ثالوث الأزمات العالمية والمثلث الأوروبي الجديد

ما زال ثالوث الأزمات العالمية، المشكل من وباء كورونا وحدة الركود الاقتصادي وتزايد أعباء الديون، جاثماً على الصدور وتراه يزداد وطأة بمرور الوقت رغم توافر الحلول ووفرة الإمكانيات. فأين مصادر الخلل؟ وهل سيشهد هذا العام انفراجاً في العمل الدولي بعد سنوات من التوتر والانعزالية والحمائية والانسياق وراء دعاوى الشعبوية؟
شهدت الساحتان الأميركية والأوروبية تغييرات في قياداتها. وزفت البشائر بعود أميركي، نحسبه حتى الآن حميداً، إلى المسارات الدولية متعددة الأطراف؛ فأعلن عن عودة الولايات المتحدة لاتفاقية باريس لتغيرات المناخ بعد غياب طال، ونشرت كلمات عن مساندة منظمة الصحة العالمية ومساعدتها مالياً بعد انقطاع، ومهد الطريق لتولية قيادة أفريقية مرموقة إدارة منظمة التجارة العالمية بعد فترة من الجمود دون قرار.
وفي أوروبا تولى هذا الشهر الاقتصادي المخضرم ماريو دراجي رئاسة حكومة إيطاليا، والتي ترأس هذا العام مجموعة العشرين. وفي خطابه الذي ألقاه منذ أيام عن أولويات حكومته أفصح دراجي عن سياسات تزكي المصالح الأوروبية وليس الإيطالية فحسب، في صياغة العلاقات الدولية خاصةً مع الولايات المتحدة والصين وروسيا. جعل هذا بعض المحللين السياسيين، مثل ميلفين كراوس الأستاذ في جامعة نيويورك، يتحدث عن بزوغ مثلث أوروبي جديد يتضمن إيطاليا مع ألمانيا وفرنسا، اللتين قادتا إعادة إحياء الاتحاد الأوروبي بعد أزمة «بريكست» التي انتهت بانفصال بريطانيا. وقد اشتهر دراجي بعباراته الرنانة ومحاولاته لتنفيذ محتواها؛ فهو صاحب المقولة الشهيرة «مهما كانت التكلفة» التي رددها في يوليو (تموز) عام 2012 أثناء رئاسته للبنك المركزي الأوروبي عن عزمه في الدفاع عن اليورو الذي عركته الأسواق من خلال برنامج لشراء السندات. ونجحت كلماته بفضل مصداقية مؤسسته وسياسته المنضبطة في حماية اليورو من التردي بتهدئة المستثمرين والمتعاملين في أسواق النقد.
ويواجه دراجي مشكلات اقتصاد أعياه الوباء، وإذا ما أحسن السيطرة على تداعيات الجائحة الصحية فإن الناتج المحلي لإيطاليا لن يعود لمستويات ما قبل الجائحة إلا بعد عامين على أفضل تقدير. ولكن سعي الحكومة الإيطالية في الإصلاح الداخلي سيتخذ منهجاً وحدوياً أوروبياً صدره رئيسها دراجي بمقولة «بدون إيطاليا، لن تبقى أوروبا». ولم يغفل دراجي تأكيده على العلاقات عبر الأطلنطي مع الولايات المتحدة في استعادة للخط التقليدي للتحالف على عكس الخطوات التي اتخذها سلفه جوزيب كونتي في التقارب مع الصين؛ معضداً في ذلك تجديد أواصر التعاون الأوروبي – الأميركي بعد حديث العودة الأميركية لتحالفاتها التقليدية في ظل إدارة بايدن.
وعودة لثالوث الأزمات العالمية، بعد هذا التطرق للمثلث الأوروبي الذي عثر مؤخراً على ضلعه المفقود. فما زال العامل المشترك بين الإدارات الأوروبية وما يقابلها عبر الأطلسي هو هذا التوجه نحو الداخل الذي لا ينصرف بمقدار ملموس خارج الحدود. حسناً فعلت الدول المتقدمة والغنية بأن رصدت في المتوسط ما يتجاوز 10 في المائة من دخولها القومية لدعم اقتصاداتها والمضارين من مواطنيها من تداعيات الجائحة. وها هو الاتحاد الأوروبي يرصد حوالي 2.2 تريليون دولار لحزم مالية محفزة لاقتصاد ما بعد الجائحة تمول جماعياً من خلال الموازنة الموحدة للاتحاد. وكذلك فعلت وأكثر الموازنة الفيدرالية الأميركية على مدار العام الماضي وعلى هذا النهج ستستمر هذا العام حتى يبين لها بوادر التعافي وتطمئن إليه، رغم جدل حول تكلفة حزم التيسير وفاعليتها والمنتفعين بها.
