ماذا عن اسواق هذا الاسبوع؟ هل سينعش تهدئة العوائد قطاع التكنولوجيا؟

مؤشر ناسداك 100 الأساسي صعودي.
دفع الانتعاش التكنولوجي مؤشري S&P 500 و Dow Jones إلى مستويات قياسية الأسبوع الماضي.
البيانات المتفائلة ، والتقدم في اللقاح والتحفيز الجديد قد تدعم التوقعات الأساسية.
يتم تداول مؤشر ناسداك 100 بمعدل 38.14 السعر إلى الأرباح (P / E) ، أعلى بكثير من متوسط ​​5 سنوات..
انتعش مؤشر ناسداك 100 بقوة في نهاية الأسبوع الماضي حيث استعاد تهدئة عوائد سندات الخزانة ثقة السوق جنبًا إلى جنب مع تمرير فاتورة الإنفاق الفيدرالي البالغة 1.9 تريليون دولار أمريكي.
أدت بيانات مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي الأمريكي الأقل من المتوقع ومزادات سندات الخزانة السلسة إلى استقرار العوائد طويلة الأجل ، وتخفيف الضغط على الأصول الخطرة ، وخاصة قطاع التكنولوجيا.
لم يتغير عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات كثيرًا عما كان عليه قبل أسبوع ، بعد ارتفاعه بأكثر من 70٪ من أدنى مستوى له في يناير عند 0.905٪ إلى أعلى مستوى له مؤخرًا عند 1.622٪.
تجعل العائدات الأعلى على المدى الطويل الأسهم أقل جاذبية مقارنة بالسندات الحكومية ، حيث يبدو أن الأخيرة تقدم عوائد أفضل بالنظر إلى أساس معدل المخاطرة.
تقدم أسهم التكنولوجيا عوائد توزيعات أرباح أقل نسبيًا مقارنة بأسهم القيمة الدفاعية ، مما يجعلها أكثر عرضة لعمليات البيع عندما ترتفع العوائد.
منذ منتصف شباط (فبراير) ، أدت آمال الانكماش المدعومة بالتحفيز إلى اندفاع اللحاق بالركب في أسهم القيمة حيث ابتعد المستثمرون عن قطاع التكنولوجيا الملتهب.
لم تحقق مخزونات القيمة أداءً كبيرًا في قطاع النمو منذ بداية جائحة Covid-19  ، حيث أعادت عمليات الإغلاق وإجراءات التباعد الاجتماعي تشكيل سلوك المستهلكين لصالح الخدمات الرقمية.
ارتفع مؤشر النمو العالمي MSCI بأكثر من 66٪ خلال الاثني عشر شهرًا الماضية ، في حين ارتفع مؤشر MSCI World بنسبة 48٪. يمكن أن يستمر هذا الاتجاه إذا استفادت الصناعات التقليدية – الطاقة والصناعية والمالية وتقدير المستهلك والمواد – أكثر من إعادة الانفتاح الاقتصادي الوشيك. قد يثبت التراجع الأخير في قطاع التكنولوجيا أنه تصحيح صحي آخر وسط اتجاه صعودي متوسط ​​المدى ، حيث من المرجح أن تدعم التوقعات الأساسية المحسنة والتحفيز الجديد أرباح الشركات في الفصول القادمة.
أحدث جداول الرواتب غير الزراعية ، ومبيعات التجزئة الأمريكية ، وثقة المستهلك ، وطلبات السلع المعمرة ، وأرقام مطالبات البطالة ، كلها تجاوزت توقعات السوق ، وهي إشارة إلى أن الاقتصاد ينتعش بوتيرة أسرع من المتوقع.
ساعد إطلاق اللقاح على خفض الإصابات اليومية بـ Covid-19 في الأسابيع القليلة الماضية ، حيث انخفض متوسط ​​التعداد على مدار 7 أيام إلى 63 ألفًا في 10 مارس من ذروة يناير البالغة 259 ألفًا.
الولايات المتحدة لديها أكثر من 95 مليون شخص ، أو أكثر من ربع السكان ، تم تطعيمهم خلال الشهرين الماضيين. قد يمهد طرح اللقاح السريع الطريق لإعادة فتحه بشكل أسرع ودعم الانتعاش القوي في إنفاق المستهلكين.

اجتماع اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة الأسبوع المقبل والمؤتمر الصحفي التالي لرئيس مجلس الفيدرالي جيروم باول سوف تتم مراقبتها عن كثب من قبل المستثمرين ، الذين يبحثون عن أدلة حول خطة بنك الاحتياطي الفيدرالي للتناقص التدريجي ووجهة نظر البنك المركزي بشأن ارتفاع العوائد طويلة الأجل.
في السابق ، كرر باول موقفه المتشائم لكنه فشل في معالجة مخاوف التضخم المتزايدة ، مما أدى إلى زيادة العوائد وتراجع سوق الأسهم. إذا قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي تدعيم برنامج شراء السندات من خلال تنفيذ نوع من التحكم في منحنى العائد (YCC) ، فقد تجد أسواق الأسهم المزيد من الاحتمالات الصعودية.
والدولار؟
ثمة مخاوف من تراجعات في حال تحقق السيناريو السابق ذكره..!

