ناتج “بيتكوين” يقترب من التريليون ورهان محموم حتى 2040 – منير يونس – 180Post

تتعرض عملة بيتكوين المشفرة إلى مضاربات فريدة من نوعها في عالم المال والتداول، ما يدعو إلى تنبيه صغار المستثمرين إلى عدم الإنجرار وراء المراهنات التي قد تمحو مدخراتهم بلمح البصر، مع عدم إنكار تحولهم إلى أثرياء بطرفة عين، والنصيحة هي تحديد حجم الإستثمار بمبلغ يمكن تحمل خسارته إذا إنهار السعر وإضمحلت القيمة يوماً ما.

وعلى هذا القياس، إستثمرت شركة “تسلا” لصناعة السيارات الكهربائية والبالغة قيمتها السوقية 805 مليارات دولار نحو 1.5 مليار دولار في عملة بيتكوين، أي 0.0021 في المائة من تلك القيمة السوقية، وهي نسبة ضئيلة تكفلت برفع سعر بيتكوين 22 في المائة، فور تداول الخبر قبل يومين. قبل ذلك، ساهم رئيس “تيسلا” برفع سعر العملة المشفرة 18 في المائة في غضون ساعات قليلة أوائل الشهر الحالي بفعل سحر تغريدة بكلمة واحدة (# بيتكوين!).

أين المنطق في ارتفاع السعر 40 في المائة بخبر أو تغريدة؟ لا بل أين ذلك المنطق من بلوغ القيمة السوقية لشركة “تيسلا” نفسها 805 مليارات في وقت لم تبدأ فيه در الربح  إلا في العام الماضي برغم بدء إنتاجها في 2003  وتكبدها خسائر متتالية منذ ذلك الوقت، وعدم توزيعها للأرباح على مساهميها؟ ولم تبع العام الماضي إلا نصف مليون سيارة من أصل 80 مليون سيارة مباعة في 2020!

بالعودة الى المنطق الممكن نقاشه، فإن التفسير الوحيد هو الرهان على التكنولوجيا وسرعة تقدمها وغزوها مختلف مناحي حياتنا بسرعة الضوء أحياناً كثيرة. فالمستقبل للسيارات الكهربائية حتى لو أن عددها اليوم  3 ملايين فقط.  فهي لا تشكل حالياً أكثر من 1 في المائة من أسطول السيارات عالمياً، ومع ذلك قفز سعر سهم “تيسلا” من 86 دولاراً في كانون الثاني/ يناير 2020 إلى 849 دولاراً اليوم. في سنة واحدة إرتفع 430 في المائة، فارتفعت ثروة ايلون ماسك إلى 188 مليار دولار كما في منتصف الشهر الماضي لينافس جيف بيزوس مؤسس “أمازون” على عرش الرجل الأثرى في العالم.

المنطق الممكن إعتماده هو نفسه: الرهان على التكنولوجيا ومعجزاتها. وليست قصص نجاح “مايكروسوفت”، “فيسبوك”، “أمازون”، “أبل”، “غوغل” و”أوبر” في اقل من 10 سنوات.. إلا أمثلة حية نعيشها في تفاصيل تغيير أنماط حياتنا على مدار الساعة.

وفي عالم المال وتطبيقاته الحديثة، نشأت بيتكوين (2009) لتكون عملة دفع إلى جانب العملات “الحقيقية” أو بديلاً عنها في المستقبل، مع فارق جوهري في أن سعرها لا يخضع إلا للعرض والطلب، بينما العملات “الحقيقية” تخضع لأساسيات إقتصادية وسياسات بنوك مركزية في ضبط السيولة أو فلشها.

من أطلق بيتكوين في 2009 غير معروف بالإسم والعنوان. هو شخص سري يعرف باسم ساتوشي ناكاماتو. أسّس إنتاجها على عمليات حسابية ورياضيات معقدة بأجهزة كمبيوتر يمكن لأي كان تعلمها، وعندما يصل المستخدم الى المعادلة المطلوبة يحصل على مكافأة هي بيتكوين مسجلة ومخزنة ومتداولة بشفافية في نظام “بلوكشين” التشفيري، بالند للند عبر “أكواد” من دون أي وسيط.

البحث عن البيتكوين يشبه العمل في منجم، عُمّاله مهووسو تكنولوجيا منتشرون حول العالم، يجرون العمليات الحسابية بحواسيبهم (التعدين) على مدار الوقت وأعشار ثوانيه، وصولاً الى المكافأة المجزية. ووفقاً للحسابات الأولى للمؤسس، ليس هناك إلا 21 مليون وحدة (بيتكوين)، ولا يصل إليها العالم مهما حاول قبل العام 2040.

