د. عبد الله الردادي – ماذا لو انهارت «بتكوين»؟

بعد أزمة 2008 المالية، قامت الولايات المتحدة، وعدد من الدول الأخرى، بإلزام البنوك باختبارات سنوية، تكشف من خلالها قدرة هذه المؤسسات المالية على تجاوز سيناريوهات مثل انهيار أسعار العقار وغيرها، وذلك لتفادي الدخول في أزمة مالية أخرى تؤثر على الاستقرار المالي والاقتصادي. واليوم، يُطرح السيناريو نفسه على النظام النقدي الجديد، وهو العملات الرقمية: ماذا لو انهارت العملات الرقمية، وفي مقدمتها «بتكوين» سيدة العملات الرقمية وقائدتها؟ هل سيتأثر الاقتصاد العالمي والنظام والمؤسسات المالية؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، يجب التأكيد على أن هذا السيناريو ممكن الحدوث، فإذا كان النظام المالي التقليدي معرض لهذا السيناريو، وهو الذي بني على تجارب طويلة، فماذا عن العملات الرقمية التي تعد ناشئة نسبياً. كما يجب كذلك معرفة الوضع الراهن للعملات الرقمية اليوم؛ هذا الوضع الذي يتغير بتسارع غير معقول. ففي حين تزايدت العملات الرقمية لتصل إلى 6 آلاف عملة رقمية في العام الماضي، بقيمة سوقية وصلت إلى 330 مليار دولار، تضاعف عددها في السنة الأخيرة وحدها ليصل إلى أكثر من 11 ألف عملة رقمية، بقيمة سوقية تعدت الـ1.6 تريليون دولار، وهو رقم يوازي الناتج القومي لدولة كبرى!
وقد تغير شكل العملات الرقمية عما بدأت به قبل أكثر من 10 سنوات، فعدد المحافظ الرقمية اليوم تعدى المائة مليون محفظة، ولم تعد السوق للمستثمرين المغامرين فحسب، بل دخلت المؤسسات الاستثمارية وصناديق التحوط والشركات الكبرى إلى هذه السوق، وأصبحت تلك المؤسسات تشكل أكثر من نصف التداولات في العملات الرقمية، بعد أن كانت لا تشكل أكثر من 10 قبل 4 سنوات! هذا الأمر تسبب في تكامل بين العملات الرقمية والنظام الاقتصادي والمالي القائم بعدد من الأشكال: أولها أن نسبة لا يستهان بها من تمويل محافظ العملات الرقمية يأتي من ديون تحصل عليها المستثمرون من المصارف التقليدية، وثانيها أن كثيراً من العملات الرقمية هي انعكاس مباشر للعملات التقليدية، مثل الدولار واليورو، التي تستخدم بصفتها وسيطاً للشراء بين العملات التقليدية والرقمية. وهاتين النقطتين هما مربط الفرس في التأثير المحتمل لانهيار العملات الرقمية على النظام المالي التقليدي، فلو انهارت العملات الرقمية ستحدث أزمة دين ضخمة لدى كثير من المؤسسات المالية بسبب عدم قدرة المستثمرين على السداد، ولذلك فإن كثيراً من المؤسسات تقوم بشراء العملات الرقمية بمالها الخاص، دون اللجوء إلى الاستدانة. كما ستتأثر العملات الوسيطة بشكل مباشر، في حال محاولات الهروب من عالم العملات الرقمية إلى التقليدية، وقد سبق لوكالة «فيتش» الائتمانية التحذير من الدور التي تلعبه العملات الوسيطة، ومن آثارها المحتملة في حال انهيار العملات الرقمية.
أما سلوك المستثمرين في العملات الرقمية، فسيختلف بحسب توجهاتهم. وبحسب الاقتصادي المصري محمد العريان، فإن المستثمرين في العملات الرقمية أصبحوا في 3 أصناف: أولهم من سماهم «الأصوليين»، وهم أولئك الذين يرون أن المستقبل للعملات الرقمية، وأنها سوف تقوم مقام العملات التقليدية عاجلاً أم آجلاً؛ وثانيهم المستثمرون التكتيكيون، وهم الذين دخلوا سوق العملات الرقمية لتوقعهم نمو هذه العملات في المستقبل؛ وثالث هذه الأصناف هم الجمهور، وهم مستثمرون يميلون إلى المخاطرة في الاستثمار، ويبحثون عن مضاعفة رؤوس أموالهم باستثمارات مغامرة أسرع من تلك التقليدية.
وفي حال انهيار العملات الرقمية، وكما هو حال انهيار أي سوق للعملات، فإن حالة من الهلع قد تعم السوق، وتؤدي إلى محاولات النجاة برؤوس الأموال في أسرع وقت ممكن، وهو السلوك الذي لا يزيد الطين إلا بلة في غالب الأحيان. ولكن هذا السلوك قد لا يشمل جميع أصناف المستثمرين، فقد لا يحاول «الأصوليون» الهروب من السوق لقناعتهم بجدوى العملات الرقمية في المستقبل، بغض النظر عن أسعارها في أي وقت، بينما قد يراقب المستثمرون السوق دون استعجال للخروج، حتى لو حاول بعضهم ذلك، أما الجمهور فهم أول من سيقفز من السفينة، ذلك أن كثيراً منهم دخل السوق بحثاً عن ربح سريع، وعند بوادر الانهيار يكونون أول من يسعى للنجاة برأس مالهم، والبحث عن فرص أخرى.
وقد تتأثر الشركات والمؤسسات بشكل كبير، خاصة تلك التي دخلت سوق العملات الرقمية خلال العام الماضي (أي خلال ارتفاع أسعارها)، وتشير التوقعات إلى أن الخسائر السوقية -المباشرة وغير المباشرة- التي قد تتعرض لها الشركات الكبرى قد تصل إلى نحو تريليوني دولار، ويشمل ذلك الخسائر في القيمة السوقية لشركات كبرى مثل «أمازون» و«باي بال» و«فيزا»، وغيرها من الشركات الكبرى.
إن غياب الفرص الاستثمارية في فترة الجائحة تسبب في دخول كثير من المستثمرين إلى عالم العملات الرقمية متشجعين بانخفاض سعر الفائدة، وقد يكون الخروج من سوق العملات الرقمية أكثر سرعة من الدخول إليه، خاصة في حال عمت حالة الهلع التي عادة ما تتصاحب مع هبوط الأسواق، إلا أن الفارق في حالة العملات الرقمية أنه لا توجد جهة أو حكومة يمكنها أن تطمئن المستثمرين باستقرار النظام الاقتصادي أو السوق المالية. وحينها، يمكن معرفة ما إذا كان استقلال العملات الرقمية عن سيطرة الحكومات من مصلحة العملات الرقمية أو لا.