ومن أسف أنه في هذه الأثناء كبلت الموازنات المنهكة للدول النامية قدرات حكوماتها على الاستجابة لتداعيات الأزمة الصحية فلم يتجاوز الإنفاق الاستثنائي في الكثير منها 1 في المائة من دخولها القومية. كما أن أعباء الديون وضعف التصنيف الائتماني السيادي لها، يمنعها من الاقتراض رخيص التكلفة الذي تتمتع به الدول المتقدمة. فهناك من الدول تتمتع بطعام غذاء مجاني لانخفاض سعر الفائدة لما يقترب من الصفر على سنداتها؛ أما الدول النامية فمن نصيبها وجبات قروض باهظة التكلفة، وأكثرها يعود من الأسواق المالية خماصاً كما ذهبت إليها، فلا مقرض لها أو مستثمر في سنداتها. ومع تراجع معدلات النمو تتزايد البطالة بلا إعانة تذكر للمتعطلين، وتتزايد الفجوة في الدخول بين الدول المتقدمة والنامية بعدما شهدت فترات من التقارب بفعل زيادة النمو الأعلى في الدول الأقل دخلاً.
قد تعين الدول المتقدمة، إذا أرادت، في حل معضلات ثالوث الأزمات باتخاذ إجراءات عاجلة قبل منتصف هذا العام، فكل يوم يمر بلا تيسير على عموم الناس يدفع أفقرهم تكلفته بحياتهم قبل أسباب معيشتهم. والإجراء الأول يجب أن يكون في تيسير الحصول على اللقاح بشكل عادل، فقد تعاقدت هذه الدول مع شركات إنتاج اللقاح مباشرة غير مبالية باحتياجات آلية الكوفاكس التي تديرها منظمة الصحة العالمية لصالح الدول الأفقر، وقام بعض هذه الدول بحجز ما يتجاوز أعداد سكانها مجتمعين عدة مرات.
ولعل الدول المتقدمة تستمع لنصح سبعة علماء متخصصين في الأمراض الفيروسية. فقد نشروا مقالاً علمياً مشتركاً هذا الشهر في مجلة لانست الطبية واسعة الانتشار عن الضرورات العلمية لعدالة توزيع اللقاح على مستوى العالم كله وزيادة إنتاجه وسرعة نشره وإتاحته بلا عائق سعري أو لوجيستي، حتى تتحقق أهداف السيطرة على الجائحة وإلا تبددت منافع النصر العلمي في سرعة تطوير اللقاحات المعتمدة بشكل قياسي لأسباب سياسية وإدارية. ولعل الدول المتقدمة تتجاوب مع مطالب الدول النامية التي تقدمت بها لمنظمة التجارة العالمية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لتيسير الحصول على الترخيص اللازم لإنتاج اللقاحات المطورة والأدوية المعالجة.
الإجراء العاجل الثاني هو منع تفاقم مشكلات المديونية للدول النامية ومنع تحولها لأزمة عالمية. وفي هذا الشأن يتطلب الأمر مد فترة السماح لإرجاء أقساط الديون للدول الأكثر فقراً والتي ستنتهي في شهر يونيو (حزيران) القادم لسنة أخرى، مع وضع ضوابط ميسرة للاستفادة من إطار إدارة الديون المتعثرة الذي أوصت به مجموعة العشرين، وأن يشمل في تطبيقه مقرضي القطاع الخاص بفاعلية والتأكيد على شفافية الإفصاح عن البيانات من جانب المقرضين والمقترضين، والتعاون في تطوير منظومة إدارة الديون السيادية الخارجية وآليات فض منازعات الديون المتعثرة وإرساء معايير عادلة في التفاوض على تسويتها، وإتاحة سبل التعاون الفني خاصةً في مجالات مبادلة الديون في ظل اقتراحات ربطها بتغيرات المناخ.
الإجراء الثالث يتمثل في المراجعة العاجلة لإطار تمويل التنمية المستدامة بداية من الاستثمارات في التعافي الاقتصادي والإفلات من فخ الركود. وهذا يتطلب تجاوز النهج التقليدي للمساعدات الإنمائية التي تنحسر قيمة وتأثيراً لتراجع تدفقاتها حتى صارت التدفقات المالية الخارجة من القارة الأفريقية، على سبيل المثال، يتجاوز ما يرد إليها من مساعدات واستثمارات خارجية. ولعل الاختبار الأهم للتعاون الدولي في هذا الشأن هو طرح الزيادة العاجلة المنتظرة لوحدات حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، لتيسير حصول الدول النامية على احتياجاتها الضرورية من النقد الأجنبي.
هذه الإجراءات المحددة للتصدي لثالوث الأزمات العالمية الراهنة تتطلب حتماً تمويلاً وإرادة سياسية في الدول المتقدمة لتوفيره. من السهل سرد كلمات تدبج في محبة التعاون الدولي ونشدان الرخاء للبشرية والحفاظ على السلم والاستقرار، فما لم تترجم هذه الكلمات لبنود مخصصة في الموازنات المالية فهي فاقدة المعنى عديمة الأثر.