بدأ التعدين في 2009 بمعدل 50 كل 10 دقائق وهو اليوم 12.5، وينخفض تدريجياً حتى الصفر بعد 19 سنة. ويرجح المتعاملون أن المؤسس الأول يحمل 1.1 مليون وحدة من إجمالي بلغ حالياً 18.3 مليون وحدة تشكل 85 في المائة من السقف النهائي المتوقع للإصدار.

كل 4 سنوات تجري إحتفالية افتراضية، ويقسّم خلالها ما يستجد من “مكافآت بيتوكونية” على إثنين وفقاً للبروتوكول الأساسي. فالصعوبة المتصاعدة للحسابات يقابلها ندرة في المكافآت، نزولاً تدريجياً بعرض تعديني تناقصي مقابل طلب مضاربي تصاعدي مفترض، فترتفع الأسعار حكماً.

ففي أول تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كان السعر10 آلاف دولار. ثم بلغ في 2 شباط/ فبراير المنصرم 36140، والتداول اليوم عند 46915 دولاراً لكل بيتكوين.

الجنون السابق للأسعار سجله العام 2017 ببلوغه 19 ألف دولار، ثم هبطت الأسعار في تقلبات حادة وفجائية إلى قاع قبيل منتصف 2019 عند 3 آلاف دولار أو أقل، وخلفت متعاملين مفلسين مدمرين مالياً وإجتماعياً ونفسياً حد الإنتحار. عاد الارتفاع تدريجياً، لكن حفلة الجنون الخيالي غير المسبوقة  بدأت الخريف الماضي، ما دفع البنك الاستثماري العالمي “جي بي مورغان” إلى توقع الصعود إلى 146 ألف دولار، أما “سيتي بنك” فيزايد حتى 300 الف دولار للبيتكوين الواحدة!

هذه التقلبات الحادة تجذب المتداولين والمراهنين من شركات وأفراد للتداول على مئات المنصات المتاحة. وتعرض صناديق إستثمارية منتجات مالية مشتقة (رهانية بامتياز) متصلة بالعملة المشفرة. إلى ذلك، اعتمدت العملة في منصات دفع الكترونية، وأقبلت على اقتنائها شركات عالمية في قطاع البرمجة الحاسوبية.

ما يلفت المستثمرين إرتباط مستجد بين بيتكوين وأداء الأسواق الأميركية. ففي آذار/ مارس 2020 هبط السعر في موازاة هبوط “وول ستريت” تأثراً بتفشي وباء كورونا والاقفال الاقتصادي الذي فرضه. ثم بدأ الصعود في موازاة إنتعاش الأسواق بنسبة 18 في المائة في 6 أشهر، فقفزت بيتكوين بنسبة 370 في المائة، وهي نسبة تضع الإستثمار في خانة المخاطر العالية وتصنيف بيتكوين أصلاً مضاربياً بامتياز، وليس ملاذاً آمناً كما يسوق المتحمسون لهذه  العملة.

صحيح أنه إستثمار بديل واعد بعوائد خيالية في وقت يتراجع فيه الإقتصاد العالمي ومعدلات الفوائد قريبة من الصفر، لكنه ليس آمناً بالنظر إلى عوامل مثل إمكان وضع قيود على منصات التداول، أو خطأ تقني وفني ما، أو إختراق سيبراني خطير، أو تدخل سيادي مثلما فعلت الصين والهند وكوريا الجنوبية وأندونيسيا بمنع التداول بهذه العملة، بيد أن المنع لا قيمة له طالما هناك أفراد ينفذون إلى الانترنت بأساليب مبتكرة عصية على الحجر البات. وبين المخاطر أيضاً السؤال المحير عن هوية المؤسس السري والمطلق لهذا التشفير فضلاً عن إتهامات بإمكان استخدام بيتكوين في معاملات مشبوهة وتمويل إرهاب وغسيل أموال.

ومع ذلك تبقى بيتكوين رهاناً تكنولوجياً مذهلاً لأنها العملة المشفرة البديلة شبه الوحيدة التي أثبتت جاذبيتها وسط نحو 1500 عملة مشفرة أبرزها “إيثيريوم” و”ريبل”.

