السياسات النقدية لإصلاح الاقتصاد تنقلب ضد أردوغان

تواجه السياسة النقدية في تركيا الكثير من المطبات بعد أن خلفت أزمات اقتصادية حادة طيلة السنوات الثلاث الأخيرة كان سببها حسب المحللين استمرار تدخل الرئيس رجب طيب أردوغان فيها حتى يطبق برنامجه الاقتصادي المثير للجدل.

وتعرضت هذه السياسة إلى عدة انتكاسات؛ فلم تتمكن الحكومة أو حتى البنك المركزي من وقف زيادة التضخم من رقمين، والذي يبلغ نحو 20 في المئة، كما فشلت السياسات المالية في توفير الدخل الكافي للمواطنين الذين هم في أمس الحاجة إليه.

وفي ظل مساعي أردوغان لفرض سياسة نقدية تقوم دوما على التناقضات، بحسب الخبراء، فقد تسبب في نهاية المطاف في أزمة قاسية لليرة بعد تراجعها التاريخي أمام الدولار مؤخرا، كما أنه يحاول تحميل سياسات المركزي مسؤولية التدهور الاقتصادي، دون أن يمتلك جرأة الاعتراف بأخطائه.

ويرى الخبير الاقتصادي ديزموند لاشمان، أحد كبار زملاء معهد المشروع الأميركي لأبحاث السياسة، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأميركية أن أردوغان مازال يلعب بالنار.

وقال “رغم تحذيرات صندوق النقد الدولي الأكثر وضوحا بالنسبة إلى المخاطر الخارجية التي يمكن أن تتعرض لها تركيا، يبدو أردوغان في طريقه إلى التسبب في أزمة نقدية كبيرة للغاية بتمسكه بأكثر آراء السياسة الاقتصادية غرابة، وبالتدخل في إدارة المركزي”.

وأوضح لاشمان، الذي كان نائبا سابقا لمدير إدارة تطوير ومراجعة السياسات بالصندوق، أنه من المؤكد أن ذلك سوف يكلف الاقتصاد التركي غاليا وسيدفع أردوغان بسببه ثمنا باهظا في الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2023.

وفي لهجة حادة غير معتادة يؤكد أحدث تقرير للصندوق عن الاقتصاد التركي أن مواطن الضعف الخارجية التي كانت تعاني منها تركيا بالفعل زادت سوءا بسبب الجائحة.

وأشار خبراء الصندوق في تقرير إلى أن ما يقلقهم بوجه خاص هو حقيقة أن احتياطيات تركيا من النقد الأجنبي تقدر بالسالب الآن، وهناك احتياجات كبيرة للغاية للتمويل الخارجي نتيجة سنوات كثيرة من حالات العجز في الحسابات الجارية الخارجية.

ومع ترجيح إمكانية قيام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) في القريب العاجل بتقليص برنامجه الخاص بشراء السندات، يرى صندوق النقد أن الوقت الآن غير مناسب لقيام تركيا بتجربة سياسات نقدية غير تقليدية.

ويعتقد الصندوق أنه من الأفضل أن تستعد تركيا لمواجهة مشكلة التضخم فيها، واجتذاب رأس المال الخارجي لدعم العملية المحلية المنهارة بعد أن بلغ سعر صرف الدولار نحو 9.3 ليرة وهو أسوأ تراجع لها، من خلال رفع معدل الفائدة إلى مستوى يكون إيجابيا في ما يتعلق بظروف التضخم.

ويشير خبراء إلى أن تحذيرات صندوق النقد يبدو أنها لم تحرك ساكنا لدى أردوغان حتى الآن، ورغم أن الليرة فقدت حوالي 20 في المئة من قيمتها منذ بداية العام يواصل تمسكه باعتقاده الخاطئ في أن ارتفاع معدل الفائدة هو سبب ارتفاع معدل التضخم، مما دفعه إلى مواصلة حث المركزي على خفض معدل الفائدة.

ويقول لاشمان “يبدو أردوغان كأنه مصمم على تقويض الثقة المحلية والدولية في الاقتصاد التركي، بالضغط بشدة على البنك المركزي”.

وخلال العامين الماضيين قام بعزل ثلاثة من محافظي المركزي، وقام مؤخرا بتطهير البنك المركزي من أي عضو في مجلس الإدارة يميل إلى التصويت لصالح رفع معدل الفائدة.

وأدت إقالة ثلاثة من كبار أعضاء لجنة السياسة النقدية في المركزي الأسبوع الماضي إلى فقدان الليرة المزيد من قيمتها، وهي مخاطرة لا تحظى بالقبول لدى المستثمرين المحليين والأجانب.

ونتيجة لذلك أصبح محافظ المركزي الحالي شهاب قاوجي أوغلو، الذي يشارك أردوغان رأيه بخصوص معدل الفائدة، يتمتع بمطلق الحرية في تنفيذ طلب الرئيس التركي بالنسبة إلى خفض معدل الفائدة.

وفي حقيقة الأمر فإن اتباع سياسة خفض معدل الفائدة وتقويض استقلال المركزي ليس بالأمر الجيد الذي يمكن إنجازه وسط أزمة عملة.

ومن المؤكد أنه من الخطأ القيام بذلك في وقت نفدت فيه الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي، وأصبحت فيه الودائع الدولارية تشكل 60 في المئة من إجمالي ودائع البنك، ويعاني قطاع الأعمال من مشكلة سداد ديون خارجية كبيرة.

وآخر شيء يمكن أن يتحمله أردوغان هو حدوث أزمة عملة شاملة، من المؤكد أنها سوف تؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم من معدله المرتفع بالفعل حاليا.

ويرى لاشمان أن من حسن حظ الاقتصاد العالمي أن صلة باقي النظام المالي العالمي المباشرة بمخاطر الاقتصاد التركي محدودة.

ومع ذلك يتعين عدم التهاون في السياسات، حيث أنه من الممكن أن يعتبر المستثمرون أي انهيار اقتصادي تركي محتمل بمثابة تحذير بالنسبة إلى اقتصاديات الأسواق الناشئة الأخرى المعرضة للخطر. ولسوء الحظ فإن النظام المالي العالمي يرتبط بتلك الاقتصاديات أكثر من ارتباطه بتركيا.

ويعاني سوق العملات الأجنبية التركي للعام التاسع على التوالي من انخفاض مستواه، بعد أن خسر أكثر من 80 في المئة من قيمته، وهي الأسوأ في الأسواق الناشئة بعد عملة البيزو الأرجنتينية.

وهناك مخاطر فعلية بشأن احتمال هروب المستثمرين من السوق المحلية، وهؤلاء يحتفظون الآن بأقل من 5 في المئة من مخزون ديون السلطات بالعملة المحلية، انخفاضا من حوالي 30 في المئة في عام 2013.

وقال روجر كيل، كبير الاقتصاديين الإقليميين بالبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، لوكالة رويترز في وقت سابق “على الصعيد الاقتصادي تشهد تركيا تدهورا منذ 2013”.