اليورو مقابل الفرنك السويسري في وضعية ارتفاع متتابع؟

اليورو مدفوع بالانتعاش الاقتصادي وبقرارات البنك المركزي الأوروبي:
توقف زوج اليورو مقابل الفرنك السويسري عن التقدم لعدة جلسات بعد ارتفاعه الأخير. استقر الزوج بعد تعليقات من البنك المركزي الأوروبي ، الذي خطط لتكثيف وتيرة برنامج إعادة شراء السندات.
لم يلمس البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الرئيسي ولم يرفع برنامج إعادة شراء الأصول ، والذي يجب أن يظل يغطي 1.850 مليار يورو بحلول مارس 2022.
نما الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعا في يناير وتم تعديل رقم ديسمبر بشكل حاد إلى الأعلى.
ارتفع الإنتاج الصناعي في يناير بنسبة 0.8٪ على أساس شهري وتقدم بنسبة 0.1٪ على أساس سنوي ، حيث توقعت الإجماع زيادة بنسبة 0.2٪ على أساس شهري وانخفاض بنسبة 2.4٪ على مدار عام واحد.
يرى المستثمرون الضوء في نهاية النفق وبالتالي يمكنهم التطلع إلى الأرباع القادمة التي من شأنها أن تؤدي إلى انتعاش اقتصادي قوي. وبالتالي ، لا يزال الفرنك السويسري ، المشهور بمكانته كملاذ آمن ، مهمَلاً من قبل اللاعبين في السوق.
اليورو / الفرنك السويسري: يستقر الزوج فوق 1.1050 .
يتحرك زوج اليورو / الفرنك السويسري في زخم صعودي قوي. كان الأسبوع الماضي هادئًا إلى حد ما ، لذا يبدو أن الزوج يلتقط أنفاسه ليبدأ من جديد. استقرت الأسعار بشكل مريح فوق المقاومة عند 1.1050 ولا تظهر قوة حركة الشراء أي علامات على التراجع. في حين أن الاختراق تحت 1.1050 سيمهد الطريق للتراجع نحو 1.0970 .
نعتقد أن اليورو يجب أن يواصل صعوده في الأسابيع المقبلة. وللتذكير ، أدى الخروج من مثلث التماسك في نهاية فبراير إلى تدفق اتجاه صعودي قوي. نتيجة لذلك ، يشير التحليل البياني إلى اتجاه صعودي إضافي نحو 1.1185 ثم 1.1240.

عن عودة التضخم وفخ الوسط

من أكثر الموضوعات عرضة للجدل الحاد، في خضم تبعات أزمة كورونا الاقتصادية الراهنة ومحاولات احتوائها، هي احتمالات عودة التضخم للارتفاع بعد سنوات من انخفاضه.
فمع انكماش الاقتصاد العالمي وركوده عند معدل سلبي للنمو مقداره 3.5 في المائة وتراجع معدلات التضخم في بلدان العالم أجمع إلا قليلاً وانخفاض أسعار الفائدة بالتبعية، شجع هذا الحكومات خاصةً في الدول المتقدمة على زيادة الإنفاق العام. وكان آخر هذه الزيادات الضخمة ما كان من موافقة الكونغرس الأميركي على حزمة بمقدار 1.9 تريليون دولار إضافية تضخ في اقتصاده المنكوب بفعل الجائحة. وقد جاءت هذه الحزمة بعد عام شهدت فيه الموازنة الفيدرالية عجزاً بمقدار 3.1 تريليون دولار تسبب فيه الإنفاق لمواجهة الجائحة.
وقد اتفق اقتصاديون من وزن بول كروجمان الحائز جائزة نوبل و«لاري سمرز» وزير الخزانة الأميركية الأسبق على ضرورة هذا الإنفاق، وإن وصفه كروجمان بالإنقاذي وصنفه سمرز كتحفيزي. والفرق بين الأمرين كبير فإذا كان الإنفاق للإنقاذ والإغاثة فلا ينبغي النظر إليه بالاعتبارات الاقتصادية المنصبة على فجوة الناتج والمطلوب تجسيرها، وهذا رأي كروجمان الذي يقلل من احتمالات الآثار التضخمية للإنفاق رغم زيادة حجمه. أما سمرز فيرى أن الحزمة الضخمة التي قدمتها إدارة الرئيس جو بايدن أكبر من المطلوب لسد فجوة الطلب، وأن من شأنها زيادة ضغوط التضخم ورفع توقعاته بما قد يدفع البنك الفيدرالي الأميركي إلى زيادة أسعار الفائدة في وقت مبكر بما يدفع الاقتصاد إلى الركود وهو عكس الغرض من السياسة برمتها.
وهناك بنود من الإنفاق لا خلاف عليها بين الفريقين كالعون في إتاحة اللقاح للكافة وتأمين عودة المدارس للعمل، وكذلك مساعدة المتعطلين والإدارات الحكومية على مستوى الولايات والسلطات المحلية. ولكن وجه الخلاف هو تلك الشيكات المدفوعة لملايين بلا مقابل من عمل أو تعويض لضرر. وفي تقدير سمرز أن هناك ما يقترب من نصف مبلغ الحزمة الأخيرة، حوالي تريليون دولار، من الإنفاق العام غير المبرر الذي سيذهب سدى أو في عمليات للمقامرة على فقاعات الأسهم مثلما حدث في مغامرات أسهم شركة «جيم ستوب» المفلسة.
وفي تقديرات لنماذج اقتصادية، كتلك التي تستند إليها «جيتا جوبيناث» رئيس قسم البحوث بصندوق النقد الدولي، في مقال نشر مؤخراً، بأن الاقتصاد الأميركي شهد تأرجحاً لمعدلات البطالة بين 10 في المائة في عام 2009 بعد الأزمة المالية العالمية و3.5 في المائة في 2019 قبل أزمة كورونا، من دون أن يتأثر التضخم الذي ظل مستقراً عند معدلات منخفضة لم تضطر البنك الفيدرالي لرفع فائدته. ووفقاً لهذه النماذج فلا خوف من التضخم خاصةً إذا ما ساندتها عوامل هيكلية وسلاسل الإمداد بسلع رخيصة عبر العولمة. فمع استمرار انخفاض متوسطات الدخول في 150 دولة في هذا العام لأقل مما كانت عليه في عام 2019، فإن هذا سيؤكد استمرار انخفاض التضخم مدفوعاً بحركة التجارة الدولية.
يدعم من هذا التوجه المقلل من شأن احتمالات زيادة التضخم، ما هو مشاهد من ارتفاع إسهام المكون التكنولوجي في الإنتاج بما يمنع تحول ارتفاع الأجور لزيادة في أسعار السلع النهائية.
ولكن الأمر في مسألة التضخم لا تحكمه فقط عوامل تكلفة المعروض وطلب المستهلكين، فالتوقعات أيضاً لها أثر حيوي خاصةً في ظروف ارتفاع المخاطر وقلة الثقة وحالات اللايقين في ظل أزمة غير مسبوقة. فيدفع «أكسل فيبر» الرئيس السابق للبنك الفيدرالي الألماني بأن التوقعات السلبية حيال التضخم وتأثيرها على احتمال رفع أسعار الفوائد لديون الأجل القصير لا تأتي من فراغ. إذ تغذيها زيادة عجز الحكومات المركزية لما يتجاوز 11 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي وهو ما يتجاوز ثلاثة أمثال متوسطات العجز في العشر سنوات الماضية، وقد مول هذا العجز ارتفاع في موازنات البنوك المركزية وقوائمها المالية بمقدار 13 في المائة خلال العام الماضي. وما حفظ الاستقرار هو قبول جموع المدخرين والمستثمرين في الأوراق المالية الحكومية بعائد سلبي أو يقترب من الصفر، فإذا ما راجع هؤلاء المدخرون والمستثمرون قراراتهم فسيضعف هذا من قيمة العملات بما يرفع معدلات التضخم.
كما أن هناك عاملين آخرين يضيفهما «فيبر»، الأول أنه في حالة تخفيف قيود السفر والانتقال سترتفع أسعار الخدمات بسبب ضعف المعروض من إمكانيات خدمية في المطاعم والخطوط الجوية والفنادق التي قد لا تصل لطاقاتها التشغيلية الملائمة بالسرعة المتوقعة، في أوروبا على سبيل المثال. والعامل الثاني، وهو أكثر انتشاراً في الدول النامية، ينعكس في عدم قياس التضخم بدقة لأن سلة السلع والخدمات المستخدمة في القياس لا تمثل واقع أسعار السلع الأكثر ارتفاعاً وحساسية للتغيرات المتوالية في الطلب وعناصر التكلفة.
ما سقته من آراء متقابلة وحجج متباينة لفرق من الاقتصاديين المختلفين حول احتمالات عودة التضخم عالمياً، تغذيه في النهاية التوقعات التي تحرك التدفقات المالية داخل حدود البلاد وخارجها. أما عن فخ الوسط فأقصد به الدول متوسطة الدخل التي تشكل ثلث اقتصاد العالم وتضم 75 في المائة من سكانه ويعيش فيها 62 في المائة من فقراء العالم. وهذه الدول لا تتمتع بمزايا الدول المتقدمة في الاقتراض الرخيص بالعملات المحلية بلا مخاطر في سعر صرف العملات الدولية المقترض بها. كما أن دول فخ الوسط لا تستفيد من مزايا الاقتراض الرخيص الميسر من المؤسسات التنموية الدولية، كذلك الذي تستفيد منه الدول الأفقر والأقل دخلاً، بافتراض فضفاض بأن لديها قدرات لتدبير احتياجاتها التمويلية من خلال استثمارات القطاع الخاص المحلي والأسواق المالية الدولية.
فعلى الدول الواقعة في فخ الوسط التحوط المبكر من أثر تغيرات مباغتة في أسعار الفائدة العالمية تستهدف الأوراق المالية قصيرة الأجل لاحتواء توقعات التضخم وما قد يصحب ذلك من تغيرات في أسعار الصرف وارتفاعات في التكلفة الفعلية للقروض الدولية، خاصةً إذا ما تغيرت تصنيفاتها الائتمانية.
ومن الملاحظ أن هناك توجهاً في مجموعة الدول السبع وكذلك مجموعة العشرين بأن أوجه التيسير والعون الدولي في مواجهة جائحة كورونا لا تلتفت إلى الدول متوسطة الدخل بحال. فمبادرة مجموعة العشرين لتجميد مدفوعات خدمة الديون في إطار العون المؤقت لمواجهة كورونا، والتي ستنتهي في شهر يونيو (حزيران) القادم، وكذلك مبادرة النهج المشترك للتعامل مع مشكلات الديون كلها مبادرات موجهة للدول الفقيرة لا تستفيد منها الدول متوسطة الدخل على الإطلاق. وهذا وإن زادت أعداد البشر الذين يعانون من الفقر في هذه البلدان الواقعة في فخ الوسط عن كل فقراء الدول الأقل دخلاً. فسبل التيسير لحياة الفقراء مطلوبة بما يتجاوز اعتبارات التصنيف العقيمة للدول وفقاً لشرائح دخول تختزل واقع التنمية ومدى استقرار المجتمعات واقتصاداتها في متوسطات مضللة.