وكما كانت أحلام مؤسسي الإنترنت ومطوريه بجعل الشبكات خارج السياقات الكلاسيكية قانونياً وسياسياً ومالياً ومعلوماتياً، فإن منتجي بيتكوين اليوم يراهنون على الخروج من سياقات العملات الحقيقية إلى الفضاء الرقمي المشفر الكامل من دون أدنى دور لأي بنك مركزي وسلطة مالية. وبين الحجج الجاذبة أيضاً سهولة التحويل الآمن بسرعة البرق بكلفة لا تذكر، وإمكان قسمة البيتكوين إلى مليون مقابل قسمة الدولار إلى 100 سنت فقط. تلك القسمة وصولاً إلى أدنى جزء من الوحدة يفتح المجال واسعاً أمام الإستخدام من البسيط التافه إلى العظيم الخطير، وما بينهما من سلع وخدمات لا عدّ لها ولا حصر. والمعادلة الإقتصادية تقضي بأن إرتفاع بيتكوين يقابله رخص نسبي للسلع والخدمات في إتجاه مضاد لأي تضخم، وهذا ما يفسر إستخدامها في دول مثل الأرجنتين وفنزويلا وتركيا وربما إيران. ولا ينقص اللبناني شيئاً لدخول هذا المعترك وهو المعروف برهاناته المالية وغير المالية الخطرة من دون كبير حذر من إنفجار الفقاعة مهما كلف الثمن!

منير يونس

مواجهة مفتوحة بين الحكومة ومصرف لبنان

يرفض مصرف لبنان أن تتعامل معه الحكومة على قاعدة « take it or leave it « في ما يتعلّق بتمويل نفقات الدولة على سعر الصرف المدعوم ممّا تبقّى من احتياطي عملات أجنبية يحاول البنك المركزي منفرداً ترشيد استهلاكها من اجل إطالة أمد الدعم الى أطول فترة ممكنة، وضمان ديمومة عمل المَرافِق العامة وتوفير الحاجات الاساسية لتيسير الامور الحياتية للمواطنين.

وبما انّ قطاع الكهرباء يعدّ من الامور الحيوية التي لا يمكن التفريط بها، أكد مصرف لبنان أنه يتعاون إيجاباً في هذا الملف، وهو على استعداد لتأمين السيولة المطلوبة بالعملات الاجنبية لتمديد عقد تشغيل وصيانة معملي دير عمار والزهراني وتفادي غَرق البلاد بالعتمة، إلّا انه يجد نفسه الجهة الوحيدة الحريصة على ما تبقى من احتياطي عملات أجنبية وعلى ضرورة ترشيد الدعم، في حين تمارس كل الجهات المستفيدة من الدعم، إن كانت الوزارات او المؤسسات الادارية او الشركات والتجار، سياسة الضغط من خلال تَخييره بين الظلمة او الدعم وبين انقطاع المواد والسلع أو الدعم، غير آبهة بترشيد حاجاتها من الدولارات وتقليصها، مع العلم انّ الوضع المالي والنقدي لم يعد يحتمل أي تقاعس في ادارة الأزمة.

مصادر في مصرف لبنان أكدت لـ»الجمهورية» انه مع انعدام القدرة على تعزيز احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية في مقابل ارتفاع حاجات الإنفاق، يحاول المجلس المركزي في مصرف لبنان التعاون بشكل إيجابي مع الحكومة والفرقاء السياسيين من أجل تجنيب البلاد انفجاراً اجتماعياً مع الحفاظ في الوقت نفسه على ما تبقّى من دولارات لدعم أي خطة اقتصادية ستضعها الحكومة المقبلة في حال تشكيلها.

وأشارت المصادر الى انه في حال التوافق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إنقاذ، فإنّ الحد الأقصى للدعم المالي السنوي سيبلغ حوالى ملياري دولار في حين «اننا اليوم نقوم بإنفاق 6 مليارات دولار سنوياً على الدعم من دون أي خطة إصلاحية، ما يؤدي الى هدرها»، مشددة على ضرورة تشكيل حكومة جديدة تضع خطة لاستغلال تلك الاموال المتبقية في إطار خطة اقتصادية ومالية واضحة.

وحول سيناريوهات ترشيد الدعم التي وضعتها الحكومة، اعتبرت مصادر البنك المركزي انه من المفترض وضع خطة واحدة للدعم تتناسَب والوضع المالي للبلاد، وتقطع الطريق امام عمليات التهريب والتخزين والاحتكار القائمة، وتفيد بشكل أساسي الأسَر الاكثر فقراً، وليس خطط دعم «شعبوية».

وأسِفت لأنّ الوقت يمرّ من دون التوصل بعد الى أي قرار او خطة في شأن ترشيد الدعم، «بل كلّ ما يُعرض علينا هو سيناريوهات بعيدة جدّاً من أي ترشيد فعليّ وجدّي للدعم»، موضِحة انّ تلك السيناريوهات تعتمد على تحديد الكميات التي يتم دعمها واقتراحات، على سبيل المثال، بخفض قيمة دعم بعض السلع بـ100 مليون دولار في مقابل زيادة حجم دعم سلع أخرى بالقيمة نفسها.

