الأسواق تترقب مؤتمر Jackson Hole السنوي لمحافظي البنوك المركزية

تترقب الأسواق مؤتمر Jackson Hole السنوي لمحافظي البنوك المركزية والذي عقد العام الماضي عبر الإنترنت وسط تفشي فيروس كورونا.

ولكن يبدو أن من المقررعدم حضور صانعي السياسة النقدية الكبار المؤتمر السنوي.

حيث قال متحدث باسم البنك المركزي الأوروبي إن الرئيسة كريستين لاجارد، لن تحضر المؤتمر السنوي في حين ذكرت صحيفة Sunday Telegraph في وقت سابق أن محافظ بنك إنكلترا أندرو بيلي اعتذر أيضا عن الحضور.

وبحسب الرئيس الفدرالي لكانساس سيتي فإنه من المتوقع أن يعلن رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول عن سعيه للبدء بتخفيف الدعم النقدي خلال مؤتمر Jackson Hole.

وبحسب استطلاع رأي من وكالة رويترز فإن 60% من المشاركين يتوقعون أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي تخفيض مشترياته من الأصول في الربع الأول من العام المقبل.

ويذكر أن مؤتمر جاكسون هول هو حدث سنوي برعاية بنك الاحتياطي الفيدرالي في مدينة كانساس سيتي ويعقد في جاكسون هول منذ عام 1981.

تركز الندوة كل عام على قضية اقتصادية مهمة تواجه اقتصادات العالم.

عاجزون في وجه استعادة النمو

أي متعمق في دراسة الاقتصاد اللبناني يؤكد ان معدل النمو سلبي، ومعدل التضخم مخيف، وتباين اسعار صرف الليرة عند استعمالها مثلاً لشراء الالبسة ودفع اقساط المدارس، أو في المطاعم والملاهي يعني افلاس اصحاب الودائع بالعملات الاجنبية، والذين يحصلون على اسعار محددة لا تساوي 20% من اسعار صرف الدولار في السوق السوداء مقبلون على الافلاس الجماعي.

الحاجز الاول في وجه النمو يتمثل في اصرار رئاسة الجمهورية على تخصيص الرئيس بصلاحيات ليست له في عملية تسمية الوزراء، وهو بتجاوزه للمنع الدستوري يطلق يد رئيس “التيار الوطني الحر” بالمطالبة بحقوق المسيحيين.

 

الرئاسة تتجاوز شروط دستور الطائف، وبالتالي ربما تتعرض لمناكفة برلمانية قانونية حول استمرار الرئيس في منصبه، والرئاسة تتغاضى عن ان دور “التيار الوطني الحر” نيابيًا وشعبيًا قد تقلص. فكتلة نواب “القوات اللبنانية” اصبحت اكثر عددًا من كتلة التيار والاصوات التي حظي بها النواب المستقيلون من التيار هي دون عدد مناصري “القوات” كما أنها دون عدد الذين صوتوا لنواب اصبحوا مستقيلين او مستقلين من وعن التيار.

تجميد تشكيل الحكومة على ابواب رئاسة الجمهورية يحجب ايضًا امكان انجاز اتفاقات مع صندوق النقد الدولي، وصندوق النقد الاوروبي، والبنك الدولي – الذي اوقف قرضًا لإنجاز السدود حيث لم يشهد خبراء البنك اي تطوير على هذا الصعيد – وتجميد تشكيل الحكومة يحجب اهتمام الدول العربية ومؤسسات الاقراض التي تتوافر في الكويت، وقطر والسعودية والامارات العربية.

كل ما سنحصل عليه، في حال استمرار الجمود السائد، في الاشهر التي ستنقضي حتى نهاية عام 2022 هو الآتي في احسن الاحوال:

374 مليون دولار بمساعي الرئيس الفرنسي.

850 مليون دولار من صندوق النقد الدولي من دون مفاوضات طويلة لان هذه الاموال تتوافر من صندوق ساهم لبنان في تأسيسه، اي ما يسمى حقوق السحب الخاصة التي تتوافر للدول الاعضاء لتجاوز مشاكل موقتة.