د. محمود محي الدين

ماذا بين ثبات الدولرة وتثبيت سعر الصرف؟

منذ نقطة التحول الكبرى في السياسة النقدية في لبنان منذ التسعينيات، أظهرت خيارات مصرف لبنان مخاوف ملحوظة من إعادة إنتاج النمط الذي كان سائدًا في عام 1987، عندما تجاوز التضخم المفرط 487%، وانطلق مسار الدولرة كخيار حرّ للقطاع الخاص سعياً للحفاظ على قدرته الشرائية، ثم تراجع تدريجيًا مع السياسة النقدية التقييدية عام 1992. ومع تثبيت سعر الصرف منذ 1997، انتظر الجميع أن تتراجع الدولرة في تلك الفترة .. إلّا أنّ الدولرة الجزئية بقيت مرتفعة، ومع انفجار الأزمة المالية-النقدية-المصرفية في الربع الأخير من العام 2019 ازدادت أكثر لتلامس 80% من الودائع اليوم.. هل فعلاً كانت الدولرة ردة فعل اختيارية ازاء انهيار سعر الصرف في الثمانينيات؟ وبالتالي ما سرّ ثبات الدولرة رغم سنوات من تثبيت سعر الصرف؟ وأي خيارات ممكنة اليوم؟

في الثمانينيات، ترافق انهيار سعر الصرف الوطني مع ارتفاع سعر الدولار من 2.25 ليرة لبنانية عام 1972 إلى أكثر من 2850 ليرة عام 1992، قبل أن ينخفض تدريجياً، من نهاية عام 1992 حتى تمّ تثبيته عند 1507.5 ليرة منذ عام 1997… وذلك مع ارتفاع معدل دولرة الاقتصاد من حوالى 25% من الودائع عام 1972 إلى أكثر من 86% عام 1987، لينخفض تدريجياً الى حدود 67% في سنوات الاستقرار، ثم ارتفاعه ليصبح اليوم حوالى 80%.

إلّا انّ خصوصية الأزمة الحالية تختلف أيضًا عن الثمانينيات، إذ لم تعد دولرة الودائع تحمي أصحابها، بعد أن وظفت المصارف أكثر من ثلثيها بين الاكتتاب بسندات خزينة الدولة بالدولار والأوروبوند، واشترت بالجزء الأكبر شهادات إيداع مصرف لبنان بالدولار، لتعزيز إحتياطاته بالعملات الأجنبية… علماً أنّ الودائع بالدولار التي بلغت 120 مليار دولار، أي مرة ونصف من الناتج المحلي الإجمالي للبنان في بداية العام 2019 قبل اندلاع الأزمة، تراجعت الى حوالى 112 مليار دولار حالياً، بعد سحب المودعين كميات كبيرة منها بين شراء ذهب وتسديد ديون وشراء عقارات أو سيارات، وللاحتفاظ بالسيولة بالدولار والليرة، تحسباً للمزيد من شح النقد..