د. محمود محي الدين.

وماذا إذا كرّر الدولار تجربة حزيران 2020؟

كلما ارتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، تنطلق التحليلات المعمّقة لاستكشاف الاسباب، وتواكبها أصوات مسؤولين يطالبون أو يعِدون بإجراءات جذرية لوقف انهيار العملة الوطنية. لكن الدولار يعاند ما يُسمّى اجراءات، ويُكذّب التحليلات المُموّهة.

ما يصيبنا في موضوع استمرار انهيار سعر صرف الليرة في السوق السوداء، وهي السوق الحرة الوحيدة حالياً، شبيه بما أصابنا في موضوع الافلاس وضياع الاموال في المصارف. صرفنا طوال 20 عاما عبر الاقتراض دورياً من المصارف، ومصرف لبنان لسد العجز في الموازنة. هدرنا حوالى 35 مليار دولار على دعم الكهرباء. دفعنا تعويضات ورواتب تقاعدية أذهلت المؤسسات الدولية وبينها البنك الدولي، وأدهشت شركة «ماكنزي» عندما اطّلعت على الأرقام لإعداد برنامج اقتصادي للبلد. رفعنا الرواتب بنسبة 100%، وبسعر ليرة مدعومة بالدولار من اموال المودعين (سلسلة الرتب والرواتب) في زمن كنّا قد اقترضنا فيه بصورة طارئة بفوائد خيالية (الهندسات المالية). وبعد كل ذلك، رحنا نسأل، وبجدّية، أين ذهبت الاموال؟ نريد أن نعرف.