300 مليون دولار يعاد توفيرها بعد تجميدها من قِبل البنك الدولي اعتراضًا على تأخير تنفيذ السدود او اهمال الاعمال التحضيرية لذلك.

تبلغ هذه الاموال 1.5 مليار دولار ربما يضاف اليها تحويلات لمصلحة الجيش اللبناني من قِبل الاميركيين والبريطانيين والفرنسيين والايطاليين تبلغ 250 مليون دولار.

يضاف الى المساعدات الدولية تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، وبالتأكيد تجاوز عددهم عدد اللبنانيين العاملين حاليًا في لبنان، ورغم تدني مستوى مستورداتنا تبقى المشكلة الرئيسية القدرة على تأمين حاجات الطاقة سواء من لبنان او الخارج، وكل من الاردن ومصر باستطاعتهما امدادنا بحاجات ملحّة لانتاج الكهرباء، وفقدان انتاج الكهرباء يؤخر لبنان عن عصر التكنولوجيا، ويقفل الباب امام رغبة اي مؤسسة اجنبية في العمل من لبنان.

نكتفي هنا بالقول والتأكيد ان تبخر ما يسمى احتياط مصرف لبنان كان بسبب انحسار تحويلات الاستثمارات على البلد وتحويلات اصحاب الاموال للايداع، ووزارتا الطاقة والاتصالات اجهضتا اي امكانية للمحافظة على الاحتياط او زيادته.

وهنا نأتي الى الحاجز الثاني الذي يواجهه 1.5 مليون لبناني ولبنانية من اصحاب الودائع لدى البنوك والتي غالبيتها بالدولار (نسبة 75%)، والتي انحسرت خلال سنتين من 142 مليار دولار الى ما دون المئة مليار.

المصارف لا تؤمّن للمودعين اموالهم بالعملة او العملات التي اودعوها لديها، وصاحب حساب بالدولار يُسمح له بسحب ما يعادل 2000 دولار شهريا، يحوز 3.9 ملايين ل.ل. لكل الف دولار، وهذا المبلغ بالكاد يوازي نسبة 20% من اسعار السوق السوداء.

والمصارف حينما تؤمن جزءًا بسيطاً للمودع من حساباته تفرض عليه رسوم سحب، علمًا بان المال لصاحبه ولم يعد يجني اي فوائد منه.

والمصارف في حال اصدارها شيكات مصرفية تُستعمل من قِبل اصحابها لتسديد اشتراكات الضمان الاجتماعي او ايجارات المنازل، تفرض على طالبي هذه الشيكات رسما يساوي 20 دولارًا، سواء وازى المبلغ المطلوب 100 دولار او 1000 دولار، وهذه ممارسة تناقض جميع اسس التعامل المصرفي.

عدد المصارف التجارية والاستثمارية يتجاوز الـ 80 مؤسسة، وكان للمصارف اللبنانية نشاط في الخارج اسهم في توافر نسبة 30-35% من الودائع ونسبة 40% من الارباح.

اليوم عدد البنوك اللبنانية في الخارج الى تناقص والبنوك الكبيرة تسوّق فروعها الملحوظة مثل بنك عوده، وبنك لبنان والمهجر، وسياسات جمعية المصارف وبخاصة منها توجهات رئيسها تناقض استمرار الثقة بالبنوك، وللتوضيح فان صاحب حساب ادخاري يوازي 100 الف دولار لا يستطيع بمقتضى الممارسات الحالية سحب كامل وديعته إلا على مدى اربع سنوات، واية مبالغ اكثر تستوجب سنوات ربما يكون البنك خلالها قد تقوّض.

مشكلة البنوك لن تُحل إلا بخطوات للدمج والحجز على املاك واموال رؤساء مجالس ادارة البنوك الكبيرة المعرضة للافلاس.

ربما من المفيد قبل انهاء موضوع البنوك الاشارة الى تطورات مهمة على هذا الصعيد عالميًا، ومن هذه اخترنا بعض الملامح.

البنك الاقدم عالميًا والمؤسس في القرن الرابع عشر في ايطاليا تعرّض لخسارات تستوجب انقاذه ثانية، والمرة الاولى التي انقذ بها كانت عام 2008/2009 عند اندلاع الازمة المالية العالمية.