وكان القطاع المصرفي يحتفظ بـ 15 مليار دولار على شكل سندات يوروبوند، و 70 مليار دولار مع مصرف لبنان، بين احتياطي إلزامي على الودائع بالعملات الأجنبية (15% من الودائع بالعملات الأجنبية أو ما يقرب من 18 مليار دولار أميركي) وشهادات إيداع بالدولار (قدّرتها مؤسسة بلومبرغ بـ 52.8 مليار دولار)… بينما حمل مصرف لبنان سندات يوروبوند مقابل 5.7 مليارات دولار.

في العام 1987 كان الدولار متاحًا، وكان الطلب عليه يتزايد بسبب التضخم ، وكان سعره الرسمي يتزايد بالتوازي. في المقابل، اليوم الدولار غائب وسعره الرسمي ثابت والسوق الموازية تغذي التضخم … ولا يمكن تصور الخروج من الأزمة بما حدث عام 1992 باعتماد قرار تثبيت سعر الصرف ، لأنّ الدولارات اللازمة غير متوفرة هذه المرة.

في الثمانينيات، وافق المصرف المركزي والمصارف اللبنانية على اختيار القطاع الخاص اللبناني اعتماد الدولرة الجزئية وغير الرسمية، عن طريق الاختيار الحرّ للعملاء الاقتصاديين، الذين فقدوا الثقة في العملة الوطنية… ولم «تضفِ» السلطات النقدية الطابع الرسمي على استخدام الدولار كعملة وطنية لدفع الضرائب والرسوم وتنظيم إجراءات الإدارة العامة … إلّا أنّ مصرف لبنان أنشأ غرفة مقاصة للشيكات بالدولار وملأها ماكينات الصرف الآلي (ATM) عن طريق العملتين: الليرة اللبنانية والدولار الأميركي.

عملياً، من الطبيعي أن يكون معدّل الفائدة على الودائع بالعملة الوطنية أعلى من معدل الفائدة على الودائع بالدولار في البلد المدولر جزئياً، نظراً لفارق عامل المخاطرة، كذلك من الطبيعي أن يكون معدل الفائدة على الودائع بالدولار في البلد المدولر، أعلى مما هي عليه نفس الودائع بالدولار، لو تمّ توظيفها في أسواق أخرى خارجية أكثر استقراراً، نظراً لعامل المخاطرة في البلد المدولرة..

واذا كانت مبدئياً الدولرة الجزئية مفترقاً للاتجاه إما صوب استعادة الثقة بالعملة الوطنية أو الانغماس أكثر بالدولرة حدّ التخلّي عن العملة الوطنية أو السعي لنظام استقرار للعملة الوطنية، مربوط بتثبيت سعر الصرف، إما برط العملة الوطنية بالعملة الأجنبية أو باعتماد مجلس نقد أو مجلس مصرفي … ويُلاحظ أنّ لبنان عرف ثباتاً مرتفعاً في معدّلات الدولرة، على الرغم من مرور 22 سنة من تثبيت سعر الصرف بربط الليرة اللبنانية بالدولار… تراجع معدل الدولرة قليلاً ليعاود ارتفاعه مع كل فترة اهتزاز الاستقرار واضطرار المصرف المركزي لاستنفاد إحتياطه بالعملات الأجنبية، ومحاولة تأجيل انفجار الأزمة عبر «الهندسات المالية». هذه العمليات النقدية غير التقليدية خفّضت خدمة الدين للدولة، كون معدل الفائدة على اليوروبوند أقل مما هو على سندات الخزينة بالليرة. كما مكّنت الخزينة من الحصول على ضرائب تخطّت ملياراً ومئتي مليون ليرة (توازي 800 مليون دولار حينها) كضريبة 15% على مردود المصارف من هذه العمليات الاستثنائية، فضلاً عن استقطاب المزيد من الودائع بالدولار، وتوجيهها الى المصرف المركزي لزيادة احتياطه بالعملات الأجنبية.. في حين كانت الدولة تزيد «دولرة» دينها العام، عبر زيادة حصة اليوروبوند من مجموع دينها العام، في حين كان ميزان المدفوعات يراكم عجوزات متتالية منذ 2011، غطّتها مرحلياً الهندسات المالية في 2016-2017 لتعاود العجز ويكبر الفارق بين الودائع المتزايدة بالدولار من جهة وتراجع الموجودات بالدولار الأميركي من جهة أخرى..

