هل وصلت الليرة اللبنانية الى القعر بوصول سعر صرف الدولار في السوق السوداء امس الى 10 آلاف ليرة؟ وهل يمكن القول انّها بتحطيم رقم قياسي جديد خرجت الأمور عن السيطرة، وباتت السقوف غير قائمة، وكل الاحتمالات واردة؟ ام لا يزال هناك أمل بالعودة الى سقوف محدودة؟
حطّمت امس الليرة اللبنانية الرقم القياسي الذي سبق وبلغته في 3 تموز الماضي، بوصول سعر الدولار في السوق الموازية الى 9900 ليرة، وسجّلت امس سعر المبيع 10 آلاف ليرة وسعر شراء الدولار 9950 ليرة. لا شك انّ كسر حاجز الـ10 آلاف قد يعبّد الطريق امام مزيد من الانهيار لليرة، قد تصحّ معها كل التوقعات التي سبق وتحدثت عن 17 الفاً للدولار وعن 22 الفاً، وصولاً الى توقعات «بنك أوف أميركا» بتسجيله 50 ألف ليرة للدولار الواحد. فهل سيتكيّف اللبناني مجدداً مع مستوى فقر جديد، أصبح فيه الحدّ الأدنى للأجور 68 دولاراً، ومتوسط قيمة الراتب 120 دولاراً، ام انّه حان الوقت للتحرّك والانتفاضة على الواقع المرير الذي نعيشه، خصوصاً وانّ الإنخفاض في قيمة العملة المحلية سينعكس المزيد من الارتفاع في أسعار السلع والمواد الغذائية؟
في السياق، يرى المستشار المالي ميشال قزح، انّ وصول سعر الدولار مقابل الليرة الى 10 آلاف ليرة له انعكاس نفسي قد يدفع البعض ممن يملك الدولار الى بيعه، بخلفية انّ هذا سقفه او حدوده، لكن في الواقع ليس هذا هو السقف النهائي لسعر صرف الدولار. واعتبر انّ الضوابط التي يفرضها مصرف لبنان والمصارف على المودعين من خلال تحديد سقف السحوبات او ما يُعرف بالكابيتال كونترول، ساهما في تهدئة السوق، بدليل أنّه ما أن يُرفع الكابيتال كونترول عن الحسابات المصرفية بالليرة، او حتى عن تسعيرة 3900 ليرة، سيتهافت المودعون لسحب ودائعهم وشراء الدولار من الصرافين، وعندها يحصل ما سبق وتكهّن به «بنك اوف اميركا» بأن يصل سعر الصرف الى 50 الف ليرة.
لماذا تتدهور الليرة؟
رداً على سؤال لـ«الجمهورية»، عزا قزح ارتفاع سعر الدولار الى أسباب عدة ابرزها لجوء بعض المصارف الى سحب الدولارات من السوق من اجل تكوين سيولة بنسبة 3% لدى المصارف المراسلة، بدليل انّ بعض المصارف عرضت إعطاء شيكات مصرفية بالليرة اللبنانية مع حسم بنسبة 10 الى 12% من ثمنه، اذا تأمّن لها المبلغ بالليرة نقداً، وهي تهدف بذلك الى استخدام النقدي لشراء الدولار من الصرافين. كذلك لجأ بعض المصارف ومنذ العام 2020 الى بيع شيكات مصرفية بالدولار مع حسومات، كي تتمكن من تحصين نفسها احترازياً، قبل الوصول الى هذه المرحلة، في حين لجأت بعض المصارف منذ حوالى الاسبوعين الى اعتماد هذه الخطوة لأنّها كانت تراهن على تمديد مفعول التعميم 154.
