«إكسون – موبيل» هي الشركة التي لم تخسر في التاريخ، كان ذلك حتى أعلنت الشركة عن نتائجها السنوية لعام 2020، حيث حققت الشركة خسارة سنوية بلغت 22 مليار دولار، وهي التي بلغت أرباحها في سنة 2019 أكثر من 14 مليار دولار! لم تخسر «إكسون – موبيل» بعد أزمة 2008 المالية حيث عُدّت الخسارة أمراً مقبولاً لعديد من الشركات، ولكنها خسرت في أثناء جائحة «كورونا»، في أمر قد يعد منطقياً في سنة نزل فيه سعر النفط تحت الصفر، وفي عام توقف العالم فيه عن الدوران، وقبع فيه الناس في بيوتهم من الخوف؛ فلا طائرات في الجو، ولا مصانع تعمل، ولا سيارات في الشوارع. وليست «إكسون – موبيل» وحدها التي حققت خسائر من ضمن شركات النفط التي أعلنت عن أرقامها في الأيام القليلة الماضية، فشركة «بريتيش بتروليوم» خسرت نحو 5.7 مليار دولار بعد أن ربحت 10 مليارات في العام السابق. أما شركة «كونوكو – فيلبس»، وهي أحد أكبر منتجي النفط في الولايات المتحدة، فقد خسرت 2.7 مليار دولار مقارنةً بأرباح العام السابق التي فاقت 7.9 مليار دولار. ولكن لماذا يختلف الوضع في «إكسون – موبيل» ما دامت خسارة شركات النفط في هذا العام أمر منطقية مقارنةً بما حدث؟
«إكسون – موبيل» شركة لا تشابهها شركة أميركية أخرى، فهي رمز النفط في الولايات المتحدة؛ كونها أكبر منتجي النفط فيها على الإطلاق، وقد كانت الشركة في عام 2013 تملك أعلى قيمة لشركة مساهمة حول العالم بقيمة زادت على 410 مليارات دولار، ولكنها الآن لا تساوي حتى نصف هذه القيمة! وما زاد على ذلك أن الشركة خرجت في أغسطس (آب) الماضي من مؤشر «داو جونز» الصناعي، وذلك بعد 92 عاماً من وجودها فيه. ومنذ اندماج الشركتين «إكسون» و«موبيل» عام 1999 والشركة تعد أحد أكبر اللاعبين في سوق النفط حول العالم، إلا أن أداء الشركة اختلف كثيراً منذ ذلك الوقت وحتى الآن، فحجم الإنتاج لم يختلف كثيراً للشركة منذ عام 2010 حتى 2019 وذلك على الرغم من اعتماد الشركة على كثافة الإنتاج وليس على قيمته.
أما الأداء المالي فيُظهر أن الشركة في انحدار مستمر خلال الأعوام الماضية، فالعائد من استثمار رأس المال في استخراج النفط انخفض من 30% في العقد الأول من الألفية، إلى 6% في السنوات الخمس التي سبقت الجائحة. وديون الشركة ارتفعت خلال العقد الأخير من مبلغ ضئيل لتصل إلى 63 مليار دولار، وعلى الرغم من انخفاض الربحية في الشركة، وزيادة الديون فإن الشركة استمرت في توزيع الأرباح للمستثمرين بنحو 15 مليار دولار سنوياً. وحتى في عام 2020 فقد وزّعت الشركة الأرباح على المساهمين على الرغم من تسريحها الكثير من موظفيها بسبب الجائحة.
واليوم تنظر «إكسون – موبيل» إلى مستقبل مظلم، فالشركة قد لا تصمد إذا ما استمر الحال على ما هو عليه، حتى ظهرت شائعات بأن العملاق الأميركي قد يندمج مع عملاق نفطي آخر وهي شركة «شيفرون»، وفي حال اندمجت الشركتان فبإمكانهما توفير 7% من الطلب العالمي للنفط! ولكن حتى هذا الاندماج قد لا يتم بالنظر إلى ما يعاني منه قطاع النفط الأميركي في الوقت الحاضر.
وما يزيد الطين بلة، أن الشركة خرجت بهذه الحالة المادية بعد انتهاء فترة أكثر رئيس أميركي دعماً للقطاع النفطي، وببدء فترة ولاية لرئيس أميركي جديد أخذ على عاتقه حماية الكوكب والبيئة من الانبعاثات الكربونية، بل كان أول قراراته الانضمام إلى اتفاقية باريس المناخية، وهو ما يعني أن القطاع النفطي الأميركي بأكمله قد يعاني من القرارات التنظيمية التي قد تتبع هذه السياسة البيئية.
إن خسارة الشركات النفطية في عام 2020 ليست مستغرَبة، فهي مكوّن من مكونات السوق، وبتوقف الأسواق والمصانع عن العمل، كان من الطبيعي أن تخسر شركات النفط في هذا العام. وما يتداول أن هذه الخسارة بسبب استخدام الطاقة النظيفة غير منطقي على الإطلاق، فحتى هذه اللحظة لم نشاهد طائرة تطير بالطاقة النظيفة، وما زلنا نشاهد المصانع والسيارات تعمل بالطاقة المستمدة من النفط. ولكن ما يثير القلق في حالة «إكسون – موبيل» أن المستثمرين توقعوا هذه النكسة للشركة بعد سنوات من الانحدار في الأداء، وما حدث هذا العام أثار القلق بشأن المستقبل القريب للعملاق النفطي، لا بشأن مستقبل النفط.
د. عبدالله الردادي