في المقابل بنك سويسرا المركزي اصبح احتياطه يفوق التريليون دولار، الامر الذي يرفع سعر العملة السويسرية ويؤخر الاستثمارات في البلد. وعام 2008 بعد اندلاع الازمة المالية العالمية كان بنك كريدي سويس مفلسًا وكذلك بنك Union De Banques Suisses وقد جرى انقاذ المصرفين من قِبل الدولة والبنك المركزي السويسري.

في الآونة الأخيرة تعرّض كريدي سويس في دائرة خدمة الزبائن من الشرق الاوسط، لعملية احتيال بلغت خسارتها 5.5 مليارات دولار. ورئيس دائرة ادارة الاموال الشرق الاوسطية في البنك شاب لبناني اسمه برونو ضاهر، وهو مع فريقه المكوَّن من 20 ناشطًا استقطب للبنك حافظة اموال تبلغ 82 مليار دولار، اي تقريبًا 80% من الودائع في لبنان.

اضافة الى الخسارة الكبيرة التي دفعت برونو ضاهر الى التغيب في فرصة غير محددة، يواجه البنك خسارة 2.2 ملياري دولار مع شركة بريطانية تعمل في مجال ادارة الاموال على نطاق عالمي.

على رغم الخسارتين يستمر البنك في عمله والبنك السويسري في دعمه، والايداعات تتدفق مع ان الودائع غير المخصصة للاتجار بالسندات والاسهم يستحق عليها رسوم للبنك بدل استحقاق اية فوائد، وقد تكون لنا دروس من سويسرا.