الأمر نفسه يحصل معنا اليوم، والمقصود بـ«نحن» هنا، المنظومة السياسية برمتها. أعلنت تعليق دفع مستحقات اليوروبوندز في 7 آذار 2020 (نحتفل اليوم بذكرى مرور سنة وشهر)، من دون خطة جاهزة للانقاذ. هُدرت أموال مصرف لبنان، حتى نضبت ولم يبق سوى الاحتياطي الالزامي. تُرك الاقتصاد لمصيره، أقفلت المؤسسات وهي مستمرة في الاقفال تباعاً، ارتفعت نسب البطالة والفقر الى مستويات مرعبة، انكمش حجم الاقتصاد (GDP) الى مستويات غير مسبوقة تقريبا في أي دولة في العالم. واصلت الدولة الانفاق من جهة، والدعم العشوائي من جهة أخرى. وفي موازاة الانفاق من الاحتياطي بالعملات، كان يتمّ الانفاق بالليرة بواسطة الطباعة. وارتفعت الكتلة النقدية بالليرة منذ 2019 حتى 2020، من 9818 مليار ليرة، الى 29244 مليار ليرة، أي بزيادة نسبتها 300%، وهي بالمناسبة النسبة نفسها التي سجّلها ارتفاع الدولار على الليرة خلال العام 2020.

في المقابل، تعثّر تأليف الحكومة، وبدا الأفق السياسي مسدوداً بالكامل… وبعد كل ذلك، وكلما ارتفع الدولار الى سقف جديد، يصابون بالذهول، ويسألون: ماذا يجري؟ ويسارعون الى اتخاذ اجراءات أصبحت وصفة دائمة ومُكرّرة ومُملة: اقبضوا على الصرافين، أقفلوا منصات التسعير، أطلبوا من مصرف لبنان اتخاذ الاجراءات اللازمة لوقف تدهور الليرة. وفي الموازاة، يجتهد الفقهاء والسياسيون أصحاب المصلحة في التحليل المؤامراتي لشرح اسباب ارتفاع الدولار. هذا يعتبر انّ الحريري يضغط على عون، وذاك يرى العكس ويشيّع أنّ فريق عون يضغط على الحريري لإخراجه، وآخر يشم رائحة مؤامرة يحوكها «حزب الله» لإسقاط البلد، والبعض يوجّه أصابع الاتهام الى الولايات المتحدة التي تريد برأيه تركيع «حزب الله» وايران من خلال دولار لبنان، وتطول التحليلات الى حدود اللامنطق واللامعقول…

السؤال الوحيد الذي يمكن طرحه في الوضع الحالي: كيف يمكن أن نُفاجأ عندما يرتفع سعر صرف الدولار، في حين ان الامر الوحيد الذي يُفترض أن يُشكّل مفاجأة هو أن يبقى سعر صرف الدولار مستقراً لمدة طويلة نسبياً، عندها فقط ينبغي ان نُفاجأ وأن نحلّل وندرس ونبحث عن الأسباب.

ما هو مؤكّد انّ الليرة ستواصل مسارها الانحداري، ولو انها مرةً تنهار بسرعة، وأحيانا ببطء، واحيانا قد تعود وترتفع. هذا الامر بديهي، والخط البياني للانهيار لا يمكن ان يكون إلا متدرجاً (up & down).

وفي مراجعة شهرية للمسار الذي سلكه سعر صرف الدولار في 2020، يُلاحظ ان الخط البياني لارتفاع الدولار لا يرتبط عضويا بالتطورات السياسية والاقليمية ذات الصلة بلبنان. ومن خلال مراقبة سعر الدولار شهرياً في 2020، يتبيّن التالي:

كانون الثاني: افتتح الدولار على 2100 ليرة، وفي نهاية الشهر وصل الى 2150، أي بزيادة حوالى 2%. مع ان كانون الثاني شهد تطورات مُقلقة للبنان، أهمها اغتيال قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني، في المقابل، كانت حكومة حسان دياب قد ولدت وتستعد لنيل الثقة.

شباط: وصل الدولار في نهايته الى 2450 ليرة، اي بارتفاع نسبته حوالى 14%. في هذا الشهر حصلت الحكومة على الثقة.

آذار: ارتفع الدولار الى 2750 ليرة، بزيادة نسبتها 12%. في 7 آذار، أعلنت الحكومة تعليق دفع اليوروبوندز.

نيسان: ارتفع الدولار الى 3800 ليرة، بزيادة نسبتها حوالى 38%. في هذا الشهر اقترحت لازار اقتطاع نسبة 61% من الودائع فوق الـ100 الف دولار، وحماية بقية الودائع. وقدّرت الخسائر (الفجوة) بـ 62 مليار دولار بالاضافة الى حذف رساميل المصارف (20 مليار دولار).

ايار: ارتفع الدولار الى 4100 ليرة، بزيادة 8%. وكانت الحكومة قد أعلنت خطتها وبدأ النقاش فيها.

حزيران: ارتفع الدولار الى 9200، بزيادة نسبتها 125%. هذا الارتفاع غير المسبوق لم تقابله تطورات سلبية تبرّره. جرى في هذا الشهر، حوار وطني في بعبدا، واستمر التفاوض مع صندوق النقد.

تموز: تراجع الدولار الى 7650 ليرة، بانخفاض نسبته 22%. ومن المفارقات انّ شهر تموز شهد تطورات سلبية من ضمنها تجميد المفاوضات مع صندوق النقد.

آب: ارتفع الدولار الى 7650 بزيادة نسبتها 1,3%. في الرابع من هذا الشهر حصل انفجار مرفأ بيروت، واستقالت حكومة دياب.

ايلول: ارتفع الدولار الى 8350 ليرة. بزيادة نسبتها 8%. جرى تكليف مصطفى اديب تشكيل الحكومة، وفُرضت عقوبات اميركية على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس.

تشرين 1: تراجع الدولار الى 6800، بانخفاض 22%. في اواخر هذا الشهر، جرى تكليف الحريري تشكيل الحكومة. كما بدأت مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.

تشرين 2: ارتفع الدولار الى 8000 ليرة. بزيادة نسبتها 18%. سُجل اقرار قانون رفع السرية المصرفية لإنجاز التدقيق الجنائي. وفُرضت عقوبات أميركية على جبران باسيل وفق قانون ماغنتسكي.

كانون 1: ارتفع الدولار الى 8400 ليرة، بزيادة 5%. فُتح البلد في الاعياد، واستقبل أعداداً من اللبنانيين العائدين لتمضية العطلة.

في المحصلة، يُلاحظ ان معدل نسبة ارتفاع الدولار شهريا بلغت حوالى 25%. ويتبيّن ان الدولار ارتفع في شباط 2021 من 8800 الى 9600 بزيادة 10%، وهي نسبة لا تصل الى معدل ارتفاعاته الشهرية في 2020.

