عاجزون في وجه استعادة النمو

أي متعمق في دراسة الاقتصاد اللبناني يؤكد ان معدل النمو سلبي، ومعدل التضخم مخيف، وتباين اسعار صرف الليرة عند استعمالها مثلاً لشراء الالبسة ودفع اقساط المدارس، أو في المطاعم والملاهي يعني افلاس اصحاب الودائع بالعملات الاجنبية، والذين يحصلون على اسعار محددة لا تساوي 20% من اسعار صرف الدولار في السوق السوداء مقبلون على الافلاس الجماعي.

الحاجز الاول في وجه النمو يتمثل في اصرار رئاسة الجمهورية على تخصيص الرئيس بصلاحيات ليست له في عملية تسمية الوزراء، وهو بتجاوزه للمنع الدستوري يطلق يد رئيس “التيار الوطني الحر” بالمطالبة بحقوق المسيحيين.

 

الرئاسة تتجاوز شروط دستور الطائف، وبالتالي ربما تتعرض لمناكفة برلمانية قانونية حول استمرار الرئيس في منصبه، والرئاسة تتغاضى عن ان دور “التيار الوطني الحر” نيابيًا وشعبيًا قد تقلص. فكتلة نواب “القوات اللبنانية” اصبحت اكثر عددًا من كتلة التيار والاصوات التي حظي بها النواب المستقيلون من التيار هي دون عدد مناصري “القوات” كما أنها دون عدد الذين صوتوا لنواب اصبحوا مستقيلين او مستقلين من وعن التيار.

تجميد تشكيل الحكومة على ابواب رئاسة الجمهورية يحجب ايضًا امكان انجاز اتفاقات مع صندوق النقد الدولي، وصندوق النقد الاوروبي، والبنك الدولي – الذي اوقف قرضًا لإنجاز السدود حيث لم يشهد خبراء البنك اي تطوير على هذا الصعيد – وتجميد تشكيل الحكومة يحجب اهتمام الدول العربية ومؤسسات الاقراض التي تتوافر في الكويت، وقطر والسعودية والامارات العربية.

كل ما سنحصل عليه، في حال استمرار الجمود السائد، في الاشهر التي ستنقضي حتى نهاية عام 2022 هو الآتي في احسن الاحوال:

374 مليون دولار بمساعي الرئيس الفرنسي.

850 مليون دولار من صندوق النقد الدولي من دون مفاوضات طويلة لان هذه الاموال تتوافر من صندوق ساهم لبنان في تأسيسه، اي ما يسمى حقوق السحب الخاصة التي تتوافر للدول الاعضاء لتجاوز مشاكل موقتة.

300 مليون دولار يعاد توفيرها بعد تجميدها من قِبل البنك الدولي اعتراضًا على تأخير تنفيذ السدود او اهمال الاعمال التحضيرية لذلك.

تبلغ هذه الاموال 1.5 مليار دولار ربما يضاف اليها تحويلات لمصلحة الجيش اللبناني من قِبل الاميركيين والبريطانيين والفرنسيين والايطاليين تبلغ 250 مليون دولار.

يضاف الى المساعدات الدولية تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، وبالتأكيد تجاوز عددهم عدد اللبنانيين العاملين حاليًا في لبنان، ورغم تدني مستوى مستورداتنا تبقى المشكلة الرئيسية القدرة على تأمين حاجات الطاقة سواء من لبنان او الخارج، وكل من الاردن ومصر باستطاعتهما امدادنا بحاجات ملحّة لانتاج الكهرباء، وفقدان انتاج الكهرباء يؤخر لبنان عن عصر التكنولوجيا، ويقفل الباب امام رغبة اي مؤسسة اجنبية في العمل من لبنان.

نكتفي هنا بالقول والتأكيد ان تبخر ما يسمى احتياط مصرف لبنان كان بسبب انحسار تحويلات الاستثمارات على البلد وتحويلات اصحاب الاموال للايداع، ووزارتا الطاقة والاتصالات اجهضتا اي امكانية للمحافظة على الاحتياط او زيادته.

وهنا نأتي الى الحاجز الثاني الذي يواجهه 1.5 مليون لبناني ولبنانية من اصحاب الودائع لدى البنوك والتي غالبيتها بالدولار (نسبة 75%)، والتي انحسرت خلال سنتين من 142 مليار دولار الى ما دون المئة مليار.