مروان اسكندر

مستقبل النقود في العصر الرقمي

تفصلنا أعوام وأشهر قليلة عن بداية التداول الموسع لعملات رقمية تصدرها البنوك المركزية وتجد طريقها لمحافظ رقمية على تطبيقات هاتفية يحملها عموم الناس بلا حاجة إلى أوراق بنكنوت أو حسابات مصرفية.
وعلى اختلاف أشكال النقود وتطورها فعليها دائماً الوفاء بوظائف ثلاث مجتمعة، فهي يجب أن تكون وحدة للحساب ومخزناً للقيمة ووسيطاً للتبادل. وإذا فقدت النقود أياً من وظائفها الثلاث ضاعت الثقة بها وبحث الناس عن بديل عنها. وقد نقل مارك كارني محافظ بنك إنجلترا، في كتابه الأخير عن القيمة والقيم، عن الاقتصادي الأميركي هايمان منسكي مقولة مفادها «أي شخص يمكنه أن يخلق النقود، المشكلة ستكمن في قبولها»، وهذا القبول كما نعلم منوط بالثقة. والثقة في عالم المال تحتاج إلى سنوات طوال لبنائها، وثوانٍ لتحطيمها، وزمن طويل في محاولة استعادتها.
وقد أحدثت الأزمة المالية العالمية لعام 2008 اهتزازاً في الثقة بالبناء المالي ومؤسساته ولجأ الناس إلى بدائل لنظام مالي تبين ارتفاع مخاطره وعدم شموله للكافة وارتفاع تكاليف إدارته. فتكلفة المعاملات المالية بين البنوك ووحدات الوساطة المالية التي يتحملها الأفراد تتراوح بين 0.5 في المائة و2 في المائة لكل معاملة، وتصل إلى أضعاف هذه النسب في حالة تسوية معاملات عبر الحدود أو القيام بتحويل مصرفي. وما زال هدف تخفيض تكلفة تحويل الأموال عبر الحدود الأموال لنسبة 3 في المائة أمراً صعب المنال رغم التوصيات الدولية.
ومع مستجدات العصر الرقمي وتطور تكنولوجيا سلسلة الكتل «البلوك تشين» يبدو أننا أمام ثلاثة بدائل، أرجّح هيمنة ثالثها، في تطور النقود: طريق الأصول المالية المشفرة، وسبيل ما يعرف بالعملات المستقرة، ونهج العملات الرقمية للبنوك المركزية.
أولاً: الأصول المالية المشفرة، رغم ارتفاع أسعار هذه الأصول المالية مثل البيتكوين وأخواتها، فإنها شديدة التقلب عالية المخاطرة بما يحرمها من وظيفة حيوية للنقود كمخزن للقيمة، كما يعقد استخدامها كوحدة للحساب إلا بربطها بما يعادلها من عملات متداولة مثل الدولار، وهذا يجعل شيوع استخدامها كوسيط للتبادل محل شك. ولا يعد تبني البيتكوين في رأيي من قبل إحدى الدول – وهي السلفادور – إيذاناً بنجاح التجربة. فقد لجأت لها هذه الدولة التي تبنت الدولرة الكاملة منذ عشرين سنة بعدما أعيتها الحيل لتحقيق استقرار اقتصادي ولحفظ قيمة افتقدتها في عملتها ولتخفيض تكلفة باهظة تتكبدها عند تحويل أموال مهاجريها من الخارج. فاللجوء إلى بيتكوين في هذه الحالة ما هو إلا إشارة إلى العجز الدولي عن الوفاء باحتياجات دول في حالة السلفادور بما يستدعي المراجعة والإصلاح.
ولا أرى كذلك أن هذه الأصول المالية ستختفي بعدما أوجدت لنفسها تصنيفاً عالياً في المخاطرة متقلباً في العائد في محافظ المضاربة المالية. فهي لا تتمتع بقيمة ذاتية كامنة وليست مساندة بأي أصل له قيمة ذات عائد، ولكنها باتت أشياءَ للتجارة كما أوضح رئيس أكبر صناديق التحوط «مان غروب» في تصريح لصحيفة «الفاينانشيال تايمز». فهي توفر لصندوقه الذي يدير 127 مليار دولار من المحافظ في الأصول المالية، فرصاً للتداول والمضاربة والتجارة انتفاعاً بالمدى الواسع لتغيراتها. وقد أوجد لمثل هذه الأشياء قيمة ما أصاب عملاء هذا الصندوق وغيره من تخوف من التضخم واحتمالات خروجه عن سيطرة البنوك المركزية مع استمرار الانخفاض الشديد لأسعار الفائدة بما يلجئهم لمثل هذه المضاربات. وفي تقديري، أنهم بسلوكهم هذا كالمستغيث من الرمضاء بالنار.
وأعتقد أننا سنرى مزيداً من الضوابط والمطالب الرقابية على هذه الأصول المالية المشفرة للدفع بدرجات أعلى من الإفصاح، خاصة من المؤسسات المالية ورفع درجات الإلزام الضريبي، والتوافق مع ضوابط البيئة في عمليات تعدينها المهدرة للطاقة وتتبع سوء استخدامها في عمليات غسل الأموال وجرائم القرصنة والفدية الإلكترونية.
