«خبصة بإدارة جَهَلة». بهذه العبارة يصف أحد المسؤولين الدوليين ما يحصل في لبنان حالياً، من ناحية كيفية إدارة الوضع الاقتصادي والمالي، مؤكّداً انّ الوضع سيشهد مزيداً من التدهور، لأنّ كل الاجراءات المتّخذة مجتزأة وعشوائية، ولا تعتمد أية استراتيجية واضحة للاقتصاد الكلي او برنامج اصلاح شامل، «وما يدور من نقاش اقتصادي في لبنان محزن ومؤسف».
يعتبر أحد المسؤولين الدوليين، انّه في ظلّ التشريح الجاري لمشروع قانون موازنة 2021، والذي لن تتمّ مناقشته او يبصر النور قبل تأليف حكومة جديدة، فإنّ هذا المشروع خالٍ من أي رؤية للاقتصاد الكلي في 2021، ولا يحدّد استراتيجية واضحة لكيفية التعامل مع الافتراضات الممكنة والمتعلقة بسعر الصرف او اسعار الفوائد والدين العام المتعثر والسندات السيادية، تقديرات حجم الناتج المحلي الاجمالي، نسبة التضخم… علماً انّ هذه العوامل الرئيسية، بالإضافة الى برنامج الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي، تشكّل إطار العمل الذي يجب على اساسه إعداد اي مشروع موازنة.
وبما انّ مشروع الموازنة من المفترض ان يكون الركيزة الاساسية لأي مشروع اصلاحي شامل، يرى المسؤول الدولي انّ الاعتراضات عليه من قِبل موظفي القطاع العام طبيعية ومتوقعة، شارحاً انّه في اوقات التضخم وانهيار سعر صرف العملة المحلية، من المفترض اعتماد برنامج اصلاحي، تكون تداعياته بمثابة تعديل للرواتب والاجور، وليس تعديل الرواتب والاجور في الموازنة وزيادة وضع الموظفين بؤساً وتخفيض قدرتهم الشرائية بشكل اكبر.
اما ضريبة التضامن الوطني الواردة في مشروع الموازنة، فهي بالنسبة له هروب من الواقع والطريقة الأسهل لتحقيق الايرادات الضريبية، من دون اي مجهود او اصلاح، كون الدولة عاجزة عن منع التهرّب الضريبي او ضبطه، وقد لجأت بدلاً من ذلك الى ما يمكنها تنفيذه وتطبيقه، وهو فرض مزيد من الضرائب على المودعين العاجزين عن سحب ودائعهم، التي فقدت اكثر من 80 في المئة من قيمتها.
من جهة اخرى، يستغرب المسؤول الدولي استمرار لبنان بسياسة الدعم القائمة، لافتاً الى انّ كافة دول العالم تعتمد على سياستين للدعم، الاولى من خلال منح الطبقة الفقيرة دعماً مباشراً، يوازي قيمة الارتفاع الذي سيطرأ على سعر السلة الغذائية التي يستهلكونها بعد رفع الدعم. والثانية، من خلال تخصيص موازنة للدعم ضمن موازنة الدولة. مشدّداً على انّ ما يحصل حالياً في ملف الدعم عبر اسعار صرف متعددة، ومن خلال دعم السلع وليس الأسر، يؤدي الى تشوّهات وهدر مالي ضخم، «مع ذلك لا يجرؤ أحد في لبنان للأسف على اتخاذ قرار رفع الدعم».
ويشير الى انّ الحكومة تعاملت فقط مع العواقب الناتجة من انهيار سعر صرف العملة، وتجاهلت التداعيات الايجابية على الصناعة المحلية التي أصبحت اكثر تنافسية، لافتاً الى انّ كافة دول العالم، عند انهيار سعر صرف عملاتها المحلية، تلجأ الى دعم الصناعة المحلية وليس دعم السلع المستوردة التي يوجد بديل محلي منها.
وبالنسبة للتدقيق الجنائي الذي يعوّل عليه كثيرون، يقول انّه لن يُظهر او يحدّد السياسات الخاطئة التي تمّ اعتمادها على مرّ السنين، والتي أدّت الى حصول الأزمة الحالية، على غرار سياسة تثبيت سعر الصرف ومنح فوائد مرتفعة وغيرها وغيرها من السياسات المالية… «بل قد يكشف عن بعض العمليات والممارسات غير الشرعية، والتي رغم اهميّتها لا تُعتبر «لبّ المشكلة».
وفيما يؤكّد انّ لا مخرج للبنان لا اليوم ولا بعد سنة، سوى عبر التوصّل الى برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي، يجزم بأنّ لبنان سيكون من دون شك واحداً من أصعب الحالات التي سيتعامل معها صندوق النقد الدولي، مشدّداً في المقابل على انّ البرنامج لا يمكن ان يؤدي الى النتيجة المرجوة، من دون وجود قرار سياسي والتزام كامل للسير بالاصلاحات.
رنى سعرتي