المصارف لا تؤمّن للمودعين اموالهم بالعملة او العملات التي اودعوها لديها، وصاحب حساب بالدولار يُسمح له بسحب ما يعادل 2000 دولار شهريا، يحوز 3.9 ملايين ل.ل. لكل الف دولار، وهذا المبلغ بالكاد يوازي نسبة 20% من اسعار السوق السوداء.

والمصارف حينما تؤمن جزءًا بسيطاً للمودع من حساباته تفرض عليه رسوم سحب، علمًا بان المال لصاحبه ولم يعد يجني اي فوائد منه.

والمصارف في حال اصدارها شيكات مصرفية تُستعمل من قِبل اصحابها لتسديد اشتراكات الضمان الاجتماعي او ايجارات المنازل، تفرض على طالبي هذه الشيكات رسما يساوي 20 دولارًا، سواء وازى المبلغ المطلوب 100 دولار او 1000 دولار، وهذه ممارسة تناقض جميع اسس التعامل المصرفي.

عدد المصارف التجارية والاستثمارية يتجاوز الـ 80 مؤسسة، وكان للمصارف اللبنانية نشاط في الخارج اسهم في توافر نسبة 30-35% من الودائع ونسبة 40% من الارباح.

اليوم عدد البنوك اللبنانية في الخارج الى تناقص والبنوك الكبيرة تسوّق فروعها الملحوظة مثل بنك عوده، وبنك لبنان والمهجر، وسياسات جمعية المصارف وبخاصة منها توجهات رئيسها تناقض استمرار الثقة بالبنوك، وللتوضيح فان صاحب حساب ادخاري يوازي 100 الف دولار لا يستطيع بمقتضى الممارسات الحالية سحب كامل وديعته إلا على مدى اربع سنوات، واية مبالغ اكثر تستوجب سنوات ربما يكون البنك خلالها قد تقوّض.

مشكلة البنوك لن تُحل إلا بخطوات للدمج والحجز على املاك واموال رؤساء مجالس ادارة البنوك الكبيرة المعرضة للافلاس.

ربما من المفيد قبل انهاء موضوع البنوك الاشارة الى تطورات مهمة على هذا الصعيد عالميًا، ومن هذه اخترنا بعض الملامح.

البنك الاقدم عالميًا والمؤسس في القرن الرابع عشر في ايطاليا تعرّض لخسارات تستوجب انقاذه ثانية، والمرة الاولى التي انقذ بها كانت عام 2008/2009 عند اندلاع الازمة المالية العالمية.

في المقابل بنك سويسرا المركزي اصبح احتياطه يفوق التريليون دولار، الامر الذي يرفع سعر العملة السويسرية ويؤخر الاستثمارات في البلد. وعام 2008 بعد اندلاع الازمة المالية العالمية كان بنك كريدي سويس مفلسًا وكذلك بنك Union De Banques Suisses وقد جرى انقاذ المصرفين من قِبل الدولة والبنك المركزي السويسري.

في الآونة الأخيرة تعرّض كريدي سويس في دائرة خدمة الزبائن من الشرق الاوسط، لعملية احتيال بلغت خسارتها 5.5 مليارات دولار. ورئيس دائرة ادارة الاموال الشرق الاوسطية في البنك شاب لبناني اسمه برونو ضاهر، وهو مع فريقه المكوَّن من 20 ناشطًا استقطب للبنك حافظة اموال تبلغ 82 مليار دولار، اي تقريبًا 80% من الودائع في لبنان.

اضافة الى الخسارة الكبيرة التي دفعت برونو ضاهر الى التغيب في فرصة غير محددة، يواجه البنك خسارة 2.2 ملياري دولار مع شركة بريطانية تعمل في مجال ادارة الاموال على نطاق عالمي.

على رغم الخسارتين يستمر البنك في عمله والبنك السويسري في دعمه، والايداعات تتدفق مع ان الودائع غير المخصصة للاتجار بالسندات والاسهم يستحق عليها رسوم للبنك بدل استحقاق اية فوائد، وقد تكون لنا دروس من سويسرا.

مروان اسكندر