في موازاة ذلك، كانت مؤسسات التصنيف الدولية (فيتش، موديز، وستاندرد أند بورز)، تخفّض أكثر فأكثر التصنيف السيادي للبنان، مما يعطي إشارة لحاملي اليوروبوند عن صعوبة السداد. وبالنسبة لسندات الخزينة بالعملة الوطنية يمكن تغطيتها، حتى في حال عجز الدولة عن السداد، عبر اللجوء الى طبع النقد في المصرف المركزي، كإجراء استثنائي في الحالات الطارئة، وتتحمّل البلاد التضخّم بعدها. أما بالنسبة لليوروبوند، فلا يمكن للمصرف المركزي المحلي طباعة الدولار الضروري لتسديدها، ولا الاستمرار الى ما لا نهاية باستنزاف احتياطه بالعملات الأجنبية .. الأمر الذي يؤدي بالدولة الى إعلان وقف السداد، كما حصل في نيسان 2020 عند العجز عن تأمين الدولار لإيفاء الاستحقاقات..

إذا كانت الدولرة الجزئية، على الرغم من ارتفاعها كما هو الحال في لبنان، تشكّل «وسيلة ملجأ» للعملاء الاقتصاديين من عدم استقرار قوتهم الشرائية، بعد تجربة تضخمية شديدة وانخفاض حاد في سعر صرف، قد يكون من الصعب إزالتها.. في حين يُعتبر إلغاء الدولرة بشكل تدريجي أمرًا ضروريًا لتجنّب مخاطر الدولرة الجزئية: خصوصاً مخاطر الملاءة المالية ومخاطر السيولة.

كما أنّ الدولرة جعلت أي أداة استقرار قائمة على ضبط عرض النقود بالليرة اللبنانية غير فعّالة، وأدّت إلى اعتماد الاستقرار القائم على تثبيت سعر الصرف، بالتدخّل المستمر لـ»دعم» سعر صرف العملة الوطنية. لكن الحفاظ على هذا «الاستقرار» كان يتطلب دائمًا توفير عنصر احتياطي العملات الأجنبية لمصرف لبنان، للحفاظ على هامش تدخّله في سعر الصرف في السوق، الأمر الذي تطلب جذب ما يكفي من الدولارات من الخارج، وتحقيق فائض في ميزان المدفوعات (من خلال مجموع فائض تقليدي في ميزان الرساميل، يفترض أن يعوّض عجز الميزان التجاري في بلد يستورد 80% من إستهلاكه).

من هنا، يتبيّن دور تدهور ميزان المدفوعات منذ عام 2011، والنفاد التدريجي لاحتياطيات العملات الأجنبية، ما أدّى إلى اندلاع الأزمة في تشرين الأول 2019، والانهيار الحاد بسعر الصرف، بعد السيطرة على السعر الرسمي إلى مستوى USD / LBP 1507.5 منذ عام 1997.

وهكذا، بعد 22 عامًا من تثبيت سعر الصرف، من خلال ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي، تشهد العملة الوطنية انخفاضًا جذريًا في قيمتها في سوق الصرف الموازي، مع توقف إمكانية تحويل العملة الوطنية إلى عملات أجنبية في القطاع المصرفي. ومرة أخرى، تفقد الليرة اللبنانية وظائفها الثلاث، وهي: وحدة الحساب والوسيط التجاري والاحتفاظ بالقيمة الشرائية، وهو ما يذكّرنا بتجربة الاستهلاك والتضخم المفرط في الثمانينيات. ومع ذلك، فإنّ الأزمة الحالية تتميز ببيانات أكثر خطورة وتعقيدًا، من تلك التي كانت موجودة في الثمانينيات. مع القلق من المنحى المعاكس، المتمثّل بإزالة قسرية للدولرة وفرض سحب الودائع المصرفية اللبنانية بالدولار الأميركي حصرياً بالليرة اللبنانية، كما يحصل اليوم، قبل اعتماد سعر صرف موحّد حفاظاً على قيمتها وفق معطيات السوق…