وبالتالي، اذا ارتفع في آذار بنسبة 25%، أي وفق معدل ارتفاعه الشهري في العام الماضي، فإنه سيصل في نهاية الشهر الى 12 الف ليرة. أين المفاجأة في ذلك؟ واذا لم يفعلها في آذار فقد يحققها في نيسان، ولا أحد يعرف متى يكرّر الدولار تجربة حزيران، ويرتفع 125% في شهر واحد.

كل المطلوب من المنظومة وقف مسرحيات الاندهاش والاستغراب والدهشة، والتفرّغ الى معالجات حقيقية تتجاوز سقف اعتقال صراف أو إغلاق منصّة.

انطوان فرح.

استراتيجيات الشركات النفطية خلال مرحلة تحول الطاقة

واجهت الشركات البترولية في الدول الصناعية الانتقاد الأوسع من المنظمات البيئية وتلك المعنية بتغير المناخ، لدورها في انبعاثات الكربون. حاولت الشركات الرد في بادئ الأمر، لكن بعد محاولات أولية، قررت أن الرد الأمثل هو ولوج صناعات الطاقات المستدامة وتحقيق الأرباح الممكنة من خلالها. جرى تبني الرد هذا من قبل بعض الشركات النفطية العملاقة من خلال استراتيجيات طويلة المدى مبنية على أمور مبدئية وأخرى ضرورية للبقاء والربح في عصر طاقوي جديد. تنوعت واختلفت استراتيجيات الشركات، وهذا أمر طبيعي ومتوقع.
من جهتها، نشرت شركة «شل» العملاقة استراتيجيتها طويلة الأمد التي تأخذ في الحسبان مرحلة العبور إلى عصر طاقوي جديد يختلف عن العصر الذي قامت عليه هذه الشركة إبان تأسيسها قبل نحو قرن من الزمن.
جرى بناء استراتيجية «شل» الجديدة على أسس ثلاثة متكاملة؛ أولاً: الإنتاج البترولي. ثانياً: النمو. ثالثاً: التحول. وهكذا؛ يتوقع أن يوفر الأساس الأول للاستراتيجية؛ «الإنتاج البترولي»، الأرباح والسيولة المالية للشركة، مما سيؤهلها للاستثمار في الصناعات المستقبلية والاستمرار في توزيع الأرباح العالية للمساهمين. أما الأساس الثاني المعلن للاستراتيجية؛ «النمو» أو «التطور»، فيعتمد على ولوج بدائل الطاقة المستدامة – النظيفة وطرق تسويقها. والأساس الثالث؛ «التحول»، فيشمل ولوج صناعة الغاز المسال، وتكامل صناعتي الغاز والكهرباء وصناعتي الغاز والبتروكيماويات، بالإضافة لاحقاً للطاقات المستدامة.
من اللافت للنظر في هذه الاستراتيجية التي تتخلى عن النفط تدريجياً في الوقت نفسه الذي تعتمد فيه على أرباحه العالية، تذكر «شل» أنه بينما الأرباح المتوقعة من «الإنتاج البترولي» تتراوح بين نحو 20 و25 في المائة سنوياً، تنخفض هذه الأرباح إلى نحو 14 و18 في المائة سنوياً أثناء الدمج الغازي الكهربائي أو الغازي الكيميائي. أما الربح المستقبلي المتوقع عند «التحول» إلى الطاقات المستدامة فهو الأقل؛ نحو 10 في المائة سنوياً. مما يدل على أهمية «المبدأ»؛ أي الهروب من تهمة الانبعاثات الكربونية. و«الضرورة» بمعنى الانتقال إلى قطاع آخر من قطاعات الطاقة، وذلك رغم الفرق الكبير في الأرباح المتوقعة.
يذكر أن استراتيجية «شل» هذه يجري اتباعها عموماً من قبل الشركات البترولية الأوروبية العملاقة الأخرى أيضاً، وإن لم تكن بحذافيرها، كما هو معروف عن «بريتش بتروليوم» و«توتال». لكن الأمر يختلف كلياً لدى الشركات الأميركية البترولية العملاقة.
السؤال: ماذا سيكون عليه رد فعل الشركات الأميركية على سياسة الرئيس الجديد جو بايدن الداعية إلى طاقة نظيفة لتحقيق الولايات المتحدة «الحياد الكربوني» بحلول عام 2050؟ فقد أعلنت وزيرة الطاقة الجديدة جنيفر غرانهولم أن هدفها دعم الأبحاث العلمية في المختبرات الوطنية لتحقيق التغير المناخي ودعم السيارة الكهربائية. لكن نظراً إلى تأخر الشركات البترولية الأميركية في ولوج خريطة طريق الشركات الأوروبية، ونظراً أيضا لمعاداة الحزب الجمهوري ومجموعات اليمين المتطرف بقيادة دونالد ترمب، اللذين يعدّان «اتفاقية باريس للمناخ» مضرة بالاقتصاد الأميركي، فمن ثم يُتوقع بروز معارضة قوية لسياسة الرئيس بايدن البيئية، على الأقل على صعيد مجلس الشيوخ والمؤسسات التشريعية للولايات الجمهورية، مما سيعني أن عملية التحول في الولايات المتحدة قد تأخذ وقتاً أطول من أوروبا إلى حين نمو رأي عام أميركي أوسع وأشمل لصالح الطاقات النظيفة.

وليد خدوري

خدمة الدين العام.. وكرة ثلجه!

