بعد 12 أسبوعاً، يصدر التقرير الأولي للتدقيق الجنائي الذي تجريه شركة (ِAlvarez&Marsal) في مصرف لبنان. فهل يمكن ان يتضمّن معلومات يُبنى عليها لتحديد السرقة في حال وجودها، ام انه مجرد مدخل الى لبّ الملف، يحتاج الى وقت طويل قبل الوصول الى حقائق ثابتة يمكن استخدامها للتبرئة أو الادانة؟
إبتسم الحظ لوزير المالية يوسف الخليل، وأتاح له فرصة افتتاح «عهده» في الوزارة بتوقيع اتفاقية التدقيق الجنائي مع شركة ِAlvarez&Marsal لبدء عملها التدقيقي في حسابات مصرف لبنان، وملاحقة خط سير الاموال في المصرف، وفي الأمكنة التي خرجت اليها تلك الاموال. وكان يُفترض ان يوقّع العقد وزير المالية السابق غازي وزني، والذي عمل منذ البداية على الاتفاقية بنسختها الاولى مع الشركة، ومن ثم أنجز النسخة الثانية بعدما انسحبت «ألفاريز» من الاتفاقية بسبب عدم توفير المعلومات الضرورية لعملها، وحَصّلت من الدولة اللبنانية مبلغ 150 الف دولار كعطل وضرر. لكنّ سوء طالع وزني حرمه التوقيع، اذ انّ موافقة ديوان المحاسبة التي كانت متوقعة قبل تأليف الحكومة الميقاتية، تأجّلت بسبب طلب الديوان ترجمة نص العقد الى العربية. وبين إنجاز الترجمة واعادة النص الى الديوان، تألفت حكومة ميقاتي، وكسبَ الخليل «شَرف» توقيع العقد الذي عمل عليه سلفه لفترة طويلة.
فهل يعتبر توقيع العقد في حد ذاته إنجازا يمهّد لكشف عمليات فساد وهدر تعرضت لها الاموال من خلال البنك المركزي، ام انّ مبلغ الـ 2 مليون و740 ألف دولار (قيمة العقد) سينضَم الى مبلغ الـ150 الف دولار، وتنتهي التحقيقات المحاسبية الجنائية الى لا شيء، أي «حَكي بحَكي»؟
من حيث المبدأ، يُفترض ان يكون فريق عمل «ألفاريز» قد بدأ العمل من مركزه في وزارة المال، بعدما رفض مصرف لبنان أن يُخصّص له مكاتب للعمل داخل المصرف. وبما أن العقد ينصّ على ان تقدّم الشركة المدقّقة تقريراً اولياً عن النتائج التي توصلت اليها بعد 12 اسبوعا من بدء العمل، فهذا يعني ان الحكومة اللبنانية، ومعها الشعب اللبناني، سيحصلون على معلومات قد تسمح بمعرفة أين تبخرت الاموال، ولماذا توجد فجوة مالية كبيرة في مصرف لبنان؟ وهل من سرقة وفساد وراء ذلك؟ ومن هي الشخصيات او الجهات المشتَبَه في انها مسؤولة أو متورطة في السرقة؟ اذا وجدت…
هل هذه التقديرات واقعية ويمكن ان تتحقّق فعلاً في منتصف كانون الاول 2020، اي قبل انتهاء العام ببضعة ايام، وتكون بمثابة هدية الميلاد ورأس السنة؟
نظرياً، واستنادا الى التقنيات والتجارب، ستتوصّل «ألفاريز» في المهلة المحدّدة الى نتائج اساسية في عملية التدقيق. وما يسمح بالاعتقاد انّ التقرير الاولي سيكون حاسماً لجهة تحديد وجود هدر وسرقة ام لا، هو انّ الشركة المدقّقة سبق لها أن حصلت على قسم كبير من العلومات المطلوبة لعملها، وقد درستها وحلّلتها، وجهّزتها لتضيفها الى التقرير الاولي. وبالتالي، لن يكون صعباً تحقيق تقدّم سريع في الاجزاء المتبقية، ومن خلال المعلومات التي ستحصل عليها في الفترة المقبلة، من خلال الافادة من قانون رفع السرية المصرفية عن حسابات مصرف لبنان.
هل من تقديرات مُسبقة في شأن النتائج التي سيخرج بها التقرير الاولي؟
طبعاً لا. لكن الحقائق التي يُفترض انها معروفة، هي التالية:
اولاً – الفجوة المالية في مصرف لبنان مصدرها الاساسي معروف، أي دعم الليرة وتمويل الدولة وتغطية عجز ميزان المدفوعات. وبالتالي، تنحصر مهمة التدقيق في ان يكشف فقط ما إذا كانت هناك نسبة من هذه الاموال هُدرت خارج سياق هذه الحقائق، ومن أهدرها أو سرقها؟ وهناك من يعتبر اليوم ان التدقيق الجنائي في شأن الاموال التي أُنفقت منذ اواخر 2019 أهم وأجدى، لأنّ حوالى 20 مليار دولار خرجت من مصرف لبنان في غضون 20 شهراً، أي بمعدل مليار دولار شهرياً، وقد انخفضت احتياطاته من حوالى 32 مليار دولار في تشرين الثاني 2019 الى حوالى 12 مليار دولار اليوم.
ثانياً- انّ التقرير الاولي لا يصلح للبناء عليه في المحاسبة، بل ينبغي انتظار التقرير النهائي، والذي قد يتأخر اكثر على اعتبار انه سيتضمّن تفاصيل وربما أسماء وما شابه.
ثالثاً- اذا ثَبُت لاحقاً وجود فساد، فإنّ حسم الشبهات سيكون امام القضاء. والتجارب في هذا المجال، خصوصاً بوجود مصالح سياسية كبيرة، غير مشجّعة لكي نتوقّع ظهور الحقائق وإصدار الأحكام.
يبقى انّ كانون الاول لناظره قريب، وكثيرون هم من ينتظرون الموعد. وهناك من يعتقد انه يستطيع أن يبني على التقرير لدعم معاركه في الانتخابات النيابية المقبلة… كثيرة هي الرهانات على التقرير، لكنّ الآمال قد تخيب، لأنّ الأمور معقودة بخواتيمها.