من هنا، وبعد سقوط نظام ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي على أساس التدّخل المستمر للمصرف المركزي للحفاظ على سعر صرف رسمي، لم يعد يأخذ في الاعتبار مجمل المؤشرات الماكرو اقتصادية، لا سيما منها ميزان المدفوعات، في ظل الدولرة الجزئية، ما يدعو للتطلّع صوب خيارات بديلة أكثر فعالية لاستعادة الاستقرار بالمعطيات الحالية.. فهل يكون الاتجاه صوب إلغاء ألزامي للدولرة أو العكس، الذهاب الى الدولرة الشاملة، أم الوقوف وسطياً أمام خيار مجلس النقد أو مجلس مصرفي مستقبلي، يساهم أيضاً في استعادة الثقة بالجهاز المصرفي ككل؟

د. سهام رزق الله

سوق الاسهم يتعرض للضغوط. النظرة التقنية على مؤشر S&P 500

ارتفاع عوائد السندات الاميركية لا زال ينعكس ضغوطا على اسعار الاسهم.
في السوق هذا هو الحديث الجاري على شفاه الجميع حاليا، وقد طغى على المؤثرات الايجابية التي نتجت عن افادة رئيس الفدرالي وعلى الايجابيات المتعلقة بالتحفيز الاقتصادي التي يبدو انها باتت مستوعبة في الاسعار الحالية .
شهد مؤشر S&P 500 فشلا امام المقاومة عند 3930/34 مع ارتفاع عائدات السندات ثم ميزان الخزانة الضعيف الليلة الماضية. يثير هذا احتمالية حدوث فترة  تحصين وربما تصحيح أطول مما كان منتظرا.
قد نشهد اختبارًا للدعم الأكثر أهمية عند 3792/74 – فجوة السعر في أوائل فبراير  ، من وجهة نظر فريق محللي Credit Suisse.

ارتفاع عائدات السندات هو الحافز لحركة هبوطية.
كسر دون 3806 لاختبار مجموعة من الدعم الأكثر أهمية عند 3792/74 – .
لا يزال تحيزنا لهذا أن يظل أرضية لتحديد النهاية السفلية للنطاق الجانبي ، قبل استئناف الاتجاه الصعودي الأوسع في النهاية “.
“سيُنظر إلى الإغلاق تحت 3774 على أنه مهم من الناحية الفنية ، مما يزيد من احتمالية حدوث مرحلة تصحيحية أكثر عمقًا وأطول أمدًا مع رؤية الدعم التالي عند 3728/26 ثم الأهم عند 3694 في أواخر يناير.
“نرى مقاومة فورية عند 3845 ، ثم 3872/86 ، والعودة إلى ما فوق هذا المستوى هو  المطلوب لتخفيف الميل الهابط ، من أجل العودة إلى 3929/34.”

وماذا عن ال داو جونز؟

بعد الصعود إلى أعلى مستوى جديد على الإطلاق عند 32000 نقطة ، واجه المضاربون على الارتفاع بعض المتاعب بالأمس: فقد انخفض المؤشر بالفعل عدة مئات من النقاط بعد مزاد ضعيف للسندات الأمريكية لمدة 7 سنوات.

من وجهة نظر الرسم البياني الفني ، ومع ذلك ، لم يحدث أي ضرر كبير للمجال (حتى الآن): فوق 31200 نقطة ، لا يزال يتعين تفسير صورة الرسم البياني قصير المدى على أنها صعودية.

فقط سعر الإغلاق اليومي دون ال31،100/200 نقطة يجب أن يؤدي إلى أوامر متزايدة على الجانب السفلي وعمليات بيع أكبر ، حتى ذلك الحين يمكن للمضاربين على الارتفاع الاستمرار في الأمل في استمرار الاتجاه. ومع ذلك ، أسفل الدعم المذكور ، قد يصبح مظلمًا جدًا بسرعة كبيرة ، لذا ينصح بالحذر هنا.