من المعروف أنّ الدين العام اللبناني ارتفع منذ أوائل التسعينات تصاعدياً على شكل كرة ثلج، حتى بلغنا عدم استدامة المديونية العامة، وانتهى الأمر بإعلان العجز عن السداد.. ولكن ما هي أبرز العوامل التي عززت هذا المنحى، وتحديداً الى أي مدى كان لخدمة الدين دور أساسي في هذا الاتجاه؟ الإجابة عن هذا الموضوع تتطلّب قراءة مفصّلة وفق المراحل لمكوّنات الدين العام وهيكليته ووقع معدّلات الفوائد على نموّه، علماً أنّ هذه الفوائد جاءت بدورها نتيجة عوامل عدة، لا سيما منها عامل المخاطرة وغياب الإصلاح، فاتجهت الدولة الى الهروب نحو زيادة دولرة الدين لخفض خدمته.. ماذا في التفاصيل؟

 

في نهاية العام 1992 كان مجموع الدين العام الثابت المتوجب على الخزينة اللبنانية يعادل نحو 3 مليارات دولار أميركي منه 327.5 مليون دولار أميركي والمتبقي بالليرة اللبنانية. وباحتساب كلفة خدمة هذا الدين العام على أساس معدلات الفائدة السنوية المعتمدة لدى مصرف لبنان على مدى السنوات 1992 -2011 والمدفوعة من الخزينة اللبنانية، فإنّ تلك المبالغ المتوجبة في نهاية العام 1992 وبعد إضافة الفائدة المتجمعة على مدى كل سنة بين عامي 1992 و 2001 بلغت 30 ألف مليار ليرة لبنانية. كذلك سداد الدين بالدولار الأميركي بفعل تراكم الفوائد على رصيد الدين العام، ليصبح نحو ملياري دولار أميركي، ليتخطّى مجموع الدين المقوّم بالدولار حدود 22 مليار دولار.

 

كما ساهم تراكم العجز السنوي لمؤسسة كهرباء لبنان على مدى الفترة الممتدة من نهاية العام 1992 وحتى العام 2011، والذي اضطرت الخزينة اللبنانية إلى تغطيته وتسديده عن المؤسسة، بزيادة حجم الدين العام وخدمته. في حين كان حجم القطاع العام وعدم تحقيق الإصلاح المالي والاداري فيه يثقلان الخزينة، حتى تخطّت كلفته ثلث الموازنة، في حين لا تتجاوز حصته 10 الى 15% من الموازنة في مختلف بلدان العالم.

 

كما أنّ فترة ما بين عام 1992 و 2004، كانت فترة «إعادة إعمار لبنان ما بعد الحرب»، التي سعت فيها الدولة الى استقطاب أكبر قدر ممكن من التمويل، خصوصاً عبر الاستدانة، في غياب سبل التمويل الأخرى، نظراً لضعف الإيرادات العامة وضرورة ضبط خلق النقد، لاعتماد سياسة نقدية متشدّدة تحدّ من التضخم وتدهور سعر الصرف. وبعد فترة وجيزة بدأت الجهود لخفض تدريجي لسعر صرف الدولار إزاء الليرة اللبنانية، حتى اعتماد سياسة ربط الليرة بالدولار على أساس سعر الصرف 1507.5 بدءاً من العام 1997.

 

عملياً، كان من المتوقع أن يرتفع الدين خلال فترات النمو الاقتصادي الأقل من المتوسط. وعموماً، في بيئة منخفضة النمو، لا تزيد الإيرادات الحكومية كثيرًا، في حين أنّ النفقات العامة (خصوصاً في ما يتعلق بالإنفاق الاجتماعي و/ أو الإنفاق الرأسمالي) حيث تحتاج الحكومة إلى مزيد من التدخّل، وبالتالي تنفق المزيد لتحريك الاقتصاد. إلّا أنّ النمو يتوقف في اقتصاد مثقل بالديون في المقام الأول، لأنّ الرافعة المالية المرتفعة تهدّد قدرة الحكومة على تحديد أولويات الميزانية، ولكن أيضًا لأنّ الدين يميل إلى تقييد وظائف سياسة الدولة التي بدأت توجّه تباعاً تمويل الجهاز المصرفي نحو مزيد من تمويل القطاع العام، إن كان بالليرة اللبنانية أو بالدولار لأميركي.. وقد جعلت السياسة المالية للبنان وعبء الفوائد المدفوعة على ديونه غير مستدام. وأصبحت نسبة إجمالي الدين العام المستحق إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان من بين أعلى المعدلات في العالم في عام 2006، حين بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ذروتها عند 183%. وبحلول عام 2007-2012، تراجعت النسبة تدريجياً لتصل إلى 131% في عام 2012، لتعاود ارتفاعها مع تدهور مجمل المؤشرات الاقتصادية إبتداء من العام 2011..حتى عادت اليوم تتخطّى من جديد معدل الـ180%.

 

منذ عام 2013 عاد المسار للدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان في اتجاه تصاعدي، حيث وصل إلى 153% في عام 2018. كما تراكمت في بلدان أوروبية أخرى مستويات دين عام تجاوزت ناتجها القومي. ومع ذلك، فإنّ ما يجعل دين لبنان ببساطة غير مستدام، هو عبء الفائدة المرتفع، وسط بيئة من النمو الضعيف، كما هو موضح في الجدول أعلاه.

 

تكوين الديون

معظم الدين اللبناني محلي (أي أنّ معظم المكتتبين هم من المقيمين، إن كان بالليرة أو بالعملات الأجنبية)، علماً أنّ التقارير اللبنانية تسمّي «ديناً داخلياً» الدين بالليرة اللبنانية و»ديناً خارجياً» الدين بالعملات الأجنبية، وتحديداً الدولار الأميركي أي «يوروبوند»، حتى لو كانت في محفظة المقيمين. فيما علم الاقتصاد يسمّي «ديناً داخلياً» السندات الموجودة في محفظة عملاء مقيمين، و»ديناً خارجياً» فقط السندات الموجودة في محفظة عملاء غير مقيمين. أي في وضع لبنان، اليوروبوند الموجودة في محفظة عملاء غير مقيمين، لا تُحتسب ضمنها اليوروبوند الموجودة في محفظة العملاء المقيمين (مثل الجهاز المصرفي اللبناني).

 

في الواقع ، يحمل الجهاز المصرفي معظم الدين المحلي، إن كان سندات الخزينة بالليرة اللبنانية أو السندات بالدولار اليوروبوند، على المدى القصير والمتوسط، كما السندات طويلة الأجل. وقد تطوّر الدين وخدمته بين الليرة والدولار وفق الجدول المرفق.

 

الإقتراض الكبير

في بداية فترة إعادة الإعمار التي أعقبت الحرب، إعتمدت الحكومة اللبنانية على السوق المحلية للاقتراض، وتكلفة إعادة بناء القدرات البدنية والبشرية للبنان بعد الحرب الأهلية 1975-1990.