وقدّر قزح الكتلة النقدية التي سُحبت من السوق في الشهرين الماضيين، واستُعملت لغرض تطبيق التعميم 154 بحوالى المليار دولار. وقال: «هذه الأموال لم تعد موجودة اليوم في صلب الاقتصاد اللبناني، لأنّها أُعطيت فعلياً الى المصارف المراسلة الموجودة خارج لبنان، والاسوأ انّ هذه الشيكات المصرفية بالدولار التي بيعت سيُعاد سحبها من المصارف وفق سعر 3900 ليرة، وستُترجم بالمزيد من الطلب على الدولار عند الصرافين، ما سيؤدي مجدداً الى ارتفاع سعره في الفترة المقبلة. وبالإستناد الى حجم التحويلات المالية التي تدخل الى لبنان والمقدّرة بحوالى 500 مليون دولار شهرياً، ربما نحن بحاجة الى حوالى الشهرين لتستعيد السوق توازنها وتغطي النقص في الدولارات الذي سبّبته المصارف بتنفيذها التعميم 154».
ورأى قزح، انّ ارتفاع الدولار اليوم ليس بريئاً، فهناك علامات استفهام عدة تُطرح على الحاكم، منها كيف يتراجع الاحتياطي 10 مليارات دولار بينما كلفة الدعم لم تتخطّ الـ 5 مليارات دولار؟ اين ذهب فارق الأموال؟ هل الحاكم يتدخّل في السوق السوداء من خلال الصرافين، يمدّهم بالدولار لتهدئة السوق وكلما أحجم عن ذلك يتدهور سعر الصرف، إم انّ هذه المليارات استُعملت لتهريب أموال السياسيين الى الخارج؟
تسعيرة ثابتة؟
يؤكّد قزح، انّه بعدما أصبح الفارق بين دولار السوق ودولار المصرف كبيراً، بات المصرف المركزي ملزماً بتغيير سعر المنصّة أي 3900 ليرة اذا كان يريد تفادي ثورة شعبية يقودها المودعون. اما عدم تغيير السعر فقد يكون الهدف منه قيام ضغط شعبي من اجل الإسراع في تشكيل الحكومة. وقال: «لا بدّ من ترقّب الخطوة التي سيُقدم عليها مصرف لبنان في هذا الخصوص في المرحلة المقبلة، لكن اذا اقدم المركزي على رفع هذا السعر سيصبح لدينا كتلة نقدية بالليرة أكبر من الموجودة حالياً، وبالتالي يصعب سحبها من السوق وستُترجم غلاء في الأسعار ومزيداً من التدهور في سعر الصرف، وهكذا دواليك.
من جهة أخرى، أكّد قزح انّ الحل الوحيد لوقف الانهيار يبدأ من تشكيل حكومة اختصاصيين والسير بخريطة طريق تبدأ بالتفاوض مع صندوق النقد. فنحن وصلنا اليوم الى مرحلة اللاعودة، والكل مجبر على التضحية كي نصل في مرحلة مقبلة الى سعر ليرة مقابل الدولار ما بين 6000 الى 7000 ليرة. أما إيجاد حل لودائع الناس في المصارف فلن يتوفر من دون ان يتحمّل أصحاب المصارف وكبار المودعين الخسائر.
مسيرة التدهور
بعد مرور عام ونصف العام على بدء التدهور في سعر الليرة لم تقم الطبقة السياسية بأي خطوة للحدّ من الانهيار، بل اكتفت بالتفرّج عليه، عرقلت الخطة الاقتصادية والكابيتال كونترول واستعادت الأموال المنهوبة. في هذا الوقع ارتسم مشهد انهيار الليرة من بعد انفجار مرفأ بيروت على النحو الآتي:
مع وصول سعر الليرة خلال شهر تموز 2020 الى حوالى 9900 ليرة، عاد السعر وتراجع بعد الانفجار الى حوالى 7000 ليرة ثم 6500 ليرة، وذلك مع وصول بعض المساعدات المالية الى لبنان.
لكن الليرة استأنفت تدهورها اعتباراً من شهر كانون الأول 2020 مسجّلة 8000 ليرة ثم حوالى 8600 ليرة في شهر كانون الثاني وبلغ 9000 ليرة خلال شهر شباط، وارتفع اعتباراً من منتصف شهر شباط الى 9500 بعدما زاد الطلب على الدولار.
ايفا ابي حيدر.