د. عبدالله الردادي

حلول… لما تبقّى من الوطن

 

قد تكون الأمور على ما هي عليه الآن في غاية اللا معقول، وقد يكون توصيفها أقله بجهنم. وللذين لا يزالون لا يعترفون بأهمية الجلوس مع صندوق النقد الدولي والخصخصة، قد يكون حان الوقت لتغيير تفكيرهم، علماً أنّهم لا يزالون يراهنون على آخر نفس في هذا الوطن.

لا يبالي أسياد الطبقة السياسية بما يجري للناس. يتقاسمون ما بقي وينهشون في هذا البلد فساداً وعبثاً، مما جعلنا نعيش الظلمة مرتين: ظلمة إنهيار قطاع الكهرباء، بعد سنين من وعود باتت بالية، وظلمة لقمة العيش التي باتت غير متوفرة لأكثرية الشعب اللبناني. وإننا لا نبالغ حين نقول إنّ أكثر من 50% من الشعب بات يعيش تحت خط الفقر، والمعادلة واضحة وبسيطة، لا سيما وأنّ معدل متوسط الأجور هو ما يوازي 50 دولاراً أميركياً مع أسعار مدولرة، وجامعات أصبحت تعتمد دولار المصارف في تعاطيها مع طلابها.

هذه المراجعة البسيطة كافية لمن عنده ذرة ضمير وعقل، لأخذ الأشياء على محمل الجدّ والجلوس مع صندوف النقد الدولي، علماً أنذ شروطه لن تساير أحداً، وقد تكون موجعة في أكثر نواحيها، لا سيما وأنّ القطاع المصرفي قد أفلس وانهارت آخر مداميكه، بعدما تآمر عليه السياسيون وبعض أصحاب المصارف، وأخذوا رهينة جنى عمر شعب صدّق ما قالوه بأنّ الفوائد يجب أن تكون عالية، بينما الفوائد في جميع أنحاء العالم لامست الصفر، وكانت تحت الصفر في بعضها. وصدّقوا ما قاله حاكم المركزي بأنّ الليرة بألف خير حتى اعتقد بعضهم أنّها كذلك. وما التعاميم التي تصدر من المركزي سوى إستدراكات جاءت كخبطٍ عشوائي، وأطاحت الفكر الإقتصادي والمالي والمصرفي على حدّ سواء، وبتنا نرى أمرين، إما أنّ المركزي على حق، وهنا نكون قد أطحنا كل الآراء والدراسات الإقتصادية، أو أننا نلعب السحر في إقتصاد فقد آخر ركن فيه، بالتكافل والتضامن بين أركان الدولة والمركزي والمصارف.