وسألت: هل اقتراح خفض فاتورة الدعم السنوية البالغة 6 مليارات دولار بمقدار 300 مليون دولار، يُعدّ ترشيداً للدعم؟

بيان مصرف لبنان

وبالعودة الى أزمة الكهرباء، أصدر مصرف لبنان امس بياناً أكد فيه حرصه «على المصلحة العامة، وعلى استمرارية عمل المرافق العامة وفي مقدمتها كهرباء لبنان، وتأمين السلع الاساسية»، مُذكّراً بمراسلاته خلال الأشهر الستة السابقة مع وزارة المالية، المتعلقة بالوضع المالي العام لمصرف لبنان وضرورة ترشيد سياسة الدعم.

وقال: بما أنه، ولاستمرار قيام مصرف لبنان بمهامه في هذه الأزمة الحادة، والمَنصوص عنها في المادة 70 من قانون النقد والتسليف المتعلقة بالمحافظة على النقد لتأمين نمو اقتصادي واجتماعي دائم، وبما أنّ مصرف لبنان يستخدم موجوداته المحدودة بالعملات الاجنبية بناء على مسؤوليته الوطنية،

وعطفاً على طلبات شركة كهرباء لبنان والوزارات المعنية بالدعم، وطلبات المستوردين للمواد المدعومة، فإنّ مصرف لبنان كان قد أرسل كتاباً الى وزير المالية في 12 شباط 2021 يفيد فيه الآتي بيانه:

– ضرورة اعتماد خطّة فورية لترشيد الدعم مع تحديد الأولويات ومصادر تمويلها الأمر الذي يدخل في صُلب مهام الحكومة، وإبلاغ مصرف لبنان بها، علماً أنّ أي تأخير في ذلك له تداعيات سلبية على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.

– ضرورة تحديد الاجراءات التي ستتخذها الحكومة لتأمين العملات الأجنبية اللازمة للمصاريف والمستوردات الأساسية.

– يقترح مصرف لبنان على وزير المالية، بالتعاون مع وزير الطاقة ومدير عام شركة الكهرباء، وضع دراسة شاملة على كل العقود الموقعة من قبل شركة كهرباء لبنان تشرح فيها طريقة اختيار الشركات المتعاقدة والتأكد من عدم وجود وسائل بديلة لتخفيض التكاليف، وهذا ما كان قد اقترحه مصرف لبنان مراراً خلال اجتماعات الاشهر الماضية مع معالي وزير الطاقة وشركة الكهرباء، وعلى أن تكون هذه الدراسة علنية ومتوفرة للعموم لِفَسح أوسع مجال للمشاركة في هذه المسؤوليّة الوطنية.

– ضرورة أن يكون هناك موافقة خطية على كل الفواتيرالمعروضة للدفع من شركة كهرباء لبنان وكافة الوزارات المعنية والمستوردين المعتمدين، من قبل مركزية واحدة تقررها الحكومة. على أن تحدّد الحكومة الأولويات، وتُؤكِّد مع المركزية على احترام آلية الدفع المتفق عليها مع مصرف لبنان، وتحمّل مسؤولية كلفة الدعم بالعملات الاجنبية وأي هدر أو سوء استعمال ينتج عنها.

وقد طلب مصرف لبنان من وزير المالية الإجابة بالسرعة الممكنة نظراً لحساسية الوضع الحالي وحفاظاً على استمرارية عمل المرافق الاساسية كافة».

أزمة الكهرباء

تجدر الاشارة الى انّ الشركة الأميركية primesouth المُشغّلة لمعملي الزهراني ودير عمار يتنهي عقدها يوم الاثنين 15 شباط 2021، وتهدّد بالانسحاب وتسليم معملي إنتاج الكهرباء لمؤسسة كهرباء لبنان التي طالبت بدورها بتمديد العمل للشركة، وحصلت على موافقة وزارتي المالية والطاقة. لكنّ الشركة الاميركية رفضت التمديد قبل دفع مستحقاتها السابقة البالغة قيمتها 45 مليون دولار، ومستحقاتها الجديدة للعام المقبل والبالغة 60 مليون دولار. وقد عُقدت اجتماعات عدّة في هذا الاطار بين وزير الطاقة ريمون غجر ومدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك ومسؤولين في مصرف لبنان للتوصّل الى صيغة حول كيفية تأمين مستحقات الشركة والاتفاق معها قبل يوم الاثنين المقبل وتفادي غرق البلاد في العتمة، علماً انّ الطاقة الكهربائية المنتجة من قبل معملي دير عمار والزهراني تشكل حوالى 10 ساعات من التغذية الكهربائية يومياً.

ووفقاً لِما يتم التداول به فإنّ الكرة اليوم في ملعب مصرف لبنان الذي تنتظر وزارة الطاقة جواباً منه حول إمكانية تأمين المبالغ المطلوبة بالدولار.

رنى سعرتي