 

إرتفع الدين العام إلى 7 مليارات دولار بحلول عام 1994، وهو ما يمثل نموًا سنويًا بنسبة 67%. بين عامي 1993 و 2001، اعتمدت الحكومة اللبنانية في البداية على الاقتراض الكبير من السوق المحلية، وبالتالي جمعت مزيداً من الديون بالعملة المحلية، لتلبية متطلبات التمويل الإجمالية. وقد شكّل الدين العام بالليرة اللبنانية في تلك المرحلة 81.3% من إجمالي الدين بنحو متوسط، مع ارتفاع تكاليف الاقتراض نظراً لعامل المخاطرة.

 

منذ عام 2002 إلى عام 2008، اكتسبت الديون بالعملات الأجنبية زخمًا بارزاً، يعكس نجاح لبنان في الاستفادة من أسواق رأس المال الدولية، لا سيما مع مؤتمرات الدعم الدولية للبنان. وقد شكّلت الديون بالعملات الأجنبية، في المتوسط 49.1 % من إجمالي الدين من 2002 إلى 2008.

 

في عام 2009، شكّل الدين العام بالليرة اللبنانية 58.3% من إجمالي الدين والباقي بالعملات الأجنبية. ومن 2010 إلى 2018 استحوذ معدل الدين بالليرة اللبنانية على نحو 60.25% في شكل متوسط. فيما بدأ الإتجاه بدءاً من العام 2016 الى خفض خدمة الدين العام، من خلال استبدال تدريجي لجزء من الدين بالليرة الى دين بالدولار، بالاعتماد على الهندسات المالية لوزارة المال والمصرف المركزي والمصارف اللبنانية، وهي المموّل الرئيسي للدولة اللبنانية.

 

حالياً، تخطّى الدين العام حدود الـ 95.5 مليار دولار في نهاية العام 2020 (موزع بين 62.26% بالليرة اللبنانية و37.34% بالدولار الأميركي)، وتراجع تصنيف الدين السيادي لدى الوكالات الدولية (فيتش، موديز، ستاندر أند بورز) الى أدنى المستويات، وبات لا بدّ من تفنيد أبرز مكوّناته والعوامل المؤثرة بتزايده، لا سيما منها الكلفة المرتفعة للدين، والتي بات لبنان يستدين لإيفائها…

 

والمعلوم أنّ وكالة «موديز» أظهرت أنّ تصنيف لبنان بات الأدنى في تصنيفات الوكالة، وهو يعكس توقعات «موديز»، أنّ الخسائر التي سيتكبّدها حاملو السندات ستفوق 65% من إجمالي قيمة استثماراتهم في السندات التي أصدرتها الدولة. وقد بيّنت في آخر تقرير لها في نهاية العام 2020، أنّ من غير المرجح تغيير التصنيف الحالي للبنان، قبل إعادة الهيكلة، نظراً لحجم الاقتصاد، والتحدّيات المالية والاجتماعية، وتوقعاتنا لخسائر كبيرة جداً». وأوضح تقرير الوكالة، أنّه من دون اتخاذ خطوات لإصلاح الاقتصاد والأوضاع المالية، فإنّ دعم التمويل الخارجي الرسمي لمساندة هيكلة الديون لن يكون متاحاً بسهولة.

 

كرة الثلج

في ظلّ ظروف الأزمة المالية والدين العام غير المستدام، شهد لبنان زيادة في الفائدة على الدين العام في شكل تأثير «كرة الثلج»، ساهمت في غياب الإصلاح المالي الفعلي، الى جوانب عوامل إقتصادية أخرى، لا سيما منها تدهور المؤشرات الماكرو-اقتصادية منذ العام 2011 في شكل أساسي، الى انفجار أزمة الدين العام وتفشيها، الى الجهاز المصرفي المموّل الرئيس للدولة، كما ساهم أيضاً في فقدان الثقة بقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها لسداد ديونها. كما نشهد «ضريبة تضخمية»، حيث يوفّر التضخم إيرادات ضمنية للدولة، عن طريق خفض الدين العام القائم بالعملة الوطنية.

 

على الرغم من أنّ دراسة استدامة الدين العام ترتكز عموماً على مؤشّر الدين العام/الناتج المحلي، وهو يتخطّى في لبنان عتبة 176% في نهاية عام 2019، فيما وفق المعايير الدولية، تتطلّب استدامة الدين أن لا يتخطّى هذا المعدل 60% إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي. إلّا أنّ تسليط الضوء، خصوصًا على الدين بالعملة الأجنبية، فيعود لأنّ لبنان قادر نظريًا في أقسى الحالات، على اللجوء الى المصرف المركزي لطباعة العملة الوطنية وتسديد الدين بالليرة اللبنانية، حتى لو أدّى ذلك الى مزيد من التضخّم. إلّا أنّ الأزمة الكبرى تبقى في الدين بالعملة الأجنبية، التي تحتاج الى توافر العملة الأجنبية وتأمين استمرارية إستقطابها، في حين أنّ لبنان يشهد تدهورًا في ميزان المدفوعات (ما عدا كمية الدولارات التي اجتذبتها المصارف للمشاركة في الهندسات المالية خصوصًا عام 2016، لشراء اليوروبوند وشهادات إيداع المصرف المركزي بالعملة الأجنبية).