ثانياً: ما يعرف بالعملات المستقرة، وهي تميز نفسها عن الأصول المالية المشفرة باستنادها إلى احتياطي من الأصول والعملات التقليدية، ولكنها مثل أشهرها المعروفة بعملة «تيثير» تكتنفها مخاطر مماثلة لما يعرف ببنوك الظل مثل صناديق السوق النقدية المتداولة التي تعرضت لخسائر جمة أثناء الأزمة المالية في 2008. وقد أسفر تحقيق النائب العام في نيويورك، عن أن شركة «بيتفينيكس»، التي تدير عملة تيثير، لم تظهر احتياطاتها على نحو سليم، وقد حذرت مؤسسات تصنيف ائتماني من عواقب أي تسييل مبكر للأصول المالية المساندة لهذه العملات المسماة بالمستقرة. ومن أمثلة العملات المستقرة ما كان من أمر عملة ليبرا المستندة إلى سلة عملات مستقرة والتي أعلنت عن إصدارها في عام 2019 شركة «فيسبوك» ذات المليارين من المستخدمين من خلال كيان في سويسرا انضمت إليه، ثم سرعان ما انسحبت منه شركات فيزا وماستركارد وباي بال. وقامت «فيسبوك» بتأسيس كيان آخر في كاليفورنيا لكي يصدر عملة جديدة تحت اسم «دايم» بعد تخليها عن الاسم القديم الذي كان مرتبطاً بعملة القيصر الروماني أغسطس، وجاء ذلك بعد فشل «فيسبوك» في إقناع السلطات المالية والتشريعية الأميركية بحيثيات إصدارها لليبرا فاستكانت لبديل ما زال تحت الإصدار، وإن كان لا يحمل أي من هذا بشائر باستقرار يرجى من مسميات هذه العملات.
ثالثاً: العملات الرقمية للبنوك المركزية: لم تكن الدول ذات السيادة لتفرط في السيطرة على نظم الدفع وتتركها في يد شركات التكنولوجيا أو مغامرين ومضاربين ونشطاء حاذقين في تقنية المعلومات وتطبيقاتها وشبكاتها الرقمية. فمن يملك السيطرة على نظم الدفع وتسوية المعاملات يسيطر على مقدرات الدولة ويحتكر ريع الإصدار. وفي حين أعلن عن التجارب الحثيثة التي تقوم بها البنوك المركزية يتضح أن بعضها يستخدم تكنولوجيا البلوك تشين وآليات التشفير التي يتبعها القطاع الخاص وبعضها يستخدم نظاماً جديداً مطوراً من بدايته. وهناك 14 دولة، بعضها في مجموعة العشرين، في مرحلة التطبيق التجريبي وقامت دولة البهاما بإصدار أول عملة رقمية سيادية باسم ساند دولار. ويذكر أن الصين في مرحلة متقدمة تطبيقية في عدد من مقاطعاتها، وأنها ستقوم بتداول لليوان الرقمي مع افتتاح الدورة الأوليمبية الشتوية على أرضها في شهر فبراير (شباط) من العام المقبل. ويشير الاقتصادي محمد العريان، رئيس كلية كوينز بجامعة كمبردج، إلى أنه في الوقت الذي انشغل فيه الغرب في مباريات صفرية تطبق الصين رؤية متكاملة من القمة للقاعدة وتعد الساحة لآليات تحول كبرى على أرضها بإمكانات تتجاوز حدودها الجغرافية.
هناك أسئلة عملية عند تطبيق العملات الرقمية، منها ما أثارته آن كروغر، النائبة السابقة لمدير صندوق النقد الدولي، حول مقر الاحتفاظ بحسابات الودائع الرقمية للأشخاص؟ وهل ستكون لدى البنك المركزي؟ وماذا عن اعتبارات السرية والخصوصية؟ ما هو دور البنوك التجارية في هذا النظام؟ كيف يمكنها منح القروض إذا ما حرمت من ودائع الأفراد؟
سيحدث النظام الجديد في تقديري طفرة في الكفاءة المالية وتخفيض تكلفة المعاملات وزيادة الشمول المالي وسيستوجب تغييراً في أنماط عمل القطاع المالي ونظمه التشغيلية وقواعد المنافسة والابتكار وتطوير الخدمات للعملاء وقواعد التعرف عليهم كمدخرين ومقترضين. لكن النقلة الأكبر ستكون على صعيد النظام النقدي الدولي وإدارة الاحتياطي من النقد الأجنبي. فرقمنة العملة ستدخل لاعبين جدداً في الساحة الدولية ممن ستكون لهم الغلبة في تكنولوجيا العملة الدولية وقواعد البيانات الكبرى وإدارتها بنظم الذكاء الصناعي. وبالإضافة إلى الدولار الذي يسيطر حتى الآن على 60 في المائة من المعاملات الدولية، واليورو الذي يحتفظ بنسبة 20 في المائة، وعملات دولية أخرى كالين والإسترليني والفرنك السويسري، سيتصاعد دور اليوان الرقمي إذا ما قررت الصين تدويله مستنداً إلى ثاني أكبر اقتصاد عالمياً والمركز الأول في التجارة العالمية وانتشار متزايد في الاستثمارات الدولية.
مع كل هذه المتغيرات، فهناك عامل شديد الثبات سواءً قبل بزوغ العصر الرقمي أو بعده: فالعملات صعبة لا تكون لمن يكتفي بالاحتفاء بآثار قوة ناعمة لمجد قديم، بل تلحق بأصحاب القوة الشاملة ذوي السبق والتقدم.

د. محمود محي الدين