يحدث أحياناً أن يكون خبراء الاقتصاد على خطأ. فوفقاً للنظرية الاقتصادية، يجب أن تحظى المعاشات والرهون العقارية العكسية بشعبية كبيرة في إدارة المخاطر والسيولة، لكنّ كلا الأمرين يجد صعوبة كبيرة في إيجاد القبول في الأسواق.
تعد أسواق التنبؤات من الأشياء المفضلة لدى خبراء الاقتصاد: فالعقود ذات الفوائد المالية تتوقف على يحدث ما في العالم الحقيقي، كما أن مستقبلها غير مؤكد بدرجة كبيرة.
في جوهرها، تسمح أسواق التنبؤ للناس بـ«المراهنة» على بعض سمات الاقتصاد، وبالتالي إيجاد مشتقات مالية جديدة. قد يكون سوق التنبؤ في الناتج المحلي الإجمالي، أو ربما في معدلات البطالة المحلية، وسيلة مفيدة للتحوط من المخاطر.
إذا كنت تخشى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، فيمكنك «اختصار» إجمالي الناتج المحلي في سوق التنبؤ، وبالتالي حماية وضعك الاقتصادي العام، لأن رهانك سيؤتي ثماره إذا جاء الناتج المحلي الإجمالي أقل من المتوقع.
تعد أسواق التنبؤ أيضاً وسيلة مفيدة لاكتشاف المعلومات عمّا قد يحدث بعد ذلك. على سبيل المثال، إذا كنت تريد معرفة مَن قد يفوز بلقب «السوبر باول» (الدوري الأميركي لكرة القدم)، فهل هناك مكان أفضل للبحث عن احتمالات الرهان من البيانات المنشورة والمعلنة؟ وفقاً للمنطق نفسه، تقدم أسواق العقود الآجلة لأسعار الفائدة المختلفة أدلة حول ما قد يخططه «الاحتياطي الفيدرالي». كذلك تعد قيمة الحصول على معلومات عامة أكثر وأفضل، سبباً آخر لتشجيع أسواق التنبؤ.
اللغز الكبير هو سبب عدم انطلاق أسواق التنبؤ، على الأقل ليس منذ تاريخ أسواق رهانات «باكيت شوب» في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر. فالقيود التنظيمية تعد ضمن الأسباب، لكنّ أسواق التنبؤ لم تنجح في بعض الأجزاء الأخرى من العالم من دون مثل هذه القيود. وموقع Intrade.com، الذي لم يَعُد له وجود الآن، كان مقره في آيرلندا وأنشأ أسواقاً نشطة وناجحة في الأحداث الرياضية والانتخابات الرئاسية. لكن معظم أسواق التنبؤ الخاصة بها ظلت غير سائلة إلى حد ما بسبب قلة اهتمام العملاء.
أدخل الآن موقع شركة «Kalshi» الناشئة ومقرها سان فرانسيسكو التي تهدف إلى إنشاء أسواق التنبؤ. ولحُسن الحظ، حصلت الشركة بالفعل على موافقة لجنة تداول السلع الآجلة لإدارة تبادل المشتقات. فهل سيكون الطلب على المنتج قوياً هذه المرة؟
قد يقول المتشكك إن الطلب محدود لأن هناك بالفعل كثيراً من الأسواق الجيدة والغنية بالمعلومات في الأصول الأخرى. في عام 2009 على سبيل المثال، هل كانت السوق ضرورية للتنبؤ بمدى جودة أداء هواتف «آيفون»؟ قد يكون سعر سهم «أبل» قد ساعد في أداء وظيفة مماثلة إلى حد كبير.
السؤال إذن هو: أيُّ أسواق التنبؤ قد تكون أكثر فائدة؟ فقد روّج روبرت جيه شيلر، الاقتصادي الحائز جائزة نوبل، لفكرة أسواق التنبؤ في الناتج المحلي الإجمالي، لكنّ معظم الناس يواجهون مخاطر كبيرة على مستوى أكثر محلية وأقل إجمالية.
ماذا عن سوق التنبؤ في أسعار العقارات المحلية، بحيث يمكن لمشتري المنازل وأقطاب العقارات التحوط لمشترياتهم؟ ربما، لكن السؤال المطروح بعد ذلك هو ما إذا كان سيتم جذب عدد كافٍ من المتداولين المحترفين إلى هذه الأسواق للحفاظ على سيولة هذه الأسواق. فما تسمى الخيارات الثنائية، خصوصاً عندما يكون الرهان على سعر أحد الأصول المالية، غالباً ما يظل سعره غير عادل أو يتم التلاعب به وينظر إليه المنظمون بشكل سيئ.
ولكي تنطلق سوق التنبؤات، من المحتمل أن تفي ببعض المعايير: أن تكون عامة بما يكفي لجذب اهتمام واسع النطاق، ومهمة بما يكفي لتجذب المتعاملين، وغير عادية بما يكفي لعدم قابليتها للتكرار من خلال التداول في الأصول الحالية. ويجب أيضاً أن تكون النتائج محددة جيداً بما يكفي بحيث لا تكون تسوية العقد محل نزاع.
يبقى أن نرى عدد الأصول الجديدة التي يمكن أن تفي بكل هذه المعايير. أما شركة «كالشي»، فيبدو أنها لن تعرض عقوداً سواء في الانتخابات السياسية أو الرياضية. كما يمكنك أن تجد على موقعها الإلكتروني معلومات عن أسواق التنبؤ بمخاطر الطقس وتغير المناخ المستقبلية.
على الرغم من جميع العقبات التي تواجه أسواق التنبؤ، هناك سبب للتفاؤل بشأن قابليتها للبقاء على المدى الطويل. هناك كثير من الأصول والعقود المالية اليوم أكثر مما كانت عليه قبل بضعة عقود، ومن المتوقع أن تزداد هذه الأسواق. فالإنترنت يقلل من تكاليف التداول والمراقبة، وهذا من شأنه أن يسهّل إنشاء أسواق التنبؤ.
إذا كانت هناك أسواق يمكنها التنبؤ بما إذا كانت أسواق التنبؤ ستنجح، فدعْني أتساءل: ما الاحتمالات… هل هي أعلى مما كانت عليه قبل عقد من الزمان؟ بالتأكيد هي كذلك، لكن هل هي مرتفعة بما يكفي لتقييم استثمار؟
تيلر كوين