نظرة على دراسة جمعية المصارف للإنقاذ

 

بداية لا بد من المصارحة بأن #القطاع المصرفي اللبناني صُوِّر كأنه عنوان النجاح في حقل ذي اهمية دولية، والواقع هو غير ذلك.

أفضل رقم لموجودات #المصارف اللبنانية كان حوالي 180 مليار دولار – ومعظم الودائع هي بالدولار وبعملات اجنبية اخرى – فالمصارف اللبنانية حققت انتشارًا دوليًا في سويسرا، وفرنسا، وبريطانيا والخليج العربي، والعراق، والوجود في الخارج كان يمثل 40% من الموجودات ويساهم بـ45% من الارباح.

في المقابل، بدأت البنوك الاجنبية التي كان لها فروع في لبنان تتخلى عن نشاطها منذ الثمانينات والتسعينات، فشاهدنا انسحاب الهولنديين، والايطاليين، والبريطانيين، والكنديين والاميركيين من لبنان، ولم يتبقَّ سوى البنوك العربية الخاصة والمملوكة من الدول المعنية، واهم البنوك الخاصة البنك العربي، والبنوك المملوكة من دول كبنك قطر الوطني وسابقًا بنك الرافدين العراقي، وبنك ابو ظبي، والشركة العامة المصرفية – البنك الفرنسي الذي استمر في تملّك 51% من الشركة العامة حتى أواخر عقد التسعينات حينما انخفضت نسبة المساهمة الاجنبية إلى 19% وارتفعت حصة اللبنانيين.

إن الواقع المتنوع للبنوك في لبنان وللبنوك اللبنانية في الخارج اعطى صورة عن كفاءة اللبنانيين في هذه المهنة تفوق الواقع الذي ظهر مع مصاعب السنوات الثلاث المنصرمة والتي شهدت تقليصًا لميزانيات البنوك في لبنان، والبنوك اللبنانية في الخارج، والواقع ان مجمل الودائع لدى البنوك اللبنانية حاليًا لا يتجاوز الـ 95 مليار دولار، وهذا رقم يوازي 24% من ميزانية بنك قطر الوطني.

المصرفيون اللبنانيون اعتمدوا وسائل عمل ترتكز على حرمان المودعين ودائعهم، وخسارة نسبة كبيرة من الودائع، تجعل من غير الممكن توقع حصول المواطنين على اموالهم، ولا بد من التأكيد ان اي قيامة للاقتصاد اللبناني لن تتحقق ما لم تقر خطة لحفظ نسبة مقبولة من الودائع، واستعادة نشاط عمل المصارف في تمويل نشاطات الشركات والافراد والمؤسسات الصحية، والتعليمية، وشركات النقل البحري والجوي، وتبدو هذه الامكانية في الوقت الحاضر بعيدة عن التحقيق، والدراسة التي انجزتها جمعية المصارف لا تقدم حلولاً عملية وواقعية لتنشيط الاقتصاد والمحافظة على أموال المودعين التي كانت توازي 160 مليار دولار قبل ثلاث سنوات وأصبحت اليوم على مستوى 95 مليارًا، ولو طُبقت القوانين الصارمة حول استحقاقات الودائع لكانت بنوك عديدة أعلنت افلاسها.

الدراسة الطويلة ما فوق الـ 80 صفحة تخصص بضع صفحات لتلخيص مؤشرات الانكماش والتضخم خلال السنوات المنقضية منذ نهاية عام 2019، والارقام المدرجة تستند إلى دراسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التسويات الدولية، الذي هو بنك البنوك المركزية ومركزه بالطبع سويسرا.

بقية الدراسة – التقرير سردٌ مختصر يتناول الاصلاحات المطلوبة في مختلف الحقول، سواء ضبط الميزانيات وتشجيع الزراعة، والسياحة، واصلاح الكهرباء والمياه، والطرقات، والنظام القضائي الخ. بكلام آخر، معظم التقرير – ما عدا 3 صفحات تُخصص لقضايا المصارف بخفة غير معقولة – هو جردة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها لبنان، ومع ذلك ليس هنالك من توجهات قابلة للتحقيق في المدى القريب، والامر المستغرب ان التوصيات بالنسبة إلى عمل المصارف واستعادتها لنشاطاتها التقليدية ليست متوافرة سوى بسرد عموميات على الصفحات 70-73.

على صعيد الخطوات الإصلاحية لا جديد في التقرير، وبعض توصياته توجد حولها دراسات موسعة لخبراء لبنانيين وشركات مشورة اجنبية جرى التعاقد معها، ومع ان وعود دعم حاجات لبنان المالية والتجهيزية كبيرة، يكتفي التقرير بالإشارة إلى ضرورة البدء بمحادثات جدية مع صندوق النقد خلال 100 يوم، ولا يذكر ان هذه المحادثات لا يمكن ان تبدأ بشكل جدي ومنتظم الا بعد تسوية نتائج تمنع لبنان من تسديد اقساط دَين اليوروبوند. ومن اسوأ توصيات التقرير ان تنشأ شركة تتملك منشآت الدولة، وتدار من قِبل موظفي الدولة، ومن بعد تخصص ارباحها لتعويض اصحاب الودائع المتبخرة أو المفقودة.

ينسى التقرير أو يتناسى ضرورة تجميد أموال واملاك رؤساء مجالس ادارة البنوك الكبيرة التي اصبحت عاجزة عن دفع مدخرات أصحاب الودائع، ويفترض ضمنًا ان الذنب هو على المودعين ويتغافل عن الممارسات السيئة لمديري وأعضاء مجالس ادارة بنوك كبرى هي في الواقع وجه الوصفة.

مروان اسكندر