظر اذا كانت حكومة تكنوسياسيين او اختصاصيين، مؤكّدا لـ«الجمهورية»، انّ أي رئيس حكومة مقبل، ليس امامه سوى صندوق النقد الدولي لانتشال لبنان من ازمته، «وهذا أمر واقع، لكن توقيته ما زال مجهولاً، قد يتمّ التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل نهاية العام او مع بداية العام المقبل».

وشدّد ايراديان على انّ الدعم على السلع الاساسية المستوردة لا يمكن ان يستمرّ ولا قدرة لمصرف لبنان على الاستمرار به، مشدّداً على ضرورة رفع الدعم على المحروقات بشكل خاص او على الاقلّ دعمها وفقاً لسعر صرف الـ 3900 ليرة، كذلك الامر بالنسبة للادوية التي يجب ترشيد دعمها، باستثناء القمح الذي لا يشكّل دعمه مشكلة كبرى. وكشف انّ صندوق النقد الدولي لا يمكن ان يوافق عبر أي برنامج إنقاذ سينفذه في لبنان على مواصلة الدعم، وبالتالي فانّ هذا الامر سيحصل عاجلاً أم آجلاً، «إلّا انّ رفع الدعم، بعد الحصول على دعم مالي من صندوق النقد وتعزيز احتياطي مصرف لبنان، لن يكون تداعياتهما سلبية على غرار رفعه اليوم»، مشدّداً على ضرورة ان يقابل رفع الدعم، تفعيل لشبكة الحماية الاجتماعية للأُسر الاكثر حاجة.

ارتفاع سعر الليرة؟

عن مسار سعر صرف العملة المحلية، قال ايراديان، انّ سعر الصرف سيستعيد تعافيه عند البدء في تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي، والحصول على أموال «سيدر» التي ستعزّز النمو الاقتصادي وتُعيد الثقة للقطاع الخاص، لأنّها مخصّصة لتنفيذ مشاريع استثمارية في القطاع العام والخاص. متوقعاً ان يرتفع سعر صرف الليرة بعد 3 اشهر من انطلاق برنامج الانقاذ، والبدء في تنفيذ الاصلاحات، الى أقلّ من 6000 ليرة مقابل الدولار. كما اشار الى انّ صندوق النقد سيطالب ايضاً بعد 3 او 4 اشهر من تنفيذ برنامجه، بتوحيد اسعار الصرف المعتمدة، اي السعر الرسمي 1500 وسعر المنصة 3900 والسوق السوداء، مرجحاً ان يكون السعر الموحّد عند حوالى 5000 او 5500 ليرة.

رنى سعرتي.