أما الحكومة الموعودين بها، فهي ليست مصدر ثفة، وهي إمتداد سنوات من المحاصصة والطائفية ونهش ما تبقّى في هذا الوطن. وليس غريبا أن يكون الوضع اللبناني وأزمته من أكثر الأوضاع خللاً في القرن الماضي والحاضر. هذا الوضع يذكّرنا إلى حدٍ كبير بألمانيا في السنوات العشرين الأولى من القرن الماضي، حيث باتت العملة فيها لا تساوي شيئاً، واضطر المسؤولون فيها إلى تغيير هذه العملة. والأمر ليس بعيداً بالنسبة للبنان، مع دولار من دون سقف، ومافيا سياسيين تتحكّم به، وتضخّم لامس حداً لا يوصف.

لذلك، وهنا أتوجّه إلى هؤلاء الذين سوف يجلسون مع صندوق النقد الدولي، أن يكونوا على إستعداد لشروط قاسية، أهمها تحرير سعر الصرف، ورفع الدعم عن المحروقات والخصخصة (وهذا أمر قد لا يعجب بعض المستفيدين لاسيما في قطاع الكهرباء)، والذي، ولعلم الجميع يشكّل نصف الدين العام مع خدمات باتت تهدّد أمن المواطن في صحته وعيشه ومستشفياته، وبعد وعود طالما سمعناها، عمّا سوف يحصل من تحسن في الخدمات. لذلك، قد تكون الخصخصة أو تأجير القطاع لشركات خاصة أمراً ضرورياً ومفيداً، مما يعني خدمات أحسن وجباية أفضل وسرقات أقل مما نحن عليه الآن.

ودولرة الإقتصاد خطرة في بداية الطريق، لكنها قد تكون باب حل إذا ما قرّرنا إستبدال البنك المركزي، والذي أثبت فشله وعدم درايته بأمور المال والإقتصاد ولعبته الـ Ponzi scheme، أو التي أودت بأصحابها إلى السجون (في أميركا)، بمجلس نقد يكون منقذاً لوضعية باتت تهدّد الأمن القومي والإجتماعي، وتجعل البلد رهينة عدد لا يتجاوز أصابع اليد من السياسيين الذين، وبحجة المدافعة عن حقوق طوائفهم، أودوا بنا إلى خراب لا يوصف ولا يمكن تخيّله. ومجلس النقد الذي اعتمدته العديد من الدول للخروج من أزماتها في القرن الماضي، لا سيما وأنّه منذ العام 2019 ولغاية اليوم لبنان يمرّ بأزمات ثلاث:

أزمة نقدية.

أزمة ديون.

أزمة إقتصادية، حيث زادت نسب البطالة وتراجع الناتج وساعد في ذلك موجة الكورونا التي اجتاحت العالم أجمع.

هذه الأزمات مع أزمة شح الدولار في السوق المحلية، وعدم وجود سلطة سياسية لأخذ قرارات بنّاءة تساعد في الخروج من الأزمة، كلها تدل الى أنّ مجلس النقد قد يكون العامل الوحيد الذي سوف يساعد البلد في الخروج تدريجياً من أزمته. وحسب Steve Hank، الإقتصادي في جامعة Baltimore، انّ مجلس النقد سوف يساعد في ضبط التضخم الذي وصل إلى حدود غير مسبوقة 124 % حسب Hank.

وسيساعد مجلس النقد تدريجياً في ضبط مسار العملة والخروج مما نحن فيه، ويمنح ثقة في الإقتصاد، يضبط التضخم، مع فوائد متدنية. هذه النتائج الأولية المتوقعة من مجلس النقد، تساعد في الإنقاذ، ولئلا نكون قد أخذنا البلد الى جهنم كلياً، كما وعدونا.

بر. غريتا صعب