 

فوائد سندات خزينة باهظة مطلع التسعينات

المعروف، أنّ معدل سندات الخزينة لمدة سنة، الذي استقرّ من آذار 2012 حتى كانون الأول 2019 على معدل 5.35%، وهو معدل الفائدة الذي ترتبط به معدلات الفائدة للقروض السكنية، إن كان القروض المدعومة من مصرف لبنان مباشرة أو تلك الممنوحة من خلال مؤسسة الإسكان، بعد انخفاضات متتالية عن مستويات مرتفعة بلغت ذروتها نحو 38% في شهر أيلول من العام 1995…ولكن اضطرت الدولة الى رفعه الى 6.5% مطلع عام 2019، بعد صعوبة ايجاد مكتتبين في سندات الخزينة، مع ارتفاع درجات المخاطرة عليه وطول مفاوضات مع الجهاز المصرفي في شأنها… الى أن صدر قرار بخفضها الى 4.5 % أخيراً في نيسان 2020 لخفض خدمة الدين العام…

 

ولطالما كانت معدلات الفائدة المعتدلة تبقى مرتبطة بعوامل عدة وليس بمجرد قرار مركزي! ومن أبرز هذه العوامل المؤثرة بمستوى الفوائد:

 

أولاً، «مخاطر البلد»، وهو عنصر مهم وأساسي، يمنع تراجع معدّلات الفوائد بنحو ملحوظ، على الرغم من أنّ المصرف المركزي استمر في دعم القروض بفوائد مخفضة، وخصوصاً للاستثمار العقاري وللقطاعات الإنتاجية المختلفة.. ولكن في موازاة ذلك، تدرس الوكالات الدولية لتصنيف المخاطر، وضع كل بلد وفق مؤشراته الاقتصادية وغير الاقتصادية المؤثرة على اقتصاده (وطبعاً من أبرزها إستقراره السياسي)، مما ينعكس بنحو حاسم على تحديد معدلات الفائدة. أضف إلى ذلك، إنّ رفع المصرف المركزي الأميركي معدلات الفائدة لعام 2017، زاد الضغط على معدلات متوسطة الأجل.

 

وقد أصبح معدّل الفوائد على سندات الخزينة «معدل فائدة رئيسياً»، أي المؤثر في مجمل هيكلية الفوائد الدائنة والمدينة في لبنان. وبالتالي، كلما ارتفع عامل المخاطرة تضطر الخزينة الى زيادة الفائدة كتعويض عن عامل المخاطرة، لإقناع المستثمرين بالاكتتاب في سنداته. وهنا يلاحظ وجود عاملي مخاطرة: عامل مخاطرة البلاد، الذي يجعل من الضروري رفع الفائدة على سنداتها بأي عملة كانت، وعامل مخاطرة العملة الذي يجعل الفائدة على سندات الليرة اللبنانية أعلى من الفائدة على السندات بالعملات الأجنبية اليوروبوند. وهذا ما دفع الدولة الى زيادة دولرة الدين، أي حصة اليوروبوند من مجمل الدين، على الرغم مما تحمله زيادة الدين بالدولار من خطر عدم القدرة على السداد، في حين أنّ الدين بالليرة يمكن في أقسى الحالات سداده عبر اللجوء الى طبع النقد وتحمّل التضخّم الناتج منه. كذلك، ترتفع الفوائد الإسمية مع ارتفاع التضخم، لكي يبقى معدل الفوائد الفعلية إيجابياً، لتستمر عملية الإقراض، أي حتى لا يخسر المقرض القدرة الشرائية للأموال لحظة السداد.. فضلاً عن سعي الدولة في السنوات الأخيرة الى رفع الفوائد لاجتذاب الرساميل، ثم العمل على توظيف جزء كبير منها في تمويل الدولة المديونة والمضطرة الى الاستجانة لتسديد ديونها السابقة، في ظلّ تراكم العجز المالي على شكل كرة ثلج، لا بل المرور في فترات عجز مالي أولي، أي العجز المالي بين الإيرادات والنفقات، من دون حتى احتساب خدمة الدين.

 

يبقى أنّ ثمن «إطفاء» الدين العام بالعملة الوطنية، عبر طباعة النقد من جهة والإعلان عن التخلّف عن سداد ديون العملات الأجنبية من جهة أخرى، ينعكس تراكماً في الخسائر في النظام المصرفي كممّول رئيسي للدولة… وبعد نفاد كل وسائل إدارة الأزمة وتأجيل انفجارها، لم يعد من سبيل للخروج من المأزق سوى بمعالجة جذرية وإصلاح مالي شامل.

د. سهام رزق الله.

الاتحاد الأوروبي يتجه لإطلاق معركة قضائية ضد بريطانيا

تعتزم المفوضية الأوروبية إطلاق إجراءين ضد بريطانيا، التي ترى بروكسل أنها انتهكت اتفاقية بريكست عبر تأخير تدابير جمركية حساسة في إيرلندا الشمالية، بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر.

وحصلت المفوضية الأسبوع الجاري على دعم للخطوة من قبل الدول الأعضاء التي أُبلغت أنه من الممكن أن يتم إطلاق إجراءات “الأسبوع المقبل على أقرب تقدير”.

وتشعر بروكسل بالغضب حيال إعلان لندن عن تأجيل من طرف واحد مدّته ستة شهور حتى 1 تشرين الأول/أكتوبر، عمليات التفتيش على البضائع الواصلة إلى إيرلندا الشمالية من البر البريطاني الرئيسي.

وبينما ندد الاتحاد الأوروبي بما اعتبره “خرقًا” لاتفاق بريكست، تعهّد بالرد سريعا على الخطوة التي اتّخذت بريطانيا قرارا بشأنها بعد شهرين فقط على مغادرة المملكة المتحدة السوق الأوروبية المشتركة رسميا.

وبحسب مصادر أوروبية، ستتمثل الخطوة الأولى بإرسال المفوضية “رسالة لفت نظر رسمية” إلى لندن لانتهاكها بنود اتفاق 2019 للانفصال التي تتناول مسألة إيرلندا.

ويذكر أن البنود مصممة للمحافظة على السلم في جزيرة إيرلندا عبر تجنّب قيام حدود مجددا بين إيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا، البلد العضو في الاتحاد الأوروبي.

وتعد الرسالة الخطوة الأولى في إطار “إجراء متعلق بتجاوزات” قد ينتهي به الأمر، بعد عملية طويلة، أمام محكمة العدل الأوروبية التي قد تفرض بدورها غرامات.

كما يتوقع أن تبدأ المفوضية تفعيل آلية تسوية النزاعات المشمولة في ذات الاتفاق، على أساس أن المملكة المتحدة لم تحترم التزاماتها في تطبيق المعاهدة، وفق المصادر ذاتها.

وتأتي المعركة القضائية قبل مصادقة البرلمان الأوروبي رسميا على الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة الذي تم التوصل إليه في كانون الأول/ديسمبر بعد مفاوضات شاقة.